[ الفقه على المذاهب الأربعة - الجزيري ] |
(4/17)
تعريف الولي
(4/18)
- الولي في النكاح هو الذي يتوقف عليه صحة العقد فلا يصح بدونه وهو الأب أو وصيه والقريب العاصب ( 1 ) والمعتق والسلطان والمالك ( 2 )
وترتيب الأولياء قي أحقية الولاية مفصل في المذاهب ( 3 )
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : القريب العاصب ليس بشرط بل هو مقدم فإذا عدم تنتقل الولاية لذوي الأرحام كما سيأتي )
( 2 ) ( المالكية - زادوا : الولاية بالكفالة فمن كفل امرأة فقدت والدها وغاب عنها أهلها فقام بتربيتها مدة خاصة كان له حق الولاية عليها في زواجها ويشترط لولايته أمران : أحدهما أن تمكث عنده زمنا يوجب حنانه وشفقته عليها عادة فتخالطه مخالطة الأبناء لآبائهم فلا يلزم تقدير هذه المدة بزمن معين كأربع سنين أو عشر على الأصح . الثاني أن تكون دنيئة لا شريفة والشريفة في هذا الباب هي ذات الجمال والمال بحيث يوجدان فيها أو أحدهما فإن كانت ذات مال فقط أو جمال فقط فلا ولاية عليها بل يكون وليها الحاكم ولكن رجح بعضهم أن ولاية الكافل عامة تشمل الشريفة والدنيئة فكلا القولين مرجح . وهل إذا كفلتها امرأة تكون لها ولاية ؟ الصحيح لا إذ ولاية للنساء وقيل : تكون لها ولاية ولكن ليس لها مباشرة العقد بل توكل عنها رجلا يباشره
وكذلك زاد المالكية في الأولياء الولي بالولاية العامة والولاية العامة هي ما تكون لكل المسلمين على أن يقوم بها واحد منهم كفرض الكفاية فإذا وكلت امرأة فردا من أفراد المسلمين ليباشر عقد زواجها ففعل صح ذلك إذا لم يكن لها أب أو وصية ولكن بشرط أن تكون دنيئة لا شريفة وهذا معنى ما نقل عن المالكية من أن الدنيئة لا يشترط في صحة عقدها الولي فإن مرادهم بذلك الولي الخاص أما الولي بالولاية العامة فلا بد منه بحيث لو باشرت عقد زواجها بنفسها لا يصح . وقد خفي ذلك على بعض شراح الحديث فنقلوه عن المالكية مبهما )
( 3 ) ( الحنفية - قالوا : ترتيب الأولياء في النكاح هكذا . العصبة بالنسب أو بالسبب كالمعتق فإنه عصبة بالسبب ثم ذوو الأرحام ثم السلطان ثم القاضي إذا كان ذلك الحق منصوصا عليه في أمر تعيينه
وترتيب العصبة هكذا : ابن المرأة إن كان لها ابن ولو من الزنا ثم ابن ابنه وإن سفل . ثم بعد الابن الأب ثم أب الأب - وهو الجد - وإن علا ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ابن الأخ لأب وهكذا وإن سفلوا . ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب وهكذا وإن سفلوا . ثم عم الأب لأب وأم ثم عم الأب لأب ثم بنوهما على هذا الترتيب ثم عم الجد لأب وأم ثم عم الجد لأب ثم بنوهما على هذا الترتيب ثم من بعد هؤلاء ابن عم بعيد وهو أبعد العصبات إلى المرأة
فكل هؤلاء لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال الصغر أما في حال الكبر فليس لهم ولاية إلا على من كان مجنونا من ذكر أو أنثى
وعند عدم العصبة يملك تزويج الصغير والصغيرة كل قريب يرث من ذوي الأرحام عند أبي حنيفة خلافا لمحمد والأقرب عند أبي حنيفة الأم ثم البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت ثم الأخت لأب وأم ثم الأخت لأب ثم الأخ والأخت لأم ثم أولادهم . وبعد أولاد الأخوات العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات . وأبو الأم أولى من الأخت . ثم مولى الموالاة ثم السلطان ثم القاضي ومن يقيمه القاضي اه ملخصا من الهندية
وقد تقدم هذا في مباحث الحجر جزء ثاني صفحة 310 وما بعدها طبعة خامسة مع الفرق بين الولي في المال والولي في النكاح فارجع إليه إن شئت
المالكية - قالوا : ترتيب الأولياء في النكاح هكذا : الولي المجبر وهو الأب ووصيه والمالك ثم بعد الولي المجبر يقدم الابن ولو من زنا بأن تزوجت أمه أولا بنكاح صحيح وأتت به بعد ذلك من الزنا ففي هذه الحالة يكون له حق الولاية عليها مقدما على الجميع أما إذا زنت به ابتداء قبل أن تتزوج فحملت به فإن أباها في هذه الحالة يقدم عليه لأنه يكون وليا مجبرا لها إذ الولي المجبر يجبر البكر والثيب بالزنا كما ستعرفه بعد ومثلها المجنونة لأن مجبرها أبوها ومثل الأب وصيه ثم بعد الابن يقدم ابن الابن ثم الأب غير المجبر بشرط أن يكون أبا شرعيا جاءت به منه بنكاح صحيح أما إذا كان أبا من زنا فإنه لا قيمة له فلا ولاية له ثم الأخ على الصحيح ثم الأخ لأب وقيل : الأخ الشقيق والأخ لأب في مرتبة واحدة ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب على الصحيح أيضا ثم الجد لأب على المشهور ثم العم الشقيق ثم ابنه ثم العم لأخ ثم ابنه ثم أبو الجد ثم عم الأب ثم تنقل الولاية إلى كافل المرأة المتقدم ذكره ثم تنتقل الولاية إلى الحاكم بشرط أن لا يكون قد وضع ضريبة مالية على تولي العقد فإن كان كذلك لا تكون له ولاية . والحاكم يزوجها بإذنها ورضاها بعد أن يثبت عنده خلوها من الموانع وأن لا ولي لها أو لها ولي منعها من الزواج أو غاب عنها غيبة بعيدة . ثم إن كانت رشيدة فإن رضاها بالزوج يكفي وإن لم تكن رشيدة فلا بد له أن يتحقق من كفاءة الزوج في الدين والحرية والسلامة من العيوب ومساواته لها فيما هي عليه من صفات الكمال والمهر وذلك لأن الرشيدة لها حق اسقاط الكفاءة المذكورة فمتى رضيت صح أما غيرها فليس لها ذلك
فإن لم يوجد حكم أو وجد حاكم مفسد تنتقل الولاية لعامة المسلمين كما تقدم
الشافعية - قالوا : ترتيب الأولياء في النكاح هكذا : الأب ثم الجد أبو الأب ثم أبوه فإذا اجتمع جدان كان الحق للأقرب ثم الأخ الشقيق ثم ابن الأب لأب ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن الأب . والمراد بالعم ما شمل عم المرأة وعم أبيها وعم جدها ثم تنتقل الولاية بعد ذلك إلى المعتق إن كان ذكرا ثم عصبته إن وجدت ثم الحاكم يزوج عند فقد الأولياء من النسب والولاء
الحنابلة - قالوا : ترتيب الأولياء هكذا : الأب وصي الأب بعد موته الحاكم عند الحاجة - وهؤلاء أولياء مجبرون كما ستعرف - ثم تنتقل الولاية إلى الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث وأحق الأولياء الأب ثم الجد وإن علا ثم الابن ثم ابنه وإن نزل وعند اجتماع هؤلاء يقدم الأقرب ثم من بعد الابن يقدم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب . ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم بنوهما وإن نزلوا ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب وإن نزلوا ثم أعمام الجد ثم بنوهم ثم أعمام أبي الجد ثم بنوهم كذلك وهكذا فيقدم أولاد الأقرب على أولاد الأعلى فالأخ لأب وابنه أولى من العم والأخ لأب أولى من ابن الأخ لأنه أقرب وعلى هذا القياس ثم تنتقل الولاية إلى المولى المتعق ثم عصبته الأقرب فالأقرب ثم السلطان الأعظم أو نائبه فإن تعذر وكلت رجلا عدلا يتولى عقدها )
(4/19)
أقسام الولي
(4/20)
- ينقسم الولي إلى قسمين : ولي مجبر له حق تزويج بعض من له عليه الولاية بدون إذنه ورضاه وولي غير مجبر ( 1 ) ليس له ذلك بل لا بد منه ولكن لا يصح له أن يزوج بدون إذن من له عليه الولاية ورضاه . وفي تعريف الولي وغيره تفصيل المذاهب ( 2 )
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : لا ولي إلا المجبر فمعنى الولاية تنفيذ القول على الغير سواء رضي أو لم يرضى فليس عندهم ولي غير مجبر يتوقف عليه العقد . ويختص الولي المجبر بإجبار الصغير والصغيرة مطلقا والمجنون والمجنونة الكبار على تفصيل يأتي في المبحث الذي بعد هذا )
( 2 ) ( الشافعية - قالوا : الولي المجبر هو الأب والجد وإن علا والسيد الولي غير المجبر هو الأب والجد ومن يليهم من العصبات المتقدم ذكرهم وقد عرفت أن الابن ليس وليا عندهم
المالكية - قالوا : الولي المجبر هو الأب لا الجد ووصي الأب بعد موته بشرط أن يقول له : أنت وصيي على زواج بناتي أو أنت وصيي على تزويج بنتي أو أنت وصيي على أن تزوج بنتي ممن أحببت أو أنت وصيي على أن تزوجها من فلان ففي هذه الحالة يكون للوصي حق الإجبار كالأب ولكن لا من كل وجه بل يشترط أن يزوجها بمهر المثل لرجل غير فاسق أو يزوجها لمن عينه له الأب بخصوصه أما إذا قال له : أنت وصيي على بناتي أو بنتي ولم يذكر التزويج ففيه خلاف والراجح أنه لا يكون بذلك وليا مجبرا . فإذا قال له أنت وصيي فقط ولم يذكر بنته أو قال له : أنت وصيي على مالي أو بيع تركتي فإنه لا يكون مجبرا باتفاق
الثالث المالك فإن له الحق في جبر إمائه على تفصيل مذكور قي غير هذا الكتاب . فالولي المجبر منحصر في الثلاثة المذكورين
ويستثنى من البكر البالغ البكر التي رشدها أبوها أو وصيه ومعنى يرشدها أن يعلنها بأنها رشيدة كأن يقول لها : رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك فإنها في هذه الحالة تكون كالثيب فلا تزوج إلا برضاها ويثبت ترشيدها بإقراره أو بالبينة
وأما الولي غير المجبر فقد تقدم ذكره
الحنابلة - قالوا : المجبر الأب بخصوصه فلا يجبر الجد كالمالكية الثاني وصي الأب يقوم مقامه سواء عين له الأب الزوج أو لا خلافا للمالكية . الثالث الحاكم عند عدم وجود الأب ووصيه بشرط أن تكون هناك حاجة ملحة تبعث على الزوج )
(4/21)
مبحث اختصاص الولي المجبر وغيره
(4/22)
- يختص الولي المجبر ( 1 ) بتزويج الصغيرة والصغير والكبيرة والكبير إذا جنا والكبيرة العاقلة البالغة إذا كانت بكرا حقيقة حكما فللولي المجبر تزويج هؤلاء بدون استئذان ورضا بشروط ويختص الولي غير المجبر بتزويج الكبيرة العاقلة البالغة بإذنها ورضاها سواء كانت بكرا أو ثيبا إلا أنه لا يشترط في إذن البكر أن تصرح برضائها فلو سكتت بدون أن يظهر عليها ما يدل على الرفض كان ذلك إذنا أما الثيب فإنه لا بد في إذنها من التصريح بالرضا لفظا فلا يصح العقد بدون أن يباشره الولي على التفصيل المتقدم كما لا يصح للولي أن يعقد بدون إذن المعقود عليها ورضاها وفي كل ذلك تفصيل المذاهب ( 2 )
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : كل ولي مجبر كما تقدم ولكن لا ولاية إلا على الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ولو كبارا إلا أن الولي تارة يكون أبا أو جدا ولهما الولاية على الصغار والكبار إذا كان بهم جنون عند عدم وجود الابن وإلا كان ابن المجنونة وليها على المذهب لا أبوها وتارة يكون غير ذلك كما هو مبين في ترتيب الأولياء المتقدم )
( 2 ) ( الحنفية - قالوا : قالوا يختص الأب والجد وغيرهما من الأولياء عند عدم وجودهما بتزويج الصغير والصغيرة وإن لم يرضيا بذلك سواء كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا ولكن إذا زوجهما الأب أو الجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما بشرطين : أن لا يكون معروفا بسوء الاختيار قبل العقد ثانيهما أن لا يكون سكران فيقضي عليه سكره بتزويجها بغير مهر المثل أو بفاسق أو غير كفء فإذا لم يكن الأب أو الجد معروفا بسوء الاختيار قبل العقد ثم زوج الصغيرة من فاسق أو من غير كفء فإنه يصح وليس لها اختيار بعد البلوغ فإذا زوج بعد ذلك بنتا أخرى بهذه الصورة فإنه لا يصح وكان لها حق الاختيار عند البلوغ إذ بزواج الأولى عرف بسوء الاختيار فإذا زوجها المعروف بسوء الاختيار من كفء وبمهر المثل فإنه يصح ولا خيار لها كما إذا زوجها وهو سكران كذلك أما إذا زوجها غير الأب والجد فإن كان من غير كفء وبغير مهر المثل فإن النكاح لا يصح أصلا وإن كان من كفء وبمهر المثل فإنه يصح ويكون لهما حق خيار الفسخ بالبلوغ فبمجرد أن ترى الصغيرة الدم تشهد أنها فسخت العقد واختارت نفسها ثم يفرق القاضي بينهما هذا إذا كان زوجها كبيرا فإن كان صغيرا فرق القاضي بينهما بحضرة أبيه أو وصيه فإن لم يوجد له أب ولا وصي نصب القاضي وصيا للمخاصمة عن الصغير ويطلب القاضي منه حجة تبطل دعوى الفرقة من بينة على رضاها بالنكاح بعد البلوغ أو تأخيرها طلب الفرقة فإن لم توجد البينة حلفها الخصم فإذا حلفت فرق بينهما الحاكم بدون انتظار بلوغ الولي فإذا بلغت وهي لا تعلم بالزواج ومضى على بلوغها زمن ثم علمت فلها حق الخيار عقب العلم مباشرة ويفرق بينهما على الوجه المتقدم فإذا ماتت الصغيرة أو الصغير قبل فسخ العقد كان لكل منهما أن يرث صاحبه ويلزم الزوج كل المهر ثم إن كانت الفرقة من قبل الزوجة كانت فسخا لا ينقص عدم الطلاق فلو جدد العقد بعده ملكها بثلاث طلقات وأما إن كانت من قبلها فطلاق
ويلحق بالصغير والصغيرة المجنون والمجنونة ولو كانا كبيرين فإذا زوج المجنونة الكبيرة ابنها وهو وليها ثم أفاقت لا يكون لها حق الخيار إذا كان وليها غير معروف بسوء الاختيار على الوجه المتقدم أما إذا زوجها غير ابنها أو أبيها عند عدم وجود ابنها فإن لها حق الخيار بمجرد الإفاقة ولا يجوز للولي أن يزوج المجنونة الكبيرة بدون إذنها إلا إذا كان جنونها مطبقا أما إذا كان متقطعا فإنه يجب أن ينتظر وقت إفاقتها ويستأذنها ومثلها المجنون والمعتوه والمعتوهة
ويشترط لصحة خيار الصغيرة البكر أن تختار نفسها بمجرد البلوغ كما ذكرناه فلو رأت دم الحيض مثلا ثم سكتت بطل خيارها بل ينبغي لها أن تقول فورا : اخترت نفسي ونقضت النكاح وبذلك لا يبطل حقها بالتأخير ومثل ذلك ما إذا كانت جاهلة بالنكاح ثم بلغها الخبر فإنه لا يلزمها أن تقول فورا : لا أرضى أو فسخت النكاح إلا لضرورة كأن أخذها العطاس أو السعال فقالت بعد انتهائه . وإذا بين البلوغ واختيار نفسها بالسؤال عن الزوج أو بالسؤال عن المهر أو سلمت على الشهود الذين استدعتهم ليشهدوا بأنها اختارت نفسها فقيل : يبطل خيارها بذلك وقيل : لا يبطل والمحققون على أنه لا يبطل بذلك خصوصا تسليمها على الشهود فإن السلام عليهم مطلوب قبل الكلام معهم . فإذا كانت الصغيرة ثيبا لا بكرا بأن دخل بها زوجها فبل البلوغ أو كانت ثيبا قبل أن يعقد عليها فإنه لا يبطل خيارها بالسكوت مهما طال الزمن لأن وقت حقها في الخيار العمر كله وإنما يبطل إذا صرحت بأنها رضيت بالزوج أو مكنته من نفسها أو قبلته أو لامسته فلو ادعت أنها مكنته من ذلك كرها صدقت لأن الظاهر يصدقها ومثل الصغيرة الثيب والغلام الصغير إذا زوجه غير الأب والجد من امرأة ليست بكفء له فلو زوج الأخ مثلا أخاه من امرأة أدنى منه فإن له خيار الفسخ عند البلوغ كالصغيرة والثيب
ومن هذا يتضح أن الكفاءة وإن كانت لا تعتبر من جانب الرجل ولكنها تعتبر إذا كان صغيرا
هذا وإذا رأت الصغيرة الدم في جوف الليل حيث لا يمكنها إحضار الشهود فإن عليها أن تختار نفسها فورا وتفسخ العقد ثم تشهد بمجرد طلوع النهار ولكنها لا تصرح بأنها رأت الدم ليلا بل تقول لهم : اشهدوا بأنني بمجرد أن بلغت فسخت العقد أو تقول اشهدوا بأنني بالغة الآن وقد فسخت العقد بمجرد البلوغ ولا تقول : أنني بلغت ليلا إذ لو قالت ذلك بطل اختيارها . ولا يخفى أن هذه حالة ضرورة
هذا و ليس للوصي أن يزوج الصغير والصغيرة سواء أوصى له الأب بزواجهما أو لم يوص . وقد عرفت أنه إذا لم يكن لها ولي من العصب أو ذوي الأرحام كان وليها السلطان أو القاضي المأذون بتزويج الصغيرة من السلطان فإذا زوجت نفسها في جهة بها قاض انعقد العقد موقوفا على إجازة القاضي وقيل لا ينعقد ويتوقف على إجازتها بعد بلوغها . أما البالغة سواء كانت بكرا أو ثيبا فلا جبر عليها لأحد ولا يتوقف نكاحها على ولي بل لها أن تزوج نفسها لمن تشاء بشرط أن يكون كفأ وإلا فللولي الاعتراض وفسخ العقد إذا زوجت نفسها من غير كفء . وإلا فللأقرب منهم حق الفسخ فإذا زوجها الولي فإنه يسن له أن يستأذنها بأن يقول لها : فلان يخطبك و نحو ذلك فإن زوجها بغير استئذان خالف السنة ويصح العقد موقوفا على رضاها
ولا يشترط في البكر أن تصرح بالقبول بل يكفي أن يصدر منها ما يدل على الرضا كأن تسكت أو تبتسم أو تضحك غير مستهزئة أو تبكي بكاء الفرح أما إذا ظهر منها ما يدل على عدم الرضا كأن تضرب وجهها أو نحو ذلك فإنه لا يكون رضا هذا إذا زوجها الولي أو وكيله أو رسوله أو زوجها الولي ثم أخبرها رسوله أو أخبرها شخص أجنبي فضولي بشرط أن يكون عدلا فصدر منها ما يدل على الرضا على الوجه المتقدم فإنه يعتبر إجازة للعقد أما إذا زوجها غير الولي من غير إذنها ورضاها - وهو نكاح الفضولي - ثم بلغها الخبر بالصورة المتقدمة فإن إجازة العقد لا يكفي فيها سكوتها بل لابد أن يصدر منها ما يدل على الرضا دلالة صريحة من قول أو فعل ودلالة الفعل هي أن تطلب مهرها أو تقبل التهنئة بالسكوت أو الرد عليها أو تمكن الزوج من الدخول والوطء أو نحو ذلك . ومثل البكر التي زوجها غير الولي الثيب التي زوجها الولي أو غيره فإنه لابد فيها من التصريح بالقول أو ما في معناه
والبكر اسم لامرأة لم تجامع أصلا ويقال لها : بكر حقيقة فمن زالت بكارتها بوثبة أو حيض قوي أو جراحة أو كبر فإنها بكر حقيقة ومثلها من تزوجت بعقد صحيح أو فاسد ولكن طلقت أو مات عنها زوجها قبل الدخول والخلوة أو فرق بينهما القاضي بسبب كون زوجها عنينا أو مجبوبا فإنها بكر حقيقة أما من زالت بكارتها بزنا فإنها بكر حكما بمعنى أنها تعتبر بكرا وإن زالت بكارتها ومحل ذلك ما إذا لم يتكرر الزنا ولم تحد به وإلا كانت ثيبا فالثيب هي الموطوءة بنكاح صحيح أو نكاح فاسد أو بشبهة أو زنا حدت به ولو مرة أو زنا تكرر منها وإن لم تحد به
المالكية - قالوا : يختص الولي المجبر بجبر الصغيرة والمجنونة بالغة كانت أو لا . إذا كان جنونها مطبقا بكرا كانت أو ثيبا أما إذا كانت ثيبا وكان جنونها متقطعا فلا تزوج إلا في حال إفاقتها بعد استئذانها يختص أيضا بجبر الكبيرة البالغة العاقلة إذا كانت بكرا
وحد البكر هي التي لم تزل بكارتها بوطء في عقد صحيح أو فاسد أو يدرأ عنها الحد أما إذا زالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها على الأرجح أو عارض آخر كتقدم في السن أو صدمة أو غير ذلك فإنها بكر له عليها الجبر
ويستثنى من ذلك البكر التي رشدها أبها أو وصيه بأن يعلن لها أنها رشيدة مرفوع عنها الحجر بقوله : رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك أو نحو ذلك ويثبت رشدها بإقراره أو ببينة وفي هذه الحالة لا يكون له عليها جبر فهي بمنزلة الثيب التي زالت بكارتها بالنكاح المتقدم . فلا يصح زواجها إلا بإذنها ورضاها فللأب ومن قام مقامه أن يزوج الصغيرة ثيبا كانت أو بكرا فلو ثيبت الصغيرة قبل البلوغ بنكاح صحيح ثم طلقت وزوجت قبل البلوغ أيضا كان له عليها الجبر أما إذا بلغت عنده وهي ثيب فقيل : له عليها الجبر وقيل : لا وكذلك له أن يجبر المجنونة مطلقا إذا كانت لا تفيق ويجبر البكر البالغة العاقلة فيزوجهن لمن يحب سواء كان كفأ أو لا وسواء كان بمهر المثل أو لا إلا أنه يشترط ألا يزوجهن لخصي أو عنين أو مجبوب أو أبرص أو رقيق أو عبد فليس له جبر في هذه الحالة فإن فعل كان للمجبور خيار الفسخ
وقد عرفت أن الوصي بالتزويج وإن كان له الجبر إلا أنه يزيد على هذا الشرط لا يزوجها لرجل فاسق وأن لا يكون مهرها دون مهر المثل
وللولي المجبر من أب ووصي أن يجبر ولده المجنون جنونا مطبقا إذا خاف عليه الزنا أو الضرر الشديد أو الهلاك وكان الزواج ضروريا متعينا لإنقاذه فإن لم يكن له أب ولا وصي أب وكان جنونه قبل البلوغ زوجه الحاكم
وكذلك لهم جبر الذكر الصغير لمصلحة كتزوجه من شريفة أو غنية أو بنت عم وهل لهؤلاء جبر السفيه أو لا ؟ الجواب : أنه إذا خيف عليه الزنا لهم الجبر قطعا وإن ترتب على تزويجه مفسدة لم يصح قطعا أما إذا لم يترتب عليه مفسدة ولم يخف عليه الزنا فخلاف . والأظهر عدم الجبر فإن لم يكن عندهم صداق كان صداقهم على الأب ولو مات يؤخذ من تركته أما إذا كان عندهم أخذ منهم ومثل الأب الوصي والحاكم
أما الولي غير المجبر فليس له تزويج هؤلاء على أي حال على المشهور فإن فعل يفسخ النكاح مطلقا ولو دخل وطال الزمن وقيل : لا يفسخ بعد الدخول وطول الزمن
يختص الولي غير المجبر بتزويج من له عليها الولاية بإذنها ورضاها إذا كانت كبيرة عاقلة فليس له أيضا أن يزوج الصغيرة ومن في حكمها مطلقا لأنه ليس له حق التزويج إلا إذا استأذن ورضيت والصغيرة يعتبر إذنها فتبقى بلا زوج حتى تبلغ على أنهم استثنوا من ذلك اليتيمة الصغيرة التي يخشى عليها الفساد في مالها أو نفسها إذا بلغت المرغوب في نكاحها وقدره بعضهم بعشر سنين ولكن الراجح عدم تعيين مدة بل المذار على خوف الفساد وعند ذلك يجبرها وليها على التزويج سواء رضيت أو لم ترض . ولكن يجب عليه أن يشاور القاضي قبل مباشرة العقد فإن لم يشاور القاضي فسخ قبل الدخول أما بعد الدخول فإنه يصح وإن لم يطل الزمن فإذا زوجها الولي غير المجبر بدون أن يخاف عليها الفساد فإنه يصح إن دخل بها ومكث معها زمنا طويلا قدر بثلاث سنين أما قبل ذلك فإنه يفسخ
وله أن يزوج الكبيرة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا بإذنها ورضاها كما تقدم إن كانت بكرا فصمتها رضا ويندب أن يقول الوالي لها : إن سكوتك عن الإجابة رضا منك بالزوج والصداق وإن نفرت أو منعت فإنه لا يصح أن يزوجها أما إذا ضحكت أو بكت فإنه علامة الرضا إلا إذا قامت قرينة على أن البكاء علامة الرفض . أما الثيب فإنها تبين اللفظ عما في نفسها فلا بد من التصريح بأنها رضيت وأنها تأمر الولي بعقد زواجها على من ذكره لها . ويلحق بالثيب البكر التي رشدها الأب أو الوصي فإنه لا بد من لفظها صراحة . والبكر التي منعها أبوها من الزواج فرفعت أمرها إلى الحاكم ليزوجها فإنها في هذه الحالة تعرب عما في نفسها بصريح اللفظ فإن أمر الحاكم أباها بتزويجها فزوجها أبوها فإنه لا يحتاج إلى اذنها لأنه مجبر ولم يضع حقه في ذلك وكذلك التي زوجها ولي غير مجبر بصداق من عروض التجارة وهي من قوم لا يزوجون به فإنه لا بد من رضاها بالصداق صريحا سواء كانت عروض التجارة بعض الصداق أو كله أما الزوج فيكفي صمتها في الرضا به . وكذا إذا زوجت برجل به عيب يجعل لها فيه الخيار فإنه لا بد في رضائها به من نطقها حتى ولو زوجها الولي المجبر كما تقدم . وكذلك البكر التي زوجها ولي غير مجبر بغير إذنها ثم بلغها الخبر فرضيت فإنه لا بد من لفظها بأنها رضيت . وهذا هو نكاح الفضولي وإنما يصح بشروط :
أحدها : أن يقع العقد بالبلد التي تقطن بها الزوجة . ثانيها : أن يبلغها الخبر عقب العقد . أو قريبا منه فترضى بدون تسويف وقدر لقرب الزمن ثلاثة أيام على الأكثر فإذا علمت بعد ثلاثة أيام فإنه لا يصح وكذا إذا بلغها في حينه ولكن لم تعلن رضاها به حتى مضت الثلاثة الأيام ثالثها : أن لا يصرح الولي عند مباشرة العقد بأنه غير مأذون منها فإن صرح يفسخ اتفاقا . رابعها : أن لا ترده عند علمها فإن ردته ثم أجازته فإنه لا يصح
( يتبع . . . )
(4/23)
وإذا منع الولي المجبر أو غيره من له عليها الولاية من الكفء الذي رضيت به لا تنتقل الولاية إلى الأبعد بل لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليسأله عن سبب امتناعه فإن أظهر سببا معقولا ردها إليه وإلا أمره بتزويجها فإن امتنع عن تزويجها بعد أمر الحاكم وإذا دعت إلى كفء ودعا وليها إلى كفء آخر تعين الكفء الذي دعت إليه هي
ولكن الولي المجبر يعتبر عاضلا برد أول كفء سواء كان أبا بالنسبة لبنته الثيب والبكر المرشدة أو كان غير أب بالنسبة للجميع . أما الولي المجبر سواء كان أبا أو وصيا فإنه لا يعتبر عاضلا ولو رد الكفء ردا متكررا وإنما يعتبر عاضلا إذا ثبت عليه أنه فعل ذلك قصدا للمنع لأن مجرد رد الخاطب لا يدل على العضل بل قد يكون لمصلحة يعلمها الولي وهو أشفق الناس على بنته فإن تحقق قصد الضرر ولو مرة أمره الحاكم بالتزويج
الشافعية - قالوا : يختص الولي المجبر بتزويج الصغيرة والمجنون صغيرا أو كبيرا والبكر البالغة العاقلة بدون استئذان ورضا بشروط سبعة :
الشرط الأول : أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة أما إذا كانت العداوة غير ظاهرة فإنها لا تسقط حقه
الشرط الثاني : أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة أبدا ظاهرة معروفة لأهل الحي ولا باطنة فلو زوجها لمن يكرهها أو يريد بها السوء فإنه لا يصح
الشرط الثالث : أن يكون الزوج كفأ
الشرط الرابع : أن يكون موسرا قادرا على الصداق
وهذه الشروط الأربعة لا بد منها في صحة العقد فإن وقع مع فقد شرط منها كان باطلا إن لم تأذن به الزوجة وترضى به
الشرط الخامس : أن يزوجها بمهر مثلها
الشرط السادس : أن يكون المهر من نقد البلد
الشرط السابع : أن يكون حالا
وهذه الشروط الثلاثة شروط لجواز مباشرة الولي للعقد قلا يجوز له أن يباشر العقد أصلا إلا إذا تحققت هذه الشروط فإذا فعل كان آثما وصح العقد على أن اشتراط كون الصداق حالا وكونه من نقد البلد مقيد بما إذا لم تكن العادة جارية بتأجيل الصداق أو بالتزويج بغير نقد البلد كالتزوج بعروض التجارة فإذا كانت العادة جارية به فإنه يجوز . ومتى تحققت هذه الشروط كان للأب أو الجد إجبار البكر صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة ولكن يسن استئذانها تطيبا لخاطرها إذا كانت بالغة - ولو كانت سكرى - لأن السكر لا يخرجها عن التكليف فهذا اختصاص الولي المجبر . أما الولي غير المجبر - وهو غير الأب والجد ممن تقدم ذكره من العصبات وذوي الولاء والسلطان - فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها فإن كانت بكرا بالغا فرضاها يعرف بسكوتها عند الاستئذان ما لم تقم قرنية على عدم رضاها كصياح ولطم ونحوه وهذا بالنسبة للمهر إذا كان مهر المثل أو من غير نقد البلد فلا بد من رضا به صريحا وهذا هو الراجح . وبعضه يقول : إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يكفي سكوت البكر بل لا بد من التصريح برضاها بالزوج والمهر . أما الثيب فإنه لا بد من تصريحها بالرضا سواء كان المزوج أبا مجبرا أو غيره بلا خلاف
والثيب هي التي زالت بكارتها بوطء حلالا كان أو حراما ولو وطئها قرد أما من زالت بكارتها بعارض آخر كمرض أو جراحة فإنها تكون بكرا ومثلها من زالت بكارتها بوطء في الدبر هذا إذا كانت كبيرة عاقلة أما الصغيرة العاقلة فإنه لا يصح لغير الأب والجد أن يزوجها بحال من الأحوال لأن زواجها يتوقف على إذنها ورضاها . والصغيرة لا يعتبر لها إذن فلا تزوج إلا إذا بلغت فإن كانت الصغيرة يتيمة لا أب لها وكانت مجنونة انتقلت الولاية عليها في المال والنكاح للحاكم ولكن لا يصح له أن يزوجها إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن تبلغ لأنها لا تحتاج للزواج قبل البلوغ
الثاني : أن تكون محتاجة بعد البلوغ إلى النفقة أو الخدمة بحيث لا تندفع حاجتها بغير الزواج
الحنابلة - قالوا : يختص الولي المجبر بإجبار غير المكلف - وهو الصغير - بكرا كانت أو ثيبا وهي من كانت دون تسع سنين أما التي لها تسع سنين وكانت ثيبا فليس عليها جبر لأن إذنها معتبر فلا بد من إذنها . ويختص أيضا بإجبار البكر البالغة عاقلة كانت أو مجنونة فللأب أن يزوجهن بدون إذنهن ورضاهن لمن يشاء إلا لمن به عيب يجعل لها حق خيار الفسخ كأن يكون مجبوبا أو عنينا لا يقدر على الوطء أو به شلل كما سيأتي في العيوب
أما الثيب البالغة التي لها تسع سنين فإنه لا يصح تزويجها بدون إذنها ورضاها
والثيب هي التي زالت بكارتها بالوطء في قبلها سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو بزنا . أما من زالت بكارتها بغير ذلك كوطء في الدبر أو عارض آخر من مرض أو كبر أو نحو ذلك فإنها بكر
وعلامة رضاء البكر سكوتها الدال على الرضاء . أما رضا الثيب فلا يتحقق إلا بكلام
ويسن للولي المجبر أن يستأذن من يعتبر إذنها كأن كانت بكرا عاقلة بالغة أو سنها تسع سنين
أما الولي غير المجبر فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها إن كانت كبيرة عاقلة أو صغيرة لها تسع سنين أما الصغيرة التي دون تسع والمجنونة المطبقة فليس له زواجهما لأنه موقوف على الإذن وليس لهما إذن معتبر على أنهم قالوا : إن الحاكم ولي مجبر فله أن يزوجها إذا دعت الحاجة إلى زواجهما
وعلى الولي غير المجبر أن يذكر عند الاستئذان اسم الزوج بالتعيين بأن يذكر اسمه ولقبه ومنصبه ونسبه لتكون على بصيرة في أمرها فإذا ذكره لها مبهما لا يصح العقد ولا يشترط ذكر المهر )
(4/24)
مبحث إذا زوج الولي الأبعد مع وجوب الأقرب
(4/25)
- حق الأولياء في مباشرة العقد على ترتيب المتقدم فإذا زوج الولي الأبعد الذي لم يأت دوره مع وجود الولي صاحب الحق فإنه لا يصح ( 1 )
وتنتقل الولاية للأبعد عند غيبة الأقرب أو عضله إياها - أي منعها من الزواج - وغير ذلك على تفصيل في المذاهب ( 2 )
_________
( 1 ) ( المالكية - قالوا : إذا وجد أولياء أقرب وأبعد صح عقد النكاح بالولي الأبعد مع وجود الأقرب مثلا إذا وجد أخ مع عم وباشر العم العقد الصحيح . وكذا إذا وجد أب مع ابن وباشر الأب العقد فإنه يصح ولكن هذا في الولي غير المجبر أما الولي المجبر فإنه لا يصح أن يباشر العقد غيره مع وجوده سواء كان المجبر أبا أو وصيا أو مالكا إلا في حالة واحدة وهي أن يكون لذلك المجبر أب أو أخ أو ابن أو جد وقد فوض لهم أو لواحد منهم النظر في أموره وثبت تفويضه له ببينة شهدت بأنه قال له : فوضت إليك جميع أموري أو أقمتك مقامي في جميع الأمور فإنه يجوز للمفوض إليه في هذه الحالة أن يباشر عقد زواج بنت ذلك الولي المجبر المفوض له بدون إذنه موقوفا على اجازته عند الإطلاع عليه بشرط أن لا تطول المسافة بين الإجازة والعقد وقيل : لا يشترط ذلك . فإذا فوض الولي المجبر إلى أجنبي أموره فزوج بنته بدون إذنه فإنه لا يصح ويفسخ ولو أجازه الولي . وكذلك إذا فوض إلى أقاربه المذكورين بإقراره فإنه لا يعتبر بل لا بد أن يكون التفويض بالبينة . وإذا قال له : فوضت إليك قبض أموالي فإنه لا يصح له مباشرة عقد زواج ابنته بدون إذنه وهل إجازة الولي بعد التفويض ضرورية أو لا ؟ الجواب أنه قال له فوضت إليك نكاح ابنتي أو زواجها فإنه لا يتوقف على إجازته باتفاق أما إذا لم يذكر لفظ التزويج أو النكاح فقولان والمعتمد أنه يتوقف على إجازته
هذه هي الحالة التي يصح للولي غير المجبر أن يباشر فيها عقد بنت الولي المجبر أو من يقوم مقامه بدون إذنه فإن لم يكن الولي المجبر حاضرا بل غاب في مكان بعيد خيف علها الفساد لانقطاع النفقة عنها أو لعدم وجود من يصون عرضها للحاكم تزويجها ولا يفسخ العقد أما إذا غاب في مكان قريب ولم يترتب على غيبته ضرر من له عليها الولاية فإنه لا يصح للحاكم ولا لغيره أن يزوجها ولو زوجت لا يصح حتى لو أجازه الولي وولدت أولادا
والمسافة البعيدة هي أن يكون بينهما أربعة أشهر كأن تكون في المدينة المنورة ووليها في القيروان بتونس . وبعضهم يقدرها بثلاثة أشهر كمصر والقيروان
وهذا التقدير إنما هو بحسب صعوبة المواصلات فيما مضى أما الآن فيصح أن يعمل بمبدأ كون الحاكم يكتب إليه بأن يوكل في تزويجها أو يزوجها عليه إن ترتب على غيبته ضرر ولا ينتظر حتى يحضر
فإذا فقد الأب ووصيه انتقلت الولاية للحاكم كما إذا كان في غيبة بعيدة . وبعضهم يقول : تنتقل الولاية للولي الأبعد لا للحاكم ولكن الأول صوبه بعضهم . وإن حبس الولي المجبر أو جن جنونا متقطعا لا تزوج بنته بدون إذنه فإن كان الجنون مطبقا سقطت ولايته وتنتقل للولي الأبعد وكذلك إذا كان الولي المجبر صغيرا أو معتوها أو رقيقا انتقلت ولايته للأبعد . هذا و لا تسقط الولاية بالفسق إنما الأكمل أن يتولى الولي غير الفاسق إذا تساويا في المرتبة
والحاصل أن الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطا بل هو مندوب أما الولي المجبر فإنه لا بد منه على التفصيل الذي عرفته
وقد يقال : إذا كان الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطا ومعلوم أن المالكية يعتبرون ولاية المسلمين العامة فكل واحد من المسلمين ولي فعلى هذا يصح للمرأة أن تتزوج بواسطة أي فرد من أفراد المسلمين مع وجود وليها الخاص غير المجبر مع أخ وعم ونحوهما . والجواب أنه يصح للبالغة العاقلة أن تفعل ذلك بشرط أن تكون غير ذات مال أو جمال أو نسب عال وهي المعبر عنها بالدنيئة وينفذ العقد مع وجود أوليائها غير المجبرين سواء دخل بها أو لم يدخل أما إن كانت ذات مال أو جمال أو نسب فإنه لا يصح فإن فعلت فسخ العقد قبل الدخول ما لم يطل الزمن على العقد ويقدر الطول بالعرف وقيل : يفسخ قبل الدخول مطلقا أما بعد الدخول فإنه يفسخ إن لم يطل الزمن ويقدر الطول بثلاث سنين أو بولادة بطنين فإن أجازه الولي الخاص قيل : يصح - وهو الظاهر - وقيل : لا يصح )
( 2 ) ( الشافعية - قالوا : الترتيب في الأولياء شرط لا بد منه ولا تنتقل الولاية من الولي الأقرب للأبعد إلا في أحوال : منها الولي القريب الذي له حق مباشرة العقد صغيرا فإذا بلغ ولم يرتكب جريمة فسق بعد بلوغه ثبت له حقها ولا يلزم أن تثبت عدالته و لكنه لا يشهد إلا إذا ثبتت عدالته بانقضاء سنة بعد بلوغه لم يثبت عليه فيها فسق ففرق بين الشهادة والولاية إذ الشهادة لا بد فيها من ثبوت العدالة بخلاف الولاية فيكفي فيها عدم الفسق
ومنها : أن يكون الولي الأقرب مجنونا ولو كان جنونه متقطعا ولكن يزوج الولي الأبعد في زمن جنون الأقرب دون زمن إفاقته إلا إذا كان زمن الجنون قليلا كيوم في سنة فإنه ينتظر زمن الإفاقة باتفاق
ومنها : أن يكون الولي فاسقا فإذا تاب رجع إليه حقه في الحال . ولا ينتظر زمنا تثبت فيه العدالة لأن المطلوب في عدم الولي عدم الفسق لا العدالة بخلاف الشهود . فإن الشرط فيها العدالة ولهذا لا يصح له أن يشهد إلا بعد مضي سنة من التوبة تظهر فيها عدالته كما علمت
ومنها : أن يكون محجورا عليه فإن كان محجورا عليه لفسق سلبت عنه الولاية للفسق كما تقدم وإن كان محجورا عليه لسفه وتبذير في ماله فبعضهم يرى أنه لا حق له في الولاية على المرأة في النكاح لأنه إذا كان لا يصلح لإدارة شؤون نفسه فلا يصلح لإدارة شؤون غيره . بعضهم يرى أن السفه لا يمنع الولاية في النكاح ورجحه بعضهم وضعفه آخرون والمرجحون موافقون لغيرهم من المذاهب . أما إذا كان محجورا عليه لفلس فإن الحجر لا يمنع ولايته بلا خلاف لأن الحجر عليه لا ينقصه
ومنها : أن يكون نظره في الأمور مختلا لسبب من الأسباب كمرض ملازم أعجزه عن البحث في أحوال الناس وتعرف أوصافهم وهوج وبله
ومنها أن يكون دينه مخالفا لدين المرأة فلا ولاية لكافر على مسلمة ولا ولاية لمسلم على كافرة أما الكافر فإنه يكون وليا للكافرة بشرط أن لا يرتكب محظورا في دينه الذي يدين به ولا عبرة باختلاف دينهما فلليهودي أن يلي النصرانية وبالعكس
فهذه الأمور تنقل الولاية من الولي الأقرب له حق مباشرة العقد إلى الولي الأبعد هذا ولا ينقلها العمى لأن الأعمى يمكنه أن يعرف أحوال الناس وينتقي الكفء بالسماع . . ولا ينقلها الإغماء لأن المغمى عليه ينتظر برؤه . ولا ينقلها الإحرام بالنسك إلى الأقرب
وينتقل حق مباشرة الزواج للسلطان بالولاية العامة في أمور : منها الإحرام بالنسك فإذا كان الولي محرما امتنع من مباشرة العقد وانتقلت الولاية للسلطان . فلا يزوج الولي الأبعد وإذا وكل المحرم عنه شخصا يتولى العقد فإنه لا يصح للوكيل أن يباشر العقد وموكله محرم لأن الوكيل قائم مقام الموكل فلو باشر الوكيل العقد كان العاقد الموكل . فإذا تحلل الموكل كان للوكيل مباشرة العقد لأنه لا ينعزل بالإحرام
ومنها : أن يغيب الولي مسافة قصر ولم يوكل عنه وكيلا يزوج في غيبته وإلا باشر العقد وكيله فإذا زوج الحاكم ثم حضر الولي وقال : إنني كنت قريبا من البلدة عند العقد فإن العقد يصح وإذا حضر وقال : إنني زوجتها قبل الحاكم نفذ فعل الحاكم إن لم تقم بينة على دعوى الولي ومنها عضل الولي المرأة من الزواج فإذا طلبت منه أن يزوجها من الكفء ولو بدون مهر المثل ومنعها فإن لها أن تلجأ إلى الحاكم فيزوجها نيابة عن الولي لأن حق الولي لم يقسط في الولاية بالمنع مرة أو مرتين فيكون الحاكم نائبا عن الولي فإذا عضلها ثلاث مرات فأكثر فإنه يكون بذلك فاسقا قد ارتكب محظورا فيسقط حقه في الولاية وتنتقل للأبعد
ومنها : أن يكون الولي محبوسا حبسا يمنع من مباشرة العقد فإنه في هذه الحالة يزوج السلطان
الحنفية - قالوا : الترتيب بين الأولياء ضروري ولكن العقد يقع صحيحا إذا باشره الأبعد مع وجود الأقرب موقوفا على إجازته فإن أجازه نفذ وإلا فلا وهذا الحق ثابت للولي الأقرب حتى في حالة ما إذا زوجت البكر البالغة العاقلة نفسها من غير كفء فإن له أن يجيزه فينفذ وله أن يعترض عليه فيفسخ . وتنتقل الولاية من الأقرب للذي يليه في أحوال :
منها : أن يغيب الأقرب مسافة بحيث لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر لخطبة الصغيرة على الأصح فلا يلزم تقدير المسافة بمسافة القصر وفي هذه الحالة تنتقل الولاية للذي يليه ولا يكون له حق الاعتراض بعد ذلك بل ينفذ العقد فإذا كان الغائب أباها ولها جد وعم انتقلت الولاية للجد لا للعم ثم إذا زوجها الولي الأقرب في المكان الذي هو غائب فيه لا يصح على الراجح لأن ولايته قد زالت فمتى كان الولي غائبا في مكان يتعذر استطلاع رأيه أو استحضاره فيه قبل فوات فرصة العقد فإنه لا يصح له أن يباشر فيه عقد من له عليها الولاية ما دام لها ولي أبعد منه حاضرا معها ولا تنتقل الولاية عليها للسلطان ما دام لها ولي أبعد
ومنها : أن يعضلها الولي الأقرب من الزواج بالكفء فإذا منع الأب بنته الصغيرة التي تصلح للأزواج من الزوج الكفء إذا طلبها بمهر المثل كان عاضلا وتنتقل الولاية للذي يليه كالجد إن وجد وإلا فللأخ الشقيق وهكذا
ومنها : أن يفقد الولي شرطا من الشروط وهي : الحرية والتكليف والإسلام إذا كانت مسلمة وأن لا يظهر كون الأب أو الجد سيء الاختيار فإن فقد شرط من هذه الشروط من ولي انتقلت الولاية منه للذي يليه على الوجه السابق
الحنابلة - قالوا : الترتيب بين الأولياء لازم لا بد منه ولكن يسقط حقه في أمور :
منها : أن يمنع من له عليها الولاية من الزوج الذي رضيت به وبما قدره لها من مهر يصلح للإمهار إذا بلغت تسع سنين فأكثر أما من دون ذلك فلا عضل لها وينتقل الحق من العاضل للحاكم فهو الذي يباشر زواج التي منعها الولي من الزواج سواء كان مجبرا أو غيره
ومنها : أن يغيب مسافة فوق مسافة القصر أو يغيب مسافة مجهولة أو لا يعرف له مكان أصلا ولو كان قريبا
ومنها : أن يكون الولي غير أهل للولاية بأن كان طفلا أو كافرا أو عبدا على أنه إذا غاب الولي الأقرب أو لم تتوفر فيه الشروط انتقلت الولاية لمن يليه فإذا زوج الولي الأبعد مع وجود الأقرب المستكمل للشروط أو زوج الحاكم من غير عذر للأقرب لم يصح النكاح فإذا كان الولي الأقرب لم يعرف أنه عصبة وأن له الحق أو صار أهلا بعد وقوع العقد يصح مع وجوده في هذه الحالة )
(4/26)
مبحث للولي أن يوكل غيره بالزواج
(4/27)
- كل من يملك حق التصرف في شيء كان له أن يوكل غيره فيه مادام ذلك الأمر يقبل النيابة كما هو موضح في الجزء الثالث في مباحث الوكالة ولا شك أن عقد النكاح من الأمور التي تصح النيابة في مباشرتها فيصح لكل من يملك تولي عقد الزواج أن يوكل غيره فيه على تفصيل في المذاهب ( 1 )
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : للمرأة البالغة بكرا كانت أو ثيبا أن توكل غيرها في مباشرة العقد . وكذلك للرجل البالغ الرشيد أن يوكل غيره وعلى الوكيل أن يضيف الزواج إلى موكله أو موكلته بأن يقول : زوجت فلانة موكلتي ويقول الوكيل : قبلت الزواج لموكلي فإذا قالت : قبلت الزواج لنفسي فإنه ينعقد له لا لموكله ويشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف سواء كان ذكرا أو أنثى فلا تصح وكالة الصبي الذي لا يعقل والمجنون الذي لا يفيق على التفصيل المذكور في الوكالة في الجزء الثالث على أن للمرأة العاقلة البالغة أن تباشر عقد زواجها بنفسها ثيبا كانت أو بكرا فلا يتوقف عقد زواجها على ولي ولا على وكيل يعقل أن يباشر عقد زواجه على امرأة له في زواجها مصلحة وله أن يوكل عنه في ذلك ما دام يعقل المصلحة وإنما الذي يناط امره بالولي لا محالة فهو الصغير الذي لا يميز . والمجنون جنونا مطبقا صغيرا كان أو كبيرا كما تقدم
وقد علمت مما مضى أن الولي إذا استأذن البكر هو أو وكيله أو رسوله فسكتت أو ضحكت كان سكوتها توكيلا له بالزواج حتى لو قالت بعد ذلك : لا أرضى ولكنه زوجها قبل العلم برضاها صح الزواج لأن الوكيل لا ينعزل إلا إذا علم وإذا كان لها وليان فاستأذناها فسكتت فزوجاها معا من رجلين فإنه يصح عقد السابق منهما أما إذا زوجاها معا فأجازتهما معا بطلا وإن أجازت أحدهما صح لمن أجازته ولو زوجها فضولي بدون إذنها وعلمها سواء كان قريبا منها أو بعيدا وكانت بالغة عاقلة وأجازت النكاح فإنه يصح وكذا إذا زوج رجلا بدون إذنه وأجاز فإنه يصح ما دام العقد مستوفيا للشرائط الشرعية . فإذا مات الفضولي قبل إجازة العقد ثم أجازته أو أجازه الرجل فإنه يصح بخلاف البيع فإنه إذا باع شخص جمل آخر بدون إذنه مثلا فأجاز صاحب الجمل فإنه لا يصح إلا إذا كان الفضولي حيا وكان الجمل حيا وكان المشتري حيا وإن كان الثمن عروض تجارة يكون باقيا . فبيع الفضولي لا ينفذ إلا ببقائه حيا مع هذه الأشياء أما النكاح فيكفي وجود أحد العاقدين
ولا ينفذ إقرار الوكيل بالنكاح فلو قال الوكيل : أقر بأنني زوجت موكلتي لفلان وأنكرت ولايته فإنه لا يصح إلا إذا شهد الشهود على النكاح أمام القاضي ومثل ذلك إقرار ولي الصغير والصغيرة فإنه لا ينفذ إلا أن ينصب القاضي خصما عن الصغيرة فينكر وتشهد البينة على النكاح . المالكية - قالوا : يجوز للولي أن يوكل عنه مثله في الشروط المتقدمة من ذكورة فلا يصح له أن يوكل أنثى . وبلوغ فلا يصح أن يوكل صبيا غير بالغ وحرية فلا يصح توكيل عبد . وإسلام فلا يصح توكيل كافر في زواج مسلمة أما الكافر فيتولى عقد الكافرة وإن عقد مسلم لكافرة ترك عقده . وعدم إحرام فلا يصح أن يوكل عنه محرما بالنسك أما الزوج فإنه يصح أن يوكل عنه الجميع إلا المحرم والمعتوه فيصح أن يقبل العقد عنه العبد والمرأة والكافر والصبي بطريق التوكيل
وإذا قالت المرأة لوليها غير المجبر وكلتك على أن تزوجني ممن تحب وجب عليه أن يعين لها من أحبه قبل العقد فإنه لم يعين لها الحق في الإجازة والرد سواء اطلعت على العقد بعد حصوله بزمن قريب أو بعيد أما إذا وكل الرجل شخصا على أن يزوجه ولم يعين له المرأة التي يريدها فزوجه من امرأة لزمته بشرط أن تكون ممن تليق بمثله
وإقرار وكيل المرأة بزواجها إذا أنكرت وادعاه الزوج صحيح بلا يمين أما إذا لم يدع الزوج ذلك فلا ينفع إقرار الوكيل ولها أن تتزوج من تشاء . وإن أذنت غير المجبرة لوليين فعقدا لها متعاقبين وعلم الأول والثاني كانت للأول بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : أن لا يتلذذ بها الزوج الثاني فإن تلذذ بها بأن عمل مقدمات الجماع من قبلة وعناق وتفخيذ ونحو ذلك وهو غير عالم بالعقد الأول كانت للثاني . الشرط الثاني : أن يكون الأول قد تلذذ بها قبله فإن تلذذ الثاني في هذه الحالة لا يفيد فإن لم يتلذذ بها الثاني أصلا أو تلذذ بها بعد تلذذ الأول فسخ نكاح الثاني بطلاق على الظاهر لأنه نكاح مختلف فيه ولهذا لو وطئها الثاني عالما لا يحد وترد للأول بعد العدة وقيل : يفسخ بدون طلاق ويرد للأول بعد الاستبراء
فهذان شرطان والثالث : أن لا تكون في عدة وفاة من الأول فإن عقد لها على اثنين متعاقبين ثم مات أولهما كانت في عدته فيفسخ نكاح الأول وتنتظر حتى تكمل عدتها منه ولها الحق في ميراثه أما إذا عقدا في زمن واحد فإن العقدين يفسخان بلا طلاق
الشافعية - قالوا : للولي أن يوكل عنه غير سواء كان وليا مجبرا أو غير مجبر فأما الولي المجبر فإنه يوكل عنه غيره بتزويج من له عليها الولاية بدون إذنها ورضاها سواء عين له الزوج الذي يريده في توكيله أو لم يعين ولو اختلفت أغراض الأولياء والزوجات في اختيار الأزواج لأن شفقة الولي تدعوه إلى أن لا يوكل عنه إلا من يثق بحسن نظره وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يزوجها من الكفء بمهر المثل فلو زوجها من غير كفء أو بدون مهر المثل فإنه لا يصح وإذا زوجها بكفء ولها طالب أكفأ منه فإنه لا يصح للوكيل أما الولي المجبر - وهو الأصيل - فيصح له ذلك لأنه غير متهم في نظره وشفقته . أما الولي غير المجبر فله أن يوكل غيره . بتزويج من له عليها الولاية وإن لم تأذن في التوكيل ولم يعين الولي زوجا في التوكل بشروط :
أحدها : أن تأذن للولي في تزويجها قبل التوكيل لأن إذنها شرط في صحة تزويج الولي فلا يملك تزويجها بدونه وفي هذه الحالة لا يملك التوكيل
ثانيها : أن لا تنهاه عن توكيل الغير فإذا نهته فلا يصح له أن يوكل
ثالثها : إذا عينت له زوجا خاصا كأن قالت له : رضيت أن تزوجني من فلان فإنه يجب أن يعين من عينته له في التوكيل
وإذا باشر وكيل الولي العقد يقول للزوج : زوجتك فلانة بنت فلان فيقول : قبلت فإذا باشر الولي العقد وكان الطرف الثاني وكيل الزوج يقول الولي للوكيل : زوجت بنتي فلانا فيقول وكيله : قبلت نكاحها له فإن له يقل له لم يصح النكاح ولو نواه لأن الشهود لا إطلاع لهم على النية وعلى الوكيل أن يصرح بالوكالة إذا لم يكن للزوج والشهود علم بها
هذا ويشترط في الوكيل الشروط المذكورة في مباحث الوكالة فارجع إليها في صحيفة 148 وما بعدها جزء ثالث . ومنها أن لا يكون فاسقا فإن كان فاسقا فإنه لا يصح لأن الفسق يسلب الولاية من الأصل فلا يملكها الوكيل حينئذ . ومنها أن لا يكون صبيا ولا مغمى عليه ولا مجنونا ولا سكران متعديا بسكره الخ
وإذا زوج وليان مستوليان امرأة من اثنين بعد إذنها لهما وكانا كفأين . فإذا علم السابق منهما كانت له حتى ولو بها الثاني . أما إذا لم يعلم السابق منهما فقيل : تصبح معلقة فلا يحل لأحدهما قربانها حتى يطلقها الآخر وتنقضي عدتها وقيل : هذه حالة ضرورة يفصل فيها الحاكم فيفسخ العقدين رفعا للضرر . أما إذا زوجها أحدهما لغير كفء والآخر للكفء فإنها تكون للكفء بشرط أن لا تكون الزوجة والأولياء قد أسقطوا الكفاءة برضائها ورضاء الولي فإن كانوا قد أسقطوها عادت المسألة . وكذلك إذا زوجها أحدهما بإذن والآخر من غير إذن فإنها تكون لمن تزوجها بالإذن ولو كان الأول سابقا
الحنابلة - قالوا : يصح للولي المجبر وغيره أن يوكل عنه في تزويج من له عليها الولاية بدون إذن منها لأن الولي له حق مباشرة العقد فله أن يوكل عنه غيره في هذا الحق ويثبت لوكيل الولي ما للولي من إجبار وغيره إلا أنه إذا كانت المرأة غير مجبرة بأن كانت ثيبا بالغة أو سن تسع سنين بالنسبة للأب ووصيه أو كانت ثيبا كذلك أو بكرا بالغة عاقلة بالنسبة لغير الأب والوصي والحاكم فإنه ليس لوكيل الولي أن يزوجها من غير إذنها ورضاها كما أنه ليس للولي نفسه أن يزوجها بغير إذنها فإذا أذنت لوليها بتوكيل الغير عنه أو أذنته هو في تزويجها فوكل عنه فإنه لا يصح للوكيل أن يزوجها بدون أن يرجع إليها ويستأذنها فترضى
ويشترط أن يستأذنها وكيل الولي بعد توكيله لا قبله وإلا فلا يصح
ويشترط في الوكيل ما يشترط في الولي من ذكورة وبلوغ وغيرهما من الشروط المتقدمة لأن التوكيل في الولاية ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها على أنه يصح توكيل الفاسق في قبول النكاح فللزوج أن يوكل عنه فاسقا يقبل له النكاح لأنه هو لو كان فاسقا صح منه القبول وكذلك له أن يوكل النصراني ليقبل له زواج امرأة كتابية لا مسلمة
للولي المذكور أن يوكل توكيلا مطلقا كأن يقول له : زوجها من شئت ويوكل توكيلا مقيدا فيقول : وكلتك على أن تزوجها من فلان وفي حالة الإطلاق يجب على الوكيل أن يزوجها بالكفء ولا يملك الوكيل به أن يزوجها من نفسه وفي حالة التقييد بمن عينه له : فإذا باشر الولي العقد بنفسه مع وكيل الزوج وجب على الولي أن يقول : زوجت فلانا فلانة أو زوجت فلانة لفلان بذكر اسميهما ويقول الوكيل : قبلت لموكلي فلان أو قبلته لفلان فإذا لم يقل : لفلان فإنه يصح اكتفاء بذكره أولا على الصحيح
وكذا إذا باشر العقد وكيل الولي مع ولي الزوج فإنه يلزم أن يقول : زوجت فلانا فلانة بذكر اسميهما على البيان المتقدم
(4/28)
دليل الولي من الكتاب والسنة
(4/29)
- قد عرفت مما ذكرناه أن الشافعية والمالكية اصطلحوا على عد الولي ركنا من أركان النكاح لا يتحقق عقد النكاح بدونه واصطلح الحنابلة و الحنفية على عده شرطا لا ركنا وقصروا الركن على الإيجاب والقبول إلا أن الحنفية قالوا : أنه شرط لصحة زواج الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ولو كبارا أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فليس لأحد عليها ولاية النكاح بل لها أن تباشر عقد زواجها ممن تحب بشرط أن يكون كفأ وإلا كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد
وقد استدل الجمهور بأحاديث وبآيات قرآنية فأما الأحاديث فمنها ما رواه الزهري عن عائشة وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ومنها ما رواه ابن ماجة والدار قطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها "
وهذان الحديثان أقوى ما استدل به الجمهور على ضرورة الولي فليس للمرأة حق مباشرة العقد دونه وقد أجاب الحنفية عن الحديث الأول بأنه مطعون فيه وذلك لآن الزهري نفسه قد سئل عنه فلم يعرفه وقد أجيب عن هذا بأن معرفة الزهري لا تضر ما دام راويه - وهو سليمان بن موسى - وهو ثقة ولا يخفى ضعف هذا الجواب لأنه ما دام مصدر الحديث المروي عنه لم يعرفه وأنكره فإن ذلك يضعف الثقة جزما على أن الحنفية قالوا : إن كل الأحاديث التي يفيد ظاهرها اشتراط الولي في التزويج فهي خاصة بالصغيرة التي لا يصح لها أن تتصرف وذلك مؤيد بقواعد الدين العامة فإن النكاح عقد من العقود كالبيع والشراء ومعلوم أن للمرأة الحرية المطلقة في بيعها وشرائها متى كانت رشيدة فكيف يحجر عليها في عقد زواجها وهو أهم العقود التي تتطلب حرية لما يترتب عليه من مهام الأمور فينبغي أن يقاس عقد النكاح على عقد البيع وإن ورد ما يخالف هذا القياس وجب تخصيصه به وهذه قاعدة أصولية . فقوله : " لا تزوج المرأة المرأة " معناه لا تزوج المرأة الكبيرة البنت الصغيرة عند وجود الولي للعصبة المقدم عليها أو لا تزوج المرأة الصغيرة المرأة الصغيرة وقوله : " ولا تزوج المرأة نفسها " معناه ولا تزوج الصغيرة نفسها بدون ولي فالمراد من المرأة الأنثى الصغيرة وهي وإن كانت عامة تشتمل الصغيرة والكبيرة إلا أنها خصت بالصغيرة لما هو معلوم من أن الكبيرة لها حق التصرف في العقود كالبيع فيقاس النكاح على البيع وذلك جائز في الأصول
أما الجمهور فقالوا بالفرق بين النكاح وبين البيع وذلك لأن المرأة لا عهد لها بمخالطة الرجال فربما خدعها غير الكفء فتتزوج بمن تتعير به عشيرتها ويكون شرا ووبالا على سعادتها الدنيوية فلذا صح الحجر عليها في عقد النكاح دون غيره من العقود لأن عقد البيع مثلا لا يترتب عليه مثلا هذا الشر مهما قيل فيه وقد أجاب الحنفية عن هذا بجوابين :
الأول : أنهم قد اشترطوا الكفاءة في الزوجية كما ستعرفه فلو تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يعترضوا هذا الزواج ولا يقروه فيفسخ فلا تصيبهم معرة الصهر الذي لا يناسبهم فزمام المسألة بأيديهم
الثاني : أن المفروض كون المرأة عاقلة حسنة التصرف غير محجور عليها ولذا كان من حقها أن تتصرف في بيعها وشرائها بدون حجر ما فإذا قيل : إنها قد تغبن في اختيار الزوج الكفء فكذلك يقال إنها قد تغبن في بيع سلعة هامة غبنا ضارا بها أكثر من الضرر بعقد زواج على غير الكفء لأنه إن ثبتت عدم كفاءته فرق القاضي بينهما وينتهي الأمر أما إذا باعت شيئا ذا قيمة مالية وغبنت فيه غبنا فاحشا وهلك في يد مفلس فإنه يضيع عليها ولا يسعها أن تتلافى ما ترتب على هذا البيع من الضرر فتخصيص الحنفية ما ورد في هذه الأحاديث بالصغيرة قياسا لتصرف الكبيرة في النكاح على تصرفها في البيع صحيح لا اعتراض عليه بمثل هذا الذي أورده الجمهور
(4/30)
أما القرآن الكريم فمنه قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } ووجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجا فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان لخطابهم بمثل هذا وجه لأنه كان يكفي أن يقول للنساء : إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن
وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : إن هذه الآية أصرح آية في الدلالة على ضرورة الولي . ولكن الحنفية قد أجابوا عن هذا بجوابين الجواب الأول منع كون الآية خطابا للأولياء بل هي تحتمل أن تكون خطابا للأزواج الذين يطلقون أزواجهم وتحتمل أن تكون خطابا للمؤمنين عامة
أما الأول فهو الظاهر المتبادل من لفظ الآية الكريمة فهو سبحانه يقول لمن يطلقون نساءهم : إذا طلقتم النساء فلا تستعملوا معهن الوسائل الظالمة التي يترتب عليها منعهن من الزواج بغيركم كأن تهددوها هي أو من يريد تزوجها بقوتكم أو جاهكم وسلطانكم أو نفوذكم إن كان لكم ذلك أو تحاولوا تنقيصها والحط من كرامتها فتنفروا منها خطيبها الذي سيكون زوجا لها أو تؤثروا عليه أو عليها من أي ناحية من النواحي كأن تمنعوها من حقوقها المالية إن كان لها عندكم حق أو نحو ذلك
وأما الثاني فمعناه إذا طلقتم النساء أيها المؤمنون وأصبحن خاليات من الأزواج والعدة فلا يصح أن يقع بينكم عضلهن ومنعهن من الأزواج سواء كان ذلك المنع من قريب أو من ذي جاه ونفوذ عليها فيفترض عليكم فرض كفاية أن تمنعوا وقوعه فيما بينكم بنهي فاعله والضرب على يده وإلا كنتم مشتركين معه في الإثم لأن عضل المرأة من الزواج منكر حرمه الله تعالى والنهي عن المنكر فرض على المؤمنين وإزالته لازمة على كل قادر حكما كان أو غيره
ولا تعارض بين هذا الذي ذكرناه وبين ما رواه البخاري من أن الآية نزلت في معقل بن يسار حيث كان قد زوج أخته لرجل فطلقها زوجها ثم أراد الرجوع إليها ثانيا فأبى أخوها معقل أن تعود إليه مع كونها راغبة فيه فلما نزلت زوجها إياه لأنه يحتمل أن تكون حادثة معقل صادفت نزول الآية و لكن الآية في ذاتها عامة على الوجه الذي بيناه . ونظير ذلك ما قاله المفسرون في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } [ سورة الحجرات ] إذ قال الفخر الرازي - وهو شافعي - : إن الآية عامة ولكنها صادفت حادثة الوليد المشهورة ومع ذلك فإذا سلم أن الآية نزلت في حادثة أخت معقل بخصوصها فإن الخطاب فيها يجب أن يكون عاما لكل من يعضل النساء سواء كان وليا أو غيره فليست مقصورة على الأولياء بلا نزاع
الجواب الثاني : تسليم أن الآية خطاب لمعقل وغيره من أقارب المرأة بخصوصهم . ولكن ليس في الآية ما يدل على أن لهم حق الولاية على النساء مطلقا وإنما تدل على أن من منع منه النساء من التزوج فهو آثم لا حق له في هذا وهذا المنع لا يلزم أن يكون مترتبا على الولاية بل هو ظاهر في أنه مترتب على ضعف النساء وعدم قدرتهن على استعمال حقهن . وبيان ذلك أن المرأة تستكين عادة لمن يكفلها أو لعاصبها القريب من أب أو أخ فتفنى إرادتها في إرادته خصوصا في هذا الباب الذي يغلب فيه الحياء على معظم النسوة المتربيات فلا ترى المرأة لها حقا مع كافلها أو عاصبها فتتنازل لهما عن استعمال حقها وهي مكرهة فالآية الكريمة تفيد أنه لا يصلح للرجال أن يستغلوا هذا الضعف فيسلبوا النساء حقوقهن الطبيعية في التزوج بالكفء الذي يرغبن فيه وهذا يتضمن أن للمرأة الحرية في اختيار الكفء الذي تريده زوجا لأن النهي عن منعها من الزواج يتضمن إباحة الحرية لها في الاختيار بلا نزاع على أن قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } فيه دلالة على صحة عقد الزواج إذا باشرته المرأة فإنه قال : { أن ينكحن } أي يتزوجن بعبارتهن ولو كانت عبارة النساء لا تنفع فيعقد الزواج لقال : فلا تعضلوهن أن تنكحوهن أزواجهن
الحاصل أن الآية إذا كانت خطابا للأقرباء بخصوصهم يكون معناها لا تنتهزوا أيها الأقرباء فرصة كفالتكم للنساء وضعفهن فتسلبوا منهن حقهن الطبيعي في اختيار الزوج الكفء ومباشرتهن الزواج فتتحكموا فيهن وتمنعوهن من استعمال ذلك الحق وليس في هذا المعنى أية دلالة على أن لهم حق الولاية عليها
وقد يقال : إذا كان اختيار الزوج والعقد عليه حقا للمرأة فلماذا لم يقل لهن تعالى : زوجن أنفسكن واستعملن حقكن فخطابه للأقرباء بقوله : { فلا تعضلوهن } دليل على أنهم أصحاب الحق في ذلك لا النساء ؟ والجواب أن خطاب الأولياء بهذا يدل على معنى دقيق جليل وهو ضرورة احترام الرابطة بين النساء وبين أهليهن الكافلين لهن فإذا تنازلت الواحدة منهن عن حقها في هذا الموضوع احتراما لرغبة أبيها أو أخيها أو نحوهما خوفا من حدوث تصدع في رابطة القرابة فإنه يكون حسنا يقره الله تعالى وفي هذه الحالة لا يصلح أن يقال للنساء : استعملن حقكن واخرجن عن طاعة أوليائكن فتنقطع بذلك روابط المودة وإنما كمال البلاغة وجمال الأسلوب أن يقال للأولياء : لا تستغلوا هذه الحالة فتتمادوا في سلب حقوقهن للنهاية والنتيجة المترتبة على الخطابين واحدة فإن الغرض أن لا تمنع المرأة من التزوج بمن ترغب فيه متى كان كفأ صالحا
ومما لا ريب فيه أن لهذين الرأيين علاقة شديدة بالحالة الاجتماعية في كل زمان ومكان فالذين يحجرون على المرأة في عقد الزواج يرون أن النساء مهما قيل في تهذيبهن فإن فيهن جهة ضعف طبيعية بارزة وهي خضوعهن للرجال وتأثرهن بهم فقد تنسى المرأة عظمتها ومجدها وفضلها وتندفع في ميلها الشهوي وراء من لا يساوي شراك نعلها وربما تجرها عاطفتها إلى التسليم لخادمها ومن دونه وبديهي أن هذه الحالة ضررها لا يقتصر على المرأة فحسب بل يتعداها إلى الأسرة بتمامها لأنهم يتعيرون بإدخال عنصر أجنبي فيهم لا يدانيهم في نسبهم ولا حسبهم وربما جر ذلك إلى مأساة محزنة فمن الواجب أن يوكل أمر اختيار الزوج للأولياء الذين يستطيعون أن يختاروا ما فيه خير المرأة وخير الأسرة مع صيانتها واحترامها ومع هذا فإنه لا بد من رضاء المرأة في بعض الأحوال قبل أن يبرم الولي عقدها وغير ذلك يكون اندفاعا مع عاطفة ضعيفة يمكن التأثير عليها بوسائل مختلفة فيترتب على ذلك شقاء المرأة وتعاسة حظها وهدم الأسرة وانحطاط كرامتها
أما الحنفية الذين لا يرون الحجر على المرأة العاقلة البالغة فإنهم يقولون : إن قواعد الدين الإسلامي تقتضي أمرين :
الأول إطلاق الحرية لكل عاقل رشيد من ذكر أو أنثى في تصرفه
رفع ما عساه أن يحدث من أضرار بسبب هذه التصرفات وكلا الأمرين لازم لا بد منه للحياة الاجتماعية فالحجر على الرشيدة في أمر زواجها ينافي قواعد الإسلام العامة فلو جعل أمر زواجها منوطا بالولي كان حجرا بدون موجب خصوصا في حالة تزويجها بدون أخذ رأيها مطلقا وهي بكر رشيدة فإن ذلك لا يلتقي مع قواعد الدين في شيء وربما كان ضارا في كثير من الأحيان إذ قد يكون الولي غير أب أو أخ شقيق ولم تكن علاقته بالمرأة ودية فيتعمد معاكستها والوقوف في سبيلها بحرمانها من الكفء المناسب وليس من السهل على المرأة إثبات العضل والشكوى للحاكم بل ربما جر انحيازها للخاطب وشكواها للحاكم إلى عداء الأسرة ويترتب عليه مأساة لا حد لها وهذا كثير واقع لا يمكن الإغضاء عنه في التشريع الإسلامي المشهور بدقته وجلاله فيجب أن يناط أمر زواجها بها بشرط أن تتصرف تصرف العقلاء فلا تندفع في سبيل شهوة فاسدة فتقع على غير الكفء . فإنها إن فعلت ذلك كانت جديرة بالحجر عليها . وكان لوليها حق الاعتراض وفسخ العقد . ثم إن لها الحق في أن تكل أمر تزويجها لمن تشاء . فإذا كان لها أب أو أخ أو نحوهما من الأقربين الذين يشفقون عليها ويؤثرون راحتها ويتمنون لها السعادة كان من اللائق المقبول أن تفوض لهم وتترك لهم حقها ليتصرفوا في أمر زواجها كما يحبون . فلا تخرج عن إرادتهم ولا تحاول إحراجهم بما لا ينفعها بل يضرها بفقد عطفهم عليها
عندي أن كلا الرأيين لازم للحياة الاجتماعية وأن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان الله عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها يدل على أنها شريعة خالدة حقا وأنها صالحة لكل زمان ومكان . فلا تقف في سبيلها مظلمة لفرد أو جماعة . ولا يتأذى بها أحد . فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات أو زمن من الأزمنة وجب المصير إلى الرأي الآخر . فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول معقول والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
وبعد فهذا نموذج من البحث في الأدلة الشرعية سنتبعه إن شاء الله ببحث في المسائل العامة . إذ لو جرينا على نمطه في كل مسألة لطال بنا المقال . ونخرج عن موضوعنا كما لا يخفى
(4/31)
خلاصة مباحث الولي
(4/32)
- ( 1 ) اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على ضرورة وجود الولي في النكاح فكل نكاح يقع بدون ولي أو من ينوب منابه يقع باطلا فليس للمرأة أن تباشر عقد زواجها بحال من الأحوال سواء كانت كبيرة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة إلا أنها كانت ثيبة لا يصلح زواجها بدون إذنها ورضاها
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا : إن الولي ضروري للصغيرة والكبيرة المجنونة أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فإنها صاحبة الحق في زواج نفسها ممن تشاء ثم إن كان كفأ فذاك وإلا فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح
( 2 ) اتفق القائلون بضرورة الولي على تقسيمه إلى قسمين : ولي مجبر وولي غير مجبر . واتفق الشافعية والحنابلة على أن الولي المجبر هو الأب والجد وخالف المالكية فقالوا : الولي المجبر هو الأب فقط . واتفق المالكية والحنابلة على أن وصي الأب بالتزويج مجبر كالأب . بخلاف الشافعية فإنهم لم يذكروا وصي الأب وزاد الحنابلة أن الحاكم يكون مجبرا عند الحاجة
( 3 ) اتفق القائلون بالإجبار على أن الولي المجبر له جبر البكر البالغة بأن يزوجها بدون إذنها ورضاها ولكن اختلفوا في الشروط التي يصح تزويج المجبرة بها بدون إذنها على الوجه المبين فيما مضى
اتفقوا أيضا على أن الثيب - وهي من زالت بكارتها بالنكاح - لا جبر عليها ولكن للولي حق مباشرة العقد فإذا باشرته بدونه وقع باطلا فالولي والمرأة الثيب شريكان في العقد فحقها أن ترضى بالزواج صراحة وحقه أن يباشر العقد هذا إذا كانت كبيرة بالغة أما إذا كانت ثيبا صغيرة فهي ملحقة بالبكر البالغ فيزوجها الولي المجبر بدون إذنها ورضاها ما لم تبلغ وخالف الحنابلة فقالوا : إن الثيب الصغيرة التي تجبر هي ما كانت دون تسع سنين فإن بلغت تسعا كانت كبيرة لا تجبر
( 5 ) اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على أن الولي غير المجبر وإن كان يتوقف عليه العقد ولكن ليس له أن يباشره بدون إذن من له عليها الولاية ورضاها صريحا إن كانت ثيبا أو ضمنا إن كانت بالغة هذا في الكبيرة أما الصغيرة فقد اتفقوا على أنها إذا كانت دون تسع سنين فإنه لا يجوز للولي غير المجبر زواجها بحال من الأحوال
ثم اختلفوا بعد ذلك فقال الملكية : إن بلغت عشر سنين وخيف عليها الفساد إن لم تتزوج فللولي أن يزوجها بإذنها . وهل لا بد من رضاها صراحة أو يكفي صمتها ؟ قولان أرجحهما الثاني ولكن يجب على الولي أن يشاور القاضي
ورجح بعضهم أنه إذا خيف عليها الفساد فلا يشترط أن تبلغ عشر سنين بل تزوج جبرا وإن لم ترضى كما تقدم
وقال الشافعية : لا يصح للولي أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ إلا إذا كان أبا أو جدا فإن فقدا أو تركاها صغيرة فلا يجوز لأحد أن يزوجها بحال من الأحول سواء كانت ثيبا أو بكرا مادامت عاقلة لأن الولي غير المجبر إنما يزوج الصغيرة بالإذن ولا إذن للصغيرة أما إذا كانت مجنونة فإنه يجوز للحاكم أن يزوجها إذا بلغت وكانت محتاجة
وقال الحنابلة : إذا بلغت الصغيرة تسع سنين كانت ملحقة بالكبيرة العاقلة فللولي غير المجبر أن يزوجها بإذنها و رضاها فإن كانت دون تسع فللحاكم أن يزوجها عند الحاجة
( 6 ) اتفق الشافعية والحنابلة على أن حق الأولياء غير المجبرين الأب ثم الجد . وخالف المالكية فقالوا : إن أحقهم بالولاية الابن ولو من زنا بمعنى أن المرأة إذا تزوجت بعقد صحيح صارت ثيبا ثم زنت وجاءت بولد يكون مقدما على الأب والجد . أما إذا زني بها قبل أن تتزوج بعقد صحيح وجاءت من هذا الزنا فإنه لا يقدم على الأب في هذه الحالة لأن الزنا عندهم لا يرفع البكارة فيكون الأب وليا مجبرا والكلام في غير المجبر ووافقهم الحنفية على أن أحق الأولياء في النكاح الابن
وخالف الشافعية والحنابلة فقالوا : إن أحق الأولياء الأب ثم الجد ولكن الحنابلة قالوا : إن الابن يلي الجد في الولاية . والشافعية قالوا : إنه لا ولاية للابن على أمه مطلقا
( 7 ) اتفق الشافعية والحنابلة والحنفية على أنه لا يصلح للولي الأبعد أو الحاكم أن يباشر عقد الزواج مع وجود الولي الأقرب المستكمل للشروط
خالف المالكية فقالوا : إن الترتيب بين الأولياء مندوب لا واجب . فإذا كان للمرأة أب وابن فزوجها أبوها صح وإن كانت مرتبته بعد مرتبة الابن . وكذا إذا كان لها أخ شقيق وأخ غير شقيق فزوجها غير الشقيق مع وجود الشقيق فإنه يصح . فإذا لم ترضى المرأة بحضور أحد من أقاربها فزوجها الحاكم فإنه يصح لأنه من الأولياء . وإذا وكلت واحدا من أفراد المسلمين بحكم الولاية العامة مع وجود ولي صح إن كانت دنيئة وإلا فلا وهذا كله في الولي غير المجبر أما الولي المجبر فوجوده ضروري عندهم
( 8 ) اتفق الشافعية والمالكية والحنابلة على أن الولاية في النكاح يشترط لها الذكورة فلا تصح ولاية المرأة على أي حال
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا : إن المرأة تلي أمر نكاح الصغيرة والصغير ومن في حكمهما من الكبار إذا جنا عند عدم وجود الأولياء من الرجال
ولكن المالكية قالوا : تتصف المرأة بالولاية إذا كانت وصية أو مالكة أو معتقة . وهناك قول في أن الكافلة تكون ولية أيضا ولكنها لا تباشر العقد بل توكل عنها رجلا يباشره
( 9 ) اتفقوا على أن الفسق يمنع ولاية النكاح فمن كان فاسقا انتقلت الولاية عنه إلى غيره
وخالف الحنفية فقالوا : إن الذي يمنع الولاية هو أن يشتهر الولي بسوء الاختيار فيزوج من غير كفء وبغبن فاحش وفي هذه الحالة يكون للبنت الصغيرة الحق في رد النكاح بعد أن تكبر ولو كان المزوج أبا أما إذا كان فاسقا حسن الاختيار وزوجها من غير غبن وبمهر المثل وكان أبا أو جدا فإنه يصح ولا حق لها في الفسخ كما تقدم
( 10 ) اتفقوا على أن العدالة ليست شرطا في الولي . خالف الحنابلة فقالوا : إن العدالة الظاهرية شرطا في الولاية إلا في السلطان والسيد
( 11 ) اتفقوا على أن للولي أن يوكل عنه من ينوب منابه في عقد الزواج
(4/33)
مبحث الكفاءة في الزواج
(4/34)
- يتعلق بالكفاءة أمور : الأول تعريفها . الثاني : هل هي شرط في صحة العقد أو لا ؟ الثالث : هل هي معتبرة في جانب الزوج فقط فلو تزوج بامرأة دنيئة صح أو معتبرة في الجانبين ؟ الرابع : من له حق الفصل في أمر الكفاءة وفي كل هذا تفصيل المذاهب ( 1 )
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : في الجواب عن الأمر الأول : إن الكفاءة هي مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة وهي ست : النسب والإسلام والحرفة والحرية والديانة والمال
ويعرف الأدنى نسبا بأن لا يكون من جنسها أو من قبيلتها وذلك لأن الناس صنفان : عجم وعرب والعرب قسمان : قرشي وغير قرشي فإذا كان الزوج قرشيا وهي قرشية صح نسبا ولو اختلفوا في القبائل بأن كانت هاشمية وهو نوفلي مثلا . وإن كانت عربية من غير قريش فإن كان عربي يكون كفأ لها من أي قبيلة كانت ولو باهليا
ومن هذا تعلم أن العجمي ليس كفأ للقرشية ولا للعربية على أي حال وأن العربي من غير قريش ليس كفأ للقرشية على أي حال . ولا يعتبر الإسلام بين العرب فالمرأة التي لها آباء في الإسلام يكون كفأ لها الرجل العربي الذي له أب واحد والعجمي العالم كفء للعربي الجاهل أما العجم فإن بعضهم لبعض أكفاء ولكن التفاوت يقع بالإسلام والحرية فمن كان أبوه كافرا وهو مسلم فإنه ليس كفأ لمن هي مسلمة وأبواها مسلمين . ومن كان معتقا لا يكون كفأ للحرة نفسها ولو كان أبوها معتقا لأن مرتبتها أعلى من مرتبته وإذا كان أبوها وجدها حرين وأبوه حر دون جده لا يكون كفألها وكذا إذا كانا مسلمين دون جده فإنه لا يكون كفأ لها أما إذا كان لها آباء كثيرة في الإسلام أو الحرية وهو له أبوان فقط فإنه كفء من هذه الجهة لتمام النسب بالأب والجد . فهذا هو معنى الكفاءة في النسب والإسلام والحرية
وحاصله أن القرشيين بعضهم لبعض أكفاء بصرف النظر عن كونه أسلم بنفسه دون أبيه وهي مسلمة وأبوها مسلم . وبصرف النظر عن الرق والحرية لأن العرب لا يسترقون غالبا أما العجم فيعتبر في أنسابهم الإسلام والحرية ولكن ذلك مقصور على الزوجين وعلى أبيه وحده فقط فمن كان مسلما دون أبيه لا يكون كفأ للمسلمة هي وأبوها ومن كان معتقا دون أبيه لا يكون كفأ للحرة هي وأبوها ومما لا يصح الخلاف فيه أن العالم العجمي الفقير كفء للعربي الجاهل الغني وكفء للشريفة العلوية لأن شرف العلم فوق شرف النسب والغنى وبذلك جزم المحقق ابن الهمام وصحاب النهر وغيرها . وهو الصواب
وأما الكفاءة في الحرفة فهي أن تكون حرفة أهل الزوج مكافئة لحرفة أهل الزوجة بحسب العرف والعادة فإذا كانت حرفة الخياطة مثلا أرقى من حرفة الحياكة بين الناس لم يكن الحائك كفأ لبنت الخياط وإلا فالعكس . فالمدار على احترام الحرفة بين الناس
أما الكفاءة من جهة المال فقد اختلفوا فيها فقال بعضهم : إنه يشترط أن يساويها في الغنى وقال بعضهم : إنه يكفي أن يكون قادرا على دفع ما تعارفوا على تعجيله من مهر مثلها فلا يلزم أن يكون قادرا على دفع الكل المعجل والمؤجل وأن يكون معه نفقة شهر إن لم يكن محترفا وإن لا فإن كان يكتسب كل يوم كفايتها فإنه يكون كفأ لها في باب المال والثاني هو ظاهر الرواية وهو الصحيح ولكن ينبغي أن ينظر إلى أن الحنفية لم يشترطوا الولي في المرأة اعتمادا على للولي حق التفريق إذا اختارت المرأة من لا يدانيها فإذا فرضنا وكانت البيئة تعتبر الذي لا يملك إلا المهر ونفقة شهر ضائعا لا قيمة له بالنسبة للمرأة الثرية لم لا اعتبار الكفاءة في المال معنى فينبغي أن ينظر القاضي إلى المصالح الدينية نظرا جديا وأن يقضي بما يرفع الفساد وحينئذ لا باس أن يعمل بالرأي الأول مادامت المصلحة متعينة في العمل به على أننا في زماننا هذا نرى الكفاءة تكاد تكون منحصرة عند الناس في باب المال فإنه هو الذي يستطيع به الزوج أن يحفظ كرامة المرأة وكرامة أسرتها ويمنعها من التبذل والتعرض لما لا يليق بها
ويعجبني ما قاله الأستاذ مرعي الحنبلي رحمه الله :
قالوا : الكفاءة ستة فأجبتهم : ... قد كان هذا في الزمان المبهم
أما بنو هذا الزمان فإنهم ... لا يعرفون سوى يسار الدرهم
فالقول الأول وإن لم يصححوه ولكنه ينبغي أن يراعى في زماننا هذا
وأما الكفاءة في الديانة فإنها تعتبر في العجم والعرب فإذا كان فاسقا لا يكون كفأ لصالحة بنت صالح وإذا كانت صالحة وأبوها فاسق وزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح وليس لأبيها حق الاعتراض لأنه فاسق مثله وكذا إذا كانت فاسق وأبوها صالح فزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح وليس لأبيها حق الاعتراض أيضا لأن العار الذي يلحقه ببنته أكثر من العار الذي يلحقه بصهره
وإذا زوج الصغيرة لرجل يظنه صالحا فتبين أنه فاسق وأبوها صالح فإن لها أن تفسخ العقد بعد البلوغ والمراد بالفاسق المجاهر بالفسق كالذي يسكر على قارعة الطريق أو يذهب إلى أماكن البغاء ومواخير الفساد وأندية القمار علنا أو يجاهر بأنه يفعل ذلك ومن هؤلاء الشبان الذين يتركون الصلاة ويعلنون أنهم لا يصلون ولا يصومون فإن هؤلاء ليسوا أكفاء للصالحات وبنات الصالحين فإذا تزوجت واحدا من هؤلاء كان للولي الاعتراض وفسخ العقد
وللولي الاعتراض إذا تزوجت بأقل من مهر المثل ولكن العقد مع ذلك صحيح باتفاق إنما يقول القاضي : أما أن تكمل لها مهر المثل وإما يفسخ العقد
أما الجواب عن الثاني فإن الكفاءة شرط لنفاذ العقد ولزومه على الولي فإذا زوجت المرأة نفسها لمن هو دونها في أمر من الأمور الستة المذكورة كان لوليها حق الاعتراض على العقد فلا ينفذ حتى يرضى أو يفسخه القاضي
وأما الجواب عن الثالث فهو أن الكفاءة في الأمور المذكورة من حق الولي بشرط أن يكون عصبة ولو كان غير محرم كأن كان ابن عم يحل له زواجها أما ذوو الأرحام والأم والقاضي فليس لهم حق في الكفاءة ثم إذا سكت الولي عن الاعتراض حتى ولدت المرأة فإن حقه يسقط في الكفاءة فإذا لم يعلم بالزواج حتى ولدت فالظاهر أن حقه يسقط لأن الولادة قد أحدثت بينهما روابط تنسى معها الاعتبارات الأخرى وأيضا فإن للولد حقا في الكرمة فلا ينبغي أن يسجل عليه عار أبيه والقواعد دائما تقضي بمراعاة الولد خوفا عليه من الضياع فإذا اعترض الولي وفسخ القاضي النكاح فعادت المرأة وزوجت نفسها من غير الكفء ثانيا عاد حق الولي في الاعتراض وفسخ القاضي النكاح ثانيا كما إذا زوجها الولي من غير كفء بإذنها فطلقها زوجها ثم زوجت نفسها منه ثانيا كان للولي حق الاعتراض ولا يكون رضاه بالزواج الأول حجة عليه في الثاني الذي لم يرض به فإذا طلقها زوجها غير الكفء الذي رضي به الولي في الأول طلاقا رجعيا ثم راجعها في العدة لم يكن للولي حق الاعتراض لأن العقد الأول لم يتجدد
وبعضهم يقول إن الكفاءة شرط في صحة العقد فيقع العقد باطلا من أول الأمر إذا تزوجت بغير كفء وكان لها ولي ولم يرض بالنكاح قبل العقد فإذا رضي به قبل العقد وامتنع بعده فإنه لا يعتبر وهذا القول هو المفتى به وهو أقرب إلى الاحتياط
وعلى القول الأول إذا مات أحدهما قبل تفرقة القاضي يتوارثان لأن العقد صحيح لا ينقطع إلا بفعل القاضي وفعل القاضي في هذه الحالة فسخ لا طلاق فإن وقعت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها من المهر وإن وقعت بعده كان لها المسمى لا مهر المثل وكذا لها المسمى بالخلوة الصحيحة وعليها العدة ولها نفقة العدة ولها أن تمكنه من الوطء ولها أن لا يمكنه وأما على المفتى به فإنه لا يترتب عليه شيء من ذلك ويحرم على المرأة أن تمكنه من الوطء لأن العقد باطل لا انعقاد له
وعلى هذا فلو تزوجت امرأة مطلقة ثلاث طلقات بزوج غير كفء من غير رضا الولي ثم طلقها فإنها لا تحل للزوج الأول لأن العقد وقع باطلا فكأنه لم يكن . أما إذا لم يكن لها ولي أو كان ورضي قبل العقد فإنها تحل لزوجها الأول بعد طلاقها من الثاني غير الكفء باتفاق
وإذا كان لها أولياء متساوون في الدرجة ورضي بعضهم صح سقط حق الباقين في الاعتراض وإن كان الحق للأقرب دون غيره فإن لم يكن لها أولياء من العصب صح العقد ونفذ على أي حال
وهل يشترط أن ينطق الولي بالرضاء أو يكفي سكوته ؟ الجواب : أن سكوته قبل ولادتها وقبل أن يظهر حملها لا يكون رضا كما تقدم فلا يسقط حقه إلا إذا صرح بالرضا وأيضا لا بد أن يعلم بعين الزوج فإذا رضي بزوج مجهول لا يصح إلا إذا أسقط حقه بأن قال لها : رضيت بما تفعلين أو رضيت بمن تزوجين منه نفسك أو افعلي ما تحبين أو نحو ذلك
هذا في أنواع الكفاءة المذكورة أما العيوب التي توجد في الزوج ويفسخ بها العقد كالجذام والجنون والبرص والبخر ونحو ذلك مما سيأتي فإنها من حق الزوجة وحدها فلها طلب التفريق والفسخ دون الولي
وهل العقل معتبر في الكفاءة أو لا ؟ قالوا : لا نص فيه عن المتقدمين أما المتأخرون فمختلفون فيه والصواب أن المجنون لا يكون كفأ للعاقلة وللولي حق الاعتراض والفسخ لأن الجنون يترتب عليه من الفساد والشر ما لا يترتب على غيره بل قد يتعير الناس بالمجنون أكثر مما يتعيرون بالفقير
أما قبح المنظر فليس بعيب فإذا كانت جميلة وهو قبيح المنظر فليس لها ولا لوليها حق المطالبة بالفسخ
وأما الجواب عن الأخير فهو أن الكفاءة معتبرة في جانب الرجل لا في جانب المرأة فللرجل أن يتزوج من يشاء ولو أمة أو خادمة لأن الناس لا يتعيرون بافتراش الأمة والمرأة الدنيئة وقد جرى العرف على ذلك في كل زمان ومكان نعم يعتبر الكفاءة في المرأة بالنسبة للغلام الصغير إذا زوجه والده ممن هي دونه فإن له حق الفسخ بعد البلوغ كما تقدم
المالكية - قالوا : الكفاءة في النكاح المماثلة في أمرين : أحدهما التدين بأن يكون مسلما غير فاسق ثانيهما السلامة من العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزوج كالبرص والجنون والجذام والثاني حق المرأة لا الولي
أما الكفاءة في المال والحرية . والنسب والحرفة فهي معتبرة عندهم فإذا تزوج الدنيء - كالمسلماني - شريفة فإنه يصح وإذا تزوج الحمال أو الزبال شريفة أو ذات جاه فإنه يصح وهل العبد كفء للحرة ؟ قولان مرجحان وبعضهم يفصل فيقول : إن كان الرقيق أبيض يكون كفأ وإن كان أسود فلا لأنه يتعير به
ثم إن الكفاءة تعتبر في اليتيمة التي زوجها ولي غير مجبر عند خوف الفساد بالشروط المتقدمة فإن من بين هذه الشروط أن تزوج من كفء فلا يصح زواجها من فاسق شريب أو زان أو نحوهما ولا من زوج به عيوب منفرة بل لا بد من أن يكون مساويا لها في أوصاف الكمال وأن يكون الصداق مهر مثلها . قالوا : فإذا زوجت من غير مراعاة الكفاءة ونحوها من الشروط فسخ العقد إن لم يدخل بها الزوج أو دخل بها ولكن لم يطل الزمن أما إذا دخل وطال الزمن بأن مضى عليها ثلاث سنين أو ولدت ولدين في زمنين مختلفين لا في بطن واحدة فإنه لا يفسخ وهذا هو المشهور . وقيل : يفسخ مطلقا
وكذا إذا زوج الحاكم امرأة غير رشيدة غاب عنها وليها فإنه لا يجوز له أن يزوجها إلا بعد أن يثبت لديه أن الزوج كفء لها في الدين والحرية والحال ومهر المثل على الوجه الذي بيناه أما الرشيدة المالكة أمر نفسها فإنه يزوجها بدون أن يثبت عنده ذلك لأنها هي صاحبة الحق فيه فلها إسقاطه متى رضيت بالزوج على أنهم قالوا : إذا زوج الحاكم غير الرشيدة من غير بحث فإن العقد يصح ما لم يبطله شيء آخر
ومع هذا فإن للولي وللزوجة ترك الكفاءة في الدين والحال فتتزوج من فاسق بشرط أن يكون مأمونا عليها . فإن لم يكن مأمونا عليها رده الحاكم وإن رضيت به حفظا للنفوس وإذا رضي الولي بغير كفء فطلقها ثم أراد أن يرجع لها ثانيا ورضيت به فليس للولي الامتناع ثانيا
وإذا أراد الأب أن يزوج ابن أخيه الفقير ابنته الموسرة فهل لأمها الاعتراض أو لا ؟ خلاف في هذه المسألة وقواعد المذهب تفيد أن ليس لها اعتراض إلا إذا خيف عليها الضرر
الشافعية - قالوا : الكفاءة أمر يوجب عدمه عارا . وضابطها مساواة للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح فإن المساواة فيها لا توجب أن يكون كل منهما كفأ لصاحبه فإن كان كل منهما أبرص أو مجذوما كان لكل منهما حق طلب الفسخ ولا يقال : إنهما متساويان في العيب لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكره من نفسه
وتعتبر الكفاءة في أنواع أربعة : النسب . والدين . والحرية . والحرفة فأما النسب صنفان : عربي وغير عربي - وهو الأعجمي - والعربي قسمان : قرشي وغير قرشي فالقرشيون أكفاء لبعضهم بعضا إلا إذا كانوا من بني هاشم وعبد المطلب فإن غيرهم من قريش ليس كفأ لهم وباقي العرب ليسوا أكفاء لقريش ولكنهم أكفاء لبعضهم بعضا والعجم ليسوا أكفاء للعرب ولو كانت أمهاتهم من العرب
ثم إن المرأة إذا كانت تنتسب إلى شخص تشرف به وجب أن يكون
الزوج منتسبا إلى مثل هذا الشخص سواء كانا من العجم أو من العرب
وحاصله أن الكفاءة تعتبر أولا في النوع بمعنى أن العرب نوع والعجم نوع ثم ينقسم العرب إلى قرشيين وغيرهم فالقرشيون أفضلهم على أن بينهما تفاوتا أيضا وهو أن بني هاشم والمطلب أفضل من الباقين ومتى تحققت الكفاءة في النوع لزم أن تتحقق أيضا في شخص الزوجين فإذا كانت الزوجة منتسبة إلى شخص تشرف به وجب أن يكون الزوج كذلك منتسبا إلى مثل من تنسب إليه والعبرة في النسب للآباء لا للأمهات إلا في بنات فاطمة رضي الله عنها فإنهن منسوبات إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهن أرقى الأنواع من عرب وعجم
( يتبع . . . )
(4/35)
وما قيل في العرب يقال في العجم فيقال : الفرس مثلا أفضل من النبط وبنو إسرائيل أفضل من القبط فإذا كانت المرأة تنتسب إلى عظيم وجب أن يكون الرجل مثلها منتسبا إلى عظيم مكافئ وقيل : لا يعتبر هذا التفاوت في العجم
وأما الدين فإنه ينبغي أن يكون الرجل مساويا للمرأة في العفة والاستقامة فإن كان فاسقا بالزنا فإنه لا يكون كفأ للعفيفة حتى ولو تاب وحسنت توبته لأن التوبة من الزنا لا تمحو عار السمعة السيئة وإن كان فاسقا بغير الزنا كالخمر والزور ثم تاب فقيل يكون كفأ للمستقيمة وقيل : لا وبه أفتى بعضهم أما إذا كانت فاسقة مثله فإنه يكون كفأ كزانية لزان فإن زاد فسقه أو اختلف نوعه فإنه لا يكون كفأ لها وإذا كان محجورا عليه لسفه فإنه ليس كفأ للرشيدة
يعتبر في الدين إسلام الآباء فمن كان أبوها مسلما لا يكون كفأ لها من أبوه غير مسلم ومن له أبوان في الإسلام لا يكون كفأ لمن لها ثلاثة آباء ويستثنى من ذلك الصحابي فإنه كفء للتابعية وإن كانت لها آباء أكثر لنص الحديث وهو أن الصحابة أفضل من غيرهم
وأما الحرية فإن كان فيه شائبة رق لا يكون كفأ للسليمة ويعتبر في ذلك الآباء لا الأمهات فمن ولدته رقيقة ليس كفأ لمن ولدتها عربية
وأما الحرفة . فإن أرباب الحرف الدنيئة في العرف كالكناس والحجام والحارس ومكيسي الحمام ويسمى بالبلان ليس كفأ لصاحبة الحرفة الشريفة كالخياطة أو من أبوها خياط أو صانع كهرباء أو نحو ذلك من المهن الشريفة وصاحب المهنة ليس كفأ لبنت التاجر وابن التاجر ليس كفأ لبنت العالم أو القاضي نظر للعرف في ذلك
أما المال فإنه لا يعتبر في الكفاءة فإذا تزوج الفقير غنية كان كفأ لها ولا يقابل بعض هذه الخصال ببعض مثلا إذا كانت المرأة حرة فاسقة والرجل رقيقا صالحا فإنه لا يصح أن يقابل الرق بالفسق فيتساقطا وكذلك إذا كانت عربية فاسقة والرجل أعجمي صالح فإنه لا تقابل أعجميته بفسقها وهكذا
وهي شرط لصحة النكاح حيث لا رضا وهي من حق المرأة والولي معا فإذا لم يرضيا بالزوج الذي لم تتوفر فيه الكفاءة على الوجه المتقدم لا يصح العقد وقد تقدم أنها شرط لصحة عقد الولي المجبر فإذا زوج الأب ابنته جبرا اشترط أن يزوجها من كفء فإذا رضيت صح وسقط حقها ولكن الرضا بغير الكفء يشترط فيه النطق والكلام إذا كانت المرأة ثيبا فإن كانت بكرا فقيل : يكفي سكوتها مطلقا سواء كان مزوجها مجبرا أولا وقيل : لا يكفي إذا كان غير مجبر بل لا بد من نطقها وتصريحها بالرضا
ثم إن الحق للمرأة ولوليها الأقرب لا الأبعد ويشتركان في الأنواع المتقدمة ما عدا الجب . والعنة فإن هذا العيب من حق المرأة وحدها فإذا رضيت بزوج مجنون أو عنين ولم يرض الولي صح ولا عبرة برضاه لأن هذا شيء يختص بها دونه ثم إذا رضيت بزوج وهي تظن أنه كفء فبان أنه رقيق وهي حرة أو به عيب فإن لها الحق في الخيار وللولي حق الاعتراض ولا يضره مباشرة العقد وإنما يسقط حقهما إذا علما بالغيب ورضيا
هذا والكفاءة معتبر من جانب الزوجة أما الزوج فله أن يتزوج الأمة والخادمة . لأن الناس لا يتعيرون بافتراش من هي أدنى منهم ويصح أن يزوج الأب غلامه الصغير امرأة لا تكافئه ولكن يثبت له الخيار بعد البلوغ على أنه لا يصح له أن يزوجه أمه أو عجوزا شرهاء أو عمياء وإن كان ذلك ليس بعيب يفسخ
الحنابلة - قالوا : الكفاءة هي المساواة في خمسة أمور : الأول الديانة فلا يكون الفاجر الفاسق كفأ للصالحة العدل العفيفة لأنه مردود الشهادة والرواية وذلك نقص في إنسانيته . والثاني : الصناعة فلا يكون صاحب الصناعة الدنيئة كفأ لبنت صاحب الصناعة الشريفة فالحجام والزبال لا يكونان كفأ لبنت التاجر والبزاز الذي يتجر في القماش . الثالث : اليسار بالمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة فلا يكون المعسر كفأ للموسرة وضبط بأن لا تتغير حالها عنده عما كانت عليه في بيت أبيها . الرابع : الحرية فلا يكون العبد والمبعض كفأ للحرة . الخامس : النسب فلا يكون العجمي - وهو ليس من العرب - كفأ للعربية فإذا زوجها الولي من غير كفء وبغير رضاها كان آثما ويفسق به الولي )
(4/36)
مبحث عد المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن
(4/37)
- قد عرفت مما مضى أن من شرائط النكاح المتفق عليها أن تكون المرأة محلا صالحا للعقد عليها فلا يصح العقد على امرأة حرمت عليه لسبب من الأسباب وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين :
الأول : ما يجب الحرمة المؤبدة
الثاني : ما يوجب الحرمة المؤقتة بحيث لو زال السبب عاد الحل
والأسباب التي توجب الحرمة المؤبدة ثلاثة : القرابة المصاهرة الرضاع
فأما القرابة فيحرم بها على التأبيد ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أصول الشخص وفروعه فأما أصوله فهن أمهاته فتحرم عليه أمه التي ولدته وجدته من كل جهة سواء كانت لأمه أو لأبيه وإن علت . وأما فروعه فهي بناته وبنات بناته وبنات أبنائه وإن نزلن
النوع الثاني : فروع أبويه وهن أخواته فتحرم عليه أخته من كل جهة أي سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم كما يحرم عليه بناتها وبنات أبنائها . وبنات أخيه وإن نزلن
النوع الثالث : فروع أجداده وجداته وهن عماته وخالاته سواء كن شقيقات أولا
وإلى هنا ينتهي التحريم فلا تحرم عليه بنات عماته ولا بنات خالاته ولا بنات عمه ولا بنات خاله فلا يحرم من فروع الجدات إلا البطن الأولى
أما المصاهرة فيحرم بها ثلاثة أنواع أيضا :
النوع الأول : فروع نسائه المدخول بهن فيحرم عليه أن يتزوج بنت امرأته وهي ربيبته سواء كانت في كفالته أولا . أما قوله تعالى : { في حجوركم } فإنه بيان للشأن فيها فكأنه يقول له : إنها كبنتك التي تربت في حجرك وكذا يحرم عليه أن يتزوج بنت ربيبته ولا بنت بنتها وإن نزلت . أما إذا عقد على أمها ولم يدخل بها فإن البنت لا تحرم عليه
النوع الثاني : أصول نسائه فيحرم عليه أن يتزوج أم امرأته وأم أمها وجدتها بمجرد العقد على البنت وإن لم يدخل بها ولذا قيل : العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول بالأمهات يحرم البنات
ولعل السر في ذلك أن البنت في حال صباها وأول حياتها تكون علاقتها بالرجل أشد وغيرتها عليه أعظم فينبغي أن يكون العقد عليها قاطعا لمطمع أمها حتى لا يحدث ضغينة وحقدا تنقطع به صلات المودة بخلاف الأم فإنه يسهل عليها أن تنزل عن رجل لم يباشرها لبنتها التي تحبها حبا جما فلا تنقطع بينهما علائق المودة
النوع الثالث : موطوءات الآباء
وأما الرضاع فإنه يحرم به ما يحرم بالنسب إلا في بعض أمور سيأتي بيانها في مبحثه . فهذه هي موجبات التحريم المؤبد وأما موجبات التحريم المؤقت فهي أمور : أحدها : زواج المحرم فلا يحل للشخص أن يجمع بين الأختين أو بين الأم وبنتها أو نحو ذلك مما سيأتي
ثانيها : الملك فلا يحل للمرأة أن تتزوج عبدها . ولا للرجل أن يتزوج أمته إلا بعد العتق
ثالثها : الشرك فلا يحل لمسلم أن يتزوج مشركة غير متدينة بدين سماوي
رابعها : التطليق ثلاث مرات فإنه يوجب التحريم إلا إذا تزوجت غيره
خامسها : تعلق الغير بنكاح أو عدة فإذا زالت هذه الأسباب عاد له الحل ومن ذلك ما إذا زاد على أربع أو عقد على خامسة قبل أن تنقضي عدة الرابعة
(4/38)
مبحث فيما تثبت به حرمة المصاهرة
(4/39)
- المصاهرة : وصف شبيه بالقرابة ويتحقق في أربع : إحداها زوجة الابن وهي تشبه البنت . ثانيهما : بنت الزوجة وهي تشبه البنت أيضا ثالثها : زوجة الأب وهي تشبه الأم رابعها : أم الزوجة وهي تشبه الأم أيضا
ولا خلاف في أن زوجة الابن وزوجة الأب وأم الزوجة يحرمن بالعقد الصحيح فإذا عقد الأب على امرأة حرمت على ابنه وابن ابنه وإن نزل وإن لم يدخل بها وإذا عقد الابن على امرأة حرمت على أبيه وجده وإن علا كما تحرم على ابنه وإن نزل وإن لم يدخل بها أما بنت زوجة الأب من غير الأب فإنها لا تحرم على الابن وبنت زوجة الابن لا تحرم على الأب وبنت زوج الأم لا تحرم على ابنه ولا أمه . ولا أم زوجة الأب ولا أم زوجة الابن . ولا زوجة الربيب فمن كان متزوجا بامرأة لها ابن من غيره وله مطلقة فإنها تحل لزوج أمه
وإذا عقد الشخص على امرأة حرمت عليه أمها وأم أمها وإن علت سواء دخل بها أو لم يدخل . أما بنتها فإنها لا تحرم إلا بالدخول كما عرفت
فحرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح بدون كلام
أما العقد الفاسد أو الوطء بشبهة أو زنا ففي التحريم به اختلاف - المذاهب ( 1 )
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : العقد الفاسد لا يوجب حرمة المصاهرة فمن عقد على امرأة عقدا فاسدا لا تحرم عليه أمها وأما الذي يوجب حرمة المصاهرة فهو أربعة أمور :
أحدها : العقد الصحيح . ثانيها : الوطء سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو زنا . ثالثها : المس . رابعها : نظر الرجل إلى داخل فرج المرأة ونظر المرأة إلى ذكر الرجل
ويشترط في الوطء ثلاثة أمور : أن تكون الموطوءة حية فلو وطئ ميتة لا تحرم بنتها . أو تكون مشتهاة وهي من كان سنها تسع سنين فأكثر فإذا تزوج صغيرة ووطئها ثم طلقها وتزوجت غيره بعد انقضاء عدتها وجاءت منه ببنت فإن للزوج الأول أن يتزوج هذه البنت لأنه وطئ أمها وهي صغيرة مثل ذلك ما لو زنا بصغيرة من باب أولى وكذلك تشترط الشهوة في التحريم بوطء الذكر فإذا وطئ غلام مراهق امرأة أبيه فإنها لا تحرم
الشرط الثالث : أن يكون الوطء في القبل لا في الدبر . فمن وطئ امرأة في دبرها فإنه لا تحرم عليه أصولها و فروعها ومن باب أولى ما إذا لاط برجل فإن بنته لا تحرم عليه ولا يقال : إن الحنفية أوجبوا التحريم بالنظر والمس وبديهي أن الوطء في دبر المرأة فيه لذة مستكملة فوق المس والنظر لأنا نقول : إن التحريم بالمس والنظر لكونهما سبيلا للوطء في القبل الذي توجب التحريم فحيث يتبين أنهما لا يفضيان إلى ذلك فلا يحرمان ولذا اشترط في التحريم بهما أن لا ينزل بهما فإذا أنزل تبين أنهما لم يفضيا إلى الوطء المحرم
ولا يشترط في الوطء الموجب للتحريم أن يكون جائزا بل تثبت حرمة المصاهرة بوطء الحائض والنفساء وبوطئها وهو محرم بالنسك أو صائم أو نحو ذلك
ويشترط في المس شروط : أحدها أن يكون بدون حائل أو بحائل خفيف لا يمنع الحرارة ثانيها : أن يكون لغير الشعر المسترسل - وهو النازل - فإذا مسه بشهوة فإنه لا يحرم أما مس الشعر الملاصق للرأس فإنه يحرم على الراجح . ثالثها : أن يكون المس بشهوة وحد الشهوة في مس الرجل للمرأة أن تتحرك آلته أو تزيد حركتها إذا كانت متحركة من قبل مسها وحدها إذا مست المرأة الرجل أن يتحرك قلبها وتشعر باللذة ومثل المرأة الشيخ الكبير رابعها : أن يغلب على ظن الرجل صدق المرأة إذا أخبرته أنها تلذذت بمسه و يغلب على أب الرجل وابنه صدقه في قوله إنه تلذذ بمسها وإلا فلا تحرم . خامسها : أن تكون اللذة مقارنة للمس فإذا مسها بدون لذة ثم وجد اللذة بعد فلا تحرم . سادسها : أن لا ينزل بالمس كما عرفت . سابعها : أن لا تكون الممسوسة دون تسع سنين وأن يكون الماس له شهوة فإذا كانت صغيرة أو كانت كبيرة والماس مراهقا فإنه لا يحرم
ويشترط في النظر أمور : الأول أن يكون إلى داخل الفرج المدور خاصة على الراجح وهذا لا يكون إلا إذا كانت متكئة فلو كانت واقفة أو جالسة غير مستندة فإنه لا يرى وإذا كانت الناظرة المرأة فالشرط أن تنظر إلى الذكر خاصة أما النظر إلى باقي بدنها أو بدنه فإنه لا يوجب التحريم . والثاني أن يكون النظر بشهوة مقارنة له كما في اللمس وحد الشهوة هنا كحدها في اللمس على الراجح . الثالث : أن يرى نفس الفرج لا صورته المنطبعة في مرآة أو ماء فلو كانت متكئة و رأى صورة فرجها الداخل في المرآة بشهوة فإنها لا تحرم و كذا لو كانت كذلك على شاطئ ماء أما إذا كانت موجودة في ماء صاف فرآه و هي في نفس الماء فإن الرؤيا على هذا تحرم لأنه رآه بنفسه لا بصورته . الرابع أن تكون الشهوة مقارنة لنفس النظر . الخامس : أن لا ينزل كما تقدم في اللمس . السادس : أن لا تكون المنظورة صغيرة لا تشتهى أو ميتة أو يكون الناظر مراهقا كما تقدم
ولا فرق بين اللمس والنظر بشهوة بين عمد ونسيان وإكراه فالكل تثبت به حرمة المصاهرة . أما الزنا فإنه عبارة عن وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة خال عن الملك وشبهته وتثبت به حرمة المصاهرة نسبا ورضاعة فمن زنى بامرأة حرمت على أصوله وفروعه فلا تحل لأبيه ولا لابنه ويحرم على الزاني أصولها وفروعها فلا يحل له أن يتزوج بنتها سواء كانت متولدة من مائه أو من غيره وبنت بنتها وهكذا كما يحرم عليه أن يتزوج أمها وجدتها وهكذا وله أن يتزوج أختها وتحل أصولها وفروعها لأصول الزاني وفروعه فيجوز لابنه أن يتزوج بنتها . وبشرط أن لا تكون متولدة من ماء زنا أبيه ولا راضعة من لبنه الناشئ بسببه فإذا زنى بامرأة فحملت سفاحا وولدت ثم أرضعت صبيه بلبنها فإنه لا يحل لهذا الزاني أن يتزوجها لأنها بنته من الرضاع . وكذا لا تحل لأصوله ولا لفروعه . ومثلها بنته المتولدة من الزنا : فإنها تحرم عليه وعلى أصوله وفروعه وذلك لأنها بنته جزء منه سواء كانت متولدة من مائه أو كانت راضعة لبن امرأته منه ولذا لا تحرم على عمه أو خاله لانتفاء الجزئية فيهما ولم يثبت نسبها من الزاني حتى تحرم على العم والخال
هذا وبذلك يتضح أن الدخول بالمرأة المتوقف عليه تحريم ابنتها لا يشترط فيه الوطء بل يكفي فيه اللمس بشهوة والنظر بشهوة بالشروط المتقدمة
الشافعية - قالوا : العقد الفاسد يوجب حرمة المصاهرة فيمن اشترط في تحريمها الوطء كالأم فإن بنتها لا تحرم إلا بوطئها فإذا عقد عليها عقدا فاسدا ثم وطئها بناء على ذلك العقد حرمت بنتها أما التي تحرم بمجرد العقد فإنه يشترط في تحريمها أن يكون العقد صحيحا - كالبنت - فإن أمها تحرم بمجرد العقد عليها بشرط أن يكون صحيحا فإذا عقد على البنت عقدا فاسدا ولم يدخل بها لم تحرم أمها نعم إذا وطئها بعد ذلك العقد الفاسد حرمت أمها بالوطء ولو في الدبر
ومثل ذلك زوجة الأب فإنها تحرم بمجرد العقد فيشترط في تحريمها بمجرد العقد أن يكون العقد صحيحا أما إذا دخل عليها ووطئها فإنها تحرم بالوطء ولو كان العقد فاسدا وكذا زوجة الابن فإنها تحرم بمجرد العقد فيشترط أن يكون صحيحا على الوجه المتقدم
ومن هذا تعلم أن الذي يقع به التحريم شيئان : إما العقد الصحيح وإما الوطء سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو كان وطئها بشبهة ولو في دبر المرأة ومثل الوطء استدخال مائه المحترم ومعنى هذا أنه إذا جامع امرأة بعقد صحيح ثم أنزل فيها كان ماؤه محترما أي لم يكن حاصلا من زنا فإذا فرض وساحقت امرأته امرأة أخرى وأنزلت فيها هذا الماء وحملت منه كان ابنه فإذا أنزلته في زوجة له لم يدخل بها حرمت عليه بنتها لأنه يعتبر دخولا . أما الزنا فإنه لا يوجب حرمة المصاهرة على أي حال لأنها نعمة من الله لا يصح زوالها بذلك الفعل المحرم وكما لا يحرم الزنا لا يحرم المس ولا النظر بشهوة على أي حال
ومثال الوطء بشبهة أن يجامع امرأة يظنها امرأته وهي ليست كذلك ويقال لهذه الشبهة : شبهة الفاعل . ولا يوصف الفعل الواقع بها بحل ولا حرمة ويثبت بوطء الشبهة النسب وتلزم به العدة
هذا ويجوز للرجل أن يتزوج بنته المخلوقة من مائه زنا فإذا زنا بامرأة وحملت منه سفاحا وجاءت ببنت فإنها لا تحرم عليه لأن ماء الزنا لا حرمة له وكما تحل له تحل لأصوله وفروعه ولكن يكره له نكاحها بخلاف الأم الزانية فإنها كسائر الأمهات في الحرمة على أبنائهن لأن نسبه ثابت منها ويتوارثان
المالكية - قالوا : تثبت حرمة المصاهرة بالعقد الفاسد والعقد الفاسد نوعان : مجمع على فساده وغير مجمع على فساده في المذاهب الأخرى وهذا لا ينشر الحرمة إلا بالوطء ومقدماته وذلك كنكاح امرأة معتدة وهو غير عالم أو نكاح أخته رضاعا بدون علمه فإن النكاح فاسد بالإجماع ويدرأ الحد عن الفاعل لأن فيه شبهة . وهذا العقد لا يحرم إلا بالوطء أو مقدماته أما العقد الذي لم يجمع على فساده بأن قال به بعض العلماء ولو في مذهب غير مذهب المالكية كنكاح المحرم بالنسك فإنه صحيح عند الحنفية فاسد عند المالكية وكذلك نكاح المرأة نفسها بدون ولي ونحوه فإنه ينشر حرمة المصاهرة كالصحيح
ومن الفاسد النكاح الموقوف على إجازة الغير فإذا زوج الرجل ابنه العاقل البالغ بغير إذنه وهو غائب فلم يرض الابن بالزواج ورد النكاح كان هذا من القسم الثاني فيحرم به ما يحرم بالعقد الصحيح ولا يشترط أن يكون العقد بين كبيرين بل يحرم العقد على الصغيرة للصغير
أما الزنا فإن المعتمد أنه لا ينشر الحرمة فمن زنى بامرأة فإن له أن يتزوج بأصولها وفروعها ولأبيه وابنه أن يتزوجها وفي تحريم البنت المتخلقة من ماء الزنا على الزاني وأصوله و فروعه خلاف والمعتمد الحرمة فإذا زنى بامرأة فحملت منه سفاحا ببنت وجاءت بها فهي محرمة عليه وعلى أصوله وفروعه ولو رضعت من لبنها بنت كانت محرمة أيضا لأنه لبنه الذي جاء بسبب وطئه الحرام
وبعضهم يقول : إن المتخلقة من ماء الزنا لا تحرم - كما يقول الشافعية - لأنها لم تعتبر بنتا بدليل أنه لا توارث بينهما ولا يجوز له الخلوة بها وليس له إجبارها على النكاح باتفاقهم فكيف تعتبر بنتا محرمة وكيف يكون لبن أمها محرما ؟ وهذا القول وجيه وإن لم يكن معتمدا ومثل بنت الزنا ابن الزنا فإذا جاءت منه بولد حرم عليه أصول أبيه وفروعه وتجوز المخلوقة من ماء زنى الأخ لأخيه وإذا زنى بها وهي حامل فقيل : لا تحرم وقيل : تحرم لأنه سقاها بمائه ولكن المشهور أنها لا تحرم
هذا ولا يشترط في الدخول بالأمهات الوطء بل يكفي التلذذ بها ولو بعد موتها ويتحقق التلذذ بالنظر إلى داخل جسمها إن وجدت اللذة وإن لم يقصدها أما إن قصد ولم يجد فلا تلذذ فمن عقد على امرأة ولو عقدا فاسدا وتلذذ على هذا الوجه حرمت عليه بنتها وبنت بنت بنتها وإن سفلت كما حرمت عليه أصولها
ولا يحرم النظر إلى وجهها ويديها : وإنما يحرم تقبيل الوجه أو اليد أو الفم أو لمسها بشهوة
الحنابلة - قالوا : تثبت حرمة المصاهرة بالعقد الفاسد فإن العقد الفاسد عندهم تثبت به أحكام النكاح ما عدا الحل والإحصان والإرث و تصنيف الصداق بالفرقة قبل المسيس فلا يترتب على النكاح الفاسد حل وطء المرأة المعقود عليها . ولا إحلالها لمطلقها ثلاثا . ولا توصف بالإحصان كما لا يوصف الزوج به ولا يتوارثان به وإذا طلقها قبل الدخول والمسيس لا تستحق نصف الصداق أما ما عدا ذلك من نشر حرمة المصاهرة وغيرها فإنها تثبت به . وهذا هو ظاهر المذهب . وبعضهم يقول : لا تثبت حرمة المصاهرة
والمحرمات بالعقد سواء كان صحيحا أو فاسدا : زوجة الأب وإن علا . وزوجة الابن وإن سفل وأم زوجته من نسب أو رضاع وإن علت كما هو مبين في أسفل صحيفة 61
وأما الوطء المحرم لغير من ذكرن فيشترط فيه أن يكون وطأ في فرج أصلي أما فرج الخنثى والفرج غير الأصلي إن فرض وجود فرجين للمرأة فإنه لا يحرم أو يكون في دبر سواء كان الموطوء أنثى أو رجلا أو أمة فلا تحل للائط والملوط به أم الآخر ولا بنته فهو ينشر الحرمة كوطء المرأة بلا فرق وهذا هو المنصوص ولكن قال في شرح المقنع : الصحيح أن اللواط لا ينشر الحرمة لأن النصوص عليه في آية التحريم إنما هو البنت لا الولد فتدخل أم الملوط أو اللائط في عموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم }
ويشترط أن يكون الفاعل ابن عشر سنين وأن يغيب حشفة ذكره في الفرج الحقيقي أو الدبر وأن تكون الموطوءة بنت تسع سنين فإن كانا أقل من ذلك فلا تثبت به حرمة المصاهرة فإذا أدخل غلام سن ثمان سنين حشفته في فرج امرأة كبيرة لا تثبت به حرمة المصاهرة وكذا إذا غيبها كبير في فرج بنت دون تسع وأن تكون الموطوءة والواطئ حيين فإن وقع شيء من ذلك حال الموت لا يؤثر
ولا خلاف في أن الوطء الحلال تثبت به حرمة المصاهرة أما وطء الشبهة والزنا فإنه تثبت به حرمة المصاهرة على الصحيح من المذاهب فمن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها وحرمت على أبيه وابنه كذا إذا جامعها بشبهة كأن ظن أنها امرأته فبانت أنها غيرها فالموطوءة بهذه الشبهة تحرم على أصول الرجل وفروعه كما تحرم فروعها كذلك
ويشترط في الدخول على الأمهات الوطء فلا تحرم الربيبة بالعقد سواء كان صحيحا أو فاسدا ولا تحرم بالخلوة ولا بالتلذذ فيما دون الفرج فلا يحرم النظر بشهوة ولا اللمس ولا القبلة ولا مقدمات الجماع كلها وإنما الذي يحرم نفس الوطء . وقد عرفت أنه يحرم إذا كان وطأ بشبهة أو بعقد صحيح أو فاسد أو زنا على الصحيح )
(4/40)
مبحث المحرمات بالجمع
(4/41)
- يحرم الجمع بين اثنين إذا فرضت كل واحدة منهما ذكرا حرم النكاح بينهما فيحرم الجمع بين الأختين ( 1 ) : لأننا إذا فرضا واحدة منهما رجلا فإنه لا يجوز له أن يتزوج أخته وكذلك الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها فإننا لو فرضنا واحدة منهما ذكرا لم يحل له أن ينكح الأخر فلو فرضنا العمة ذكرا كانت عما لا يجوز له نكاح بنت أخيه ولو فرضنا البنت ذكرا كانت الأخرى عمته فلا تحل له ولو فرضنا الخالة ذكرا كان خالا لا يجوز له نكاح بنت أخته وإذا فرضنا البنت ذكرا كانت الأخرى خالته لا تحل له وهكذا وعلى هذا يصح الجمع بين امرأة وبنت زوجها فإذا كان لشخص زوجة وله بنت من غيرها ثم طلقها أو مات عنها صح لآخر أن يتزوجها هي وبنت ذلك المطلق لأننا إذا فرضنا المرأة ذكرا كانت البنت أجنبية منه وله أن يتزوجها وكذا إذا فرضنا البنت ذكرا . ومثل بنت الزوج أم الزوج فيجوز الجمع بينها و بين الزوجة لأنهما أجنبيان عن بعضهما بعد الطلاق أو الموت
وكذلك لا يجوز الجمع بين عمتين لبعضهما أو خالتين كذلك وصورة الأولى : أن يتزوج رجلان كل واحد منهما أم الآخر فتلد له بنتا فتكون كل من البنتين عمة للأخرى لأنها تكون أخت أبيها لأمها فإذا تزوج زيد أم عمرو وجاءت منه ببنت كانت البنت أختا لعمرو من أمه فإذا تزوج عمرو أم زيد وجاءت منه ببنت كانت البنت أختا لزيد من أمه فكلتا البنتين أخت لأب الأخرى فتكون عمة للأخرى فلا يحل الجمع بينهما
وصورة الثانية : أن يتزوج كل من الرجلين بنت الآخر فإذا تزوج زيد زينب بنت عمرو فولدت له هندا كان عمرو جد هند لأمها فإذا تزوج عمرو فاطمة بنت زيد فولدت له فريدة خالة هند أخت أمها زينب بنت عمرو وكانت هنا خالة فريدة أخت أمها فاطمة بنت زيد
وكذا يحرم الجمع بين العمة والخالة وصورتهما أن يتزوج الرجل امرأة ويزوج ابنه أمها وتلد كل واحدة منهما بنتا فتكون بنت الابن خالة بنت الأب أخت أمها وتكون بنت الأب عمة بنت الابن أخت أبيها . وقد قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم : " لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى " رواه أبو داود وغيره . وقال الترمذي : حسن صحيح
فإذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما فسخ العقد على تفصيل في المذاهب
هذا ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب إلا في أمور سيأتي بيانها في مباحث الرضاع
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : إذا جمع بين أختين ونحوهما ممن لا يحل الجمع بينهما فلا يخلو إما أن يجمع بينهما في عقدين متفرقين أو يجمع بينهما بعقد واحد فإن جمع بينهما في عقد واحد يفرق بينهما وبينه فإن كان قبل الدخول فلا شيء لهما وإن كان بعد الدخول فإن كان سمى لكل واحدة منهما مهرا فإن كان أقل من مهر مثلها أخذته وإن كان أكثر من مهر المثل أخذت مهر المثل فبالدخول تستحقان المهر الأقل فإن كان المسمى أقل أخذتاه وإن كان مهر المثل أقل أخذتاه أما إذا جمع بينهما في عقدين فلا يخلو إما أن يكون عالما بالعقد الأول من العقدين أو لا فإن كان عالما به صح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية فيفترض عليه أن يفارقها فإن لم يفعل وعلم القاضي وجب عليه أن يفرق بينهما ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها ولا يترتب على العقد حكم أما إذا كانت بعد الدخول والوطء فإنه يتقرر لها الأقل من مهر المثل والمهر المسمى كما تقدم وعليها العدة و يثبت النسب له . وفي حالة وطء الثانية يجب عليه أن لا يطأ الأولى التي وقع عقدها صحيحا فإنها تصير محرمة عليه إلى أن تنقضي عدة أختها أما إذا لم يطأ الثانية فإن له أن يطأ التي صح نكاحها لأن مجرد العقد الفاسد لا يترتب عليه شيء قبل الوطء
فإذا لم يكن عالما بالعقد الأول بل نسيه ولم يمكنه البيان فإنه يفترض عليه أن يفارق الاثنتين فإن لم يفعل وعلم القاضي وجب عليه أن يأمر الزوج بالبيان فإذا لم يبين فرق بينهما ويكون تفريق القاضي طلاقا ينقص به عدد الطلقات ثم إذا أراد أن يتزوج واحدة منهما فإن كان قبل الدخول فإن له ذلك فورا وإن كان بعد الدخول فإنه لا يصح إلا بعد انقضاء عدتهما وإذا انقضت عدة إحداهما دون الأخرى صح له أن يتزوج التي لم تنقض عدتها لأنه إذا تزوج التي انقضت عدتها كان جامعا بين الأختين لأنه يشترط لصحة العقد على الأخت انقضاء عدة الأخت المطلقة
أما المهر للمعقود عليهما بعقدين لم يعلم السابق منهما فلا يخلو حاله من أن تكون الفرقة قبل الدخول أو بعده وفي كلتا الحالتين إما أن يكون قد سمى لكل واحدة مهرا أو لا فإن كانت الفرقة قبل الدخول كان لهما معا نصف المهر بشرطين :
الشرط الأول : أن يسمي لهما مهرا في العقد
الشرط الثاني : أن يكون المهر المسمى لكل واحدة منهما مساويا لمهر الأخرى . فإن لم يسم مهرا أصلا لا يستحقان مهرا وإنما يستحقان متعة - وسيأتي بيان المتعة في الصداق - وإن سمى لكل منهما مهرا يخالف مهر الأخرى استحقت كل واحدة منهما ربع مهرها المسمى
أما بعد الدخول بهما فإن مهرهما صار لازما مقررا ولكن كيف تستحقان المهر ؟ إن هذه المسألة تشتمل على نكاح صحيح ونكاح فاسد بلا شك ولكن لا يدري أيتهما صاحبة العقد الصحيح ومعلوم أن العقد الصحيح يستلزم كل المهر المسمى أو مهر المثل عند عدم التسمية والعقد الفاسد يستلزم العقر - والعقر هو صداق المرأة إذا نكحت بشبهة
فالمراد بالعقر ما يترتب على الوطء بشبهة النكاح الفاسد وهو الأقل من المسمى ومن مهر المثل بمعنى أنها تستحق الأقل من المهرين فإن كان المسمى أقل من مهر المثل وإن كان مهر المثل أقل استحقته ولا يمكن في هذه الحالة إعطاء إحداهما المهر الذي يستلزمه الصحيح والأخرى المهر الذي يستلزمه الفاسد لعدم معرفة العقد الصحيح من غيره فبماذا يحكم لكل منهما حينئذ ؟ إن المعقول هو أن يؤخذ المتيقن وتقتسمانه بينهما وتوضيح ذلك أنه إذا سمى لكل منهما مائة جنيه مهرا وكان مهر مثل كل منهما مائة جنيه كذلك أخذ مائة من المسمى ومائة من مهر المثل واقتسمتاه بينهما لكل منهما مائة وإذا سمى لكل واحدة مائة جنيه وكان مهر مثل إحداهما ثمانين من المسمى وهو مائة وأقل المهرين من مهر المثل أعني السبعين فيكون المجموع مائة وسبعين فتقتسماه بينهما مناصفة وإذا سمى لإحداهما مائة وللأخرى ثمانين وكان مهر مثلهما متحدا سبعين مثلا فإنه يؤخذ أقل المسميين وهو ثمانون وأحد المهرين المتساويين وهو سبعون وتقتسمانه وإذا سمى لإحداهما ثمانين وللأخرى سبعين وكان مهر مثلهما مختلفا أيضا بأن كان مهر إحداهما تسعين والأخرى ستين فإنهما تعطيان أقل المسميين . وهو سبعون وأقل المهرين وهو ستين وتقتسمانه أيضا
وبعضهم يرى أنه إذا سمى لكل منهما مهرا يساوي مهر الأخرى وكان مثلهما متساويا أيضا وجب أن يأخذا كل المهر المسمى أما إذا لم يتحد المسمى أو لم تتحدا في مهر المثل وجب لكل واحدة منهما الأقل من المسمى ومهر المثل ترجيحا للنكاح الفاسد إذ ليست واحدة منهما أولى من صاحبتها باعتبار العقد الصحيح والظاهر أن التقسيم الأول
أقرب إلى العدل كما لا يخفى
المالكية - قالوا : إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما في عقدين بأن عقد على إحداهما أولا وعلى الأخرى ثانيا فلا يخلو إما أن يدخل بها أو لا فإن لم يدخل بها وأقرته على دعواه من أنه عقد عليها بعد الأولى فسخ عقد الثانية بلا طلاق ولا شيء لها وكذا إذا لم تقره و لكن ثبت كونها الثانية ببينة فإنه يفسخ بلا طلاق ولا شيء لها من المهر أما إذا لم تقره على دعواه أنها الثانية بل قالت : لا علم لي أو قالت : إنها الأولى ولا بينة فسخ العقد بطلاق ولا شيء لها من الصداق بشرط أن يحلف الرجل أنها الثانية فإن نكل عن اليمين ثبت لها عليه نصف المهر بمجرد النكول إن قالت لا علم لي أما إن ادعت أنها الأولى لا تستحق نصف الصداق إلا إذا حلفت انها الأولى فإن نكلت فلا تستحق شيئا أبدا . أما إذا دخل بها فإن العقد يفسخ بطلاق ويكون لها المهر كاملا ولا يمين عليه ويبقى على نكاح الأولى بدعواه من غير تجديد عقد
وكذا إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما كالأختين أو البنت وعمتها في عقد واحد فإنه يفسخ بلا طلاق أبدا لأنه مجمع على فساده وتزيد الأم وبنتها تأبيد التحريم فإذا جمع بين الأم وبنتها كان لذلك ثلاث حالات : الحالة الأولى أن يدخل بهما معا وفي هذه الحالة يتأبد تحريمها عليه فلا تحل له واحدة أبدا وعليه صداقهما وإن مات لا إرث لواحدة منهما لأن العقد مجمع على فساده وهذه الأحكام تجري أيضا فيما إذا عقد على إحداهما أولا ثم مات لا ترثه واحدة منهما ويفسخ العقد بلا طلاق . الحالة الثانية أن يجمع بينهما في عقد واحد ولم يدخل بواحدة منهما وفي هذه الحالة يفسخ نكاحهما ويكون له الحق في تجديد العقد على أيهما شاء فتحل له الأم بعقد جديد ومعلوم أن البنت لا تحرم إلا بالدخول على الأم فلا تحرم بالعقد الصحيح فمن باب أولى لا تحرم بالعقد الفاسد فإن جمع بينهما بعقدين مترتبين ولم يدخل بواحدة صح عقد الأولى ويفسخ عقد الثانية بلا خلاف سواء كانت الأم أو البنت ثم إن كانت الأم هي الثانية فهي حرام أبدا لأن العقد على البنات يحرم الأمهات وإن كانت البنت فله أن يطلق أمها قبل الدخول بها و يتزوجها . الحالة الثالثة : أن يجمع بينهما في عقد واحد ويدخل بواحدة منهما فيفسخ نكاحهما ويتأبد تحريم من لم يدخل بها سواء كانت البنت أو الأم وتحل له التي دخل بها بعقد جديد بعد الاستبراء فإذا جمع بينهما في عقدين مترتبين وكان المعقود عليها أولا البنت ثم دخل بها هي صح وكانت زوجة له شرعية بصحيح العقد وتأبد تحريم أمها عليه وإن كان المعقود عليها الأم ودخل بها دون البنت صح وثبت على المشهور وتأبد تحريم البنت بالدخول على أمها وقيل : يتأبد تحريم الاثنين لأن العقد على البنت يحرم الأم وإن كان فاسدا
أما إذا دخل بالمعقود عليها ثانيا فإن كانت البنت فرق بينه وبينها ولها صداقها وله تزويجها بعد الاستبراء وتأبد عليه تحريم أمها وإن كانت الأم قد حرمت عليه أبدا أما تحريم الأم فإن العقد الصحيح على بنتها - وهو الأول - يحرمها باتفاق وأما البنت فلأن الدخول على الأم يحرم البنت ولو كان العقد فاسدا ولا ميراث
وإن عقد عليهما عقدين مترتبين ولم يدخل بهما ومات ولم تعلم السابقة منهما كان لكل واحدة منهما نصف صداقها سواء اختلف الصداقان أو استويا في القدر ولهما ميراثهما فيه لوجود سببه وهو العقد الصحيح في إحداهما وجهل مستحقه وإنما كان لها نصف الصداق مع أن الصداق يكمل بالموت لأن نكاح إحداهما فاسد بلا كلام فلا تستحق شيئا وإحداهما نكاحها صحيح بلا كلام فتستحق الصداق كاملا ولكن لما كان الصحيح غير معلوم من الفاسد استحقتا صداقا تقتسمانه لأن الوارث يقول لكل منهما : أنت ثانية فلا صداق لك لفساد عقد نكاحك
ونظير ذلك من بعض الوجوه ما إذا تزوج خمسا في عقود مترتبة أو أربعا في عقد واحد وأفرد الخامسة بعقد ومات ولم تعلم الخامسة التي هي الأخيرة وهي صاحبة النكاح الفاسد فإنهن يشتركن في الميراث أخماسا لكل واحدة خمس ما فرض لهن من ربع إن لم يكن له ولد وثمن إن كان له ولد ثم إن كان قد دخل بالجميع كان لواحدة منهن صداقها كاملا وإذا دخل بأربع كان لهن الصداق ولغير المدخول بها نصف صداق لأنها تدعي أنها ليست بخامسة والوارث يكذبها فيقسم الصداق بينها وبين الوارث وإن دخل بثلاث كان لكل واحدة صداقها وللاثنتين الباقيتين صداق ونصف لأن الوارث ينازعهما في صحة العقد في فيشترك معهما فيأخذ نصف صداق إحداهما وهي التي يحتمل أنها خامسة فيبقى بينهما صداق ونصف تقتسمانه لكل منهما ثلاثة أرباعه وإن دخل باثنتين فللباقي صداقان ونصف وذاك لأن لاثنتين منهن صداقين كاملين قطعا لأنهما تكملان الأربعة وأما الثالثة وهي التي تحمل أن تكون خامسة فينازعها الوارث ويقول لها : أنت خامسة لا تستحقين شيئا فيشاركها في نصف صداقها ويبقى لهن صداقان ونصف لكل واحدة منهن ثلاثة أرباع صداقها وثلث ربعه وإن شئت قلت : خمسة أسداس صداقها وإن دخل بواحدة كان للباقي ثلاثة أصدقة ونصف لأن الوارث يشاركهن في نصف صداق واحدة على الوجه المشروح
( يتبع . . . )
(4/42)
الشافعية - قالوا : إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما كأختين أو بنت وأم فلا يخلو إما أن يجمع بينهما بعقد واحد أو يجمع بينهما بعقدين مرتين فإن جمع بينهما بعقد واحد بطل في الاثنتين إذ لا أولية لواحدة على الأخرى ويفسخ قبل الدخول بدون استحقاق لها في صداق أو غيره . أما بعد الدخول فإنه تجري فيه الأحكام السابقة فإن كانتا أختين ووطئهما حرمتا عليه لأن الوطء المبني على النكاح الفاسد يوجب الحرمة وإن جمع بين أم وبنتها ووطئ الأم حرمت البنت عليه مؤبدا لأن الدخول بالأمهات يوجب تحريم البنات ولو كان العقد فاسدا أما إذا لم يدخل بالأم فإن البت لا تحرم وتحرم الأم بوطء البنت بالنكاح الفاسد أما بالعقد الفاسد فلا تحرم الأم . وعلى كل حال فإنه يجب في الوطء بنكاح فاسد مهر المثل وقت الوطء لا وقت العقد إذ لا حرمة للعقد الفاسد . ولا يتعدد المهر بتعدد الوطء إن اتحدت الشبهة فلو جامع البنت أو أمها عدة مرات بناء على العقد الفاسد كان عليه مهر واحد في جميع المرات أما إذا اختلفت الشبهة كأن فرق بينه وبينهما لعدم صحة العقد ثم وجد إحداهما نائمة فظنها امرأته فوطئها كلن عليه مهر آخر لتعدد الشبهة وقد عرفت مما تقدم أن الشبهة الثانية يقال لها شبهة الفاعل أما الشبهة الأولى وهي شبهة النكاح الفاسد فإنه يقال لها شبهة الطريق . وهناك شبهة ثالثة يقال لها شبهة المحل ومثالها أن يطأ الأب أمة ولده ظنا منه أن ملك ابنه ملك له فاشتبه في حل المحل أما الوطء بدون شبهة فإنه لا يوجب مهرا وذلك كما إذا أكره على وطء امرأة أو وجد امرأة نائمة فأولج فيها بدون شبهة وهذا زنا وقد تقدم أن الوطء بشبهة يثبت به النسب والميراث وتثبت به العدة وسيأتي بيان الشبهة في مبحثها
هذا إذا جمع بينهما في عقد واحد . أما إذا جمع بينهما في عقدين متواليين فإن عرف العقد الأول ولم ينس بطل العقد الثاني وصح الأول فإذا عقد على البنت أولا ثم عقد على أمها ثانيا صح الأول وبطل الثاني وهو قبل الدخول لا أثر له أما إذا دخل بأمها حرمت عليه بنتها مؤبدا على الوجه السابق لأن الوطء بالعقد الفاسد يحرم وإن كانت الأولى الأم ولم يدخل بها فالأمر ظاهر وإلا حرمت البنت وإن نسي العقد الأول ولم تعرف السابقة يقينا وجب التوقف فلا يحل له وطء واحدة منهما حتى يتبين الحال كما لا يحل لأحد أن يتزوجها قبل أن يطلقهما معا أو يموت عنهما هذا إذا كان يرجى معرفة العقد السابق أما إذا كان ميئوسا من معرفته فإن لهما أن يرفعا أمرهما إلى الحاكم وهو يفسخ العقد دفعا للضرر وهذه المسألة نظير ما إذا زوجها وليان لزوجين ولم يعلم أيهما الأول كما تقدم ومثل ذلك ما إذا جهل السابق منهما أو جهل صدورهما معا فإن العقدين يبطلان على كل حال
الحنابلة - قالوا : إذا جمع بين اثنتين لا يحل له جمعهما في عقد واحد كأختين وقع العقد باطلا وعليه فرقتهما بطلاق فإن لم يطلق فسخه الحاكم ثم إن وقع الفسخ قبل الدخول والخلوة الصحيحة فلا مهر لهما وشلا متعة ولو مات عنهما لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه أما بعد الدخول أو الخلوة فإنهما يجب لهما مهر المثل الذي يجب في النكاح الباطل المجمع على بطلانه كالجمع بين الأختين في عقد أو العقد على امرأة خامسة أو العقد على المعتدة فإن كل هذا باطل باتفاق وإنما وجب فيه المهر بالوطء لحديث عائشة المتقدم " ولها الذي أعطاها بما أصاب منها " ومثلها التي وطئت بشبهة أو وطئت بزنا كرها عنها لقوله صلى الله عليه و سلم : " فلها بما استحل من فرجها " أي نال منها بالوطء . فإذا عقد عليهما في عقدين متواليين ولكن لم يعرف الأولى منهما فإنه يجب عليه أن يطلقهما معا وإن لم يفعل فرق بينهما الحاكم ولكن يجب في هذه الحالة نصف المهر لإحداهما . إذ لا بد من كون واحدة منهما عقدها صحيح فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر ولكن لما كانت غير معلومة بحيث لم تعرف أيتهما صاحبة العقد الصحيح أقرع بينهما فمن وقعت عليها القرعة استحقت نصف المهر أما إذا دخل بهما فقد عرفت أن لهما المثل . فإن دخل بإحداهما دون الأخرى استحقت المدخول بها المهر كاملا وبقيت الأخرى من غير أن يعرف حالها فيعمل في شأنهما معا بالقرعة . فإن وقعت القرعة على غير المدخول بها استحقت نصف المهر . والأخرى لها صداقها كاملا بالدخول وإن لم تقع القرعة عليها فلا شيء لها وللأخرى مهرها بالدخول
أما إذا عقد عليهما عقدين مترتبين وعرف السابق منهما فإن الأول يقع صحيحا . والثاني يبطل . وقد عرفت أن العقد الفاسد يوجب حرمة المصاهرة فمن عقد على بنت وأمها عقدين في آن واحد حرمت الأم عليه مؤبدا وكذا إذا وطئ الأم بهذا العقد الفاسد فإن بنتها تحرم عليه بالوطء مؤبدا )
(4/43)
مبحث المحرمات لاختلاف الدين
(4/44)
- المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع :
الأول : لا كتاب لهم سماوي ولا شبهة كتاب وهؤلاء هم عباد الأوثان وهي التماثيل المنحوتة من خشب أو حجر أو فضة أو جواهر أو نحو ذلك . أما الأصنام فهي الصور التي لا جثة لها كالصور المطبوعة في الورق ونحوه . وقيل لا فرق بين الصنم والوثن فهما اسمان للآلهة التي يعبدونها من دون الله ويرمزون لها بالأشكال المختلفة من صور وتماثيل ويدخل فيها الشمس والقمر والنجوم والصور التي استحسنوها . ويلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة . والرافضة الذين يعتقدون أن جبريل غلط في الوحي فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي . أو يعتقدون أن عليا إله أو يكذب بعض آيات القرآن فيقذف عائشة
ومن عبدة الأوثان الصابئة وهم الذين يعبدون الكواكب ومن فهم أن مناكحتهم حلال فهم أن لهم كتابا يؤمنون به
الثاني : قسم له شبهة كتاب وهؤلاء هم المجوس الذين يعبدون النار ومعنى كون لهم شبهة أنه قد أنزل على نبيهم - وهو زرادشت - كتاب فحرفوه وقتلوا نبيهم فرفع الله هذا الكتاب من بينهم وهؤلاء لا تحل مناكحتهم باتفاق الأئمة الأربعة وخالف داود فقال بحلها لشبهة الكتاب
الثالث : قسم له كتاب محقق يؤمن به كاليهود الذين يؤمنون بالتوراة . والنصارى الذين يؤمنون بالتوراة والإنجيل فهؤلاء تصح مناكحتهم بمعنى أنه يحل للمؤمن أن يتزوج الكتابية ولا يحل للمسلمة أن تتزوج الكتابي كما لا يحل لها أن تتزوج غيره فالشرط في صحة النكاح أن يكون الزوج مسلما
ودليل ذلك قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } وقوله مخاطبا الرجال : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } فهاتان الآيتان تدلان على أنه لا يحل للرجل أن ينكح المشركة على أي حال كما لا يحل للمرأة أن تنكح المشرك على أي حال إلا بعد إيمانهم ودخولهم في المسلمين
وقد خصص من هؤلاء الكتابية للرجل المسلم بقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } فهذه الآية تفيد حل الكتابية بالنص ولو قالت إن المسيح إله أو ثالث ثلاثة وهو شرك ظاهر فأباحهن الله لأن لهن كتابا سماويا
وهل إباحتهم مطلقة أو مقيدة بالكراهة ؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب ( 1 )
ولا يشترط في الكتابية أن يكون أبواها كتابيين بل نكاحها ولو كان أبوها أو أمها وثنيا ما دامت هي كتابية ( 2 )
_________
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتح لباب الفتنة فقد ترغمه على التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير دينه ويزج نفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها عرضها وغير ذلك من المفاسد فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه مكروه تحريما لما يترتب عليه من المفاسد إما إذا كانت ذمية ويمكن إخضاعها للقوانين الإسلامية فإنه يكره نكاحها تنزيها
المالكية - لهم رأيان في ذلك أحدهما : أن نكاح الكتابية مكروه مطلقا سواء كانت ذمية أو حربية . ولكن الكراهة في دار الحرب أشد . ثانيهما : أنه لا يكره مطلقا عملا بظاهر الآية لأنها قد أباحته مطلقا وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير ولا الذهاب إلى الكنيسة وليس له من ذلك وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين أما في دار الحرب فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية
وقد يقال : إن هذه المحظورات محرمة . ومذهب مالك مبني على سد الذرائع فإذا ترتبت على نكاح الكتابية هذه المفاسد أو خيف منها كان الإقدام على العقد محرما
وقد يجاب بأن محل هذا عند عدم وجود النص أما وقد أباح الله نكاح الكتابية فلا بد أن تكون المصلحة في إباحتها إذ قد يترتب على مصاهرة الكتابي مصلحة للدين وإعزاز له أو دفع للمشاكل والقضاء على الأحقاد والضغائن فضلا عما في ذلك من إعلان سماحة الدين وتساهله مع المخالفين في العقيدة من أهل الكتاب فإن الدين يبيح للرجل أن يقترن بالكتابية وهي على دينها لا يضمر عداء لهؤلاء المخالفين ولا يبطن لهم حقدا وإنما لم يبح للمرأة أن تتزوج الكتابي لأن المرأة مهما قيل في شأنها لا يمكنها أن تقف في سبيل زوجها غالبا فتكون مهددة بتغيير دينها وأولادها لا محالة أن يتبعوا أباهم وهي لا تستطيع ردهم والإسلام وإن تسامح فيما يجدد الروابط فإنه لا يمكنه التسامح فيما يخرج المسلم من دينه أو يجعل ذريته من غير مسلمين فهو قد أباح الكتابية للمسلم ونهاه عن إكراهها على الخروج من دينها أما الأديان الأخرى فليس فيها هذا الضمان ولما كان الرجل قويا في الغالب جعل أمر ضمانه هو وأولاده موكولا لقوة إرادته وحال بين المرأة ضعيفة الإرادة وبين تزوجها من الرجل الكتابي
الشافعية - قالوا : يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار الإسلام وتشتد كراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض المالكية ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطا :
الأول : أن لا يرجو إسلام الكتابية . ثانيا : أن يجد مسلمة تصلح له . ثالثها : أنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا فإن كان يرجو إسلامها فيسن له تزوجها وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسن له التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية وإذا لم يتزوج الكتابية يخشى عليه الزنا يسن له دفعا لهذا
ومن هذا يتضح أن المسألة دائرة وراء المصلحة والمفسدة فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج ممدوحا وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروها
الحنابلة - قالوا : يحل نكاح الكتابية بلا كراهة لعموم قوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } والمراد بالمحصنات الحرائر )
( 2 ) ( الشافعية و
الحنابلة - قالوا : يشترط في حل نكاح الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابيا وأمها وثنية لا تحل حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها وصارت كتابية على المعتمد عند الشافعية )
Tidak ada komentar:
Posting Komentar