فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
================================
بواسطة | د. ناصر بن علي الشيخ
================================
ينبغي للمسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن أفضل البشر بعد الأنبياء هو صدّيق هذه الأمة المحمدية وهو أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التميمي يجتمع نسبه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب وأم الصديق أم الخير سلمى بنت صخر بن عامب بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بنت عم أبيه وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو ، وهما صحابيان رضوان الله عليهما أجمعين(1) .
لقب بالصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ وروى الطبراني من حديث علي : (( أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق )) (2) . وقيل : كان ابتداء تسميته بالصديق صبيحة الإسراء فقد روة أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح قال نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فلذلك سمي أبو بكر الصديق )) (3) .
صحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وسبق إلى الإيمان به واستمر معه طول إقامته بمكة ورافقه في الهجرة وفي الغار وفي المشاهد كلها إلى أن مات وكانت الراية مه يوم تبوك وحج بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم(4) وقد دل على أنه أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، أما دلالة لكتاب فمن ذلك ما يلي :
1- قال تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل اللهُ سكينته عليه }(5) . أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب المذكور في الآية هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه )) (6) . أخرج ابن عساكر عن سفيان ابن عيينة قال : عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر وحدخ فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار }(7) .قال ابن جرير رحمه الله تعالى : (( وإنما عنى الله – جل ثناؤه – بقوله { ثاني اثنين } رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش إذ هما بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار وقوله : { إذ هما في الغار } يقول : إذ روسل الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رحمة الله عليه في الغار والغار : النقب العظيم يكون في الجبل { إذ يقول لصاحبه } يقول : إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر : { لا تحزن } وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما فجزع من ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن لأن الله معنا ، والله ناصرنا فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا )) اهـ(8) . وقال الحافظ ابن كثير : { إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين } أي : عام الهجرة لما هم المشركون بقتل ، أو حبسه ، أو نفيه فخرج منهم هارباً صحبه صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر رضي الله يجزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إلى الرسول عليه الصلاة والسلام منهم أذى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسكنه ويثبته ويقول : (( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) (9) … ولهذا قال تعالى { فأنزل الله سكينته عليه } أي تأييده ونصره عليه أي : على الرسول صلى الله عليه وسلم في أشهر القولين وقيل : على أبي بكر وروي عن ابن عباس وغيره قالوا : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل معه سكينة وهذا لا ينافي تجدد يكينة خاصة بتلك الحال )) اهـ(10) . وقال أبو بكر بن العربي : بعد قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) وهذه مرتبة عظى وفضيلة شماء لم يكن بشر أن يخبر عن الله – سبحانه – أنه ثالث اثنين أحدهما أبو بكر ، كما أنه قال : مخبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر { ثاني اثنين } اهـ(11) .فالآية دلت دلالة واضحة على فضل أبي بكر رضي الله عنه حيث جعله الله ثاني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { ثاني اثنين إذ هما في الغار } وما ذلك إلا لأن الصديق بلغ النهاية في الفضل رضي الله عنه وأرضاه .
2- وقال تعالى : { والذي جاء بالصّدق وصدَّق به أولئك همُ المتقون }(12) .
روى ابن جرير بإسناده إلى علي رضي الله عنه في قوله : { والذي جاء بالصدق } قال : محمد صلى الله عليه وسلم { وصدق به } قال : أبو بكر رضي الله عنه(13) .وهذه الآية أيضاً تضمنت فضيلة عظيمة ومنقبة عالية لأبي بكر رضي الله عنه ، وهي أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة من مكة إلى المدينة وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه عليه الصلاة والسلام .
3- قال تعالى { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير }(14) . ذهب كثير من المفسرين منهم عبد الله بن عباس وابن مسعود وعبد الله ابن عمر ومجاهد والضحاك إلى أن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما(15) .
4- وقال تعالى : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى }(16) .
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { فسنيسره لليسرى } قال : الجنة(17) .
وقد ذكر العلامة ابن جرير الطبري أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه فقد روى بإسناده إلى عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بني أراك تعتق أناساً ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالاً جلداً يقومون معك ، ويمنعونك ويدفعون عنك قال : أي أبت إنما أريد ما عند الله . قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه { فأما من أعطى واتقى وصدَّق بالحسنى فسنيسره لليسرى }(18) .
5- وقال تعالى : { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحدٍ عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى }(19) . هذه الآيات ذكر الكثير من المفسرين أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وهذه الآيات فيها إخبار من الله تعالى أنه سيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى الموضح بقوله : { الذي يؤتي ماله يتزكى } أي : يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا { وما لأحد عنده من نعمة تُجزى } أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً ، فهو يعطي في مقابلة ذلك ، وإنما دفعه ذلك { ابتغاء وجه ربه الأعلى } أي : طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ، ثم ختم – تعالى – الآيات بقوله : { ولسوف يرضى } أي : ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات(20) .
قال الحافظ ابن كثير (( وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ، ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله تعالى { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحدٍ عنده من نعمة تجزى } ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ، فإنه كان صديقاً تقياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ، ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ، ولهذا قال له عروة بن مسعود : وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ولهذا قال تعالى : { وما لأحد عنده من نعمةٍ تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى }(21) .تلك هي بعض آيات القرآن الكريم الدالة على أن أبا بكر أفضل الخلق بعد النبي عليه الصلاة والسلام .
وأما الأحاديث الدالة على أفضليته رضي لله عنه فكثيرة جداً ومنها ما يلي :
1- روى الشيخان في صحيحهما من حديث أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال : (( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) (22) .
هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وتلك المنقبة أن رضي الله عنه كان ثاني اثنين ثالثهما رب العالمين . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وتلك المنقبة أنه رضي الله عنه كان ثاني اثنين ثالثهما رب العالمين .قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه والفضيلة من أوجه منها هذا اللفظ ومنها بذلد نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه ومنها جعله نفسه وقاية عنه غير ذلك )) اهـ(23) .
2- روى البخاري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : (( إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله )) قال : فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً(24) غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر )) (25) .وعند مسلم (( لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )) (26) .وهذا الحديث فيه فضيلة لأبي بكر حيث كان أعلم الصحابة رضي الله عنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما يقوله عليه الصلاة والسلام فقد فهم أبو بكر رضي الله عنه المراد بالعبد المخير وأنه الرسول صلى الله عليه وسلم فبكى حزناً على فراقه وانقطاع الوحي وغير ذلك من الخير المستمر الذي حصل ببعثته عليه الصلاة والسلام للناس كافة على وجه الأرض .
قال الإمام النووي : قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن أمنّ الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر )) قال العلماء : معناه أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وفي غيره )) اهـ(27) . وقال القرطبي : هو من الامتنان ، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لامتن بها يؤيده قوله في رواية ابن عباس : (( ليس أحد أمنّ علي )) والله أعلم(28) .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )) الخوخة – بفتح الخاء – وهي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه .وفي هذا فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه )) (29) .
3- روى الخاري بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي )) وفي رواية قال : (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل )) (30) . وعند مسلم من حديث ابن مسعود : (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه أخي وصاحبي ، وقد اتخذ الله – عز وجل – صاحبكم خليلاً )) (31) .ففي هذا الحديث على اختلاف ألفاظخ فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد بين عليه الصلاة والسلام أنه لو صلح له أن يتخذ أحداً من الناس خليلاً لاتخذ أبا بكر دون سواه ، وأنه رضي الله عنه كان متأهلاً لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً لولا المانع المذكور في الحيث . فهذه منقبة عظيمة للصديق رضي الله عنه لم يشاركه فيها أحد .قال الحافظ عند قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قبل هذا : (( ولكن أخوة الإسلام ومودته )) أي : حاصلة ووقع في حديث ابن عباس ولكن أخوة الإسلام أفضل – وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحداء بلفظ (( ولكن خلة الإسلام أفضل )) وفيه إشكال فإن الخلة أفضل من أخوة الإسلام لأنها تستلزم ذلك وزيادة ، فقيل المراد أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره ، وقيل : أفضل بمعنى فاضل ، ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لأن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوة الإسلام ومودته متفاوته بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره والله أعلم )) اهـ(32) .
4 – وروى الشيخان من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيه فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال (( عائشة )) فقلت من الرجال ؟ قال : (( أبوها )) قلت ثم من ؟ قال : (( ثم عمر ابن الخطاب )) فعد رجالاً(33) .هذا الحديث فيه تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ، ثم عمر على جميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين )) (34) .فكون أبي بكر أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه له فضلاً كثيراً وأنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
5- ورويا أيضاً : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع ليس لها راع غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث )) قال الناس – سبحان الله – فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فإن أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما )) (35) . وهذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر بن الخطاب ظاهرة لأبي بكر وعمر حيث أخبر عليه الصلاة والسلام أنهما يؤمنان بذلك ولم يكونا في القوم عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
قال الإمام النووي : عند قوله صلى الله عليه وسلم : (( فإني أومن به وأبو بكر وعمر )) قال العلماء : (( إنما قال ذلك : ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما لعظيم سلطان الله وكمال قدرته ففيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما )) اهـ(36) .وقال الحافظ : (( ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما ، وهذا أليق بدخوله في مناقبهما )) اهـ(37) .
6- روى الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها وهو حديث السقيفة الطويل وفيه أن أبا بكر قال للأنصار : (( ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب داراً ، وأعربهم أحساباً . فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس … الحديث )) (38) .فعمر رضي الله عنه بين بأن الصديق أفضل الناس وخيرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قدموه في الخلافة لأنه الأحق والأفضل .
7- وروى أيضاً : بإسناده إلى محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبو بكر قلت ثم من ؟ قال : عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين(39) . قال الحافظ : (( قوله وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين )) في رواية محمد بن سوقة (( ثم عجلت للحداثة فقلت : ثم أنت يا أبت فقال : أبوك رجل من المسلمين )) زاد في رواية الحسن بن محمد (( لي ما لهم وعليَّ ما عليهم )) وهذا قاله علي تواضعاً مع معرفته حين المسألة المذكورة أنه خير الناس يومئذ لأن ذلك كان بعد قتل عثمان : وأمّا خشية محمد ابن الحنفية أن يقول عثمان فلأن محمداً كان يعتقد أن أباه أفضل فخشي أن علياً يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة )) (40) .
8- وروى البزار – كما في مجمع الزوائد – عن شقيق قال : قيل لعلي ألا تستخلف قال ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف عليكم وإن يرد الله – تبارك وتعالى – بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم )) (41) .
9- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عليّ رضي الله عنه أنه قال لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها قال : قلت : بل ولم أكن أرى أن أحداً أفضل منه قال : أفضل هذه الأمة رعد نبيها أبو بكر وبعد أبي بكر عمر وبعدهما آخر ثالث ولم يسمه )) (42) . فقد صرّح الإمام علي رضي الله عنه بأن الصديق خير الناس وأفضلهم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم .
10 – وروى البخاري بإسناده إلى عمار بن ياسر قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر )) (43) . وهذا الحديث تضمن منقبة عظيمة وفضيلة خاصة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث لم يسبقه أحد من الرجال الأحرار للدخول في الإسلام فدل هذا على أنه أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
11 – وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان ابن عفان رضي الله عنهم )) (44) .هذا الحديث دل على أن أفضلية أبي بكر كانت ثابتة في أيامه عليه الصلاة والسلام وأنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ رحمه الله تعالى : (( قوله : (( كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : نقول : فلان خير من فلان )) وفي رواية عبيد الله بن عمر في مناقب عثمان (( كنا لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم )) (45) وقوله : (( لا نعدل بأبي بكر )) أي : لا نجعل له مثلاً … ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر (( كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي : أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان )) (46) زاد الطبراني في رواية (( فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره )) … وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة )) (47) . وقال أبو سليمان الخطابي بعد حديث ابن عمر : (( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان رضي الله عنهم ، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم ))
وجه ذلك والله أعلم أنه أراد به الشيوخ الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم فيه ، وكان عليٌّ رضوان الله عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث السن ولم يرد ابن عمر الإزراء بعلي – رضي الله عنه – ولا تأخيره ودفعه على الفضيلة بعد عثمان وفضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة )) اهـ(48) . فقول ابن عمر : (( ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم )) لا يلزم منه أنهم تركوا التفاضل حينذاك ولا يلزم منه أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل عليّ على من سواه )) (49) . فالحديث دل على أن أبا بكر أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو مذهب أهل السنة والجماعة .
12 – وروى أيضاً بإسناده إلى أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أما صاحبكم فقد غامر فسلم )) وقال : يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال : (( يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً )) ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر(50) حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي )) مرتين فما أوذي بعدها . (50) هذا الحديث فيه بيان فضل أبي بكر ، فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على الفاروق رضي الله عنه حين حصل بينه وبين الصديق شيء فشعر الصديق أنه المخطئ على عمر فطلب منه الصديق أن يعفو عنه ويغفر له فأبى عليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ما حصل فاستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الفاروق ندم على عدم مغفرته للصديق فأخذ ففي البحث عنه فلم يجده في منزله فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده عنده فما أن وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد رأى تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم غضباً حتى أشفق الصديق من ذلك لئلا يصيب الفاروق من ذلك شيء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي بدأ فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضله ومناقبه ومنزلته عنده فقال لهم : (( إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي )) مرتين فما أوذي بعدها لما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه لأبي بكر رضي الله عنه .قال الحافظ : (( وفي الحديث من الفوائد فضل أبي بكر على جميع الصحابة وأن الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه وفيه جواز مدح المرء في وجهه ومحله إذا أمن عليه الافتتان والاغترار )) اهـ(51) . 13 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ )) قال أبو بكر : أنا ، قال : (( فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ )) قال أبو بكر أنا ، قال : (( فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ )) قال أبو بكر : أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اجتمعن في امرء إلا دخل الجنة )) (52) . هذا الحديث اشتمل على فضائل ظاهرة للصديق رضي الله عنه ، فإنه كان سباقاً إلى فعل الخيرات التي تقرب العبد من الجنة وتزحزحه من النار . قال النووي : قوله صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح منكم اليوم صائماً )) قال أبو بكر أنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم (( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة )) قال القاضي معناه : (( دخل الجنة بلا محاسبة ولا مجازاة على قبيح الأعمال وإلا فمجرد الإيمان يقتضي دخول الجنة بفضل الله تعالى )) (53) .
14 – وروى البخاري بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) فقال أبو بكر : إن أحد صقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنك لست تصنع ذلك خيلاء )) قال موسى : فقلت لسالم : أذكر عبد الله (( من جر إزاره )) قال : (( لم أسمعه ذكر إلا ثوبه )) (54) هذا الحديث تضمن فضيلة لأبي بكر وهو قوله له صلى الله عليه وسلم : (( إنك لست تصنع ذلك خيلاء )) حيث شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره رضي الله عنه وأرضاه .
15 – وروى أيضاً : بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال : (( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )) (55) دل هذا الحديث على منقبة عظيمة لأبي بكر رضي الله عنه وهي (( وصديق )) فقد لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللقب الشريف ومنزله الصديقين بينها الله تعالى بقوله : { ومن يُطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً }(56) فقد بين تعالى أن الصديق في الرمتبة الثانية بعد الأنبياء وفي مقدمتهم الصديق الأعظم أبو بكر رضي الله عنه .
16 – وروى أيضاً : بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول : رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيراً ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر )) فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو عليٌّ بن أبي طالب(57) .فهذا الحديث تضمن فضيلة الشيخين معاً والغرض منه دلالته على منقبة لأبي بكر الصديق وهي فضله على عمر وغيره لأنه كان المقدم عند النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في ذكره عنده عليه الصلاة والسلام .
17 – وروى البخاري أيضاً : بإسناده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه توضأ في بيته ، ثم خرج فقلت : لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا قال : فجاء المسجد فسأل عن النبي صى فقالوا : خرج ووجَه ههنا فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها(58) وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ، ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر فقلت : على رسلك ، ثم ذهبت فقلت : يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فأقبلت حتى قلت : لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت : إن يرد الله بفلان خيراً يريد أخاه يأ به فإذا إنسن يحرك الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب فقلت : على رسلك ثم جئت إلى رسول الله فسلمت عليه فقلت : هذا عمر بن لخطاب يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فجئت فقلت له : ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر ، ثم رجعت فجلست فقلت : إن يرد الله بفلان خيراً يأت به
فجاء إنسان يحرك الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : عثمان بن عفان فقلت : على رسلك فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه )) فجئته فقلت له : ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر قال شريك : قال سعيد بنالمسيب فأولتها قبورهم )) (59) .هذا الحديث فيه التصريح بفضل الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان ودل على أن أبا بكر أفضلهم لسبقه بالبشارة بالجنة ولجلوسه على يمين المصطفى عليه الصلاة والسلام .
18 – وروى البخاري أيضاً في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب – يعني الجنة – يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان )) فقال أبو بكر : ما عل هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة وقال : هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله قال : (( نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )) (60). هذا الحديث دل على فضيلة ومنقبة عالية للذديق رضي الله عنه تضمنها قوله صلى الله عليه وسلم : (( وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )) ورجاء النبي صلى الله عليه وسلم واقع محقق وفي هذا دلالة واضحة على فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم . قال العلامة ابن القيم موضحاً منقبة الصديق في هذا الحديث : (( لما سمعت همة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبره بحصوله وبشره بأنه من أهله وكأنه قال : هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها ؟ فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر هذه النفس )) اهـ(61) .وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قوله : (( فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعي من تلك الأبواب من ضرورة )) زاد في الصيام (( فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها )) وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات ، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له ، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه … وقوله : (( أرجو أن تكون منهم )) قال العلماء : الرجاء من الله ومن نبيه واقع وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه (( قال : أجل وأنت هو يا أبا بكر )) اهـ(62) .
19 – ومن مناقبه رضي الله عنه ما تميز به فوق ما حازه من الفضائل الكثيرة قيامه بالدعوة إلى الله تعالى في بداية الإسلام في وقت لم يجرؤ فيه أحد سواه على الدعوة وقد أسلم على يديه كثير من الصحابة رضي الله عنهم وكان لهم قدم صدق في الإسلام ومن هؤلاء عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن مظعون ويرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين(63) .وبعد أن تولى الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم سعى جاهداً في إرساء العقيدة الإسلامية في نفوس الناس وعقد الألوية لمحربة المرتدين وإرجاعهم إلى دين الإسلام حيث ارتد كثير من الناس عن هذا الدين الحنيف ، وبعضهم أراد أن يمنع الزكاة والبعض الآخر ادعى النبوة فعمت فتنة الردة كثيراً من البلاد(64) . روى البيهقي رحمه الله بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة ثم قيل له : مه يا أبا هريرة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبع مائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب(65) قبض النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة واجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لخؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام(66) .فقد وفق الله الصديق أن وقف موقفاً عظيماً يذكر به في الآخرين أمام تلك الردة التي عمت معظم البلاد وأصر إلا على قتالهم حتى يرجعوا إلى الإسلام وكان منفرداً بهذا الرأي حتى شرح الله صدر الفاروق لذلك وعرف أنه الحق فبارك الله خطاه حتى رفع راية التوحيد في كل البلاد التي مرض أهلها بالردة ، ثم شرع بعد ذلك في نشر الإسلام في البلدان التي لم يصلها نور الإسلام وسعادته حتى لقي ربه تبارك وتعالى .
20 – ومما تميز به عن غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المصطفى عليه الصلاة والسلام انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو بالسنح(67) فأصاب الناس الذهول والحيرة والاضطراب أمّا الصديق فقد رزقه الله قوة النفس والثبات فكان أصبر الصحابة وأثبتهم عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء : (( فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله فقال : بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً ، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً ، ثم خرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت وقال : { إنك ميت وإنهم ميتون }(68) .
وقال : { وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين }(69) قال فنشج الناس يبكون …. )) الحديث(70) . وما إن سمع الصحابة رضي الله عنهم هذه الخطبة من صدّيق هذه الأمة إلا ورجعوا إلى الرشد والصواب وانكشف ما بهم من الحيرة والذهول ولذلك كان أفضلهم على الإطلاق .
تلك هي طائفة من لأحاديث التي اشتملت على المناقب التي دلت على أن الصديق حاز الأفضلية على سائر الناس بعد الأنبياء عليهم السلام .
وأما دلالة الإجماع على أفضلية الصديق رضي الله عنه :
فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من أهل السنة والجماعة على أن أفضل الصحابة والناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم عليٌّ ، ثم سائر العشرة ، ثم باقي أهل بدر ، ثم باقي أهل أحد ، ثم باقي أهل بيعة الرضوان ثم باقي الصحابة هكذا إجماع أهل الحق ، فأبو بكر أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم لا ينازع في ذلك إلا زائغ (71) ، وقد نقل الإجماع على أن أفضل الناس بعد الأنبياء هو أبو بكر الصديق جماعة من أهل العلم منهم :
أبو طالب العشاري(72) والإمام الشافعي والنووي وشيخ الإسلام بن تيمية وابن حجر والبيهقي :
- فقد روى أبو طالب العشاري بإسناده إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال : من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وطعن على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(73) . – وقال الإمام الشافعي فيما رواه عنه البيهقي بإسناده : (( ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة وإنما اختلف من اختلف منهم في عليٍّ وعثمان ونحن لا نخطئ واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا )) (74) . – وقال الحافظ ابن حجر : (( ونقل البيهقي في (( الاعتقاد )) بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي أنه قال : أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم علي )) (75).
- وقال النووي رحمه الله تعالى : (( اتفق أهل السنة على أن أفضلهم أبو بكر ثم
عمر )) (76).
- وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : (( وقد اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن علي بن أبي طالب أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر )) (77).
- وقال ابن حجر اللهيثمي : (( اعلم أن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق ثم عمر رضي الله عنهما )) (78) .
وهؤلاء الأعلام الذين نقلوا هذا الإجماع إنما هو بناء على ما قاله أئمة أهل السنة والجماعة فقد قال الإمام أبو حنيفة كما في شرح (( الفقه الأكبر )) : ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أبو بمر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ رضي الله عنهم أجمعين )) اهـ(79- وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الإمام مالك بن أنس أنه قال : لما سأله الرشيد عن منزلة الشيخين من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بع مماته – ثم قال – وكثرة الاختصاص والصحبة مع كمال المودة والائتلاف والمحبة والمشاركة في العلم يقضي بأنهما أحق من غيرهما وهذا ظاهر بين لمن له خبرة بأحوال القوم )) (80) ومعلوم أن أبا بكر كانت منزلته عند النبي صلى الله عليه وسلم أعلا منزلة وكان أفضل الصحابة وكان الصحابة يعتقدون أنه خير الناس والنبي يعلم ذلك وقرهم عليه كما تقدم قريباً في حديث ابن عمر .
- وروى الإمام البيهقي مسنداً إلة محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : (( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم )) .وقال أيضاً رحمه الله تعالى : (( اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فلم يجدوا تحت أديم السماء خيراً من أبي بكر من أجل ذلك استعملوه على رقاب الناس )) (81) . وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه : (( وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون )) (82) .وقال عبدوس بن مالك العطار : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : (( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق )) (83) . – وقال أبو الحسن الأشعري مبيناً مذهب أهل السنة وعقيدتهم في السلف : (( ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله – سبحانه – لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم … ويقدمون أبا بكر ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم(84) .
- وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى : (( وأفضل أنه صلى الله عليه وسلم : أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم )) (85).
- وقال الإمام الذهبي : (( أفضل الأمة وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤنسه في الغار وصديقه الأكبر … عبد الله بن أبي قحافة عثمان القرشي التيمي )) اهـ(86) .
- وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : (( وأفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام أبو بكر عبد الله بن عثمان أبو قحافة التيمي ، ثم من بعده عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين )) اهـ(87) .تلك هي عقيدة أهل السنة والجماعة في أبي بكر الصديق (( وهي الإيمان والمعرفة بن خير الخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلة عند الله – عز وجل – بعد النبيين والمرسلين أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة رضي الله عنه )) (88) . وهذا هو المذهب الحق الذي يلزم كل مسلم أن يعتقده ويلتزمه ويتمسك به . وبالله التوفيق .
فضل عمر الفاروق رضي الله عنه
===============================================
إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلي أبا بكر الصديق في الفضل فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء وأبي بكر وهذا ما يلزم المسلم اعتقاده في أفضليته رضي الله عنه وهذا هو معتقد الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة . ونسبه رضي الله عنه هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب وعدد ما بينهما من الآباء إلى كعب متفاوت بواحد بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة آباء ، وبين عمر وبين كعب ثمانية ، وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة(1) .
وهو أحد السابقين إلى الإسلام وبإسلامه رضي الله عنه ظهر دين الإسلام وعلت كلمة الإيمان وكان عند البعثة النبوية شديداً على المسلمين ، ولما دخل في الإسلام كان إسلامه فتحاً على المسلمين وفرجاً لهم من الضيق(2) . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (( إن كان إسلام عمر لفتحاً ، وهجرته لنصراً ، وإمارته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى ودعونا فصلينا )) (3) .وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : (( أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب )) (4) وقد حقق الله فيه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له قبل أن يسلم أن يعز به الإسلام فقد روى الترمذي بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب )) قال : وكان أحبهما إليه عمر(5) . وأخرج ابن سعد بسند حسن عن سعيد بن المسيب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر بن الخطاب ، أو أبا جهل بن هشام قال : (( اللهم اشدد دسنك بأحبهما إليك )) فشدّ دينه بعمر بن الخطاب(6) .وكان يكنى رضي الله عنه بأبي حفص . قال الحافظ : أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها وكانت حفصة أكبر أولاده ، وأما لقبه الفاروق باتفاق . فقيل : أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن طريق ابن عباس عن عمر رواه ابن سعد من حديث عائشة(7) . وقيل : أهل الكتاب أخرجه ابن سعد عن الزهري(8) وقيل : جبريل رواه البغوي(9) .وأحسنهما وأقربهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقبه بالفاروق لما رواه ابن سعد بإسناده إلى أبي عمرو ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمى عمر الفاروق ؟ قالت : النبي عليه السلام )) (10) .فهو رضي الله عنه الفاروق الذي فرق الله بيه بين الحق والباطل ، وهو الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ، وهو المحدث الملهم الصادق الظن وهو سيد هذه الأمة بعد الصديق ، والخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة المحمدية (( اتفق العلماء على أنه شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغب عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم )) (11) .
وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة بفضائل الفاروق رضي الله عنه منها :
1- ما رواه الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا ؟ فقال : هذا بلال ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك )) فقال عمر : بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار .
2- ورويا أيضاً : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : (( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر؟ قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبراً )) فبكى عمر وقال : أعليك أغار يا رسول الله )) (12) . هذان الحديثان اشتملا على فضيلة ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته قصراً في الجنة للفاروق رضي الله عنه وهذا يدل على تكريمه وعلو منزلته رضي الله عنه . قال ابن بطال : (( فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه قال : وبكاء عمر يحتمل أن يكون سروراً ، ويحتمل أن يكون تشوقاً أو خشوعاً … )) وقال الحافظ (( وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة وفيه فضيلة ظاهرة لعمر )) اهـ(13) .
3- وروى البخاري بإسناده إلى حمزة بن أسيد الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بينا أنا نائم شربت – يعني اللبن – حتى أنظر إلى الرّي يجري في ظفري أو في أظافري ، ثم ناولت عمر )) فقالوا : فما أولته قال : (( العلم )) (14) . (( وجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سبباً للصلاح ، فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي الحديث فضيلة – ومنقبة لعمر رضي الله عنه – وإن الريا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره … والمراد بالعلم – في الحديث – سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف عليٌّ فما ازداد الأمر إلا اختلافاً والفتن انتشاراً(15) . وبهذا اتضحت المنقبة التي اشتمل عليها الحديث للفاروق رضي الله عنه .
4- وروى الشيخان من حديث أبي يعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره )) قالوا فما أولته يا رسول الله ؟ قال : (( الدين )) (16) . هذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه وهي قوله (( وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره )) إلخ الحديث . قال الحافظ : (( السائل عن ذلك أبو بكر … وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وأن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله أعلم )) اهـ(17) .
5- ورويا أيضاً : من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالة أصواتهم على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال : أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )) قال عمر : فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً(18) قط إلا سلك فجاً آخر )) (19) . هذا الحديث فيه بيان فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنه من كثرة التزامه الصواب لم يجد الشيطان عليه مدخلاً ينفذ إليه منه . قال الحافظ رحمه الله تعالى : (( يفه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره غير ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ : (( إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا فر لوجهه )) وهذا دال على صلابته في الدين ، واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض .وقال النووي : (( هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه : وقال عياض : يحتمل أن يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان )) قال الحافظ (( والأول أولى )) (20) .
6- روى البخاري بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : (( ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر )) (21) . هذا الحديث تضمن منقبة جليلة لعمر رضي الله عنه لما كان من القوة والجلد في أمر الله قال الحافظ : (( وروى ابن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله بن مسعود : (( كان إسلام عمر عزاً ، وهجرته نصراً ، وإمارته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر )) (22) .
7- روى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب(23) فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له(24) ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن )) (25) . هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه تضمنها قوله صلى الله عليه وسلم (( فجاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً .. الحديث )) ومعنى : (( استحالت )) صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر وأمَّا (( العبقري )) فهو السيد وقيل : الذي ليس فوقه شيء ومعنى (( ضرب الناس بعطن )) أي أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه السقي لتستريح وهذا المنام رآه النبي صلى الله عليه وسلم مثال واضح لما جرى للصديق وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما فقد حصل في خلافة الصديق قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام رقم قصر مدة خلافته فقد كانت سنتين وأشهراً فوضع الله فيها البركة ولما حصل فيها من النفع الكثير
ولما توفي الصديق خلفه الفاروق فاتسعت رقعة الإسلام في زمنه وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله فكثر انتفاع الناس في خلافة عمر لولها فقد مصر الأمصار ودون الدواوين وكثرت الفتوحات والغنائم … ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه )) أي : لم أر سيداً يعمل عمله ويقطع قطعه ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( حتى ضرب الناس بعطن )) قال القاضي عياض : ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة وقيل : يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعاً لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر (( وضرب الناس بعطن )) . لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما )) (26) . 8- وروى الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر )) (27) . هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة للفاروق رضي الله عنه وقد اختلف العلماء في المراد (( بالمحدَّث )) . فقيل المراد بالمحدث : الملهم . وقيل : من يجري الصواب على لسانه من غير قصد . وقيل : مكلم أي : تكلمه الملائكة بغير نبوة .. بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلماً في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام . وفسره بعضهم بالتفرس )) (28) . قال الحافظ : (( والسبب في تخصيص عمر بالذكر ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقاً لها ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات )) (29) . وكون عمر رضي الله عنه اختص بهذه المكرمة العظيمة وانفرد بها دون من سواه من الصحابة لا تدل على أنه أفضل من الصديق رضي الله عنه . قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : (( وكان أبو بكر رضي الله عنه أكثر علماً وإيماناً من عمر .. وإن كان عمر – رضي الله عنه – محدثاً كما جاء ي الحديث الصحيح .. فهو رضي الله عنه المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ، ولكن مزية الصدق الذي هو أكمل متابعة للرسول وعلماً وإيماناً بما جاء به ، درجته فوق درجته فلهذا كان الصديق أفضل الأمة صاحب المتابعة للآثار النبوية ، فهو معلم لعمر ومؤدب للمحدث منهم الذي يكون له من ربه إلهام وخطاب كما كان أبو بكر معلماً لعمر ومؤدباً له حيث قال له : من ربه إلهام وخطاب كما كان أبو بكر معلماً لعمر ومؤدباً له حيث قال له : فأخبرك أنك تدخله هذا العام ؟ قال : لا قال : إنك آتيه ومطوف . فبين له الصديق أن وعد النبي صلى الله عليه وسلم مطلق غير مقيد بوقت ، وكونه سعى في ذلك العام وقصده لا يوجب أن يعني ما أخبر به ، فإنه قد يقصد الشيء ولا يكون ، بل يكون غيره ، إذ ليس من شرط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كما قصده ، بل من تمام نعمة ربه عليه أن يقيده عما يقصده إلى أمر آخر هو أنفع مما قصده ، كما كان صلح الحديبية أنفع للمؤمنين من دخولهم ذلك العام ، بخلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه صادق لابد أن يقع ما أخبر به ويتحقق )) (30) .وقال العلامة بن القيم : (( ولا تظن أن تخصيص عمر رضي الله عنه الله عنه بهذا تفضيل له على أبي بكر الصديق بل هذا من أقوى مناقب الصديق فإنه لكمال مشربه من حوض النبوة وتمام رضاعه من ثدي الرسالة استغنى بذلك عما تلقاه من تحديث أو غيره ، فالذي يتلقاه من مشكاة النبوة أتم من الذي يتلقاه عمر من التحديث فتأمل هذا الموضع وأعطه حثه من المعرفة وتأمل ما فيه من الحكمة البالغة الشهادة لله بأنه الحكيم الخبير )) (31) .
9- روى أبو عبد الله الحاكم في المستدرك والترمذي في سننه والإمام أحمد في المسند بإسنادهم إلى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب )) (32) . هذا الحديث فيه إبانة لفضل الفاروق رضي الله عنه حيث جعل الله تعالى فيه من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين ما يجعله لأن يكون أهلاً للنبوة لو كان هناك نبوة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن الله تعالى ختم النبوة بمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فلا نبوة بعده إلى يوم القيامة .
10 – وروى البخاري بإسناده إلى أنس رضي الله عنه الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال : متى الساعة . قال : (( وماذا أعددت لها ؟ )) قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أنت مع من أحببت )) قال أنس : فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم(33) .هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه تؤخذ من قول أنس بن مالك فإنه قرن الصديق وعمر بالنبي صلى الله عليه وسلم في العمل ولا يعني هذا أن أنساً رضي الله عنه يريد أن يكون في درجة النبي صلى الله عليه وسلم فالدرجات متفاوته وإنما يريد ويرجو أن يكون في الجنة دار الثواب بعيداً عن دار العقاب وكل مؤمن يحبهم يرجو ذلك من الله تعالى .
11- ومن أجل مناقبه رضي الله عنه الله عنه وأعظمها موافقته للقرآن في وقائع متعددة بمعنى أنه كان يرى الرأي فينزل القرآن موافقاً لما رآه رضي الله عنه وأرضاه : فقد روى البخاري رحمه الله تعالى بإسناده إلى أنس رضي الله عنه الله عنه قال : قال عمر : (( وافق تربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت : { واتخذوا من مقام إبراهيم مُصلى} وآية الحجاب قلت : يا رسول لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب(34) واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن : { عسى ربُّه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } فنزلت هذه الآية(35) . وعند مسلم بلفظ : (( وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسرى بدر )) (36) . ووجه موافقته في أسارى بدر أنه لما جيء بهم استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس فيهم فقال : (( إن الله قد أمكنكم منهم )) فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه فقام أبو بكر فقال : نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فعفا عنهم فأنزل الله { ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتَّى يثخن(37) في الأرض } إلخ الآيات الثلاث وكانت موافقة لرأي عمر رضي الله عنه الله عنه . وروى الإمام أحمد وغيره بإسناده إلى عمر رضي الله عنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } قال : فدعي عمر رضي الله عنه الله عنه فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية في المائدة فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فلما بلغ { فهل أنتم منتهون } قال : فقال عمر رضي الله عنه الله عنه انتهينا انتهينا )) (38) . وروى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله فيأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما خيرني الله )) فقال : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } (( وسأزيد على سبعين )) قال : إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله – عز وجل – { ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقمُ على قبره }(39) . فهذه الموافقات كلها مناقب عالية للفاروق رضي الله عنه الله عنه فقد رأى أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى أن تحجب نساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن بموافقته ، وقال لنساء النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمعن عليه في الغيرة : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات }(40) فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى في أسارى بدر أن تضرب أعناقهم فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى تحريم الخمر فكان يقول : (( اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً )) فنزل القرآن بموافقته ، وقد رأى عدم الصلاة على عبد الله بن أبي فإنه لما توفي ابن أبي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه { ولا تُصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } فكانت موافقة لما كان يراه عمر عدم الصلاة على رأس النفاق فلله ما أعظم هذا الفضل وما أعلا هذه المكانة التي تبوأها الفاروق رضي الله عنه فلقد رزقه الله السداد في الرأي والإصابة في القول فهو رضي الله عنه الله عنه المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه وهو الذي أعز الله به دين الإسلام فرضي الله عنه وأرضاه .
12 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه شهيد وتحقق إخباره عليه الصلاة والسلام فقد مات شهيداً على يد الظالم أبي لؤلؤة المجوسي فقد روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله وقال : (( اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان )) (40) .وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) (41) . قال أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى : (( ولقد أفاد هذا الحديث فائدة عظيمة وهي أن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير شهداء كلهم وأن أبا بكر صديق ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي عظيم وقد جمعت هؤلاء الشهداء الشهادة وإن اختلفت أسبابها وتباينت وجوهها ولكن لفهم شرف هذه الصحبة واجتماعهم جملة وأبان جليل مقدارهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم للجيل بالهدوء والسكون لأجلهم شرف من عليه فيا معشر الطالبين لعلم الدين أبعد هذا بيان لمن كان له قلب فما لكم تدخلون بينهم وتتكلمون فيما وقع لهم ، وترجحون وتقدمون وتؤخرون وتحبون وتبغضون كأنكم لا تعلمون مقاديركم ولا تلزمون مواضعكم حتى تترقوا بالجهل والفضول إلى عثمان وعليّ وطلحة والزبير فتتكلمون بالحمية وتتعصبون { أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون }(42) وقد رجف الجبل بالنبي عليه السلام وأبي بكر وعمر وعثمان وقد رجف بهؤلاء الأعيان وقد كان ذلك بمكة وبحراء وقد كان بالمدينة وأحد وأنبأنا الله بالفضل مرتين وأكده وعضد مقدارهم ومهده في جبلين )) اهـ(43) .
13 – ومن مناقبه العظيمة رضي الله عنه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة فعمر رضي الله عنه من أهل الجنة قطعاً . فقد روى البخاري في صحيحة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( افتح له وبشره بالجنة )) ففتحت له فإذا هو أبو بكر فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فحمد الله ، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( افتح له وبشره بالجنة )) ففتحت له فإذا هو عمر فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فحمد الله ، ثم استفتح رجل فقال لي : (( افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه )) فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم قال : الله المستعان(44) .
14 – ومن مناقبه الحميدة رضي الله عنه ما جاء من الثناء عليه من فضلاء الصحابة حياً وميتاً ورضا الجميع عنه ومن ذلك : ما روى البخاري بإسناده إلى المسور بن مخرمة قال : لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه : يا أمير المؤمنين ولئن كان ذلك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال : أمَّا ما ذكرت من صُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك منّ من الله – تعالى – منّ به علي ، وأمّا ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك منّ من الله – جل ذكره – منّ به علي . وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع(45) الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله – عز وجل – قبل أن أراه )) (46) . وفي هذا بيان فضل عظيم لعمر رضي الله عنه يؤخذ من قول ابن عباس : لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله : أمَّا ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن له بهذا فضلاً عظيماً حيث أنه سحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفارقه وهو عنه راض وكذلك كان مع أبي بكر وبقية الصحابة جميعاً ومع ما كان عليه من هذه السيرة الحسنة فإنه رضي الله عنه لحق بالرفيق الأعلى والخوف غالب عليه من خشية التقصير في حقوق الرعية وهكذا المؤمن كامل الإيمان يجمع بين الخوف والإحسان . وروى الشيخان من حديث ابن أبي مليكة قال : سمعت ابن عباس يقول : وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه(47) الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قيل أن يرفع وأنا فيهم قال : فلم يرعني(48) إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إلأيه فإذا هو عليٌّ فترحم على عمر ، وقال : ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل علمه منك وإيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وذاك أني كنت أكثر ما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر )) فإن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما(49) . هذا الحديث دل على فضيلة أبي بكر وعمر وشهادة عليّ لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين . تلك طائفة من الأحاديث النبوية والآثار التي تضمنت مناقب عالية للفاروق وكلها أدلة قطعية يقينية دلت على أن الفاروق أفضل الناس بعد أبي بكر الصديق وه ما تعتقده الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة ، وهو ما يجب على المسلم اعتقاده في ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين
فضل ذي النورين (( عثمان بن عفان رضي الله عنه ))
=================================================
مما هو معلوم عند جمهور أهل السنة والجماعة أن أفضل الناس على الإطلاق بعد أبي بكر وعمر هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر يكنى أبا عمرو ويقال أبا عبد الله(1) يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء(1) وأمه رضي الله عنه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال أنهما ولدا توأماً … فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته وقد أسلمت أمه رضي الله عنه وماتت على الإسلام ولها صحبة رضي الله عنها وأمّا والده فإنه مات في الجاهلية(1) . فعثمان رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة ، ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، فكان ثالث الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، المأمور باتباعهم والاقتداء بهم وكان رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وهاجر إلى الحبشة أول الناس ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة ، فلما كانت وقعة بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بسببها في المدينة وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فيها ، فهو معدود فيمن شهدها فلما توفيت زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم ولذلك لقب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي نبي واحدة بعد واحدة ولم يتفق ذلك لغيره رضي الله عنه ، وشهد الخندق والحديبية وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بإحدى يديه ، وشهد خيبر ، وعمرة القضاء ، وحضر الفتح وهوازن والطائف وغزوة تبوك وجهز جيش العسرة ، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض وصحب أبا بكر فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ، وصحب الفاروق فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ، وكان رضي الله عنه ممن جمع بين العلم والعمل ، والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام ، وكان من الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله تعالى(1). فهو رضي الله عنه أفضل الناس بعد الشيخين رضي الله عنه وهذا هو معتقد الجمهور من أهل السنة والجماعة قال إسحاق بن هراويه رحمه الله تعالى : (( لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض أفضل من أبي بكر ، ولم يكن بعده أفضل من عمر ، ولم يكن بعده أفضل من عثمان ، ولم يكن بعد عثمان على الأرض خير ولا أفضل من علي )) (1) . وقد ذهب بعض أهل السنة من أهل الكوفة إلى تفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنهما وذهب بعض أهل المدينة إلى التوقف في أمرهما رضي الله عنهما ، ثم ذكر أهل العلم رجوع هؤلاء جميعاً إلى مذهب جمهور أهل السنة والجماعة القائل بتقديم عثمان على علي رضي الله عنهما وصار القول واحداً في أن تربيتهم في الفضل كتربيتهم في الخلافة : قال الإمام النووي : (( وقال بعض أهل السنة من أهل الكوفة بتقديم عليّ على عثمان والصحيح المشهور تقديم عثمان )) (1) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( فإن سفيان الثوري ، وطائفة من أهل الكوفة رجحوا علياً على عثمان ، ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره ، وبعض أهل المدينة توقف في عثمان وعليّ ، وهي إحدى الروايتين عن مالك ، لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على عليّ ، كما هو مذهب سائر الأئمة ، كالشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام(1) . وقال الحافظ ابن كثير : (( والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم عليّ على عثمان ويحكى عن سفيان الثوري لكن يقال : إنه رجع عنه ونقل مثله عن وكيع بن الجراح ونصره ابن خزيمة والخطابي وهو ضعيف مردود )) (1) . وذكر أبو منصور البغدادي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة والحسين بن الفضل البجلي أنهما يقولان بتفضيل علي رضي الله عنه على عثمان )) (1).
ونقول إن هذا القول ضعيف مردود لمخالفته ما أطبق عليه أهل السنة والجماعة من تقديم عثمان على عليّ رضي الله عنهما .وقال أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني : (( اختلف قوم من أهل بغداد فقال قوم : عثمان أفضل وقال قوم : عليّ أفضل فتحاكموا إلي فأمسكت وقلت : الإمساك خير ، ثم لم أر لديني السكوت وقلت للذي استفتاني : ارجع إليهم وقل لهم : أبو الحسن يقول : عثمان أفضل من عليّ باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قول أهل السنة وهو أول عقد يحل في الرفض . قال الذهبي : قلت ليس بتفضيل عليّ يرفض ولا هو ببدعة بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد وهما متقاربان في العلم والجلالة ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما ، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام عليّ وإليه نذهب )) (1) . (( وقال غير واحد من العلماء كأيوب السختياني والدارقطني : من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ))(1) .قال ابن كثير رحمه الله تعالى : (( وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح )) (1) . وإذ قد تبين لنا أن بعض أهل السنة القائلين بتقديم عليّ على عثمان رضي الله عنهما والقائلين بالتوقف في أمرهما قد رجعوا إلى قول الجمهور منهم من القول بتقديم عثمان على علي وفي الفضل تبين أن هذه المسألة مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة ولا عبرة بعد ذلك بأي قول يخالف هذا المعتقد الصحيح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( وسائر أئمة السنة على تقديم عثمان وهو مذهب جماهير أهل الحديث وعليه يدل النص والإجماع والاعتبار ، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من تقديم جعفر ، أو تقديم طلحة أو نحو ذلك فذلك في أمور مخصوصة لا تقديماً عاماً وكذلك ما ينقل عن بعضهم في علي )) (1) .
وقد وردت أحاديث كثيرة في السنة تضمنت ذكر فضائله رضي الله عنه وبعضها دل على أنه أفضل الخلق بعد الشيخين رضي الله عنهما ومن تلك الأحاديث :
1- ما رواه الإمام البخاري بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم )) (1) . هذا الحديث دل على أن عثمان رضي الله عنه أفضل الناس بعد أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (( وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ، ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهوراً بيناً فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص ويؤيده ما رواه البزار عن ابن مسعود قال : كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة عليّ بن أبي طالب : رجاله موثوقون : وهو ممحمول على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعاً الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً (( أخرجه أصحاب السنن(1) وصححه ابن حبان وغيره وقال الكرماني : لا حجة في قوله كنا نترك لأن الأصوليين اختلفوا صيغه كنا نفعل لا في صيغة منا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني وعلى تقدير أن يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه ، ثم قال : ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك كان في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك أن يظهر بعد ذلك لهم .. والله أعلم )) (1) .
2- وروى الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط ، فجاء رجل يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) ، فإذا أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فإذا عمر ، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال : (( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه )) فإذا عثمان بن عفان )) (1) . هذا الحديث تضمن فضيلة هؤلاء الثلاثة المذكورين وهم أبو بكر وعمر وعثمان (( وأنهم من أهل الجنة – كما تضمن – فضيلة لأبي موسى وفيه دلالة على جواز الثناء على الإنسان في وجه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب ونحوه ، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لإخباره بقصة عثمان والبلوى أن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى )) (1) .
3
روى البخاري بإسناده إلى أبي عبد الرحمن أن عثمان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف عليهم ، وقال أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من حفر رومه فله الجنة )) فحفرتها ألستم تعلمون أنه قال : (( من جهز جيش العسرة فله الجنة )) فجهزته قال : فصدقوه بما قال )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبتين عظيمتين لذي النورين رضي الله عنه شراؤه رضي الله عنه بئر رومة ، وتجهيزه جيش العسرة الذي خرج لغزوة تبوك وقد أخبر الذي لا ينطق عن الهوى أن جزاءه على ذلك أن يكون من أصحاب الجنة ، وهاتان المنقبتان من أعلا مناقبه رضي الله عنه . وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن ابن بطال أنه قال عند هذا الحديث : هذا وهو من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها قال الحافظ : هو المشهور في الروايات فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فقال فيه : (( هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن )) (1) لكن لا يتعين الوهم فقد روى البغوي في (( الصحابة )) من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال : لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين أبيه يقال لها : رومة وكان يبيع منها القربة بمد . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( تبيعنيها بعين في الجنة )) فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتجعل لي فيها ما جعلت له قال : (( نعم )) قال : قد جعلتها للمسلمين (( وإن كانت أولاً عيناً فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئراً ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه )) (1) . 4- روى الترمذي رحمه الله بإسناده إلى ثمامة بن حزن القشيري قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي ؟ قال : فجيء بهما كأنهما جملان ، أو كأنهما حماران قال فأشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة )) فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ؟ قالوا : اللهم نعم ، فقال : أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة )) ؟ فاشتريتها من صلب مالي وأنت اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين ؟ قالوا : اللهم نعم قال : أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال فركضه برجل فقال : (( اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )) قالوا : اللهم نعم ، قال : الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ثلاثاً )) ثم قال الترمذي رحمه الله عقب الحديث (( هذا حديث حسن قد روى من غير وجه عن عثمان )) (1) . وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى روايات توضح مقدار المال الذي اشترى به عثمان رضي الله عنه بئر رومة والبقعة التي زيدت في توسعة المسجد أما بالنسبة لمقدار المال الذي اشترى به بئر رومة فقد أورد رواية أنه اشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم وهي من رواية بشير الأسلمي التي أخرجها البغوي في كتابه (( الصحابة )) وأنها كانت لرجل من بني غفار وقد تقدم ذكرها قريباً
وأمّا مقدار المال الذي اشترى به البقعة التي زيدت في المسجد فقال : (( وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان أنه اشتراها بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً )) (1) .5- روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن حباب السلمي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها(1) وأقتابها(1) في سبيل الله ثم حضّ على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله علي مائتا بعير لأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول : (( ما على عثمان ما عمل بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه )) (1) .6- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال : (( جاء عثمان بن عفان إلي النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول : (( ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم )) يرددها مراراً )) (1) . قال العلامة ابن القيم ذاكراً صفة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك : (( ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملات في سبيل الله فحمل رجال واحتسبوا وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها ، كانت ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عيناً )) (1) . فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة في شرائه بئر رومة وتحبيسها على المسلمين غنيهم وفقيرهم ، زيادته في المسجد ، وتجهيزه جيش العسرة مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم )) وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) كل هذه الخصال المذكورة من أعظم مناقبه رضي الله عنه وقد ذكرها يوم كان محصوراً في داره من قبل الزائغين الذين خرجوا عليه بغية الفساد في الأرض وصدقه بها كبار الصحابة وفضلاؤهم الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم مثل سعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة رضي الله عنهم أجمعين .
7 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه ، أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسى ثيابه – قال محمد : – ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث فلما خرج قالت : عائشة دخل أبو بكر فلم تهتش له(1) ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال : (( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )) (1) .
هذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وبيان أنه جليل القدر حتى عند الملائكة . كما دل الحديث أيضاً : على أن الحياء صفة حميدة ، من صفات الملائكة ..
8 – وروى مسلم أيضاً : بإسناده إلى يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط(1) عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : (( اجمعي عليك ثيابك )) فقضيت إليه حاجتي ثم انصرف فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الخال أن لا يبلغ إلي في حاجته )) (1) . وهذا الحديث كالذي قبله فيه بيان مكانة عثمان عند النبي صلى الله عليه وسلم وثناؤه عليه بأنه حيي وأنه عليه الصلاة والسلام اهتم بدخوله عليه واحتفل به وبين لعائشة رضي الله عنها العلة في ذلك .
9 – وروى البخاري بإسناده إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا : ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه ؟ فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة قلت إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك . قال : يا أيها المرء منك قال معمر : أراه قال : أعوذ بالله منك فانصرفت فرجعت إليهما إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ما نصيحتك ؟ فقلت : إن الله – سبحانه – بعث محمداً بالحق ، وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهاجرت الهجرتين وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد قال : أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : لا ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها قال : أمّا بعد فإن الله بعث محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمنت بما بعث به وهاجرت الهجرتين – كما قلت – وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله ، ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثله الذي لهم ؟ قلت : بلى قال :فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ، أما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله ثم دعا علياً فأمره أن يجلده فجلده ثمانين )) (1) . هذا الحديث اشتمل على مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وهي أنه كان ممن استجاب لله والرسول وآمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق الإيمان ، وهاجر الهجرتين وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته ومات عليه الصلاة والسلام وهو عنه راض ، ثم أبو بكر مثله ، ثم عمر كذلك وتوفيا رضي الله عنهما وهما عنه راضيان ، ولما طلب منه إقامة الحد على أخيه الوليد فما أن ثبت لديه ما يوجب ذلك إلا وأمر علياً بإقامة الحد عليه وهذا فيه دلالة على مراعاته للحق والأخذ به عند ظهوره وفي هذا منقبة من مناقبه رضي الله عنه .
10 – روى الإمام أحمد بإسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن قال : أشرف عثمان رضي الله عنه من القصر وهو محصور فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء(1) إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال : (( اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) وأنا معه فانتشد له رجال قال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إل المشركين إلى أهل مكة قال : (( هذه يدي وهذه يد عثمان – رضي الله عنه )) فبايع في فانتشد له رجال )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبتين عظيمتين لذي النورين رضي الله عنه :
* الأولى : إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيموت شهيداً وقد كان ذلك فإنه رضي الله عنه قتل شهيداً على أيدي الخارجين عليه ظلماً وعدواناً .
* الثانية : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع عنه بيده الشريفة بيعة الرضوان حيث إنه كان مبعوثاً من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم لإبلاغ أهل مكة أنه عليه الصلاة والسلام جاء معتمراً لا محارباً ، وهاتان المنقبتان دلتا على علو مكانته وعظيم فضله رضي الله عنه وأرضاه .
11- ومن مناقبه رضي الله عنه إجماع الصحابة على خيرته رضي الله عنه وأفضليته بعد الشيخين فإنه لما بويع لم يبق في الشورى إلا هو وعلي والحكم عبد الرحمن بن عوف وبقي عبد الرحمن بن عوف وبقي عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها يشاور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ويشاور أمهات المؤمنين ، ويشاور أمراء الأمصار فإنهم كانوا بالمدينة حجوا مع عمر وشهدوا موته حتى قال عبد الرحمن : إن لي ثلاثاً ما اغتمضت بنوم وبعد هذا كله وبعد أخذ المواثيق منهما على أن يبايع من بايعه أعلن النتيجة بعد هذا الاستفتاء وهي قوله : إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان فبايعه علي وعبد الرحمن وسائر المسلمين بيعة رضى واختيار )) (1) . فدل هذا الإجماع على أنه أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وهذا إجماع منهم على تقديمهم لعثمان على عليّ ولما سأل رجل عبد الله بن المبارك أيهما أفضل عليّ أو عثمان قال : (( قد كفانا ذاك عبد الرحمن بن عوف )) (1) وقال عبد الله بن مسعود : (( أمرنا خير من بقي ولم نأل )) (1) ولهذا قال أيوب السختياني ولهذا قال أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني : (( من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار )) (1) وقد بين معنى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : (( لو لم يكن عثمان أحق بالتقديم وقد قدموه كانوا إما جاهلين بفضله وإما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني ومن نسبهم إلى الجهل والظلم فقد أزرى بهم )) (1) .
12 – ومن مناقبه الكبار وحسناته العظيمة أنه جمع الناس على مصحف واحد وكتب المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سني حياته وكان سبب ذلك أن حديفة بن اليمان كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدرداء وجماعة من أهل العراق على من يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره وربما خطأ الآخر وكفره فأدى ذلك إلى اختلاف شديد ، وانتشار في الكلام السييء بين الناس فركب حذيفة إلى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم وذكر له ما شاهد من اختلاف في القراءة فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد ، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة ودفع الاختلاف .فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها فظلت عند الصديق أيام حياته ، ثم كانت عند عمر فلما توفي صارت حفصة أم المؤمنين فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكبت ،وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش ، فكتب لأهل الشام مصحفاً ، ولأهل مصر آخر ، وبعث إلى البصرة ، مصحفاً وإلى الكوفة بآخر وأرسل إلى مكة مصحفاً وإلى اليمن مثله وأقر بالمدينة مصحفاً ويقال لهذه المصاحف الأئمة )) (1) . وبهذا العمل الجليل يعتبر عثمان رضي الله عنه من عباد الله الصالحين الذين أيد الله بهم دينه وحفظ بهم كتابه رضي الله عنه وأرضاه .
13 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون مستمراً على الهدى المستقيم عند حلول الفتنة ، وهذه منقبة عظيمة له رضي الله عنه . فقد روى الحاكم بإسناده إلى مرة بن كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقربها فمر به رجل مقنع(1) في ثوب فقال : (( هذا يومئذ على الهدى )) فقمت إليه فإذا هو عثمان رضي الله عنه فأقبلت بوجهه فقلت : هو هذا قال : (( نعم )) (1) .
14 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة بالالتفاف حوله عند نزول الفتنة والاختلاف وفي هذا تنبيه إلى أن عثمان رضي الله عنه ممن أسعدهم الله ووفقهم لسلوك طريقه المستقيم . فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنها ستكون فتنة واختلاف ، أو اختلاف وفتنة )) قال : قلنا يا رسول الله فما تأمرنا قال : (( عليكم بالأمير وأصحابه )) وأشار إلى عثمان )) (1) .
15 – ومن مناقبه الرفيعة رضي الله عنه وفاؤه رضي الله عنه بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وإصباره نفسه على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه رضي الله عنه لما جاءه الخوارج الذين خرجوا عليه من الأمصار وجاءوا إلى المدينة وحصروه في داره رضي الله عنه فوق أربعين يوماً وكان عددهم كما قال ابن العربي : أربعة آلاف وكلهم يريد قتله وكان عدد الذين لا يريدون قتله أربعين ألفاً )) (1) وكان باستطاعته رضي الله عنه أن يأمر بالدفاع عنه ولكنه أبى رضي الله عنه خشية من أن يسفك دم بسببه ، وناشد من كان معه في داره من الصحابة أن يخرجوا عنه ولما خرجوا تسلق عليه أولئك الأخلاط الظلمة داره وأحرقوا الباب ودخلوا عليه وقتلوه ورضي أن يكون عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل وفاءاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه .فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ادعوا لي أو ليست عندي رجلاً من أصحابي )) قالت : قلت : أبو بكر قال : (( لا )) قلت : عمر قال : (( لا )) قلت : ابن عمك عليّ قال : (( لا )) قلت : فعثمان قال : (( نعم )) قالت : فجاء عثمان فقال : (( قومي )) قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان ولن عثمان يتغير قال : فلما كان يوم الدار ألا نقاتل قال : لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أمراً فأنا صابر نفسي عليه )) (1) . تلك طائفة من الأحاديث والآثار التي دلت على فضل عثمان رضي الله عنه وفي بعضها دلالة على تقديمه بعد الشيخين وهذا معتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وهي العقيدة التي ينبغي أن تحل في قلب المسلم الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً
Tidak ada komentar:
Posting Komentar