ABDUL HAMID MUDJIB HAMID BERSHOLAWAT

Sabtu, 26 Maret 2011

فضل أبي بكر الصديق,عمر الفاروق ,ذي النورين : عثمان بن عفان,أبي السبطين: علي و فضل الستة بقية العشرة رضي الله عنهم

فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
================================
بواسطة | د. ناصر بن علي الشيخ
================================
ينبغي للمسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن أفضل البشر بعد الأنبياء هو صدّيق هذه الأمة المحمدية وهو أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التميمي يجتمع نسبه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب وأم الصديق أم الخير سلمى بنت صخر بن عامب بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بنت عم أبيه وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو ، وهما صحابيان رضوان الله عليهما أجمعين(1) .
لقب بالصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ وروى الطبراني من حديث علي : (( أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق )) (2) . وقيل : كان ابتداء تسميته بالصديق صبيحة الإسراء فقد روة أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح قال نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فلذلك سمي أبو بكر الصديق )) (3) .
صحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وسبق إلى الإيمان به واستمر معه طول إقامته بمكة ورافقه في الهجرة وفي الغار وفي المشاهد كلها إلى أن مات وكانت الراية مه يوم تبوك وحج بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم(4) وقد دل على أنه أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، أما دلالة لكتاب فمن ذلك ما يلي :
1- قال تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل اللهُ سكينته عليه }(5) . أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب المذكور في الآية هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه )) (6) . أخرج ابن عساكر عن سفيان ابن عيينة قال : عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر وحدخ فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار }(7) .قال ابن جرير رحمه الله تعالى : (( وإنما عنى الله – جل ثناؤه – بقوله { ثاني اثنين } رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش إذ هما بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار وقوله : { إذ هما في الغار } يقول : إذ روسل الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رحمة الله عليه في الغار والغار : النقب العظيم يكون في الجبل { إذ يقول لصاحبه } يقول : إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر : { لا تحزن } وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما فجزع من ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن لأن الله معنا ، والله ناصرنا فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا )) اهـ(8) . وقال الحافظ ابن كثير : { إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين } أي : عام الهجرة لما هم المشركون بقتل ، أو حبسه ، أو نفيه فخرج منهم هارباً صحبه صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر رضي الله يجزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إلى الرسول عليه الصلاة والسلام منهم أذى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسكنه ويثبته ويقول : (( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) (9) … ولهذا قال تعالى { فأنزل الله سكينته عليه } أي تأييده ونصره عليه أي : على الرسول صلى الله عليه وسلم في أشهر القولين وقيل : على أبي بكر وروي عن ابن عباس وغيره قالوا : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل معه سكينة وهذا لا ينافي تجدد يكينة خاصة بتلك الحال )) اهـ(10) . وقال أبو بكر بن العربي : بعد قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) وهذه مرتبة عظى وفضيلة شماء لم يكن بشر أن يخبر عن الله – سبحانه – أنه ثالث اثنين أحدهما أبو بكر ، كما أنه قال : مخبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر { ثاني اثنين } اهـ(11) .فالآية دلت دلالة واضحة على فضل أبي بكر رضي الله عنه حيث جعله الله ثاني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { ثاني اثنين إذ هما في الغار } وما ذلك إلا لأن الصديق بلغ النهاية في الفضل رضي الله عنه وأرضاه .
2- وقال تعالى : { والذي جاء بالصّدق وصدَّق به أولئك همُ المتقون }(12) .
روى ابن جرير بإسناده إلى علي رضي الله عنه في قوله : { والذي جاء بالصدق } قال : محمد صلى الله عليه وسلم { وصدق به } قال : أبو بكر رضي الله عنه(13) .وهذه الآية أيضاً تضمنت فضيلة عظيمة ومنقبة عالية لأبي بكر رضي الله عنه ، وهي أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة من مكة إلى المدينة وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه عليه الصلاة والسلام .
3- قال تعالى { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير }(14) . ذهب كثير من المفسرين منهم عبد الله بن عباس وابن مسعود وعبد الله ابن عمر ومجاهد والضحاك إلى أن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما(15) .
4- وقال تعالى : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى }(16) .
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { فسنيسره لليسرى } قال : الجنة(17) .
وقد ذكر العلامة ابن جرير الطبري أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه فقد روى بإسناده إلى عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بني أراك تعتق أناساً ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالاً جلداً يقومون معك ، ويمنعونك ويدفعون عنك قال : أي أبت إنما أريد ما عند الله . قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه { فأما من أعطى واتقى وصدَّق بالحسنى فسنيسره لليسرى }(18) .
5- وقال تعالى : { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحدٍ عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى }(19) . هذه الآيات ذكر الكثير من المفسرين أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وهذه الآيات فيها إخبار من الله تعالى أنه سيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى الموضح بقوله : { الذي يؤتي ماله يتزكى } أي : يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا { وما لأحد عنده من نعمة تُجزى } أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً ، فهو يعطي في مقابلة ذلك ، وإنما دفعه ذلك { ابتغاء وجه ربه الأعلى } أي : طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ، ثم ختم – تعالى – الآيات بقوله : { ولسوف يرضى } أي : ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات(20) .
قال الحافظ ابن كثير (( وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ، ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله تعالى { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحدٍ عنده من نعمة تجزى } ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ، فإنه كان صديقاً تقياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ، ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ، ولهذا قال له عروة بن مسعود : وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ولهذا قال تعالى : { وما لأحد عنده من نعمةٍ تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى }(21) .تلك هي بعض آيات القرآن الكريم الدالة على أن أبا بكر أفضل الخلق بعد النبي عليه الصلاة والسلام .
وأما الأحاديث الدالة على أفضليته رضي لله عنه فكثيرة جداً ومنها ما يلي :
1- روى الشيخان في صحيحهما من حديث أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال : (( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) (22) .
هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وتلك المنقبة أن رضي الله عنه كان ثاني اثنين ثالثهما رب العالمين . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وتلك المنقبة أنه رضي الله عنه كان ثاني اثنين ثالثهما رب العالمين .قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه والفضيلة من أوجه منها هذا اللفظ ومنها بذلد نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه ومنها جعله نفسه وقاية عنه غير ذلك )) اهـ(23) .
2- روى البخاري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : (( إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله )) قال : فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً(24) غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر )) (25) .وعند مسلم (( لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )) (26) .وهذا الحديث فيه فضيلة لأبي بكر حيث كان أعلم الصحابة رضي الله عنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما يقوله عليه الصلاة والسلام فقد فهم أبو بكر رضي الله عنه المراد بالعبد المخير وأنه الرسول صلى الله عليه وسلم فبكى حزناً على فراقه وانقطاع الوحي وغير ذلك من الخير المستمر الذي حصل ببعثته عليه الصلاة والسلام للناس كافة على وجه الأرض .
قال الإمام النووي : قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن أمنّ الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر )) قال العلماء : معناه أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وفي غيره )) اهـ(27) . وقال القرطبي : هو من الامتنان ، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لامتن بها يؤيده قوله في رواية ابن عباس : (( ليس أحد أمنّ علي )) والله أعلم(28) .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )) الخوخة – بفتح الخاء – وهي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه .وفي هذا فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه )) (29) .
3- روى الخاري بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي )) وفي رواية قال : (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل )) (30) . وعند مسلم من حديث ابن مسعود : (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه أخي وصاحبي ، وقد اتخذ الله – عز وجل – صاحبكم خليلاً )) (31) .ففي هذا الحديث على اختلاف ألفاظخ فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد بين عليه الصلاة والسلام أنه لو صلح له أن يتخذ أحداً من الناس خليلاً لاتخذ أبا بكر دون سواه ، وأنه رضي الله عنه كان متأهلاً لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً لولا المانع المذكور في الحيث . فهذه منقبة عظيمة للصديق رضي الله عنه لم يشاركه فيها أحد .قال الحافظ عند قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قبل هذا : (( ولكن أخوة الإسلام ومودته )) أي : حاصلة ووقع في حديث ابن عباس ولكن أخوة الإسلام أفضل – وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحداء بلفظ (( ولكن خلة الإسلام أفضل )) وفيه إشكال فإن الخلة أفضل من أخوة الإسلام لأنها تستلزم ذلك وزيادة ، فقيل المراد أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره ، وقيل : أفضل بمعنى فاضل ، ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لأن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوة الإسلام ومودته متفاوته بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره والله أعلم )) اهـ(32) .
4 – وروى الشيخان من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيه فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال (( عائشة )) فقلت من الرجال ؟ قال : (( أبوها )) قلت ثم من ؟ قال : (( ثم عمر ابن الخطاب )) فعد رجالاً(33) .هذا الحديث فيه تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ، ثم عمر على جميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين )) (34) .فكون أبي بكر أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه له فضلاً كثيراً وأنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
5- ورويا أيضاً : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع ليس لها راع غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث )) قال الناس – سبحان الله – فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فإن أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما )) (35) . وهذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر بن الخطاب ظاهرة لأبي بكر وعمر حيث أخبر عليه الصلاة والسلام أنهما يؤمنان بذلك ولم يكونا في القوم عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
قال الإمام النووي : عند قوله صلى الله عليه وسلم : (( فإني أومن به وأبو بكر وعمر )) قال العلماء : (( إنما قال ذلك : ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما لعظيم سلطان الله وكمال قدرته ففيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما )) اهـ(36) .وقال الحافظ : (( ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما ، وهذا أليق بدخوله في مناقبهما )) اهـ(37) .
6- روى الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها وهو حديث السقيفة الطويل وفيه أن أبا بكر قال للأنصار : (( ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب داراً ، وأعربهم أحساباً . فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس … الحديث )) (38) .فعمر رضي الله عنه بين بأن الصديق أفضل الناس وخيرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قدموه في الخلافة لأنه الأحق والأفضل .
7- وروى أيضاً : بإسناده إلى محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبو بكر قلت ثم من ؟ قال : عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين(39) . قال الحافظ : (( قوله وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين )) في رواية محمد بن سوقة (( ثم عجلت للحداثة فقلت : ثم أنت يا أبت فقال : أبوك رجل من المسلمين )) زاد في رواية الحسن بن محمد (( لي ما لهم وعليَّ ما عليهم )) وهذا قاله علي تواضعاً مع معرفته حين المسألة المذكورة أنه خير الناس يومئذ لأن ذلك كان بعد قتل عثمان : وأمّا خشية محمد ابن الحنفية أن يقول عثمان فلأن محمداً كان يعتقد أن أباه أفضل فخشي أن علياً يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة )) (40) .
8- وروى البزار – كما في مجمع الزوائد – عن شقيق قال : قيل لعلي ألا تستخلف قال ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف عليكم وإن يرد الله – تبارك وتعالى – بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم )) (41) .
9- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عليّ رضي الله عنه أنه قال لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها قال : قلت : بل ولم أكن أرى أن أحداً أفضل منه قال : أفضل هذه الأمة رعد نبيها أبو بكر وبعد أبي بكر عمر وبعدهما آخر ثالث ولم يسمه )) (42) . فقد صرّح الإمام علي رضي الله عنه بأن الصديق خير الناس وأفضلهم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم .
10 – وروى البخاري بإسناده إلى عمار بن ياسر قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر )) (43) . وهذا الحديث تضمن منقبة عظيمة وفضيلة خاصة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث لم يسبقه أحد من الرجال الأحرار للدخول في الإسلام فدل هذا على أنه أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
11 – وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان ابن عفان رضي الله عنهم )) (44) .هذا الحديث دل على أن أفضلية أبي بكر كانت ثابتة في أيامه عليه الصلاة والسلام وأنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ رحمه الله تعالى : (( قوله : (( كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : نقول : فلان خير من فلان )) وفي رواية عبيد الله بن عمر في مناقب عثمان (( كنا لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم )) (45) وقوله : (( لا نعدل بأبي بكر )) أي : لا نجعل له مثلاً … ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر (( كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي : أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان )) (46) زاد الطبراني في رواية (( فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره )) … وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة )) (47) . وقال أبو سليمان الخطابي بعد حديث ابن عمر : (( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان رضي الله عنهم ، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم ))
وجه ذلك والله أعلم أنه أراد به الشيوخ الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم فيه ، وكان عليٌّ رضوان الله عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث السن ولم يرد ابن عمر الإزراء بعلي – رضي الله عنه – ولا تأخيره ودفعه على الفضيلة بعد عثمان وفضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة )) اهـ(48) . فقول ابن عمر : (( ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم )) لا يلزم منه أنهم تركوا التفاضل حينذاك ولا يلزم منه أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل عليّ على من سواه )) (49) . فالحديث دل على أن أبا بكر أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو مذهب أهل السنة والجماعة .
12 – وروى أيضاً بإسناده إلى أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أما صاحبكم فقد غامر فسلم )) وقال : يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال : (( يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً )) ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر(50) حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي )) مرتين فما أوذي بعدها . (50) هذا الحديث فيه بيان فضل أبي بكر ، فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على الفاروق رضي الله عنه حين حصل بينه وبين الصديق شيء فشعر الصديق أنه المخطئ على عمر فطلب منه الصديق أن يعفو عنه ويغفر له فأبى عليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ما حصل فاستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الفاروق ندم على عدم مغفرته للصديق فأخذ ففي البحث عنه فلم يجده في منزله فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده عنده فما أن وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد رأى تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم غضباً حتى أشفق الصديق من ذلك لئلا يصيب الفاروق من ذلك شيء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي بدأ فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضله ومناقبه ومنزلته عنده فقال لهم : (( إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي )) مرتين فما أوذي بعدها لما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه لأبي بكر رضي الله عنه .قال الحافظ : (( وفي الحديث من الفوائد فضل أبي بكر على جميع الصحابة وأن الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه وفيه جواز مدح المرء في وجهه ومحله إذا أمن عليه الافتتان والاغترار )) اهـ(51) . 13 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ )) قال أبو بكر : أنا ، قال : (( فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ )) قال أبو بكر أنا ، قال : (( فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ )) قال أبو بكر : أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اجتمعن في امرء إلا دخل الجنة )) (52) . هذا الحديث اشتمل على فضائل ظاهرة للصديق رضي الله عنه ، فإنه كان سباقاً إلى فعل الخيرات التي تقرب العبد من الجنة وتزحزحه من النار . قال النووي : قوله صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح منكم اليوم صائماً )) قال أبو بكر أنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم (( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة )) قال القاضي معناه : (( دخل الجنة بلا محاسبة ولا مجازاة على قبيح الأعمال وإلا فمجرد الإيمان يقتضي دخول الجنة بفضل الله تعالى )) (53) .
14 – وروى البخاري بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) فقال أبو بكر : إن أحد صقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنك لست تصنع ذلك خيلاء )) قال موسى : فقلت لسالم : أذكر عبد الله (( من جر إزاره )) قال : (( لم أسمعه ذكر إلا ثوبه )) (54) هذا الحديث تضمن فضيلة لأبي بكر وهو قوله له صلى الله عليه وسلم : (( إنك لست تصنع ذلك خيلاء )) حيث شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره رضي الله عنه وأرضاه .
15 – وروى أيضاً : بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال : (( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )) (55) دل هذا الحديث على منقبة عظيمة لأبي بكر رضي الله عنه وهي (( وصديق )) فقد لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللقب الشريف ومنزله الصديقين بينها الله تعالى بقوله : { ومن يُطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً }(56) فقد بين تعالى أن الصديق في الرمتبة الثانية بعد الأنبياء وفي مقدمتهم الصديق الأعظم أبو بكر رضي الله عنه .
16 – وروى أيضاً : بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول : رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيراً ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر )) فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو عليٌّ بن أبي طالب(57) .فهذا الحديث تضمن فضيلة الشيخين معاً والغرض منه دلالته على منقبة لأبي بكر الصديق وهي فضله على عمر وغيره لأنه كان المقدم عند النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في ذكره عنده عليه الصلاة والسلام .
17 – وروى البخاري أيضاً : بإسناده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه توضأ في بيته ، ثم خرج فقلت : لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا قال : فجاء المسجد فسأل عن النبي صى فقالوا : خرج ووجَه ههنا فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها(58) وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ، ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر فقلت : على رسلك ، ثم ذهبت فقلت : يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فأقبلت حتى قلت : لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت : إن يرد الله بفلان خيراً يريد أخاه يأ به فإذا إنسن يحرك الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب فقلت : على رسلك ثم جئت إلى رسول الله فسلمت عليه فقلت : هذا عمر بن لخطاب يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فجئت فقلت له : ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر ، ثم رجعت فجلست فقلت : إن يرد الله بفلان خيراً يأت به
فجاء إنسان يحرك الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : عثمان بن عفان فقلت : على رسلك فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه )) فجئته فقلت له : ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر قال شريك : قال سعيد بنالمسيب فأولتها قبورهم )) (59) .هذا الحديث فيه التصريح بفضل الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان ودل على أن أبا بكر أفضلهم لسبقه بالبشارة بالجنة ولجلوسه على يمين المصطفى عليه الصلاة والسلام .
18 – وروى البخاري أيضاً في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب – يعني الجنة – يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان )) فقال أبو بكر : ما عل هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة وقال : هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله قال : (( نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )) (60). هذا الحديث دل على فضيلة ومنقبة عالية للذديق رضي الله عنه تضمنها قوله صلى الله عليه وسلم : (( وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )) ورجاء النبي صلى الله عليه وسلم واقع محقق وفي هذا دلالة واضحة على فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم . قال العلامة ابن القيم موضحاً منقبة الصديق في هذا الحديث : (( لما سمعت همة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبره بحصوله وبشره بأنه من أهله وكأنه قال : هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها ؟ فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر هذه النفس )) اهـ(61) .وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قوله : (( فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعي من تلك الأبواب من ضرورة )) زاد في الصيام (( فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها )) وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات ، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له ، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه … وقوله : (( أرجو أن تكون منهم )) قال العلماء : الرجاء من الله ومن نبيه واقع وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه (( قال : أجل وأنت هو يا أبا بكر )) اهـ(62) .
19 – ومن مناقبه رضي الله عنه ما تميز به فوق ما حازه من الفضائل الكثيرة قيامه بالدعوة إلى الله تعالى في بداية الإسلام في وقت لم يجرؤ فيه أحد سواه على الدعوة وقد أسلم على يديه كثير من الصحابة رضي الله عنهم وكان لهم قدم صدق في الإسلام ومن هؤلاء عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن مظعون ويرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين(63) .وبعد أن تولى الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم سعى جاهداً في إرساء العقيدة الإسلامية في نفوس الناس وعقد الألوية لمحربة المرتدين وإرجاعهم إلى دين الإسلام حيث ارتد كثير من الناس عن هذا الدين الحنيف ، وبعضهم أراد أن يمنع الزكاة والبعض الآخر ادعى النبوة فعمت فتنة الردة كثيراً من البلاد(64) . روى البيهقي رحمه الله بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة ثم قيل له : مه يا أبا هريرة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبع مائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب(65) قبض النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة واجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لخؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام(66) .فقد وفق الله الصديق أن وقف موقفاً عظيماً يذكر به في الآخرين أمام تلك الردة التي عمت معظم البلاد وأصر إلا على قتالهم حتى يرجعوا إلى الإسلام وكان منفرداً بهذا الرأي حتى شرح الله صدر الفاروق لذلك وعرف أنه الحق فبارك الله خطاه حتى رفع راية التوحيد في كل البلاد التي مرض أهلها بالردة ، ثم شرع بعد ذلك في نشر الإسلام في البلدان التي لم يصلها نور الإسلام وسعادته حتى لقي ربه تبارك وتعالى .
20 – ومما تميز به عن غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المصطفى عليه الصلاة والسلام انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو بالسنح(67) فأصاب الناس الذهول والحيرة والاضطراب أمّا الصديق فقد رزقه الله قوة النفس والثبات فكان أصبر الصحابة وأثبتهم عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء : (( فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله فقال : بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً ، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً ، ثم خرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت وقال : { إنك ميت وإنهم ميتون }(68) .
وقال : { وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين }(69) قال فنشج الناس يبكون …. )) الحديث(70) . وما إن سمع الصحابة رضي الله عنهم هذه الخطبة من صدّيق هذه الأمة إلا ورجعوا إلى الرشد والصواب وانكشف ما بهم من الحيرة والذهول ولذلك كان أفضلهم على الإطلاق .
تلك هي طائفة من لأحاديث التي اشتملت على المناقب التي دلت على أن الصديق حاز الأفضلية على سائر الناس بعد الأنبياء عليهم السلام .
وأما دلالة الإجماع على أفضلية الصديق رضي الله عنه :
فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من أهل السنة والجماعة على أن أفضل الصحابة والناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم عليٌّ ، ثم سائر العشرة ، ثم باقي أهل بدر ، ثم باقي أهل أحد ، ثم باقي أهل بيعة الرضوان ثم باقي الصحابة هكذا إجماع أهل الحق ، فأبو بكر أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم لا ينازع في ذلك إلا زائغ (71) ، وقد نقل الإجماع على أن أفضل الناس بعد الأنبياء هو أبو بكر الصديق جماعة من أهل العلم منهم :
أبو طالب العشاري(72) والإمام الشافعي والنووي وشيخ الإسلام بن تيمية وابن حجر والبيهقي :
- فقد روى أبو طالب العشاري بإسناده إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال : من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وطعن على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(73) . – وقال الإمام الشافعي فيما رواه عنه البيهقي بإسناده : (( ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة وإنما اختلف من اختلف منهم في عليٍّ وعثمان ونحن لا نخطئ واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا )) (74) . – وقال الحافظ ابن حجر : (( ونقل البيهقي في (( الاعتقاد )) بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي أنه قال : أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم علي )) (75).
- وقال النووي رحمه الله تعالى : (( اتفق أهل السنة على أن أفضلهم أبو بكر ثم
عمر )) (76).
- وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : (( وقد اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن علي بن أبي طالب أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر )) (77).
- وقال ابن حجر اللهيثمي : (( اعلم أن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق ثم عمر رضي الله عنهما )) (78) .
وهؤلاء الأعلام الذين نقلوا هذا الإجماع إنما هو بناء على ما قاله أئمة أهل السنة والجماعة فقد قال الإمام أبو حنيفة كما في شرح (( الفقه الأكبر )) : ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أبو بمر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ رضي الله عنهم أجمعين )) اهـ(79- وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الإمام مالك بن أنس أنه قال : لما سأله الرشيد عن منزلة الشيخين من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بع مماته – ثم قال – وكثرة الاختصاص والصحبة مع كمال المودة والائتلاف والمحبة والمشاركة في العلم يقضي بأنهما أحق من غيرهما وهذا ظاهر بين لمن له خبرة بأحوال القوم )) (80) ومعلوم أن أبا بكر كانت منزلته عند النبي صلى الله عليه وسلم أعلا منزلة وكان أفضل الصحابة وكان الصحابة يعتقدون أنه خير الناس والنبي يعلم ذلك وقرهم عليه كما تقدم قريباً في حديث ابن عمر .
- وروى الإمام البيهقي مسنداً إلة محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : (( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم )) .وقال أيضاً رحمه الله تعالى : (( اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فلم يجدوا تحت أديم السماء خيراً من أبي بكر من أجل ذلك استعملوه على رقاب الناس )) (81) . وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه : (( وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون )) (82) .وقال عبدوس بن مالك العطار : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : (( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق )) (83) . – وقال أبو الحسن الأشعري مبيناً مذهب أهل السنة وعقيدتهم في السلف : (( ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله – سبحانه – لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم … ويقدمون أبا بكر ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم(84) .
- وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى : (( وأفضل أنه صلى الله عليه وسلم : أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم )) (85).
- وقال الإمام الذهبي : (( أفضل الأمة وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤنسه في الغار وصديقه الأكبر … عبد الله بن أبي قحافة عثمان القرشي التيمي )) اهـ(86) .
- وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : (( وأفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام أبو بكر عبد الله بن عثمان أبو قحافة التيمي ، ثم من بعده عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين )) اهـ(87) .تلك هي عقيدة أهل السنة والجماعة في أبي بكر الصديق (( وهي الإيمان والمعرفة بن خير الخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلة عند الله – عز وجل – بعد النبيين والمرسلين أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة رضي الله عنه )) (88) . وهذا هو المذهب الحق الذي يلزم كل مسلم أن يعتقده ويلتزمه ويتمسك به . وبالله التوفيق .
فضل عمر الفاروق رضي الله عنه
===============================================
إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلي أبا بكر الصديق في الفضل فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء وأبي بكر وهذا ما يلزم المسلم اعتقاده في أفضليته رضي الله عنه وهذا هو معتقد الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة . ونسبه رضي الله عنه هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب وعدد ما بينهما من الآباء إلى كعب متفاوت بواحد بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة آباء ، وبين عمر وبين كعب ثمانية ، وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة(1) .
وهو أحد السابقين إلى الإسلام وبإسلامه رضي الله عنه ظهر دين الإسلام وعلت كلمة الإيمان وكان عند البعثة النبوية شديداً على المسلمين ، ولما دخل في الإسلام كان إسلامه فتحاً على المسلمين وفرجاً لهم من الضيق(2) . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (( إن كان إسلام عمر لفتحاً ، وهجرته لنصراً ، وإمارته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى ودعونا فصلينا )) (3) .وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : (( أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب )) (4) وقد حقق الله فيه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له قبل أن يسلم أن يعز به الإسلام فقد روى الترمذي بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب )) قال : وكان أحبهما إليه عمر(5) . وأخرج ابن سعد بسند حسن عن سعيد بن المسيب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر بن الخطاب ، أو أبا جهل بن هشام قال : (( اللهم اشدد دسنك بأحبهما إليك )) فشدّ دينه بعمر بن الخطاب(6) .وكان يكنى رضي الله عنه بأبي حفص . قال الحافظ : أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها وكانت حفصة أكبر أولاده ، وأما لقبه الفاروق باتفاق . فقيل : أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن طريق ابن عباس عن عمر رواه ابن سعد من حديث عائشة(7) . وقيل : أهل الكتاب أخرجه ابن سعد عن الزهري(8) وقيل : جبريل رواه البغوي(9) .وأحسنهما وأقربهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقبه بالفاروق لما رواه ابن سعد بإسناده إلى أبي عمرو ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمى عمر الفاروق ؟ قالت : النبي عليه السلام )) (10) .فهو رضي الله عنه الفاروق الذي فرق الله بيه بين الحق والباطل ، وهو الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ، وهو المحدث الملهم الصادق الظن وهو سيد هذه الأمة بعد الصديق ، والخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة المحمدية (( اتفق العلماء على أنه شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغب عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم )) (11) .
وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة بفضائل الفاروق رضي الله عنه منها :
1- ما رواه الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا ؟ فقال : هذا بلال ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك )) فقال عمر : بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار .
2- ورويا أيضاً : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : (( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر؟ قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبراً )) فبكى عمر وقال : أعليك أغار يا رسول الله )) (12) . هذان الحديثان اشتملا على فضيلة ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته قصراً في الجنة للفاروق رضي الله عنه وهذا يدل على تكريمه وعلو منزلته رضي الله عنه . قال ابن بطال : (( فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه قال : وبكاء عمر يحتمل أن يكون سروراً ، ويحتمل أن يكون تشوقاً أو خشوعاً … )) وقال الحافظ (( وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة وفيه فضيلة ظاهرة لعمر )) اهـ(13) .
3- وروى البخاري بإسناده إلى حمزة بن أسيد الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بينا أنا نائم شربت – يعني اللبن – حتى أنظر إلى الرّي يجري في ظفري أو في أظافري ، ثم ناولت عمر )) فقالوا : فما أولته قال : (( العلم )) (14) . (( وجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سبباً للصلاح ، فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي الحديث فضيلة – ومنقبة لعمر رضي الله عنه – وإن الريا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره … والمراد بالعلم – في الحديث – سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف عليٌّ فما ازداد الأمر إلا اختلافاً والفتن انتشاراً(15) . وبهذا اتضحت المنقبة التي اشتمل عليها الحديث للفاروق رضي الله عنه .
4- وروى الشيخان من حديث أبي يعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره )) قالوا فما أولته يا رسول الله ؟ قال : (( الدين )) (16) . هذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه وهي قوله (( وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره )) إلخ الحديث . قال الحافظ : (( السائل عن ذلك أبو بكر … وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وأن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله أعلم )) اهـ(17) .
5- ورويا أيضاً : من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالة أصواتهم على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال : أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )) قال عمر : فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً(18) قط إلا سلك فجاً آخر )) (19) . هذا الحديث فيه بيان فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنه من كثرة التزامه الصواب لم يجد الشيطان عليه مدخلاً ينفذ إليه منه . قال الحافظ رحمه الله تعالى : (( يفه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره غير ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ : (( إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا فر لوجهه )) وهذا دال على صلابته في الدين ، واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض .وقال النووي : (( هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه : وقال عياض : يحتمل أن يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان )) قال الحافظ (( والأول أولى )) (20) .
6- روى البخاري بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : (( ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر )) (21) . هذا الحديث تضمن منقبة جليلة لعمر رضي الله عنه لما كان من القوة والجلد في أمر الله قال الحافظ : (( وروى ابن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله بن مسعود : (( كان إسلام عمر عزاً ، وهجرته نصراً ، وإمارته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر )) (22) .
7- روى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب(23) فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له(24) ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن )) (25) . هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه تضمنها قوله صلى الله عليه وسلم (( فجاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً .. الحديث )) ومعنى : (( استحالت )) صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر وأمَّا (( العبقري )) فهو السيد وقيل : الذي ليس فوقه شيء ومعنى (( ضرب الناس بعطن )) أي أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه السقي لتستريح وهذا المنام رآه النبي صلى الله عليه وسلم مثال واضح لما جرى للصديق وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما فقد حصل في خلافة الصديق قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام رقم قصر مدة خلافته فقد كانت سنتين وأشهراً فوضع الله فيها البركة ولما حصل فيها من النفع الكثير
ولما توفي الصديق خلفه الفاروق فاتسعت رقعة الإسلام في زمنه وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله فكثر انتفاع الناس في خلافة عمر لولها فقد مصر الأمصار ودون الدواوين وكثرت الفتوحات والغنائم … ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه )) أي : لم أر سيداً يعمل عمله ويقطع قطعه ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( حتى ضرب الناس بعطن )) قال القاضي عياض : ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة وقيل : يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعاً لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر (( وضرب الناس بعطن )) . لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما )) (26) . 8- وروى الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر )) (27) . هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة للفاروق رضي الله عنه وقد اختلف العلماء في المراد (( بالمحدَّث )) . فقيل المراد بالمحدث : الملهم . وقيل : من يجري الصواب على لسانه من غير قصد . وقيل : مكلم أي : تكلمه الملائكة بغير نبوة .. بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلماً في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام . وفسره بعضهم بالتفرس )) (28) . قال الحافظ : (( والسبب في تخصيص عمر بالذكر ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقاً لها ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات )) (29) . وكون عمر رضي الله عنه اختص بهذه المكرمة العظيمة وانفرد بها دون من سواه من الصحابة لا تدل على أنه أفضل من الصديق رضي الله عنه . قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : (( وكان أبو بكر رضي الله عنه أكثر علماً وإيماناً من عمر .. وإن كان عمر – رضي الله عنه – محدثاً كما جاء ي الحديث الصحيح .. فهو رضي الله عنه المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ، ولكن مزية الصدق الذي هو أكمل متابعة للرسول وعلماً وإيماناً بما جاء به ، درجته فوق درجته فلهذا كان الصديق أفضل الأمة صاحب المتابعة للآثار النبوية ، فهو معلم لعمر ومؤدب للمحدث منهم الذي يكون له من ربه إلهام وخطاب كما كان أبو بكر معلماً لعمر ومؤدباً له حيث قال له : من ربه إلهام وخطاب كما كان أبو بكر معلماً لعمر ومؤدباً له حيث قال له : فأخبرك أنك تدخله هذا العام ؟ قال : لا قال : إنك آتيه ومطوف . فبين له الصديق أن وعد النبي صلى الله عليه وسلم مطلق غير مقيد بوقت ، وكونه سعى في ذلك العام وقصده لا يوجب أن يعني ما أخبر به ، فإنه قد يقصد الشيء ولا يكون ، بل يكون غيره ، إذ ليس من شرط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كما قصده ، بل من تمام نعمة ربه عليه أن يقيده عما يقصده إلى أمر آخر هو أنفع مما قصده ، كما كان صلح الحديبية أنفع للمؤمنين من دخولهم ذلك العام ، بخلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه صادق لابد أن يقع ما أخبر به ويتحقق )) (30) .وقال العلامة بن القيم : (( ولا تظن أن تخصيص عمر رضي الله عنه الله عنه بهذا تفضيل له على أبي بكر الصديق بل هذا من أقوى مناقب الصديق فإنه لكمال مشربه من حوض النبوة وتمام رضاعه من ثدي الرسالة استغنى بذلك عما تلقاه من تحديث أو غيره ، فالذي يتلقاه من مشكاة النبوة أتم من الذي يتلقاه عمر من التحديث فتأمل هذا الموضع وأعطه حثه من المعرفة وتأمل ما فيه من الحكمة البالغة الشهادة لله بأنه الحكيم الخبير )) (31) .
9- روى أبو عبد الله الحاكم في المستدرك والترمذي في سننه والإمام أحمد في المسند بإسنادهم إلى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب )) (32) . هذا الحديث فيه إبانة لفضل الفاروق رضي الله عنه حيث جعل الله تعالى فيه من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين ما يجعله لأن يكون أهلاً للنبوة لو كان هناك نبوة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن الله تعالى ختم النبوة بمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فلا نبوة بعده إلى يوم القيامة .
10 – وروى البخاري بإسناده إلى أنس رضي الله عنه الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال : متى الساعة . قال : (( وماذا أعددت لها ؟ )) قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أنت مع من أحببت )) قال أنس : فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم(33) .هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه تؤخذ من قول أنس بن مالك فإنه قرن الصديق وعمر بالنبي صلى الله عليه وسلم في العمل ولا يعني هذا أن أنساً رضي الله عنه يريد أن يكون في درجة النبي صلى الله عليه وسلم فالدرجات متفاوته وإنما يريد ويرجو أن يكون في الجنة دار الثواب بعيداً عن دار العقاب وكل مؤمن يحبهم يرجو ذلك من الله تعالى .
11- ومن أجل مناقبه رضي الله عنه الله عنه وأعظمها موافقته للقرآن في وقائع متعددة بمعنى أنه كان يرى الرأي فينزل القرآن موافقاً لما رآه رضي الله عنه وأرضاه : فقد روى البخاري رحمه الله تعالى بإسناده إلى أنس رضي الله عنه الله عنه قال : قال عمر : (( وافق تربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت : { واتخذوا من مقام إبراهيم مُصلى} وآية الحجاب قلت : يا رسول لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب(34) واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن : { عسى ربُّه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } فنزلت هذه الآية(35) . وعند مسلم بلفظ : (( وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسرى بدر )) (36) . ووجه موافقته في أسارى بدر أنه لما جيء بهم استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس فيهم فقال : (( إن الله قد أمكنكم منهم )) فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه فقام أبو بكر فقال : نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فعفا عنهم فأنزل الله { ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتَّى يثخن(37) في الأرض } إلخ الآيات الثلاث وكانت موافقة لرأي عمر رضي الله عنه الله عنه . وروى الإمام أحمد وغيره بإسناده إلى عمر رضي الله عنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } قال : فدعي عمر رضي الله عنه الله عنه فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية في المائدة فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فلما بلغ { فهل أنتم منتهون } قال : فقال عمر رضي الله عنه الله عنه انتهينا انتهينا )) (38) . وروى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله فيأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما خيرني الله )) فقال : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } (( وسأزيد على سبعين )) قال : إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله – عز وجل – { ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقمُ على قبره }(39) . فهذه الموافقات كلها مناقب عالية للفاروق رضي الله عنه الله عنه فقد رأى أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى أن تحجب نساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن بموافقته ، وقال لنساء النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمعن عليه في الغيرة : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات }(40) فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى في أسارى بدر أن تضرب أعناقهم فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى تحريم الخمر فكان يقول : (( اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً )) فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى عدم الصلاة على عبد الله بن أبي فإنه لما توفي ابن أبي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه { ولا تُصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } فكانت موافقة لما كان يراه عمر عدم الصلاة على رأس النفاق فلله ما أعظم هذا الفضل وما أعلا هذه المكانة التي تبوأها الفاروق رضي الله عنه فلقد رزقه الله السداد في الرأي والإصابة في القول فهو رضي الله عنه الله عنه المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه وهو الذي أعز الله به دين الإسلام فرضي الله عنه وأرضاه .
12 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه شهيد وتحقق إخباره عليه الصلاة والسلام فقد مات شهيداً على يد الظالم أبي لؤلؤة المجوسي فقد روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله وقال : (( اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان )) (40) .وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) (41) . قال أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى : (( ولقد أفاد هذا الحديث فائدة عظيمة وهي أن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير شهداء كلهم وأن أبا بكر صديق ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي عظيم وقد جمعت هؤلاء الشهداء الشهادة وإن اختلفت أسبابها وتباينت وجوهها ولكن لفهم شرف هذه الصحبة واجتماعهم جملة وأبان جليل مقدارهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم للجيل بالهدوء والسكون لأجلهم شرف من عليه فيا معشر الطالبين لعلم الدين أبعد هذا بيان لمن كان له قلب فما لكم تدخلون بينهم وتتكلمون فيما وقع لهم ، وترجحون وتقدمون وتؤخرون وتحبون وتبغضون كأنكم لا تعلمون مقاديركم ولا تلزمون مواضعكم حتى تترقوا بالجهل والفضول إلى عثمان وعليّ وطلحة والزبير فتتكلمون بالحمية وتتعصبون { أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون }(42) وقد رجف الجبل بالنبي عليه السلام وأبي بكر وعمر وعثمان وقد رجف بهؤلاء الأعيان وقد كان ذلك بمكة وبحراء وقد كان بالمدينة وأحد وأنبأنا الله بالفضل مرتين وأكده وعضد مقدارهم ومهده في جبلين )) اهـ(43) .
13 – ومن مناقبه العظيمة رضي الله عنه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة فعمر رضي الله عنه من أهل الجنة قطعاً . فقد روى البخاري في صحيحة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( افتح له وبشره بالجنة )) ففتحت له فإذا هو أبو بكر فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فحمد الله ، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( افتح له وبشره بالجنة )) ففتحت له فإذا هو عمر فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فحمد الله ، ثم استفتح رجل فقال لي : (( افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه )) فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم قال : الله المستعان(44) .
14 – ومن مناقبه الحميدة رضي الله عنه ما جاء من الثناء عليه من فضلاء الصحابة حياً وميتاً ورضا الجميع عنه ومن ذلك : ما روى البخاري بإسناده إلى المسور بن مخرمة قال : لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه : يا أمير المؤمنين ولئن كان ذلك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال : أمَّا ما ذكرت من صُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك منّ من الله – تعالى – منّ به علي ، وأمّا ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك منّ من الله – جل ذكره – منّ به علي . وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع(45) الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله – عز وجل – قبل أن أراه )) (46) . وفي هذا بيان فضل عظيم لعمر رضي الله عنه يؤخذ من قول ابن عباس : لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله : أمَّا ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن له بهذا فضلاً عظيماً حيث أنه سحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفارقه وهو عنه راض وكذلك كان مع أبي بكر وبقية الصحابة جميعاً ومع ما كان عليه من هذه السيرة الحسنة فإنه رضي الله عنه لحق بالرفيق الأعلى والخوف غالب عليه من خشية التقصير في حقوق الرعية وهكذا المؤمن كامل الإيمان يجمع بين الخوف والإحسان . وروى الشيخان من حديث ابن أبي مليكة قال : سمعت ابن عباس يقول : وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه(47) الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قيل أن يرفع وأنا فيهم قال : فلم يرعني(48) إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إلأيه فإذا هو عليٌّ فترحم على عمر ، وقال : ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل علمه منك وإيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وذاك أني كنت أكثر ما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر )) فإن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما(49) . هذا الحديث دل على فضيلة أبي بكر وعمر وشهادة عليّ لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين . تلك طائفة من الأحاديث النبوية والآثار التي تضمنت مناقب عالية للفاروق وكلها أدلة قطعية يقينية دلت على أن الفاروق أفضل الناس بعد أبي بكر الصديق وه ما تعتقده الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة ، وهو ما يجب على المسلم اعتقاده في ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين
فضل ذي النورين (( عثمان بن عفان رضي الله عنه ))
=================================================
مما هو معلوم عند جمهور أهل السنة والجماعة أن أفضل الناس على الإطلاق بعد أبي بكر وعمر هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر يكنى أبا عمرو ويقال أبا عبد الله(1) يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء(1) وأمه رضي الله عنه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال أنهما ولدا توأماً … فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته وقد أسلمت أمه رضي الله عنه وماتت على الإسلام ولها صحبة رضي الله عنها وأمّا والده فإنه مات في الجاهلية(1) . فعثمان رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة ، ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، فكان ثالث الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، المأمور باتباعهم والاقتداء بهم وكان رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وهاجر إلى الحبشة أول الناس ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة ، فلما كانت وقعة بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بسببها في المدينة وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فيها ، فهو معدود فيمن شهدها فلما توفيت زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم ولذلك لقب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي نبي واحدة بعد واحدة ولم يتفق ذلك لغيره رضي الله عنه ، وشهد الخندق والحديبية وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بإحدى يديه ، وشهد خيبر ، وعمرة القضاء ، وحضر الفتح وهوازن والطائف وغزوة تبوك وجهز جيش العسرة ، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض وصحب أبا بكر فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ، وصحب الفاروق فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ، وكان رضي الله عنه ممن جمع بين العلم والعمل ، والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام ، وكان من الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله تعالى(1). فهو رضي الله عنه أفضل الناس بعد الشيخين رضي الله عنه وهذا هو معتقد الجمهور من أهل السنة والجماعة قال إسحاق بن هراويه رحمه الله تعالى : (( لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض أفضل من أبي بكر ، ولم يكن بعده أفضل من عمر ، ولم يكن بعده أفضل من عثمان ، ولم يكن بعد عثمان على الأرض خير ولا أفضل من علي )) (1) . وقد ذهب بعض أهل السنة من أهل الكوفة إلى تفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنهما وذهب بعض أهل المدينة إلى التوقف في أمرهما رضي الله عنهما ، ثم ذكر أهل العلم رجوع هؤلاء جميعاً إلى مذهب جمهور أهل السنة والجماعة القائل بتقديم عثمان على علي رضي الله عنهما وصار القول واحداً في أن تربيتهم في الفضل كتربيتهم في الخلافة : قال الإمام النووي : (( وقال بعض أهل السنة من أهل الكوفة بتقديم عليّ على عثمان والصحيح المشهور تقديم عثمان )) (1) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( فإن سفيان الثوري ، وطائفة من أهل الكوفة رجحوا علياً على عثمان ، ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره ، وبعض أهل المدينة توقف في عثمان وعليّ ، وهي إحدى الروايتين عن مالك ، لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على عليّ ، كما هو مذهب سائر الأئمة ، كالشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام(1) . وقال الحافظ ابن كثير : (( والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم عليّ على عثمان ويحكى عن سفيان الثوري لكن يقال : إنه رجع عنه ونقل مثله عن وكيع بن الجراح ونصره ابن خزيمة والخطابي وهو ضعيف مردود )) (1) . وذكر أبو منصور البغدادي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة والحسين بن الفضل البجلي أنهما يقولان بتفضيل علي رضي الله عنه على عثمان )) (1).
ونقول إن هذا القول ضعيف مردود لمخالفته ما أطبق عليه أهل السنة والجماعة من تقديم عثمان على عليّ رضي الله عنهما .وقال أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني : (( اختلف قوم من أهل بغداد فقال قوم : عثمان أفضل وقال قوم : عليّ أفضل فتحاكموا إلي فأمسكت وقلت : الإمساك خير ، ثم لم أر لديني السكوت وقلت للذي استفتاني : ارجع إليهم وقل لهم : أبو الحسن يقول : عثمان أفضل من عليّ باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قول أهل السنة وهو أول عقد يحل في الرفض . قال الذهبي : قلت ليس بتفضيل عليّ يرفض ولا هو ببدعة بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد وهما متقاربان في العلم والجلالة ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما ، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام عليّ وإليه نذهب )) (1) . (( وقال غير واحد من العلماء كأيوب السختياني والدارقطني : من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ))(1) .قال ابن كثير رحمه الله تعالى : (( وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح )) (1) . وإذ قد تبين لنا أن بعض أهل السنة القائلين بتقديم عليّ على عثمان رضي الله عنهما والقائلين بالتوقف في أمرهما قد رجعوا إلى قول الجمهور منهم من القول بتقديم عثمان على علي وفي الفضل تبين أن هذه المسألة مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة ولا عبرة بعد ذلك بأي قول يخالف هذا المعتقد الصحيح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( وسائر أئمة السنة على تقديم عثمان وهو مذهب جماهير أهل الحديث وعليه يدل النص والإجماع والاعتبار ، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من تقديم جعفر ، أو تقديم طلحة أو نحو ذلك فذلك في أمور مخصوصة لا تقديماً عاماً وكذلك ما ينقل عن بعضهم في علي )) (1) .
وقد وردت أحاديث كثيرة في السنة تضمنت ذكر فضائله رضي الله عنه وبعضها دل على أنه أفضل الخلق بعد الشيخين رضي الله عنهما ومن تلك الأحاديث :
1- ما رواه الإمام البخاري بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم )) (1) . هذا الحديث دل على أن عثمان رضي الله عنه أفضل الناس بعد أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (( وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ، ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهوراً بيناً فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص ويؤيده ما رواه البزار عن ابن مسعود قال : كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة عليّ بن أبي طالب : رجاله موثوقون : وهو ممحمول على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعاً الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً (( أخرجه أصحاب السنن(1) وصححه ابن حبان وغيره وقال الكرماني : لا حجة في قوله كنا نترك لأن الأصوليين اختلفوا صيغه كنا نفعل لا في صيغة منا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني وعلى تقدير أن يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه ، ثم قال : ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك كان في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك أن يظهر بعد ذلك لهم .. والله أعلم )) (1) .
2- وروى الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط ، فجاء رجل يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) ، فإذا أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فإذا عمر ، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال : (( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه )) فإذا عثمان بن عفان )) (1) . هذا الحديث تضمن فضيلة هؤلاء الثلاثة المذكورين وهم أبو بكر وعمر وعثمان (( وأنهم من أهل الجنة – كما تضمن – فضيلة لأبي موسى وفيه دلالة على جواز الثناء على الإنسان في وجه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب ونحوه ، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لإخباره بقصة عثمان والبلوى أن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى )) (1) .
3
روى البخاري بإسناده إلى أبي عبد الرحمن أن عثمان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف عليهم ، وقال أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من حفر رومه فله الجنة )) فحفرتها ألستم تعلمون أنه قال : (( من جهز جيش العسرة فله الجنة )) فجهزته قال : فصدقوه بما قال )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبتين عظيمتين لذي النورين رضي الله عنه شراؤه رضي الله عنه بئر رومة ، وتجهيزه جيش العسرة الذي خرج لغزوة تبوك وقد أخبر الذي لا ينطق عن الهوى أن جزاءه على ذلك أن يكون من أصحاب الجنة ، وهاتان المنقبتان من أعلا مناقبه رضي الله عنه . وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن ابن بطال أنه قال عند هذا الحديث : هذا وهو من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها قال الحافظ : هو المشهور في الروايات فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فقال فيه : (( هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن )) (1) لكن لا يتعين الوهم فقد روى البغوي في (( الصحابة )) من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال : لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين أبيه يقال لها : رومة وكان يبيع منها القربة بمد . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( تبيعنيها بعين في الجنة )) فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتجعل لي فيها ما جعلت له قال : (( نعم )) قال : قد جعلتها للمسلمين (( وإن كانت أولاً عيناً فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئراً ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه )) (1) . 4- روى الترمذي رحمه الله بإسناده إلى ثمامة بن حزن القشيري قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي ؟ قال : فجيء بهما كأنهما جملان ، أو كأنهما حماران قال فأشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة )) فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ؟ قالوا : اللهم نعم ، فقال : أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة )) ؟ فاشتريتها من صلب مالي وأنت اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين ؟ قالوا : اللهم نعم قال : أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال فركضه برجل فقال : (( اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )) قالوا : اللهم نعم ، قال : الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ثلاثاً )) ثم قال الترمذي رحمه الله عقب الحديث (( هذا حديث حسن قد روى من غير وجه عن عثمان )) (1) . وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى روايات توضح مقدار المال الذي اشترى به عثمان رضي الله عنه بئر رومة والبقعة التي زيدت في توسعة المسجد أما بالنسبة لمقدار المال الذي اشترى به بئر رومة فقد أورد رواية أنه اشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم وهي من رواية بشير الأسلمي التي أخرجها البغوي في كتابه (( الصحابة )) وأنها كانت لرجل من بني غفار وقد تقدم ذكرها قريباً
وأمّا مقدار المال الذي اشترى به البقعة التي زيدت في المسجد فقال : (( وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان أنه اشتراها بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً )) (1) .
5- روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن حباب السلمي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها(1) وأقتابها(1) في سبيل الله ثم حضّ على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله علي مائتا بعير لأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول : (( ما على عثمان ما عمل بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه )) (1) .6- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال : (( جاء عثمان بن عفان إلي النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول : (( ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم )) يرددها مراراً )) (1) . قال العلامة ابن القيم ذاكراً صفة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك : (( ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملات في سبيل الله فحمل رجال واحتسبوا وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها ، كانت ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عيناً )) (1) . فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة في شرائه بئر رومة وتحبيسها على المسلمين غنيهم وفقيرهم ، زيادته في المسجد ، وتجهيزه جيش العسرة مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم )) وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) كل هذه الخصال المذكورة من أعظم مناقبه رضي الله عنه وقد ذكرها يوم كان محصوراً في داره من قبل الزائغين الذين خرجوا عليه بغية الفساد في الأرض وصدقه بها كبار الصحابة وفضلاؤهم الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم مثل سعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة رضي الله عنهم أجمعين .
7 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه ، أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسى ثيابه – قال محمد : – ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث فلما خرج قالت : عائشة دخل أبو بكر فلم تهتش له(1) ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال : (( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )) (1) .
هذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وبيان أنه جليل القدر حتى عند الملائكة . كما دل الحديث أيضاً : على أن الحياء صفة حميدة ، من صفات الملائكة ..
8 – وروى مسلم أيضاً : بإسناده إلى يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط(1) عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : (( اجمعي عليك ثيابك )) فقضيت إليه حاجتي ثم انصرف فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الخال أن لا يبلغ إلي في حاجته )) (1) . وهذا الحديث كالذي قبله فيه بيان مكانة عثمان عند النبي صلى الله عليه وسلم وثناؤه عليه بأنه حيي وأنه عليه الصلاة والسلام اهتم بدخوله عليه واحتفل به وبين لعائشة رضي الله عنها العلة في ذلك .
9 – وروى البخاري بإسناده إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا : ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه ؟ فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة قلت إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك . قال : يا أيها المرء منك قال معمر : أراه قال : أعوذ بالله منك فانصرفت فرجعت إليهما إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ما نصيحتك ؟ فقلت : إن الله – سبحانه – بعث محمداً بالحق ، وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهاجرت الهجرتين وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد قال : أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : لا ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها قال : أمّا بعد فإن الله بعث محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمنت بما بعث به وهاجرت الهجرتين – كما قلت – وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله ، ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثله الذي لهم ؟ قلت : بلى قال :فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ، أما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله ثم دعا علياً فأمره أن يجلده فجلده ثمانين )) (1) . هذا الحديث اشتمل على مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وهي أنه كان ممن استجاب لله والرسول وآمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق الإيمان ، وهاجر الهجرتين وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته ومات عليه الصلاة والسلام وهو عنه راض ، ثم أبو بكر مثله ، ثم عمر كذلك وتوفيا رضي الله عنهما وهما عنه راضيان ، ولما طلب منه إقامة الحد على أخيه الوليد فما أن ثبت لديه ما يوجب ذلك إلا وأمر علياً بإقامة الحد عليه وهذا فيه دلالة على مراعاته للحق والأخذ به عند ظهوره وفي هذا منقبة من مناقبه رضي الله عنه .
10 – روى الإمام أحمد بإسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن قال : أشرف عثمان رضي الله عنه من القصر وهو محصور فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء(1) إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال : (( اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) وأنا معه فانتشد له رجال قال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إل المشركين إلى أهل مكة قال : (( هذه يدي وهذه يد عثمان – رضي الله عنه )) فبايع في فانتشد له رجال )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبتين عظيمتين لذي النورين رضي الله عنه :
* الأولى : إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيموت شهيداً وقد كان ذلك فإنه رضي الله عنه قتل شهيداً على أيدي الخارجين عليه ظلماً وعدواناً .
* الثانية : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع عنه بيده الشريفة بيعة الرضوان حيث إنه كان مبعوثاً من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم لإبلاغ أهل مكة أنه عليه الصلاة والسلام جاء معتمراً لا محارباً ، وهاتان المنقبتان دلتا على علو مكانته وعظيم فضله رضي الله عنه وأرضاه .
11- ومن مناقبه رضي الله عنه إجماع الصحابة على خيرته رضي الله عنه وأفضليته بعد الشيخين فإنه لما بويع لم يبق في الشورى إلا هو وعلي والحكم عبد الرحمن بن عوف وبقي عبد الرحمن بن عوف وبقي عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها يشاور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ويشاور أمهات المؤمنين ، ويشاور أمراء الأمصار فإنهم كانوا بالمدينة حجوا مع عمر وشهدوا موته حتى قال عبد الرحمن : إن لي ثلاثاً ما اغتمضت بنوم وبعد هذا كله وبعد أخذ المواثيق منهما على أن يبايع من بايعه أعلن النتيجة بعد هذا الاستفتاء وهي قوله : إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان فبايعه علي وعبد الرحمن وسائر المسلمين بيعة رضى واختيار )) (1) . فدل هذا الإجماع على أنه أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وهذا إجماع منهم على تقديمهم لعثمان على عليّ ولما سأل رجل عبد الله بن المبارك أيهما أفضل عليّ أو عثمان قال : (( قد كفانا ذاك عبد الرحمن بن عوف )) (1) وقال عبد الله بن مسعود : (( أمرنا خير من بقي ولم نأل )) (1) ولهذا قال أيوب السختياني ولهذا قال أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني : (( من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار )) (1) وقد بين معنى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : (( لو لم يكن عثمان أحق بالتقديم وقد قدموه كانوا إما جاهلين بفضله وإما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني ومن نسبهم إلى الجهل والظلم فقد أزرى بهم )) (1) .
12 – ومن مناقبه الكبار وحسناته العظيمة أنه جمع الناس على مصحف واحد وكتب المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سني حياته وكان سبب ذلك أن حديفة بن اليمان كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدرداء وجماعة من أهل العراق على من يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره وربما خطأ الآخر وكفره فأدى ذلك إلى اختلاف شديد ، وانتشار في الكلام السييء بين الناس فركب حذيفة إلى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم وذكر له ما شاهد من اختلاف في القراءة فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد ، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة ودفع الاختلاف .فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها فظلت عند الصديق أيام حياته ، ثم كانت عند عمر فلما توفي صارت حفصة أم المؤمنين فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكبت ،وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش ، فكتب لأهل الشام مصحفاً ، ولأهل مصر آخر ، وبعث إلى البصرة ، مصحفاً وإلى الكوفة بآخر وأرسل إلى مكة مصحفاً وإلى اليمن مثله وأقر بالمدينة مصحفاً ويقال لهذه المصاحف الأئمة )) (1) . وبهذا العمل الجليل يعتبر عثمان رضي الله عنه من عباد الله الصالحين الذين أيد الله بهم دينه وحفظ بهم كتابه رضي الله عنه وأرضاه .
13 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون مستمراً على الهدى المستقيم عند حلول الفتنة ، وهذه منقبة عظيمة له رضي الله عنه . فقد روى الحاكم بإسناده إلى مرة بن كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقربها فمر به رجل مقنع(1) في ثوب فقال : (( هذا يومئذ على الهدى )) فقمت إليه فإذا هو عثمان رضي الله عنه فأقبلت بوجهه فقلت : هو هذا قال : (( نعم )) (1) .
14 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة بالالتفاف حوله عند نزول الفتنة والاختلاف وفي هذا تنبيه إلى أن عثمان رضي الله عنه ممن أسعدهم الله ووفقهم لسلوك طريقه المستقيم . فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنها ستكون فتنة واختلاف ، أو اختلاف وفتنة )) قال : قلنا يا رسول الله فما تأمرنا قال : (( عليكم بالأمير وأصحابه )) وأشار إلى عثمان )) (1) .
15 – ومن مناقبه الرفيعة رضي الله عنه وفاؤه رضي الله عنه بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وإصباره نفسه على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه رضي الله عنه لما جاءه الخوارج الذين خرجوا عليه من الأمصار وجاءوا إلى المدينة وحصروه في داره رضي الله عنه فوق أربعين يوماً وكان عددهم كما قال ابن العربي : أربعة آلاف وكلهم يريد قتله وكان عدد الذين لا يريدون قتله أربعين ألفاً )) (1) وكان باستطاعته رضي الله عنه أن يأمر بالدفاع عنه ولكنه أبى رضي الله عنه خشية من أن يسفك دم بسببه ، وناشد من كان معه في داره من الصحابة أن يخرجوا عنه ولما خرجوا تسلق عليه أولئك الأخلاط الظلمة داره وأحرقوا الباب ودخلوا عليه وقتلوه ورضي أن يكون عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل وفاءاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه .فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ادعوا لي أو ليست عندي رجلاً من أصحابي )) قالت : قلت : أبو بكر قال : (( لا )) قلت : عمر قال : (( لا )) قلت : ابن عمك عليّ قال : (( لا )) قلت : فعثمان قال : (( نعم )) قالت : فجاء عثمان فقال : (( قومي )) قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان ولن عثمان يتغير قال : فلما كان يوم الدار ألا نقاتل قال : لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أمراً فأنا صابر نفسي عليه )) (1) . تلك طائفة من الأحاديث والآثار التي دلت على فضل عثمان رضي الله عنه وفي بعضها دلالة على تقديمه بعد الشيخين وهذا معتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وهي العقيدة التي ينبغي أن تحل في قلب المسلم الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً

فضل أبي السبطين علي رضي الله عنه
===================================================
أجمع أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر أن أبا السبطين أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين واسمه رضي الله عنه عليٌّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ويكنى بأبي تراب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ويقال إنها أول هاشمية ولدت هاشمياً وقد أسلمت وهاجرت . وعليٌّ رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض وكان رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين المأمور بالاقتداء بهم ، وكان ممن سبق إلى الإسلام لم يتلعثم ، وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وزوَّجه ابنته فاطمة رضي الله عنها ، وهاجر إلى المدينة وأبلى ببدر وأحد وبالخندق وبخيبر بلاءاً عظيماً ، وأغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم وكان لواء النبي صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة ، وجاهد في الله حق جهاده ونهض بأعباء العلم والعمل والفتيا رضي الله عنه وأرضاه . وكان رضي الله عنه من جملة من غسل النبي صلى الله عليه وسلم وكفنه وولي دفنه ))(1) .
ولقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة التي دلت على فضله رضي الله عنه ومنها :
1- ما رواه الشيخان من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : (( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله علي يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )) قال : فبات الناس يدركون(1) ليلتهم أيهم يعطاها قال : فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاهاه فقال : (( أين عليٌّ بن أبي طالب )) فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال : فأرسلوا ، إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال عليٌّ : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال : (( انفذ على رسلك حتى نزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )) (1) .
وفي رواية أخرى عند مسلم من حديث أبي هريرة (( …. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ قال : فتساورت لها رجاء أن أدعى لها قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب فأعطاه إياها )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبة ظاهرة لأمر المؤمنين عليّ رضي الله عنه وأرضاه وهي قوله : (( يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله )) ومعنى أن علياً يحب الله ورسوله أراد بذلك وجود حقيقة المحبة وإلا فكل مسلم يشترك مع عليّ في مطلق هذه الصفة وفي هذا الحديث تلميح بقوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }(1) فكأنه أشار إلى أن علياً تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له )) (1) . وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : قوله : يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، (( فيه فضيلة عظيمة لعلي رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بذلك )) (1) . ومعنى قول عمر رضي الله عنه : (( فتساورت لها )) ، معناه تطاولت لها أي : حرصت عليها وأظهرت وجهي وتصديت لذلك ليتذكرني . وقوله : رضي الله عنه (( فما أحببت الإمارة إلا يومئذ )) إنما كانت محبته لها لما دلت عليه هذه الإمارة من محبته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبتهما له والفتح على يديه(1) .
2- وروى الشيخان من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : (( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )) قال سعيد بن المسيب : فأحببت أن أشافه بها سعداً فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني عامر فقال : أنا سمعته فقلت : أنت سمعته ؟ فوضع أصبعه على أذنيه فقال : نعم وإلا فاستكتا(1) .وهذا الحديث فيه فضيلة عظمى لعلي رضي الله عنه تضمنها قوله صلى الله عليه وسلم : (( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )) حيث بين عليه الصلاة والسلام منزلة علي منه ومكانته العظيمة عنده عليه الصلاة والسلام . ونقل الإمام النووي عن القاضي عياض أنه قال : (( هذا الحديث مما تعلقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقاً لعلي وأنه وصى له بها قال : ثم اختلفت هؤلاء فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره وزاد بعضهم فكفر علياً لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم وهؤلاء أسخف مذهباً وأفسد عقلاً من أن يرد قولهم أو يناظر وقال : ولا شك في كفر من قال هذا لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أ[طل نقل الشريعة وهدم الإسلام وأمّا من عدا هؤلاء الغلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك فأمّا الإمامية وبعض المعتزلة فيقولون : هم مخطئون في تقديم غيره لا كفار وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة لجواز تقديم المفضول عندهم وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم بل فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص قالوا : وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة والله أعلم(1) .
3- وروى الشيخان من حديث سهل بن سعد فال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت فقال : (( أين ابن عمك ؟ )) قالت : كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان : (( انظر أين هو ؟ )) فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول : (( قم أبا تراب قم أبا تراب )) (1) . في هذا الحديث منقبة ظاهرة لأمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه وبيان علو منزلته عند النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه عليه الصلاة والسلام مشى إلى علي رضي الله عنه ودخل المسجد ومسح التراب عن ظهره واسترضاه تلطفاً به لأنه كان وقع بينه وبين فاطمة شيء فخرج إلى المسجد واضطجع فيه وكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي تراب وكانت هذه التسمية أحب شيء إليه رضي الله عنه .
4- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل محبته علامة الإيمان وجعل بغضه علامة للنفاق . فقد روى مسلم بإسناده إلى عليّ رضي الله عنه قال : (( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق )) (1) ففي هذا منقبة ظاهرة لأبي الحسن رضي الله عنه (( وهذا جارٍ باطراد في أعيان الصحابة لتحقيق مشترك الإكرام لما لهم من حسن الغناء في الدين قال القرطبي في المفهم : وأمّا الحروب الواقعة بينه فإن وقع من بعضهم بغض لبعض فذاك من غير هذه الجهة ، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد والله أعلم )) (1) .
5- وروى الإمام البخاري بإسناده إلى علي رضي الله عنه أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى من أثر الرحا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال : على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري وقال : (( ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعاً وثلاثين وتسبحا ثلاثاً وثلاثين وتحمدا ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم )) (1) . فهذا الحديث تضمن منقبة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وتلك المنقبة هي دخول النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين فاطمة رضي الله عنهما في فراشهما وأمره لعلي بلزوم مكانه بعد أن هم بالقيام وهذا يدل على أن لأبي الحسن رضي الله عنه منزلة عظيمة عند المصطفى صلى الله عليه وسلم .
6- وروى أيضاً : بإسناده إلى سعد بن عبيدة قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله قال : لعل ذاك يسوءك قال نعم قال : فأرغم الله بأنفك ، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال : هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : لعل ذاك يسوءك قال : أجل قال : فأرغم الله بأنفك قال : انطلق فاجهد عليّ جهدك )) (1) .وهذا الأثر عن ابن عمر تضمن فضل عليّ رضي الله عنه حيث مدحه بأوصافه الحميدة التي دلت على مكانته وفضله رضي الله عنه وأرضاه .
7- وروى البخاري رحمه الله تعالى بإسناده إلى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : (( أنت مني وأنا منك )) (1) .ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا فضيلة عظيمة لعلي رضي الله عنه .
8 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلىَّ من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ، خلفه في بعض مغازيه فقال له عليٌّ : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي )) وسمعته يقول يوم خيبر : (( لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )) قال : فتطاولنا لها فقال : (( ادعوا لي علياً )) فأتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية { فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم }(1) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال (( اللهم هؤلاء أهلي )) (1) . هذا الحديث تضمن مناقب ظاهرة وفضائل عالية لأبي السبطين عليّ رضي الله عنه وأرضاه . وقال النووي رحمه الله تعالى : قوله : (( إن معاوية قال لسعد بن أبي وقاص ما منعك أن تسب أبا تراب )) قال العلماء : الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا : ولا يقع في روايات الثقافات إلا ما يمكن تأويله فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً ، أو غير ذلك فإن كان تورعاً وإجلالاً له فأنت مصيب محسن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار وأنكر(1) عليهم فسأله هذا السؤال قالوا : ويحتمل تأويلاً آخر معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهدنا وأنه أخطأ )) (1) .
9 – ومن مناقبه الدالة على فضله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بتثبيت لسانه وهداية صدره للحق حتى كان مدة حياته لم يشك في قضاء بعد ذلك . فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عليّ رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال : فقلت : يا رسول الله إني رجل شاب وأنه يرد علي القضاء ما لا علم لي به قال فوضع يده على صدؤي وقال : (( اللهم ثبت لسانه واهد قلبه )) فما شككت في القضاء أو في قضاء بعد(1) .
10 – ومن مناقبه رضي الله عنه شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له بالخشونة في ذات الله وفي سبيل الله . فقد روى الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :شكى علي بن أبي طالب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فينا خطيباً فسمعته يقول : (( أيها الناس لا تشكوا علياً فو الله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله )) (1) .
11 – ومن مناقبه العظيمة شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له بالجنة . فقد روى الحاكم بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى امرأة فذبحت لنا شاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليدخلن رجل من أهل الجنة فدخل أبو بكر رضي الله عنه ثم قال : (( ليدخلن رجل من أهل الجنة )) فدخل عمر رضي الله عنه ، ثم قال : (( ليدخلن رجل من أهل الجنة اللهم إن شئت فاجعله علياً )) قال : فدخل عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه(1) 12 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن ابنته فاطمة وزوجها عليّ بن أبي طالب وولديها الحسن والحسين أنهم يكونون معه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة في مكان واحد . فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة رضي الله عنها فقال : إني وإياك وهذا النائم – يعني علياً – وهما – يعني الحسن والحسين – لفي مكان واحد يوم القيامة )) (1) . ففي هذا بيان منقبة لعلي رضي الله عنه وأرضاه . وقد كثر الثناء عليه رضي الله عنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين لهم بإحسان بما وجد فيه من الخصال الحميدة وبما حصل له من المناقب الرفيعة التي استحق أن يكون بها من خير البشر . فقد شهد له الفاروق رضي الله عنه بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم التحق بالرفيق الأعلى وهو عنه راض كما شهد له بحل المعضلات .
1 – فقد قال رضي الله عنه عندما قيل له : أوص يا أمير المؤمنين ، استخلف قال : ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط – الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض : فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن(1) فقد أخبر الفاروق رضي الله عنه بأن أبا الحسن كان في مقدمة من مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .
2- وروى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن المسيب قال : كام عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن(1) .
3- روى البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال : قال عمر رضي الله عنه : أقرؤنا أبي وأقضانا علي(1) . فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد لأبي الحسن بحل المشكلات وبالبراعة في القضاء وإتقانه .
4 – وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى (( كان ابن عباس يقول إذا جاءنا الثبت عن علي لم نعدل به )) (1) .
5 – وروى ابن أبي شيبة في كتابه (( المصنف )) (1) بإسناده إلى عطية بن سعد قال : دخلنا على جابر بن عبد الله وهو شيخ كبير وقد سقط حاجباه على عينيه فقلت : أخبرنا عن علي بن أبي طالب قال : فرفع حاجبيه بيديه ثم قال : (( ذاك من خير البشر )) . وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى جرى بن كليب العامري قال : لما سار عليٌّ إلى صفين كرهت القتال فأتيت المدينة فدخلت على ميمونة بنت الحارث فقالت : ممن أنت قلت : من أهل الكوفة )
قالت : من أيهم : قلت من بني عامر قالت : رحباً على رحب وقرباً على قرب تجيء ما جاء بك قال : قلت : سار علي إلى صفين وكرهت القتال فجئنا إلى هاهنا قالت : أكنت بايعته ؟ قلت : نعم قالت : فارجع إليه فكن معه فو الله ما ضل ولا ضل به ))(1) . فهذا ثناء من أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها على أبي السبطين رضي الله عنه من أنه سالك طريق الحق ولن يحيد عنه إلى الضلال بحال وهذه منقبة وفضيلة له رضي الله عنه .
6 – وروى ابن أبي شيبة ف كتابه (( المصنف )) بإسناده إلى أبي هارون قال : كنت مع ابن عمر جالساً إذ جاءنا نافع بن الأزرق فقام على رأسه فقال : والله إني لأبغض عيلاً قال : فرفع إليه ابن عمر رأسه فقال : أيبغضك الله تبغض رجلاً سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها )) .ولقد شهد له معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بالعلم والفضل والسبق والخيرية ، وأقر له بفضائله ومناقبه كلها .
7 – قال ابن كثير : وقال جرير : عن مغيرة قال : لما جاء نعي عليّ بن أبي طالب إلى معاوية وهو نائم مع امرأته فاخته بنت قرطة في يوم صائف جلس وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون وجعل يبكي فقالت : له فاخته أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه فقال : ويحك إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره )) (1) .
8 – قال ابن عبد البر : (( وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك فلما بلغ قلته قال : ذهب الفقه والعلم بموت أبي طالب فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام فقال له : دعني عنك )) (1) .
هذا موقف معاوية بن أبي سفيان من أبي السبطين عليّ رضي الله عنه فإنه يبكي عليه عندما بلغه نبأ قتله وأثنى عليه بصفاته الحميدة من الحلم والعلم والفضل والسابقة والخيرية ، واعترف له بمناقبه كلها ولم يمنعه من ذلك ما حصل بينهما من الحروب ولم يجد الغل محلاً في قلب معاوية لأبي الحسن رضي الله عنهما فأصحاب رسول الله صلى نزع الله من قلوبهم الغل ، فكانوا إخواناً متحابين ومهما حصل بينهم من خلاف فإن ذلك لم يؤد بهم إلى إنكار فضائل بعضهم بعضاً فهل يذكر بهذا من جاء بعدهم من الرافضة الذين يقدحون فيهم ولا حامل لهم على ذلك إلا بغضهم وغلهم المقيت ومعاداتهم الخبيثة للسابقين الأولين الخيرة البررة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين وأخزى من قلبه غل عليهم إلى يوم الدين .
9 – سئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : كان عليّ والله سهماً صائباً من مرامي الله على عدوه ، ورباني هذه الأمة ، وذا فضلها ، وإذا قرابتها من رسول الله صلى لم يكن بالنومة عن أمر الله ولا باللومة في دين الله ولا بالسروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة ذلك عليّ بن أبي طالبت يا لكع(1) .تلك طائفة من الأحاديث والآثار التي تضمنت فضل رابع الخلفاء الراشدين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وفضائله رضي الله عنه كثيرة جداً وقد قال الإمام أحمدرحمه الله تعالى : (( ما جاء لأحد من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما داء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه )) (1) . وكل ما تقدم ذكره من فضائله رضي الله عنه كلها فيها الرد على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولنه ، كما تتضمن الرد على الخوارج الذين كفروه وكلتا الفرقتين ضالتان في اعتقادهما فيه رضي الله عنه وأرضاه وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غني عنها(1) . والذي أخلص إليه في هذا الفصل أن عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة أنهم يتبرؤون منه ولا يتولونه ، كما تتضمن الرد على الخوارج الذين كفروه وكلتا الفرقتين ضالتان في اعتقادهما فيه رضي الله عنه وأرضاه وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غني عنها(1) . والذي أخلص إليه ف هذا الفصل أن عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة أنهم يرتبون الخلفاء الأربعة في الفضل فيعتقدون أن أفضل الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين . قال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى في صدد عرضه الأقوال في أفضلية الأربعة الخلفاء فقال : (( ومنهم من يقول : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم عليٌّ رضي الله عنهم أجمعين وذلك قول أهل الجماعة والأثر من رواة الحديث وجمهور الأمة )) (1) . وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : (( وأفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم عليٌّ المرتضى ، ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة – أهل بيعة الرضوان – ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم )) (1
فضل الستة بقية العشرة
==================================================
بينّا فيما سبق في المباحث الأربعة المتقدمة فضل أربعة من العشرة المبشرين بالجنة وهم أبو بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذو النورين ، وأبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون الذين أمرنا بالاهتداء بهديهم والسير على طريقتهم رضي الله عنهم وفي هذا المبحث أبين فضل من بقي من العشرة الذين يلون الخلفاء الراشدين في الفضل وعددهم ستة وهم طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبدة عامر بن الجراح ، وسعيد بن زيد . وإلى بيان فضل كل واحد من هؤلاء الستة رضي الله عنهم :
1) طلحة بن عبيد الله :
هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرة بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي(1) (( يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الآباء سواء )) (1) وأمه رضي الله عنه الصعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن وهي أخت العلاء بن الحضرمي(1) أسلمت ولها صحبة وظفرت بشرف الهجرة(1) وطلحة رضي الله عنه أحد العشرة الذين بشروا بالجنة ، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام وأحد الخمسة الذين أٍلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، وكان رضي الله عنه عند وقعة بدر قد وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيد بن زيد يتجسسان خبر العير قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى بدر فلم يرجعا إلا وقد فرغ من موقعة بدر وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما )) (1) .
وقال الواقدي : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر(1) فخروجهما لجس الأخبار يعتبر في صالح المعركة وهو نوع من المشاركة فيها . وشهد طلحة رضي الله عنه أحداً وما بعدها من المشاهد وقد أبلى في غزوة أحد بلاءً حسنا فقد وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت أصبعه(1) .
وفضائله رضي الله عنه كثيرة مشهورة ومنها :
1- ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد(1) . هذا الحديث اشتمل على منقبة عظيمة خص بها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهي أنه وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد لما أراد بعض المشركين أن يضربه فاتقى طلحة الضربة بيده حتى أصابها شلل والشلل بطلان في اليد أو في الرجل من آفة تعتريها فالحديث فيه بيان فضيلة عظيمة لطلحة رضي الله عنه وأرضاه .
2- وروى أيضاً : بإسناده إلى أبي عثمان النهدي قال : لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد عن حديثهما(1) . وهذا الحديث أيضاً : تضمن منقبة ظاهرة لأبي محمد طلحة بن عبيد الله من حيث أنه بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تفرق الناس عنه يوم أحد والمراد بقوله في الحديث : (( في بعض تلك الأيام )) يوم أحد .
3- وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى الزبير رضي الله عنه قال : (( كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد تحته طلحة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى استوى على الصخرة قال : فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( أوجب طلحة )) (1) . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( أوجب طلحة )) أي : وجبت له الجنة بسبب عمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها وقاية له حتى طعن ببدنه وجرح جميع جسده حتى شلت يده(1) .
4- وروى أبو نعيم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال : ذلك كله يوم طلحة(1) .وهذا مدح وثناء عظيم من صديق هذه الأمة وشهادة صادقة لأبي محمد طلحة بن عبيد الله بثباته مع النبي صلى الله عليه وسلم
في وقعة أحد التي أبلى فيها بلاءً حسناً وكان موقفه عظيماً في غزوة أحد يذكر به في الآخرين رضي الله عنه وأرضاه .
5- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن طلحة ممن قضى نحبه ووفى لله بما نذر على نفسه من القتال في سبيله ونصرة دينه . فقد روى الترمذي بإسناده إلى موسى بن طلحة قال : دخلت على معاوية فقال : ألا أبشرك ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( طلحة ممن قضى نحبه )) (1) .
وروى أيضاً : بإسناده إلى موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة (( أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : لأعرابي جاهل سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون هم على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أين السائل عمن قضى نحبه )) قال الأعرابي : أنا يا رسول الله قال : (( هذا ممن قضى نحبه )) (1) .هذا ن الحديثان فيهما بيان فضل طلحة بن عبيد الله حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة ممن قضى نحبه وكان طلحة ضمن جماعة كعثمان بن عفان ومصعب وسعيد وغيرهم نذروا إذا لقوا حرباً ثبتوا حتى يستشهدوا وقد ثبت طلحة يوم أحد وبذل جهده حتى شلت يده ووقى بها النبي صلى الله عليه وسلم(1) رضي الله عنه وأرضاه .قال أبو بكر بن العربي أثناء ذكره لمسائل اشتمل عليها الحديث قال رحمه الله تعالى :
* الرابعة : إلا أن قوماً تحققت عاقبتهم وأخبر الله تعالى عن حسن مآلهم وإن كانوا لم يوفوا بعد ، فلهم شرف الحالة بذلك وعلو المنزلة وطلحة منهم .
* الخامسة : وكان ذلك له والله أعلم بوقايته بنفسه للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى شلت يمينه فقدمته يداه إلى الجنة وتقدمه إليها وتعلق بسبب عظيم لا ينقطع منها )) (1) . 7- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الفياض لسعة عطائه وكثرة إنفاقه في وجوه الخير . فقد روى أبو عبد لله الحاكم بإسناده إلى موسى ابن طلحة أن طلحة نحر جزوراً وحفر بئراً يوم ذي قرد(1) فأطعمهم وسقاهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا طلحة الفياض )) فسمي طلحة الفياض(1) .
8- وروى أيضاً بإسناده إلى طلحة رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده سفرجلة فرماها إلي أو قال : ألقاها إلي وقال : (( دونكها أبا محمد فإنها تجم(1) الفؤاد )) (1) .
وفي هذا منقبة ظاهرة لطلحة رضي الله عنه وأرضاه .
9 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يموت شهيداً . فقد روى مسلم في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم )) (1) . قال النووي رحمه الله تعالى : (( وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء فإن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلماً شهداء ، فقتل الثلاثة مشهور وعثمان وعلياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلماً شهداء ، فقتل الثلاثة مشهور وقتل الزبير بوادي السباع منصرفاً تاركاً للقتال وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركاً للقتال فأصابه سهم فقتله وقد ثبت أن من قتل ظلماً فهو شهيد والمراد شهداء في أحكام الآخرة وعظيم ثواب الشهداء ، وأمّا في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وفيه بيان فضيلة هؤلاء(1) .
6 – ومن مناقبه الرفيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنه راض . قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : (( باب ذكر طلحة بن عبيد الله ، وقال عمر توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض )) (1) .
7 – ومما يدل على عظم مكانته وعلو منزلته أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ضمن جماعة من فضلاء الصحابة . فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن ابن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة )) ثم قال : وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا(1) . ففي هذا الحديث منقبة واضحة لطلحة رضي الله عنه حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة وأكرم بها من شهادة فإنها تضمنت الإخبار بسعادته في الدنيا والآخرة ، ذلك هو الصحابي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وتلك طائفة من الأحاديث التي دلت على عظيم قدره وعلو منزلته رضي الله عنه وأرضاه .
2 ) الزبير بن العوام :
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي(1) يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وعدد ما بينهما من الآباء سواء وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته ، أمه صفية بنت عبد المطلب ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى(1) . قال عروة بن الزبير : أٍلم الزبير بن العوام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن عمان عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول : ارجع إلى الكفر فيقول الزبير : لا أكفر أبداً . وقال أيضاً : (( أسلم الزبير وهاجر إلى أرض الحبشة الههجرتين معاً ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم )) (1) . فهو رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم . وفضائله رضي الله عنه كثيرة مشهورة ومنها :
1 – ما رواه البخاري بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن لكل نبي حوارياً ، وإن حواريّ الزبير بن العوام )) (1) . وعند مسلم بلفظ : ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لكل نبي حواري وحواري الزبير )) (1) . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( وحواري الزبير )) أي : خاصتي من أصحابي وناصري ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام أي : خلصائه وأنصاره وأصله من التحوير : التبييض قبل : إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي : يبيضونها .. قال الأزهري : الحواريون خلصان الأنبياء وتأويله الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب )) (1) . فالحواري : هو الناصر المخلص ، فالحديث اشتمل على هذه المنقبة العظيمة التي تميز بها الزبير رضي الله عنه ولذلك سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه رجلاً يقول : أنا ابن الحواري فقال : إن كنت من ولد الزبير وإلا فلا(1) . وقال عبد الله بن عباس : هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم وسمى الحواريون لبياض ثيابهم(1) . وجاء (( في عمدة القاري شرح صحيح البخاري )) للعيني : (( فإن قلت : الصحابة كلهم أنصار رسول الله عليه الصلاة والسلام خلصاء فما وجه التخصيص به قلنا : هذا قاله حين قال يوم الأحزاب : من يأتيني بخبر القوم قال الزبير : أنا ، ثم قال : من يأتيني بخبر القوم فقال : أنا وهكذا مرة ثالثة ولا شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره )) (1) .
2- من مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بأبويه . روى البخاري بإسناده إلى عبد الله بن الزبير قال : كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً فلما رجعت قلت : يا أبت رأيتك تختلف قال : وهل رأيتني يا بني ؟ قلت : نعم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من يأت بني قريظة فيأتني بخبرهم ؟ )) فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال : (( فداك أبي وأمي )) (1) . وهذا الحديث فيه منقبة ظاهرة للزبير رضي الله عنه حيث فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبويه (( وفي هذه التفدية تعظيم لقدرة واعتداد بعمله واعتبار بأمره وذلك لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له )) (1) 3- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان ممن استجاب لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح يوم أحد . فقد روى الشيخان في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرحُ للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم } قالت لعروة : يا ابن أختي كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال : (( من يذهب في إثرهم ؟ )) فانتدب منهم سبعون رجلاً قال : كان فيهم أبو بكر والزبير )) (1) . فلقد أثنى الله على الذين استجابوا لله والرسول وأخبر أن جزاء المحسنين المتقين منهم أجر عظيم ، وكان الزبير بن العوام واحداً من هؤلاء رضي الله عنهم .
4- وروى ابن سعد بإسناد صحيح عن هشام عن أبيه قال كانت على الزبير عمامة صفراء معتجراً بها يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الملائكة نزلت على سيماء الزبير )) (1) . وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة للزبير رضي الله عنه دلت على عظيم قدره وعلو منزلته فكون الملائكة الذين أنزلهم الله لنصر المسلمين
في موقعة بدر كانوا على صورته فإن ذلك دليل على أنه جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه .
5- وروى البخاري بإسناده إلى مروان بن الحكم قال : (( أصاب عثمان ابن عفان رعاف شديد سنة الرعاف حتى حبسه عن الحج وأوصى فدخل عليه رجل من قريش قال : استخلف قال : وقالوه ؟ قال : نعم قال : ومن ؟ فسكت فدخل عليه رجل آخر أحسبه الحارث فقال : استخلف فقال عثمان : وقالوا ؟ فقال : نعم قال : ومن ؟ فسكت فلعلهم قالوا : إنه الزبير ؟ قال : نعم قال " والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم )) وفي رواية أخرى قال : (( أمّا والله إنكم لتعلمون أنه خيركم ثلاثاً )) (1) . ففي هاتين الروايتين منقبة عظيمة لحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شهد له ثالث الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالخيرية وأنه كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الداودي : (( يحتمل أن يكون المراد من الخيرية في شيء مخصوص كحسن الخلق وإن حمل على ظاهره ففيه ما يبين أن قول ابن عمر : (( ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم )) لم يرد بد جميع الصحابة فإن بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض وهو عثمان في حق الزبير (( وقد تعقب الحافظ رحمه الله هذا الاحتمال الذي قاله الداودي بقوله : (( قلت : قول ابن عمر قيده بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارض ما وقع منهم بعد ذلك )) (1) . 6- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان شجاعاً مقداماً في ساحة القتال . فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير بوم وقعة اليرموك : ألا تشد فنشد معك ؟ فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة : فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير(1) .وفي هذا بيان فضيلة للزبير رضي الله عنه تضمنها قول الصحابة له يوم اليرموك (( ألا تشد فنشد معك … إلخ )) فإنه كان شجاعاً مقداماً موفقاً في تسديد الضربات لجيوش الشرك . ولقد أبلى رضي الله عنه في يوم اليرموك وفي جميع الغزوات التي غزاها بلاء حسناً . فقد روى الترمذي بإسناده إلى هشام بن عروة قال : (( أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل فقال : ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فرجه )) (1) .
7 – ومن أعظم مناقبه وأعلاها شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة . فقد روى الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة ،وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة … )) الحديث (2) .
8- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يموت شهيداً فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مال على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) (1) . فلقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالشهادة وحصلت له كما أخبر بها المصطفى عليه الصلاة والسلام (( فإنه لما كان يوم الجمل ذكَّره علي بما ذكّره به فرجع عن القتال وكر راجعاً إلى المدينة فمر بقوم الأحنف بن قيس وكانوا قد انعزلوا عن الفريقين فقال قائل يقال له الأحنف : ما بال هذا جمع بين الناس حتى إذا التقوا كر راجعاً إلى بيته من رجل يكشف لنا خبره ؟ فاتبعه عمرو بن جرموز في طائفة من غواة بني تميم .. فأدركه عمرو بواد يقال له وادي السباع – قريب من البصرة – وهو نائم في القائلة فهجم عليه فقتله … ولما قتله اجتز رأسه وذهب به إلى علي ورأى أن ذلك يحصل له به حظوة عنده فاستأذن فقال عليٌّ : لا تأذنوا له وبشروه بالنار وفي رواية : أن علياً قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( بشر قاتل ابن صفية بالنار )) ودخل ابن جرموز ومعه سيف الزبير فقال عليٌّ : إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال : إن عمرو بن جروز لما سمع ذلك قتل نفسه وقيل : بل عاش إلى أن تأمر مصعب بن الزبير على العراق فاختفى منه فقيل مصعب : إن عمرو بن جرموز هاهنا وهو مختف فهل لك فيه ؟
فقال : مروه فليظهر فهو آمن والله ما كنت لأقيد للزبير منه فهو أحقر من أن أجعله عدلاً للزبير(1) (( وكان قتله رضي الله عنه يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة وثلاثين )) (1) ذلك هو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك طائفة من مناقبه التي دلت علي عظيم قدره وعلو شأنه رضي الله عنه وأرضاه .
3) عبد الرحمن بن عوف :
هو أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري كان اسمه في الجاهلية – عبد عمرو – وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة(1) . (( شهد رضي الله عنه بدراً والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام )) (1) (( وأحد الستة أصحاب الشورى الذين أخبر عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توفي وهو عنهم راض وأسند رفقته أمرهم إليه حتى بايع عثمان )) (1) ، (( أسلم قديماً قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها )) (1) . (( وأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى بني كلب ، وأرخى له عذبة بين كتفيه لتكون أمارة عليه للإمارة )) (1) ومناقبه رضي الله عنه كثيرة وقد وردت طائفة من الأحاديث الصحيحة بذكر مناقبه رضي الله عنه ومنها :
1- روى الإمام مسلم بإسناده إلى عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك قال المغيرة : فتبرّز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط(1) فحملت معه أداوة قبل صلاة الفجر فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أخذت أهريق علي يديه من الإداوة وغسل يديه ثلاث مرات ثم ذهب يخرج جبته عن ذراعيه فضاق كمّا جبته فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ على خفيه ، ثم أقبل . قال المغيرة : فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتة أقبل عليهم ثم قال : (( أحسنتم )) أو قال : (( أصبتم )) يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها )) (1) . فصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية من صلاة الفجر دلت على منقبة عظيمة له لا تبارى رضي الله عنه وأرضاه .
2- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات فأغلظ له خالد في المقال فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )) (1) . فقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تسبوا أحداً من أصحابي )) يعني عبد الرحمن ونحوه الذين هم السابقون الأولون وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا وهم أهل بيعة الرضوان فهل أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان وهم أهل بيعة الرضوان فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان وهم الذين أسلموا بعد الحديبية وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ومنهم خالد بن الوليد )) (1) فالحديث تضمن منقبة رفيعة لعبد الرحمن بن عوف حيث كان ممن شرف بالسبق إلى الإسلام .
3- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسمه من عبد عمرو إلى عبد الرحمن . روى الحاكم بإسناده إلى عبد الرحمن بن عوف قال : (( كان اسمي في الجاهلية عبد عمرو فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن )) (1) .
4- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله له أن يسقيه من سلسبيل الجنة . فقد روى الحاكم أيضاً : بإسناده إلى أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه : (( إن الذي يحنو عليكم بعدي هو الصادق البار اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة )) (1) .وروى أيضاً : بإسناده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثه قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت لي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي : (( أمركن مما يهمني بعدي ولن يصبر عليكن إلا الصابرون )) ثم قالت : فسقى الله أباك من سلسبيل الجنة . وكان عبد الرحمن بن عوف قد وصلهن بمال فبيع بأربعين ألفاً )) (1) .
ففي هذين الحديثين فضيلة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه .
5- ومن أجل مناقبه وأعلاها شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة . فقد روى الترمذي رحمه الله بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة .. )) الحديث(1) .فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الرحمن أحد أهل الجنة جعلنا الله منهم بفضله ومن آمين .
6- ومن مناقبه العظيمة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سهيد . روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال : أشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم قيل : وكيف ذاك قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء فقال : (( اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) قيل : ومن هم قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف قيل فمن العاشر قال أنا )) (1) . فالحديث تضمن منقبة عالية لعبد الرحمن وهي أنه سيموت شهيداً ولا يعارض هذا وفاته رضي الله عنه على فراشه فلابد من التسليم والإيمان بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولابد هناك من سبب ثبتت له به الشهادة ليكون تصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم لم نعلمه نخن . ذلك هو عبد الرحمن بن عوف الذي قضى حياته كلها في طاعة ربه حتى اللحظة الأخيرة – التي كان فيها في مرض موته فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : (( ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها حتى عثمان وعليٌّ وقال عليٌّ : اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت زيفها(1) , وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى كانت عائشة تقول : سقاه الله من السلسبيل وأعتق خلقاً من مماليكه ، ولما مات صلى الله عليه وسلم عليه عثمان بن عفان ، وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع(1) سنة إحدى وثلاثين وقيل سنة اثنتين وهو الأشهر )) (1) .
4) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
هو أبو إسحاق سعد بن مالك بن أهيب ويقال له : ابن وهيب بن عبد مناف ابن زهرة بون كلاب القرشي الزهري(1) (( يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم كلاب بن مرة وعدد ما بينهما من الآراء متقارب وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم )) (1) وهو رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، أسلم قديماً وكان يوم أسلم عمره سبع عشرة سنة وهاجر إلأى المدينة وشهد بدراً ، وما بعدها من المشاهر وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وكان فارساً شجاعاً من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان في أيام الصديق معظماً جليل المقدار ،
وكذلك في أيام عمر وقد استبانه على الكوفة وهو الذي بناها وهو الذي فتح المدائن(1) ، وكانت بين يديه وقعة جلولاء(1) وكان سيداً مطاعاً ، وعزله عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة ولكن لمصلحة ظهر تلعمر في ذلك ، ثم ولاه عثمان بعده ، ثم عزله عنها وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة مشهوراً بذلك(1) ، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة وردت بها الأحاديث الصحيحة ومنها :
1- روى البخاري بإسناده إلى سعيد بن المسيب قال : سمعت سعداً يقول : جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد(1) .
2- وروى مسلم بإسناده إلى عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له يوم أحد قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( ارم فداك أبي وأمي )) قال : فنزعت له بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه فسقط فانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت نواجذه )) .
3- وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن شداد قال : سمعت علياً يقول : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد : (( ارم فداك أبي وأمي )) (1) . هذه الأحاديث تضمنت منقبة عظيمة لسعد رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بأبويه وهذه التفدية فيها دلالة على أنه عظيم المنزلة جليل القدر عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيضحي بنفسه أو أعز أهله له . وقول عليّ رضي الله عنه : (( ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير أنه عليه الصلاة والسلام جمع أبويه يوم الخندق للزبير بن العوام رضي الله عنه ويجمع بين الحديثين (( بأن علياً رضي الله عنه لم يطلع على ذلك ومراده بذلك تقييده بيوم أحد والله أعلم )) (1) .
4- وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال : (( ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة )) قالت : فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح فقال : (( من هذا )) قال : سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما جاء بك )) قال : وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله ثم نام )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبة لسعد رضي الله عنه وأنه من الصالحين وأكرم بها منقبة إذا الصالحون يتولاهم رب العالمين كما قال تعالى : { وإن ولي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين }(1) ولقد حظي رضي الله عنه بمفخرة الحديث قبل نزول قوله تعالى : { والله يعصمك من الناس }(1) لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الاحتراس حين نزلت هذه الآية وأمر أصحابه بالانصراف عن حراسته وهذا الحديث مصرح بأن هذه الحراسة كانت أول قدومه المدينة ومعلوم أن الآية نزلت بعد ذلك بأزمان )) (1) .
5- ومن مناقبه رضي الله عنه أن الله تعالى أنزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة . فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى سعد رضي الله عنه أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال : حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب قالت : زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا قال : مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل الله – عز وجل – في القرآن هذه الآية { ووصينا الإنسان بوالديه } { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } وفيها { وصاحبهما في الدنيا معروفاً }(1) قال وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غيمة عظيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت : نفلني هذا السيف فأنا من قد علمت حاله ، فقال : (( ردّه من حيث أخذته )) فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت أعطنيخ ، قال فشد لي صوته : (( ردّه من حيث أخذته )) قال : فأنزل الله – عز وجل – { يسئلونك عن الأنفال }(1) قال : ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني فقلت : دعني أقسم مالي حيث شئت قال : فأبى قلت : فالنصف قال : فأبى قلت : فالثلث قال : فسكت فكان بعد الثلث جائزاً قال : وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمراً وذلك قبل أن تحرم الخمر قال : فأتيتهم في حس والحش البستان فإذا رأس جزور مشزي عندهم وزق من خمر قال : فأكلت وشربت معهم قال : فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت : المهاجرون خير من الأنصار قال : فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح بأنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله – عز وجل – فيّ يعني نفسه شأن الخمر { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان }(1) . فهذا الحديث تضمن بيان فضيلة سعد حيث نزلت في شأنه تلك الآيات القرآنية المشار إليها في هذا الحديث .
6- ومن مناقبه رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى أثنى عليه وأخبر أنه من الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . فقد جاء في صحيح مسلم عنه رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل منهذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله – عز وجل – { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجههُ }(1) .
7- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه أسلم قديماً . فقد روى البخاري بإسناده إلى سعد قال : لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام .وروى أيضاً بإسناده إلى سعيد بن المسيب قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإٍسلام(1) فقوله رضي الله عنه : لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام فيه منقبة عظيمة له (( وأراد بذلك أنه ثالث من أسلم أولاً وأراد بالاثنين أبا بكر وخديجة أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر والظاهر أنه أراد الرجال الأحرار (( فقد ذكر أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب(1) أنه سابع سبعة في الإسلام )) وقد قدمنا في فضل الصديق من حديث عمار بن ياسر (( رأيت البي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وأبو بكر فهؤلاء ستة ويكون هو السابع بهذا الاعتبار أو قال ذلك بحسب اطلاعه والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه فبهذا الاعتبار قال : وأنا ثلث الإٍلام … وقوله رضي الله عنه :: (( ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه )) ظاهره أنه لم يسلم أحد قبله وهذا فيه إشكال لأنه قد أسلم قبله جماعة ولكن يحمل هذا على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد روى ابن مندة في (( المعرفة )) من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذا لا إشكال فيه لأنه لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم ولا ينافي هذا إسلام جماعة قبل يوم إٍلامة وقوله : (( ولقد مكثت … إلخ هذا أيضاً على مقتضى اطلاعه )) (1)
8- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه أول من رمى في سبيل الله وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط … )) الحديث(1) . في هذا الحديث بيان فضيلة سعد رضي الله عنه حيث أنه كان أول رام بسهمه في سبيل الله (( وكان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة بعث ناساً من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيراً لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة فكان سعد أول من رمى )) (1) .
9 – ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان مجاب الدعوة مشهوراً بذلك وسبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله له بأن يكون مجاب الدعوة فحقق الله دعوة نبيه عليه الصلاة والسلام فكانت دعوته مستجابة رضي الله عنه جاء في مجمع الزوائد عن عامر – يعني الشعبي – قال : قيل لسعد بن أبي وقاص : متى أجبت الدعوة قال : يوم بدر كنت أرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأضع السهم في كبد القوس ثم أقول : اللهم زلزل أقدامهم وارعب قلوبهم وافعل بهم وافعل فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم استجب لسعد )) رواه الطبراني وإسناده حسن . وفيه أيضاً : عن سعد قال : سمعتي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو فقال : (( اللهم استجب له إذا دعاك )) . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (1) .
10 – ومن مناقبه العالية شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة فقد روى الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : قل رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة … )) الحديث(1) .
11- ومن مناقبه رضي الله عنه شهاة النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه من الشهداء فقد روى مسلم بإسناده إلى أبي ريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اسكن الحراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم(1) .
فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد مع أنه لم يمت في معركة وإنما توفي بقصره بالعقيق سنة إحدى وخمسين وقيل ست وقيل ثمان والثاني أشهر(1) . قال النووي وأمّا ذكر سعد بن أبي وقاص في الشهداء فقال القاضي : إنما سمي شهيداً لأنه مشهود له له بالجنة(1) قال عليّ بن المديني : وهو آخر العشرة وفاة وقال غيره : كان آخر المهاجرين وفاةً رضي الله عنه وعنهم أجمعين(1) ذلك هو سعد بن أبي وقاص وتلك من فضائله رضي الله عنه .
5) أبو عبيدة بن الجراج :
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب ويقال : وهيب بن ضبة بن الحارض بن قهر القرشي الفهري أبو عبيدة بن الجراح مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامر بن عميرة(1) .
وهو من السابقين الأولين إلي الإسلام (( وكان إسلامه هو عثمان بن مظهون وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأٍد في ساعة واحد قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم )) (1) . وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعدها وهو الذي انتزع حلقتي المغفر من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيتاه بسبب ذلك ولثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس(1) ومناقبه رضي الله عنه تضمنتها أحاديث صحيحة مشهورة منها :
1 – ما رواه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن لكل أمة أميناً وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة لأبي عبيدة رضي الله عنه (( والأمين هو الثقة المرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيداً في ذلك لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك )) (1) .
وروى البخاري بإسناده إلى حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران : (( لأبعثن عليكم – يعني – أميناً حق أمين )) فأشرف أصحابه فبعث أ[ا عبيدة رضي الله عنه(1) . وروى أيضاً : بإسناده إلى حذيفة قال : جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال : (( هذا أمين هذه الأمة )) .وروى أيضاً : بإسناده إلى حذيفة قال : جاء أهل نجران إلى رسول الله فقالوا : يا رسول الله ابعث إلينا رجلاً أميناً فقال : (( لأبعثن إلكم رجلاً أميناً حق أمين )) قال : فاستشرف لها الناس(1) . إنها لمنقبة عظيمة خص بها أبو عبيدة رضي الله عنه حق لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتطلعوا لها (( وكان تطلعهم رضي الله عنهم إلى الولاية ورغبتهم فيها حرصاً منهم على أن يكون أحدهم هو الأمين الموعود في الحديث لا حرصاً على الولاية من حيث هي )) (1) .قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (( قوله لأهل نجران هم أهل بلد قريب من اليمن وهم العاقب واسمع عبد المسيح والسيد ومن معهما ، ذكر ابن سعد أنهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وسماهم(1) … ووقع في حديث أنس عند مسلم (( أن أهل اليمن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( هذا أمين هذه الأمة )) فإن كان الراوي تجوز عن أهل نجران من اليمن وإلا فهما واقعتان والأول أرجح )) اهـ(1) .
2 – ومن مناقبه العالية رضي الله عنه أنه كان أحد من يصلح للخلافة ، وأحد الناس الذين كانوا أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم . روى الإمام مسلم بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال : سمعت عائشة وسئلت : من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفته ؟ قالت : سمعت عائشة وسئلت : من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه ؟ قالت : أبو بكر فقيل لها : ثم بعد أبي بكر ؟ قالت : عمر ثم قيل لها : من بعد عمر ؟ قلت : أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا )) (1) . وهذا الأثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تضمن منقبة عظيمة لأبي عبيدة وهي اعتقادها رضي الله عنا أنه صالح للخلافة وأنه أهل لها رضي الله عنه وأرضاه .
وروى الترمذي وابن ماجة بإسناديهما إلى عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة : أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه ؟ قالت : أبو بكر قلت :ثم من ؟ قالت : ثم عمر ؟ قلت : ثم من ؟ قالت ثم أبو عبيدة بن الجراح قلت : ثم من ؟ فسكتت )) (1) .في هذا بيان فضيلة لأبي عبيدة وهي أنه كان أحد الذين هم أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3- ومن مناقبه رضي الله عنه أن الفاروق رضي الله عنه كان يكره مخالفته فيما يراه وأنه كان جليل القدر عنده . فقد روى الشيخان في صحيحهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر لما
خرج إلى الشام وأخبر أن الوباء قد وقع به فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشارهم فاختلفوا فرأى عمر رأي من رأى الرجوع فرجع فقال له أبو عبيدة : أفراراً من قدر الله ؟ فقال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة وكان عمر يكره خلافه ، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله … الخ الحديث(1) .قال الحافظ رحمه الله تعالى : (( وذلك دال على جلالة أبي عبيدة عند عمر )) (1) .
4- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قرنه في المدح بالشيخين
روى الترمذي بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر ، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح )) ثم قال : هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث سهيل(1) . وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي عبيدة حيث قرنه عليه الصلاة والسلام في المدح والثناء مع أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعاً .
5- ومن مناقبه العالية الرفيعة شهادة المصطفى عليه الصلاة والسلام له بالجنة ضمن جماعة من الصحابة كما تقدم في حديث العشرة المبشرين بالجنة ، وهو ما رواه الترمذي ويره بسنده إلى عبد الرحمن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، عبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة )) (1) .
6 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن وفاته كانت شهادة في سبيل الله فقد مات في الطاعون الذي حصل بأرض الشام زمن الفاروق رضي الله عنه وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من كانت وفاته بسبب هذا الداء فإنه شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وقد جمع الله لأبي عبيدة بين هذين الوصفين . فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما تعدون الشهيد فيكم )) قالوا : يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، قال : (( إن شهداء أمتي إذاً لقليل )) قالوا : فمن هم يا رسول الله قال : (( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد )) قال ابن مقسم : (( أشهد على أبيك في هذا الحديث أنه قال : والغريق شهيد )) (1) (( وهذه الموتات إنما كانت شهادة بتفضيل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها )) (1) .قال النووي رحمه الله تعالى : (( قال العلماء : المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة دون أحكام الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وشهيد في الآخرة وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبراً )) (1) .(( وقد اتفق العلماء على أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة )) (1) . ولما دفن رضي الله عنه خطب الناس معاذ بن جبل خطبه بين فيها الكثير من فضائل أبي عبيدة . وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد المقبري قال : لما طعن أبو عبيدة قال : يا معاذ صل فصلى معاذ بالناس ثم مات أبو عبيدة ابن الجراح فقام معاذ في الناس فقال : يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبةً نصوحاً فإن عبداً لله يلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له ثم قال : إنكم أيها الناس قد فجعتم برجل والله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبداً قط أقل غمزاً ولا أبر صدراً ولا أبعد غائلة ولا أشد حباً للعاقبة ولا أنصح للعامة منه فترحموا عليه رحمه الله ثم اصحروا(1) للصلاة عليه فو الله لا يلي عليكم مثله أبداً فاجتمع الناس وأخرج أبو عبيدة وتقدم معاذ فصلى عليه حتى إذا أتي به قبره دخل قبره معاذ بن جبل وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس فلما وضعوه في لحده وخرجوا فسنوا عليه التراب فقال معاذ بن جبل :يا أبا عبيدة لأثنينّ عليك ولا أقول باطلاً أخاف أن يلحقني بها من الله مقت كنت والله ما علمت من الذاكرين الله كثيراً ومن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ومن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً وكنت والله من المخبتين المتواضعين الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الخائنين المتكبرين )) (1) . فهذا الثناء من معاذ رضي الله عنه كله تضمن بيان فضائل لأبي عبيدة ابن الجراح ذلك هو أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على أن جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه .
6) سعيد بن زيد :
هو أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي كان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل أحد الحنفاء الذين طلبوا دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قبل أن يبعث النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان لا يذبح للأصنام ولا يأكل الميتة والدم وكان يقول لقومه : يا معشر قريش والله لا آكل ما ذبح لغير الله ، والله ما أحد على دين إبراهيم غيري )) (1) .وأم سعيد بن زيد فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية كانت من السابقين إلى الإسلام وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره كانت تحته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب وكانت أخته عاتكة بنت زيد بن عمرو تحت عمر ابن الخطاب وكان سعيد بن زيد من السابقين الأولين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، أٍلم قبل عمر بن الخطاب هو وزوجته فاطمة وهاجرا ، وكان من سادات الصحابة قال عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والواقدي وغير واحد : لم يشهد بدراً لأنه قد كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش ،فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما ، ولم يذكره عمر في أهل الشورى لئلا يحابي بسبب قرابته من عمر فيولى فتركه لذلك ولم يتول بعده ولاية وما زال كذلك حتى مات )) (1) .
وقد وردت بعض الأحاديث المتعددة المصرحة بفضله رضي الله عنه ومنها :
1- ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال : سمعت سعيد ابن زيد يقول للقوم في مسجد الكوفة يقول : والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحداً أرفض(1) للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقاً أن يرفض(1) . ففي هذا بيان فضيلة ظاهرة لسعيد رضي الله عنه وهي أنه كان ممن حظي بشرف السبق إلى الإسلام وأن إسلامه كان قبل إسلام الفاروق رضي الله عنه إذ أنه بين أن صنع عمر هذا به كان قبل أن يسلم .قال أبو عبد الله الحاكم : (( أسلم سعيد بن يزيد بن عمرو قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها الناس إلى الإسلام )) (1) .
2- ومن مناقبه العالية شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة مع جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن حميد أن سعيد بن زيد حدثه في نفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعليٌّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسعد ابن أبي وقاص )) قال : فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر فقال القوم : ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر ؟ قال : نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة )) (1) .
3- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من الشهداء . فقد روى الترمذي بإسناده إلى سعيد بن زيد بن عمرة بن نفيه أنه قال : أِهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم قيل : وكيف ذاك ؟ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء فقال : (( اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) قيل :ومن هم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف قيل : فمن العاشر قال : أنا )) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم )) (1) ففي هذا فضيلة عظيمة لسعيد بن زيد رضي الله عنه حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة وإن مات على فراشه فهو شهيد لخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بذلك . وكانت وفاته رضي الله عنه سنة (( إحدى وخمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين وقد غسله سعد وحمل من العقيق على رقاب الرجال إلى المدينة )) (1) . قال الشوكاني رحمه الله تعالى مبيناً فضل سعيد بن زيد رضي الله عنه : (( ويكفي سعيد بن زيد أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأنه شهد أحداً وما بعده من المشاهد كلها وصار من جملة أهل بدر بما ضربه له رسول الله صلى الله عليه وسلم من السهم والأجر )) اهـ(1) .ذلك هو سعيد بن زيد وتلك طائفة من مناقبه وبه رضي الله عنه نختم فضل العشرة المبشرين بالجنة الذين قدمنا فضائلهم التي دلت على مكانتهم وعلو منزلتهم ، فيجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أنهم من أهل الجنة بأعيانهم كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى { إن هو إلا وحيٌ يوحى } وكلهم رضي الله عنهم من قريش الذين سبقوا إلى الإسلام وهاجروا إلى الله ورسوله وتركوا ديارهم وأموالهم بغية نصرة دين الإسلام ورفع رايته
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar