ABDUL HAMID MUDJIB HAMID BERSHOLAWAT

Kamis, 06 September 2012

متن تيجان الدراري تأليف الإمام المحقق والفهامة المدقق الشيخ محمد نووي الجاوي

=============== شرحُ تيجانِ الدَّراري على رسالة العالم العلاّمة الحبر البحر الفهامة الشيخ إبراهيم الباجوري (1198هـ ـ 1276هـ) في التوحيد تأليف الإمام المحقق والفهامة المدقق الشيخ محمد نووي الجاوي (1898م ـ 1316هـ) نفع الله به المسلمين آمين اعتنى به محمد يوسف إدريس بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الكتاب لم تعرف البشرية مصدرا من مصادر المعرفة انبثق عنه من العلوم والمعارف مثلما هو الحال بالنسبة للإسلام، فهاهي علوم: العقيدة وعلم الكلام، وأصول الفقه، والفقه، والحديث، والتفسير، والتصوف1، والتاريخ والسيرة، واللغة بكافة فروعها، والمنطق الإسلامي، وغيرها شاهدة بفضل هذه الشريعة وعلو مرتبتها، ولقد صنف العلماء في كل فن من هذه الفنون المعرفية كتبا ومصنفات لم يسبق ولم يشهد لها البشر مثيلا، ولكن ما أن نجحت مكائد الحاقدين على الدولة الإسلامية في هدمها حتى تحولت الحضارة الإسلامية بدولتها وشعوبها وعلومها وتراثها إلى شتات وتشتت، ولما بلغ علماء الإسلام ما بلغوا من التدقيق والتعميق في مسائل العلوم، وكانوا قد كتبوا في ذلك المبسوطات المطولات والمتوسطات والمختصرات والمتون والحواشي والشروح والحواشي والتقييدات والتقارير والتنبيهات والمنهوات، وكان قد حصل بهذه الأمة ما حصل، أغلقت الكثير من المباحث والمسائل بله ربما وفنون كاملة على أبناء الأمة، فكان لابد من أن يتعب المخلصون من أذكياء هذه الأمة عقولهم في استنطاق علوم الأولين وذلك من خلال ما تركوه لنا من كتب ليستفيدوا ويفيدوا المسلمين من علوم السابقين، وكان من هذا القبيل شيخي وأستاذي العلامة المبجل سعيد عبد اللطيف فودة، حفظه الله ورعاه، ورزقنا في هذه الدنيا صحباه، فما من خلية في جسم كاتب هذه السطور إلا وهي مبتهلة إلى ربها أن يوفقه وسائر العلماء المخلصين العاملين إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وكان من ثمرة الجهود المباركة التي قضيناها في حلقاته العلمية النفيسة أن نويت جمع بعض المختصرات التي وضعها العلماء للمبتدئين في علم العقائد، وقد وقعت على مجموعة منها فأردت أن أعيد صفها على الكمبيوتر ثم تحقيقها والتعليق عليها بما يناسب سن من وضعت له مثل هذه المختصرات. وقد كان أصل كل كتاب منها عبارة عن متن وشرح، ممزوجة أو مفصولة، ولكننا جعلنا المتن في أول كل كتاب ثم أتبعنا كل متن بشرحه حتى يتسنى الاستفادة من هذه المتون والشروح بالصورة التي يراها كل إنسان مناسبا له. وقمنا بالتعريف بكل من الماتن والشارح، وتحقيق ما في هذه المختصرات من آيات وأحاديث، وتراجم، وغير ذلك. وندعوا الله أن ينفع بها المسلمين، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسنات شيخنا. والحمد الله رب العالمين محمد يوسف إدريس الأردن/ الورقاء 12/12/20008 التعريف بالمؤلف و الشارح هذا الكتاب من الكتب المختصرة في عقيدة أهل السنة، وهو عبارة عن متن وشرح، أما المتن فلشيخ الإسلام الشيخ ابراهيم الباجوري، وأما الشرح فللعلامة الشيخ محمد نووي الجاوي، رحمهما الله تعالى. التعريف بالمؤلف: شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم الباجوري: (ت: 1198هـ 1276هـ): هو شيخ الإسلام الشيخ: ابراهيم الباجوري، العالمُ الفاضلُ الفريدُ، والإمامُ الكاملُ الوحيدُ، الذي اشتهر صيتُه في الآفاق، وشهدَ بفضلهِ جميعُ الناسِ بالاتفاقِ، ابنُ الشيخِ محمدِ الجيزاويِّ. وُلِدَ رحمَهُ اللهُ تعالى سنةَ ألفٍ ومائةٍ وثمانٍ وتسعينَ: (1198هـ)، ببلدة باجور، وهي قريةٌ منْ قرى مصر المحروسة، على مسافةِ اثنتي عشرةَ ساعةً منها. نشأ في حِجْرِ والده السعيد، وقرأ عليه القرآن المجيد، وترعرع ونما، انتقل إلى الجامع الأزهر الأسمى وسنُّه إذْ ذاك أربعةَ عشرَ، كما سُمع منه رحمه الله واشتهر. ولما استعمر الفرنساويةُ البلادَ المصرية سنة ألف ومائتين وثلاث عشرة هجرية (1213هـ)، ارتحل من مصرَ إلى برِّ الجيزة، وأقام بها مدةً وجيزةً، ولما خرج الفرنساويةُ من مصرَ، وقرَّتْ عيونُ أهلها بالصلاح بعد الفساد، عاد الشيخُ إلى الجامع الأزهر المنيف، وبذل جهده في تحصيل العلم الشريف، ففاق أهلَ زمانهِ وسما على أقرانه، واستفاد العلوم النافعة وأفاد، وكان كما قال وأجاد: نفس عصام وسودت عصاما * وعلته الكرُّ والإقداما وكان قد أدرك الأفاضلَ الأعلامَ المعروفينَ بجلالة القدر بين الأنام، ومنهم: الشيخ محمد الأمير الكبير، والعالم الفاضل شيخ الإسلام عبدالله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر في زمانه، والإمام الفاضل والحافظ المحدث داود القلعاوي، وغيرُهم ممنْ كان في ذلك العصر الزاهر من ذوي الكمالات والمظاهر، إلا أنَّ أكثر تحصيله كان على شيخه ذوي المعالي الشيخ محمد الفضالي، والحبر الهمام ذي الجذبة الإلهية الشيخ حسن القويسني الشهير بفضائله البهية، وشارح السلم في المنطق. واستمر شيخ الإسلام ابراهيم الباجوري على ذلك الحال إلى أن ظهرت عليه أمارات نجح الآمال فامتلأ وطابُه من نفائس العلوم، وتفجرت أنهار إفادته من تلك الغيوم، وفاح نِدُّ فضله في كل ناد، وطار ذكرُه في جميع البلاد. وألف التآليف العديدة المفيدة، وقصدته الطلبة من البلاد القريبة والبعيدة، فهو تارة يشنف المسامع بدرر الفوائد, وتارة يزين سطور الطروس بمحاسن الفرائد، وتآليفه مشحونة بالتحقيقات السنية. وقد انتهت إليه رئاسةُ الجامعِ الأزهر ومحفل الدين الأنور، وتقلدها في شهر شعبان المعظم سنة ألف ومائتين وثلاث وستين: (1263هـ)، من هجرة سيد الأولين والآخرين، ولا غرو وهو ابن بَجْدَتِهَا والقائم بوظائف نَجْدِهَا. وفي أثناء ترأسه لمشيخة الأزهر قرأ كتابَ الفخر الرازي في تفسير القرآن المسمى بـ [مفاتيح الغيب]، وهو من أنفس كتب تفسير أهل السنة، وحضر قراءةَ هذا التفسير أفاضلُ الجامعِ الأزهرِ، ولكن لم يُقَدَّرْ له الإتمام، فإنه أصابه مرض الحمام، ولم يزل ملازماً له إلى أن توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس، الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ألف ومائتين وست وسبعين: (1276هـ)، فيكون عمرُه قد ناهز الثمانين، وصُلِّى عليه بالأزهر، وكان يوماً مشهوداً لم يكنْ لغيره من المشايخ معهوداً، ودُفن بالقرافة الكبرى المشهورة بالمجاورين. وقد جمع نصرُ الهوريني، أحدُ تلامذةِ الباجوري كتبَ شيخهِ على النحو التالي : 1- حاشية على رسالة أستاذنا وشيخ شيخنا الفضالي في "لا إله إلا الله" سنة: (1222هـ) . 2- حاشية على رسالة الأستاذ المذكور المسماة "كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام" سنة: (1223هـ)، مطبوع. 3- فتح القريب المجيد بشرح بداية المريد للشيخ السباعي سنة: (1224هـ). 5- حاشية علم "السلم في المنطق" أيضاً سنة: (1226هـ)، مطبوع. 6- حاشية في "مختصر السنوسي في فن المنطق" في التاريخ المذكور، مطبوع. 7- حاشية على "السمرقندية في فن البيان" في التاريخ السابق، مطبوع. 8- فتح الخبير اللطيف شرح نظم الترصيف في التصريف للشيخ عبد الرحمن بن عيسى سنة: (1227هـ). 9- حاشية على "السنوسية" في التاريخ المتقدم، مطبوع. 10- حاشية على "مولد" أبي البركات العلامة الدردير رحمه الله تعالى، مطبوع. 11- شرح على "منظومة" العمريطي في النحو سنة: (1229هـ). 12- حاشية على "البردة" في التاريخ المتقدم. 13- حاشية على "بانت سعاد" سنة: (1234هـ). 14- حاشية على "الجوهرة" في هذا التاريخ، مطبوع. 15- منح الفتاح على ضوء المصباح في أحكام النكاح في هذا التاريخ بعينه. 16- حاشية على "الشنشوري" في علم المواريث سنة (1236هـ)، مطبوع. 17- رسالة صغيرة في "التوحيد"، وهي هذه التي نطبعها في هذا الكتاب. 18- الحاشية على "ابن قاسم" في سنة (1258)، مطبوع. وله مؤلفات أخرى لم تتم على الخطيب، والمنهج، وجمع الجوامع، والعقائد النسفية، وشرح منظومة شيخنا الشيخ البخاري في التوحيد1. *التعريف بالشارح: محمد نووي الجاوي: (ت:1316 هـ - 1898م): محمد بن عمر الجاوي البنتني إقليما, التناري بلدا: مفسرٌ, متصوف, من فقهاء الشافعية. هاجر إلى مكة, وتوفي بها. عرفه " تيمور": بـ [عالِم الحجاز]. له مصنفات كثيرة, منها: مراحْ لبيد لكشف معاني القرآن المجيد- ط، مجلدان كبيران, وهو تفسيرُه. مراقي العبودية، شرحٌ لـِ [بداية الهداية]، لحجة الإسلام الإمام الغزالي - ط، فرغ من تأليفه سنة: 1289هـ. قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان- ط. قطر الغيث في شرح مسائل أبي الليث- ط. عقود اللجين في بيان حقوق الزوجين- ط. نهاية الزين بشرح قرة العين- ط، فقه. شرح فتح الرحمن، تجويد- ط. نور الظلام في شرح قصيدة عقيدة العوام لأحمد المرزوقي ـ ط. مرقاة صعود التصديق في شرح سلم التوفيق لابن طاهر- ط، تصوف, المتوفى سنة 1272. كاشفة السجا في شرح سفينة النجا- ط، في أصول الدين والفقه1. حاشية النفحات على شرح الورقات، لإمام الحرمين الجويني، أصول الفقه – ط. نصائح العباد شرح على المنبهات على الاستعداد ليوم الميعاد، لابن حجر العسقلاني (773-852هـ) ـ ط. الفتوحات المدنية شرح الشعب الإيمانية ـ ط. الثمار اليانعة في شرح الرياض البديعية، للفاضل الشيخ محمد حسب الله، في الفقه ـ ط. بهجة الرسائل بشرح مسائل على الرسالة الجامعة بين أصول الدين والفقه والتصوف، للسيد أحمد زين الحبشي ـ ط. شرح سفينة الصلاة ـ ط. قوت الحبيب الغريب1 توشيح على فتح القريب المجيب2 شرح غاية التقريب3 ـ ط. =========================== متن تيجان الدراري بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم و بعد: فيقول فقير رحمة ربه الخبير البصير، إبراهيم الباجوري ذو التقصير: طلب مني بعض الاخوان – أصلح الله لي ولهم الحال والشأن – أن أكتب له رسالة لطيفة، تشتمل على صفات المولى وأضدادها، وما يجوز في حقه تعالى، وعلى ما يجب في حق الرسل وما يستحيل في حقهم وما يجوز، فأجبته إلى ذلك، فقلت وبالله التوفيق: يجب على كل مكلف أن يعرف ما [يجب] في حقه تعالى، وما [يستحيل]، وما [يجوز]1. فيجب في حقه تعالى: [ الوجودُ ] _ وضده العدم، و الدليل على ذلك: وجود المخلوقات. ويجب في حقه تعالى: [ القدمُ ] – ومعناه أنه لا أول له تعالى – وضده الحدوث، و الدليل على ذلك: أنه لو كان حادثاً لاحتاج إلى محدث وهو محال. ويجب في حقه تعالى: [ البقاءُ ] – ومعناه أنه تعالى لا آخر له – وضده الفناء، والدليل على ذلك: أنه لو كان فانياً لكان حادثاً وهو محال. ويجب في حقه تعالى: [ المخالفةُ للحوادثِ ] – ومعناه أنه تعالى ليس مماثلاً للحوادث، فليس له يد ولا عين ولا أذن ولا غير ذلك من صفات الحوادث – وضدها المماثلة، و الدليل على ذلك: أنه لو كان مماثلاً للحوادث لكان حادثاً وهو محال. ويجب في حقه تعالى: [ القيامُ بالنفسِ ] – ومعناه أنه تعالى لا يفتقر إلى محل، ولا إلى مخصص – وضده الاحتياج إلى المحل والمخصص، والدليل على ذلك: أنه لو احتاج إلى محل لكان صفة، وكونه صفة محال، ولو احتاج إلى مخصص لكان حادثاً وكونه حادثاً محال. ويجب في حقه تعالى: [ الوحدانيةُ ] في الذات وفي الصفات وفي الأفعال: ومعنى الوحدانية في الذات: أنها ليست مركبة من أجزاء متعددة. ومعنى الوحدانية في الصفات: أنه ليس له صفتان فأكثر من جنس واحد كقدرتين, وهكذا, وليس لغيره صفة تشابه صفته تعالى. ومعنى الوحدانية في الأفعال: أنه ليس لغيره فعل من الأفعال. وضدها التعدد، والدليل على ذلك: أنه لو كان متعدداً لم يوجد شيء من هذه المخلوقات. ويجب في حقه تعالى: [ القدرةُ ] – وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى يوجد بها ويعدم – وضدها العجز، والدليل على ذلك: أنه لو كان عاجزاً لم يوجد شيء من هذه المخلوقات. ويجب في حقه تعالى: [ الإرادةُ ] – وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى يخصص بها الممكن بالوجود أو بالعدم أو بالغنى أو بالفقر أو بالعلم أو بالجهل إلى غير ذلك، وضدها الكراهة، والدليل على ذلك: أنه لو كان كارهاً لكان عاجزاً، وكونه عاجزاً محال. ويجب في حقه تعالى: [ العلمُ ] – وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى يعلم بها الأشياء - وضدها الجهل، والدليل على ذلك: أنه لو كان جاهلاً لم يكن مريداً وهو محال. ويجب في حقه تعالى: الحياة – وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تصحح له أن يتصف بالعلم وغيره من الصفات – وضدها الموت، والدليل على ذلك: أنه لو كان ميتاً قادراً ولا مريداً ولا عالماً وهو محال. ويجب في حقه تعالى: [ السمعُ والبصرُ ] – وهما صفتان قديمتان قائمتان بذاته تعالى ينكشف بهما الموجود - وضدهما الصمم والعمى، والدليل على ذلك: قوله تعالى: ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الشورى]. ويجب في حقه تعالى: [ الكلام ] – وهو صفة قديمة قائمة بذاته تعالى وليست بحرف ولا صوت – وضدها البكم وهو الخرس، والدليل على ذلك: قوله: ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ [النساء] . ويجب في حقه تعالى: [ كونُه قادراً ] _ وضده كونه عاجزاً، والدليل على ذلك: القدرة. ويجب في حقه تعالى: [ كونُه مريداً ] _ وضده كونه كارهاً، والدليل على ذلك: دليل الإرادة. ويجب في حقه تعالى: [ كونُه عالماً ] _ وضده كونه جاهلاً، والدليل على ذلك: دليل العلم. ويجب في حقه تعالى: [ كونُه حياً ] _ وضده كونه ميتاً، والدليل على ذلك: دليل الحياة. ويجب في حقه تعالى: [ كونُه سميعاً وبصيراً ] ، وضدهما كونه أصم وكونه أعمى، والدليل على ذلك: دليل السمع ودليل البصر. ويجب في حقه تعالى: [ كونُه متكلماً ] _ وضده كونه أبكم، والدليل على ذلك: دليل الكلام. والجائز في حقه تعالى: [ فعلُ كلِّ ممكنٍ أو تركُه ] ، والدليل على ذلك: أنه لو وجب عليه سبحانه وتعالى فعل شيء أو تركه لصار الجائز واجباً أو مستحيلاً وهو محال. ويجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام: [ الصدقُ ] ، وضده الكذب، والدليل على ذلك: أنهم لو كذبوا لكان خبر الله سبحانه وتعالى كاذباً، وهو محال. ويجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام: [ الأمانةُ ]، وضدها الخيانة، والدليل على ذلك: أنهم لو خانوا بفعل محرم، أو مكروه لكنا مأمورين بمثل ذلك ولا يصح أن نؤمر بمحرم أو مكروه. ويجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام، [ تبليغُ ما أُمِرُوا بتبليغه للخلق ]، وضده كتمان ذلك، والدليل على ذلك: أنهم لو كتموا شيئاً مما أمروا بتبليغه لكنا مأمورين بكتمان العلم، ولا يصح أن نؤمر به لأن كاتم العلم ملعون. ويجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام: [ الفطانةُ ] ، وضدها البلادة، والدليل على ذلك: أنه لو انتفت عنهم الفطانة لما قدروا أن يقيموا حجة على الخصم وهو محال، لأن القرآن دل في مواضع كثيرة على إقامتهم الحجة على الخصم. والجائز في حقهم عليهم الصلاة والسلام: [ الأعراضُ البشريةُ التي لا تؤدي إلى نقصٍ في مراتبهم العلية ] : كالمرض ونحوه، والدليل على ذلك: مشاهدتها بهم عليهم الصلاة والسلام. خاتمة: يجب على الشخص أن يعرف نسبه _ صلى اللهُ عليه وسلم _ من جهة أبيه، ومن جهة أمه. أما نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه: فهو سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وليس فيما بعده إلى آدم – عليه الصلاة والسلام – طريق صحيح فيما ينقل. وأما نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أمه فهو: سيدنا محمد بن آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فتجتمع معه صلى الله عليه وسلم في جده كلاب. ومما يجب أيضاً: أن يعلم أن له حوضاً، وأنه صلى الله عليه وسلم يشفع في فصل القضاء، وهذه الشفاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم. ومما يجب أيضاً أن يعرفهم: الرسل المذكورة في القرآن تفصيلاً، وأما غيرهم فيجب عليه أن يعرفهم إجمالاً، وقد نظم بعضهم الأنبياء التي تجب معرفتهم تفصيلاً، فقال: حتم على كل ذي التكليف معرفة بأنبياء على التفصيل قد علموا في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا ومما يجب اعتقاده أيضاً أن قرنه أفضل القرون، ثم القرن الذي بعده، ثم القرن الذي بعده. وينبغي للشخص أن يعرف أولاده صلى الله عليه وسلم وهم على الصحيح: سيدنا القاسم، وسيدتنا زينب، وسيدتنا رقية، وسيدتنا فاطمة، وسيدتنا أم كلثوم، وسيدنا عبد الله وهو الملقب بالطيب والطاهر، وسيدنا إبراهيم، وكلهم من سيدتنا خديجة الكبرى، إلا إبراهيم فمن مارية القبطية. وهذا آخر ما يسره الله من فضله وكرمه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ اللهِ المنزهِ عن سِمات الحدوث والألوان والكيفيات، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ الغنيُّ عن كل ما سواه، والمفتقرُ إليه كلُّ شيء في سائر الأوقات، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً سيد المخلوقات، والصلاة والسلام على رسول الله صاحب الحوض والشفاعات، وعلى آله المفضلين على سائر الأمم، وأصحابه الفائزين بأنواع الخيرات والنعم. أما بعد: فهذا شرحٌ على رسالة1 العلاّمة2 الباجوري في التوحيد سميتُه: " تيجان الدراري في شرح رسالة الباجوري " وقد سُئلتُ فيه، فأنا أشرع راجياً الانتفاعَ به، وعودَ البركةِ1 من ذلك الشيخ لي ولكل قارىءٍ وسامعٍ ومطالعٍ: (بسم الله الرحمن الرحيم) فاسم "الجلالة" دلَّ على الذاتِ الجامعةِ لصفاتِ الإلهيةِ كلِّها، و "الرحمن": هو كثير الرحمة لعباده بالستر في الدنيا، و" الرحيم ": هو كثير الرحمة لهم بالغفران في العقبى، فللعبد أن يلاحظ من الله: قدرتَه، ومن الرحمن: نعمتَه، ومن الرحيم: عصمتَه من الذنوبِ ومغفرتِه. (الحمد لله رب العالمين) أي: مالك السموات والأرض ومعبود من فيهما, (والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم), و"رسول الله" معناً: هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه صار عَلَمَاً بالغلبة1 على تلك الذات الشريفة. (وبعد) أي: بعد البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله, (فيقول فقير رحمة ربه الخبير), أي: العليم ببواطن الأمور, (البصير) أي: الذي يُبصر ما تحت الثرى ومدرك المبصرات حال وجودها, (إبراهيم) بن محمد (الباجوري), نسبةً إلى " باجور " بلدةٍ من بلاد مصر, (ذو التقصير), وهو شيخ العلماء في الأزهر، سقى الله قبره بالرحمة والرضوان, (طلب مني بعض الإخوان – أصلحَ اللهُ ليَ ولهمْ الحالَ والشأنَ – أنْ أكتب له رسالةً) أي: كتاباً صغيراً، (لطيفة) أي: ظريفة، فالضمير الأول راجع للمضاف إليه، والثاني للمضاف، وجمع المصنف الضميرَ الأولَ لتعميمِ الدعاء، وأيضاً الضمير راجع للمضاف، إلاَّ إذا كان لفظُ "كل" أو "بعض" فيرجع للمضاف إليه كما هنا، وأفرد ثانياً لتخصيص الطالب, (تشتمل) أي: الرسالة (على صفاتِ المولى)، أي: الثابتة له والسالبة عنه ما لا يليق به, (وأضدادِها) أي: منافيها, (وما يجوز في حقه تعالى، وعلى ما يجب في حق الرسل, وما يستحيل في حقهم, وما يجوز): فالواجب1: هو الذي لا يمكن عدمُه, وذلك كذاته تعالى والتحيز للجرم، أي: ممانعتُه على القَدْرِ المأخوذِ من الفراغ، أي: منْعُكَ الغيرَ من أنْ يحل في مكانك، وكاتصاف الجرم بأحد الحركة والسكون. و المستحيل: هو الذي لا يمكن وجودُه, كالشريك لله، وخلو الجرم عن الحركة والسكون معاً. و الجائز: هو الذي يمكن وجودُه وعدمُه, كتعذيب المطيع الذي لم يعص الله تعالى طرفة عين وكاتصاف الجرم بعين أحد الحركة والسكون. (فأجبته) أي: بعض الإخوان (إلى ذلك) أي: كتب الرسالة (فقلت وبالله التوفيق) أي: خلق الطاعة. معرفةُ المكلفِ ربَّه واجبةٌ شرعاً (يجب على كل مكلف) من ذكر وأنثى ولو من العوام والعبيد والخدم، وجوباً عينيا،ً (أن يعرف ما يجب في حقه تعالى، وما يستحيل، وما يجوز), قال الله تعالى: ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ [محمد]. و"المعرفة1": هو: إدراكٌ جازمٌ بحيث ليس معه ترددٌ موافقٌ لما في الواقعِ ناشىءٌ عن دليل. و"يجب شرعاً" على من ذكر وجوباً عينياً معرفةُ كلِّ عقيدةٍ بدليلِها الإجمالي، وأما معرفتها بدليلها التفصيلي ففرض كفاية. فيجب على أهلِ كلَّ ناحيةٍ يشق الوصولُ منها إلى غيرها أن يكون فيهم من يعرفها بالدليل التفصيلي، لأنه ربما طرأت فيهم شبهة فيدفعها. و" الدليل الإجمالي": هو: المعجوز عن تفسيره ودفع شبهه. فإذا قيل لك: ما الدليل على وجوده تعالى؟، فقلت: العالَم، ولم تَعْرِفْ جهةَ الدلالةِ هل هي حدوثُهُُُ, أو إمكانُه, أو هما، أو عرفتها، ولم تقدر على فك الشبهة فهو دليل إجمالي، وأما إذا عرفتَ جهة الدلالة وقدرت على رد الشبهة فهو دليل تفصيلي، كما إذا قيل لك: ما الدليل على وجوده تعالى؟ فقلت: العالَم، وقَدِرْتَ على تصويرِ هذا الدليلِ، وعرفت جهةََََ الدلالةِ فيه، وقدرت على فك شبهه. ويقوم مقام معرفته العقائد بالدليل معرفتها بالكشف. اعلم أنه " يجب شرعاً " على كل مكلف أنْ يعرف جميعَ ما يجب في حقه تعالى، وجميعَ ما يستحيل عليه تعالى، وجميعَ ما يجوز في حقه تعالى، فما قامت الأدلةُ العقليةُ أو النقليةُ عليه إجمالاً __ وهو جوبُ اتصافه تعالى بسائر الكمالات و وجوبُ تنزهه عن سائر النقائص1 __ وجَبَتْ معرفتُه إجمالاً، فيجب علينا أن نعتقد أن له تعالى كمالات لا نهاية لها من جهة العدد في نفس الأمر، ﭧ ﭨ ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ [طه], وما قامت الأدلة العقلية أو النقلية عليه تفصيلاً تجب معرفته تفصيلاً، وهو العشرون صفة وأضدادها2. الواجباتُ التفصيليةُ في حقِّ اللهِ تعالى الصفة النفسية الوجود1 (فيجب في حقه تعالى: الوجود) الذاتي الذي لا يقبل العدم أزلاً ولا أبداً، وهو صفة نفسية، أي: ثبوتية، يدل الوصف بها على نفس الذات دون معنى زائد عليه. ويكفي المكلف أن يعرف أنه تعالى موجود وجوداً واجباً، ولا يجب عليه أن يعرف أن وجوده تعالى عين ذاته أو غير ذاته، لأن ذلك من غوامض علم الكلام. (وضده العدم). (والدليل على ذلك) أي: وجود الله تعالى, (وجودُ هذه المخلوقاتِ). وكيفية ترتيب إقامة الدليل على وجوب وجوده تعالى أن تقول: العالَمُ [من العرشِ إلى الفرشِ] حادِثٌ – أي: موجود بعد عدم – وكل حادثٍ له صانعٌ واجبُ الوجودِ، فالعالَم له صانعٌ، ثم كونُ الصانعِ هو اللهُ تعالى مستفادٌ من دليلِ الوَحدانيةِ. وحيث وجب له تعالى الوجود استحال عليه ضده. الصفات السلبية1 الأولى: القِدَمُ: (ويجب في حقه تعالى: القِدَمُ, ومعناه: أنه تعالى لا أول له) أي: لم يسبقْ وجودَه تعالى عدمٌ. (وضده الحدوث،) أي: الوجود بعد عدم. (والدليل على ذلك), أي: وكيفية إقامة الدليل على وجوب القدم له تعالى أن تقول: لو لم يكن قديماً لكان حادثاً، إذ لا واسطة بينهما، لكنْ كونُه حادثاً محال, (أنه لو كان حادثاً لاحتاج إلى محدث)، لأن كل حادث لا بد له من مُحْدِثٌ، ولو حَدَثَ بنفسه لزم اجتماع النقيضين، وهما المساواة والرجحان, (و) لكن (هو) أي: احتياجه تعالى إلى محدث (محال), إذْ لو احتاج إلى مُحْدِثٌ لاحتاج مُحْدِثُهُ إلى مُحدِث أيضاً، فلزم الدورُ أو التسلسلُ، وهما محالان، أي: لا يُمكنْ وجودُهما. وحيث وجب له تعالى القِدَمُ استحال عليه ضده . الثانية: البقاءُ: (ويجب في حقه تعالى: البَقَاءُ – ومعناه: أنه تعالى لا آخر له) أي: لا يلحق وجودَهُ عدمٌ. ( والدليل على ذلك: أنه لو) لم يجب له البقاءُ لأمكن أن يكون فانياً، لكنْ إمكانُ الفناءِ له محال، إذْ لو (كان فانياً) لكان جائزَ الوجودِ، لكنْ كونُه جائزَ الوجودِ محالٌ، إذ لو كان جائزَ الوجودِ (لكان حادثاً), لكنْ (وهو) أي: كونه حادثاً (محال)، إذ لو كان حادثاً لانتفى عنه القِدَمُ، لكنْ انتفاءُ القِدَمِ عنه محالٌ، لأنه قد قام الدليل على وجوب القِدَمِ له تعالى. وحيث وجب البقاء له تعالى استحال عليه ضده. الثالثة: المخالفة للحوادث: (ويجب في حقه تعالى: المخالفةُ للحوادثِ)، فالمخالفة للمخلوقات عبارة عن: سَلْبِ الجِرْمِيَّةِ، و العَرَضِيَّةِ و الكُلِّيَّةِ و الجزئيةِ و لوازمِها عنه تعالى، فلازمُ الجرميةِ: التحيزُ، ولازمُ العرضيةِ: القيامُ بالغيرِ، ولازمُ الكليةِ: الكبرُ، ولازمُ الجزئيةِ: الصغرُ, إلى غير ذلك. (ومعناه), أي: المخالفة لما ذكر، (أنه تعالى: ليس مماثلاً للحوادث1), فإذا ألقى الشيطانُ في ذهنِك أنه تعالى إذا لم يكنْ جرماً ولا عرضاً ولا كلاً ولا جزأ، فما حقيقته! فقل في رد ذلك: لا يعلم اللهَ إلا اللهُ، ﭽ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الشورى] ، فهو تعالى ليس بجسم مصور، ولا بجوهر محدودٍ مُقَدَّرٍ، (فليس له يدٌ ولا عينٌ ولا أذنٌ ولا غيرُ ذلك من صفات الحوادث2), لأنه لا يماثل الأجسامَ لا في التقدير ولا في قبول الانقسام, ولا تحله الجواهر، وليس بعرض ولا تحله الأعراض، بل لا يماثل موجوداً ولا يماثله موجود، ولا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون والسموات، رفيع الدرجات على كل شيء، ومع ذلك هو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد, لا يماثل قربُه قربَ الأجسامِ، تعالى عن أنْ يحويَه مكانٌ، كما تقدس عن أن يحده زمانٌ كان قبل أن يخلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان. (وضدها المماثلة). (والدليل على ذلك) أي: مخالفته تعالى للمخلوقات (أنه) أي: الله لو لم يكن مخالفاً للمخلوقات لكان مماثلاً لها، لكن مماثلته باطلة، إذ (لو كان مماثلاً للحوادث لكان حادثاً) مثلَها، لأنَّ جميعَ ما ثبت لأحد المثلين يثبت للآخر, (و) لكن (هو) أي: كونه حادثاً (محال), لأنه قد قام الدليل على وجوب القدم له تعالى، وحيث وجبت له المخالفة للحوادث استحال عليه ضدها. وصور1 المماثلة عشرة: أنْ يكونَ اللهُ جِرْماً سواء كان مركباً ويسمى حينئذ جسماً, أو غير مركب ويسمى حينئذ جوهراً فرداً. أو يكون عَرَضَاًً يقوم بالجرم. أو يكون في جهة للجرم, فليس فوق العرش, ولا تحته, ولا يمينه, ولا نحو ذلك من بقية الجهات. أو له تعالى جهة, فليس له فوق, ولا تحت, ولا يمين, ولا شمال, ونحو ذلك. أو يحل في مكان. أو يتقيد بزمان بحيث تكون حركة الفلك منطبقة عليه. أو يكر عليه الجديدان الليلُ والنهارُ. أو تتصف ذاته العلية بالحوادث: كالقدرة الحادثة والإرادة الحادثة والحركة أو السكون والبياض أو السواد ونحو ذلك. أو تتصف ذاته بالصغر أو الكبر، بمعنى كثير الأجزاء. أو يتصف بالأغراض في الأفعال أو الأحكام: فليس "فعله"، كإيجاد زيد، لغرضٍ من الأغراض، أي: مصلحة تبعثه على ذلك الفعل, فلا ينافي أنه لحكمة وإلا كان عبثاً, وهو المستحيل في حقه تعالى. وليس "حكمه"، كإيجاب الصلاة علينا، لغرض من الأغراض، أي: مصلحة تبعثه على ذلك الحكم كما مر. فكلُّ من هذه الصورِ العشرةِ مستحيلٌ في حقه تعالى. الرابعة: القيامُ بالنفسِ: (ويجب في حقه تعالى: القيام بالنفس). (ومعناه) مفسرٌ بأمرينِ: الأولُ: (أنه تعالى لا يفتقر إلى مَحَلٍّ) يقومُ به. (و) الثاني: أنه تعالى (لا) يحتاج (إلى مُخَصِّصٍ) أي: مُوجِدٍ. وهذا "الثاني" وإن كان يُستغنى عنه بالقِدَمِ لا يكفي فيه الاستغناء؛ لأن خطر الجهل في هذا الفن عظيم، فلا بد فيه من التصريح بالعقائد. (وضِدُّهُ: الاحتياجُ إلى المَحَلِّ والمُخَصِّصِ). [دليل الاستغناء عن المحل]: (والدليل على ذلك)، أي: القيام بالنفس: (أنه لو احتاج إلى محل) أي: ذات يقوم بها (لكان صفةً) أي: لأنه لا يحتاج إلى محل يقوم به إلاَّ الصفة، إذِ الذاتُ لا تحتاج إلى ذات تقوم بها (وكونه صفةً محالٌ)؛ إذْ لو كان صفةً لم يتصفْ بصفات المعاني ولا المعنوية، وهي واجبة القيام به تعالى للأدلة على ذلك، فعدمُ اتصافهِ بذلك باطلٌ فبطل ما أدى إليه، وهو افتقاره إلى المحل، وإذا بطل افتقاره إلى المحل ثبت اسغناؤه عنه وهو المطلوب. [دليل الاستغناء عن المخصص]: (ولو احتاج إلى مخصص) أي: موجد يوجده (لكان حادثاً), لأنه لا يحتاج إلى ذلك إلا الحادث، إذ القديم لا يحتاج له, (وكونه حادثاً محال), لأنه قد سبق وجوب وجوده وقدمه وبقائه ذاتاً وصفات . الخامسة: الوحدانية: (ويجب في حقه تعالى: الوحدانية في الذات وفي الصفات وفي الأفعال): (ومعنى الوحدانية في الذات أنها ليست مركبة من أجزاء متعددة،) ويقال لذلك: " كم متصل " في الذات، وأنه ليس هناك ذات تشبه ذاته تعالى، ويقال له: " كم منفصل " في الذات، لكن الوحدة في الذات بمعنى عدم التركيب من أجزاء عُلمت من المخالفة للحوادث كما مر. (ومعنى الوحدانية في الصفات) هو عدم تعددها, فليس له تعالى صفتان في الاسم والمعنى، وبيان ذلك (أنه تعالى ليس له صفتان فأكثر من جنس واحد كقدرتين) فأكثر وعلمين فأكثر, (وهكذا) ويقال له: " كم متصل " في الصفات, (و) عدم النظير فيها وهو أنه (ليس لغيره صفة تشابه صفته تعالى), فليس لغيره تعالى قدرة كقدرته تعالى، أو علم كعلمه وهكذا، ويقال له: " كم منفصل " في الصفات. (ومعنى الوحدانية في الأفعال أنه ليس لغيره فعل من الأفعال)، ويقال له:" كم منفصل " في الأفعال. وأما " الكم المتصل " في الأفعال, فإن صورناه بتعدد الأفعال فهو ثابت لا يصح نفيه, لأن أفعاله تعالى كثيرة من خلق ورزق وأحياء وإماتة إلى غير ذلك، وان صورناه بمشاركة غير الله له، فهو منفى أيضاً بوحدانية الأفعال، فهو تعالى منفرد بالخلق والاختراع متوحد بالإيجاد والإبداع، خلق الخلق وأعمالهم، وقدَّرَ أرزاقهم وآجالهم. والحاصل أن الوحدانية الشاملة لوحدة الذات ووحدة الصفات ووحدة الأفعال تنفى كموماً خمسة: "الكم المتصل" في الذات: وهو تركيبه من أجزاء. و"الكم المنفصل" في الذات: وهو التعدد، بحيث يكون هناك ألهَ ثان فأكثر. فهذان "الكمان" منفيان بوحدة الذات. و"الكم المتصل" في الصفات: وهو التعدد في صفاته تعالى من جنس واحد: كقدرتين فأكثر. و"الكم المنفصل" فيها: وهو أن يكون لغيره تعالى صفة تشبه صفته تعالى، كأن يكون لزيد قدرة يوجد بها ويعدم بها كقدرته تعالى أو إرادة تخصص الشيء ببعض الممكنات، أو علم محيط بجميع الأشياء. وهذان "الكمان" منفيان بوحدة الصفات. و"الكم المنفصل" في الأفعال: وهو أن يكون لغيره تعالى فعل من الأفعال على وجه الإيجاد وإنما ينسب الفعل لذلك الغير على وجه الكسب والاختيار. وهذا الكم منفي بوحدانية الأفعال. (وضدها) أي: الوحدانية (التعدد), ودليل الوحدانية في الذات بمعنى عدم _ الكم المتصل _ فيها هو دليل المخالفة للحوادث المتقدم، ودليل الوحدانية في الصفات بمعنى عدم _ الكم المتصل _ فيها أن التعدد لا يقتضيه معقول ولا منقول, (والدليل على ذلك) أي: الوحدانية بمعنى عدم النظير في الذات والصفات (أنه) تعالى (لو كان متعدداً) كأن يكون هناك إلهان (لم يوجد شيء) أي: بعض (من هذه المخلوقات), لكن عدم وجود ذلك باطل، لأنه موجود بالمشاهدة فما أدى إليه وهو التعدد باطل، وإذا بطل التعدد ثبتت الوحدانية وهو المطلوب. وإنما لزم من التعدد عدم وجود شيء من العالم لأنه لو كان هناك إلهان: [ فإما أن يتفقا ] و [ إما أن يختلفا ]: [ فإن اتفقا ]: (1): فلا جائز أن يوجداه معاً، لئلا يلزم اجتماع مؤثرين على واحد، (2): و لا جائز أن يوجداه مرتباً بأن يوجده أحدهما، ثم يوجده الآخر لئلا يلزم تحصيل الحاصل،(3): ولا جائز أن يشتركا في الإيجاد بأن يوجد أحدهما البعض والآخر البعض الآخر للزوم عجزها حينئذ، لأنه لما تعلقت قدرة أحدهما بالبعض سد على الآخر طريق تعلق قدرته به، فلا يقدر على مخالفته، وهذا عجز. وهذا يسمى برهان التوارد لما فيه من تواردهما على شيء واحد. [ وإن اختلفا]: بأن يريد أحدهما إيجاد شيء من العالم والآخر إعدامه،(1): فلا جائز أن ينفذ مرادهما لئلا يلزم عليه اجتماع النقيضين,(2): ولا جائز أن لا ينفذ مرادهما معاً للزوم عجزها, (3): ولا جائز أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر للزوم عجز من ينفذ مراده والآخر مثله لانعقاد المماثلة بينهما. وهذا يسمى برهان التمانع لتمانعهما وتخالفهما. وأما دليل الوحدانية في الأفعال بمعنى عدم الكم المتصل فيها وهو عدم مشاركة الغير له تعالى في فعل، فهو بعض ما مر في برهان التوارد. وأما دليل وحدة الأفعال بمعنى عدم الكم المنفصل فيها بأن يكون لغيره تعالى تأثير في فعل من الأفعال على انفراده، (1): فإن قدرت الشيء مؤثراً بطبعه1 لزم أن يستغنى ذلك الأثر عن مولانا جل وعز كيف وهو الذي يفتقر إليه كل ما سواه،(2): وأن قدرته مؤثراً بقوة2 جعلها الله فيه كما يزعمه كثير من عوام المؤمنين، فإنهم يعتقدون أن الأسباب العادية مؤثرة بقوة جعلها الله فيها ولو نزعها منها لا تؤثر كزعمهم أن الأكل يؤثر في وجود الشبع وأن الشرب يؤثر في وجود الري، وأن النار تؤثر في وجود الإحراق، وأن السكين تؤثر في وجود القطع بقوة جعلها الله في جميعها، فذلك باطل أيضاً، لأنه يصير مولانا جل وعز حينئذ مفتقراً في إيجاده بعض الأفعال إلى واسطة، والحال أنه تعالى له الغني المطلق عن كل ما سواه، وصاحب هذا الاعتقاد ليس كافراً بل فاسق، ويقرب من هذا اعتقاد المعتزلة1 أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية بقوة جعلها الله فيه، فهؤلاء فسقة. والحاصل: (1) أنَّ مَنْ اعتقد أنَّ الأسباب العادية كالنار والسكين والأكل والشرب تؤثر في مسبباتها كالحرق والقطع والشبع والري بذاتها فهو كافر بالإجماع. (2) أو بقوة جعلها اللهُ فيها، ففي كفره قولان، والأصح أنه ليس بكافر بل فاسق مبتدع، ومثل القائلين بذلك المعتزلة القائلون بأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية بقوة خلقها الله فيه، فالأصح عدم كفرهم لإقرارهم بأن قدرة العبد على ذلك من الله تعالى. (3) ومن اعتقد أن المؤثر هو الله تعالى لكن جعل بين الأسباب ومسبباتها تلازماً عقلياً بحيث لا يصح تأخرها فمتى وجد المسبب (يوجد هنا سقط كلمة واحدة تقريبا ) فهو جاهل. (4) ومن اعتقد أن المؤثر هو الله وأن بين الأسباب ومسبباتها تلازماً عادياً بحيث يصح تأخرها فهو المؤمن الناجي إن شاء الله تعالى. فالأقسام أربعة. وحيث وجبت له تعالى الوحدانية استحال عليه ضدها وهو التعدد سواءً كان مع الاتصال أو الانفصال. واعلم أن بحث الوحدانية أشرف مباحث هذا الفن، ولذلك كثر التنبيه عليه في القرآن العظيم. وهذه الصفات الست: فالأولى منها وهي [ الوجود ] تسمى نفسية لأنها لا تدل على معنى زائد على نفس الذات. والخمسة بعدها تسمى: [ سلبية ]؛ لأنها دلتْ على سلب ما لا يليق به تعالى، والصفات السلبية لا تنحصر على الصحيح، لأن النقائص لا نهاية لها وكلها منفية عنه تعالى، وهذه الخمسة أصولها، فإن ما عداها من نفي الزوجة والولد والمعين وغير ذلك راجع إليها. الصفات المعاني الأولى: القدرة: (ويجب في حقه تعالى: القدرة, وهي صفةٌ) وجوديةٌ (قديمةٌ قائمةٌ بذاتِه تعالى, يوجِدُ) تعالى (بها ويُعْدِمُ) كلَّ ممكنٍ على وفق الإرادة. ولها سبع تعلقات1: واحد صلوحي قديم، وهو صلاحيتها في الأزل للإيجاد والإعدام بها في وقت الإمكان. وثلاثة تنجيزية حادثة وهي تعلقها بإيجاد الممكن بعد عدمه السابق وتعلقها بإعدامه بعد وجوده وتعلقها بإيجاده للبعث من القبر. وثلاثة تعلقات قبضية: وهي: تعلقها باستمرار عدم الممكن وقت إمكان الوجود قبل وجوده. وتعلقها باستمرار وجوده بعد العدم. وتعلقها باستمرار عدمه بعد الوجود. فهذه التعلقات الثلاثة يقال لها: تعلقات قبضية، بمعنى أن الممكن في القبضة، فإنْ شاء الله أبقاه على حاله من العدم أو الوجود، وإن شاء أبدله بضده. فلا ممكن إلا وهو حادث بفعله، وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأتمها وأعدلها، فكل ما سواه من إنس وجن وملك وشيطان وسماء وأرض وحيوان ونبات وجماد وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث أنشأه بقدرته إنشاء بعد أن لم يكن شيئاً، إذ كان الله في الأزل موجوداً لم يكن معه غيره ، فأحدث الخلق بعد ذلك إظهاراً لقدرته وتحقيقاً لما سبق في إرادته لا يشذ عن قبضته مقدار ولا تخرج عن قدرته تصاريف الأمور، ولا تحصى مقدوراته تعالى. (وضدها) أي: القدرة (العجز). (والدليل على ذلك) أي: ثبوت القدرة له تعالى: وجودُ العالَمِ وتركيبه, لِـ(أنه لو) انتفت عنه القدرة لكان عاجزاً, ولو (كان عاجزاً لم يوجد شيء) أي: بعض (من هذه المخلوقات), وعدم وجود شيء منها محال لما يخالفه الحس والعيان، فبطل ما أدى إليه وهو اتصافه تعالى بالعجز، فثبت نقيضه، وهو اتصافه تعالى بالقدرة, وحيث وجبت له القدرة استحال عليه ضدها. الثانية: الإرادة1: (ويجب في حقه تعالى: الإرادة), ويرادفها المشيئة, (وهي صفةٌ) موجودةٌ (قديمةٌ قائمةٌ بذاتِه تعالى يُخصص بها الممكنَ) ببعض ما يجوز عليه، إما (بالوجود أو بالعدم, أو) بالصفات كالبياض أو السواد, أو (بالغنى أو بالفقر أو بالعلم أو بالجهل, إلى غير ذلك) كالمقادير كالطول أو القصر، وكالأزمنة، ككونه في زمن إبراهيم أو في زمن عيسى عليهما السلام، والأمكنة ككونه في مكة أو في الطائف، والجهات ككونه في جهة المشرق أو في جهة المغرب. (وضدها)، أي: الإرادة: (الكراهة), بمعنى عدم الإرادة. واعلم أن [ الإرادة ] عند أهل السنة غير الأمر والرضا والعلم: فقد [ يريد ويأمر ويرضى ] كإيمان من علم اللهُ إيمانَه مثل أبي بكر رضي الله عنه، وهذا يقال له " واجب لغيره "، لأنه حيث تعلق علم الله وأرادته بوجوده في وقت وجب وجوده فيه، ويستحيل عدمه في ذلك الوقت، ويقال له: " مستحيل لغيره ". وقد [ لا يريد ولا يأمر ولا يرضى ] كالكفر ممن ذكر، بل هو مستحيل كما مر. وقد [ يريد ولا يأمر ولا يرضى ] كالكفر ممن علم الله عدم إيمانهم مثل: فرعون1 وهامان وقارون، وكالمعاصي الواقعة في الكون، فإن الجميع واقع بإرادته تعالى. وقد [ يأمر ولا يريد ] كإيمان من علم الله أنه لا يؤمن كالإيمان ممن ذكر، وإنما أمرهم به مع كونه لم يرده منه لحكمة يعلمها الله تعالى لا يسأل عما يفعل. فالأقسام أربعة. والرضا لازم للأمر. وتتعلق الإرادة بكل ممكن كالقدرة، لكن تعلق القدرة تعلق إيجاد وإعدام، وتعلق الإرادة تعلق تخصيص، فلا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل, وشمل الممكنُ الخيرَ والشرَ, فلا يقع في الكون شيء من خير أو شر إلا بإرادته تعالى، إذ لا يصح أن يقع في الكون شيء قهرا عنه تعالى خلافاً للمعتزلة القائلين بأن إرادته تعالى لا تتعلق بالشرور والقبائح، ولكن يجب علينا الأدبُ مَعَ اللهَ تعالى بأن لا ننسب الشرور والقبائح إليه تعالى إلا في مقام التعليم، فإن ذلك لا يجوز كنسبة خلق الأمور الخسيسة إليه تعالى، فلا يجوز أن يقال في غير مقام التعليم: الله خالق القردة والخنازير . (والدليل على ذلك) أي: ثبوت الإرادة له تعالى وجود العالم وتركيبه (أنه) تعالى (لو) لم يتصف بالإرادة لكان كارهاً, ولو (كان كارهاً) أي: عادمَ الإرادةِ لم يتصفْ بالقدرة، لكن عدم اتصافه بها محال، إذ لو لم يتصف بها (لكان عاجزاً، وكونه عاجزاً محال), إذ لو عجز لما أوجد شيئاً من الحوادث، وذلك باطل لمشاهدة وجودها، فبطل ما أدى إليه عدم الإيجاد وهو عجزه, وإذا انتفى العجز انتفت الكراهة وثبت نقيضها، وهو الإرادة، وحيث وجبت له تعالى الإرادة استحال عليه ضدها. الثالثة: العلم: (ويجب في حقه تعالى: العلم , وهي صفةٌ) موجودةٌ (قديمةٌ قائمةٌ بذاتِه تعالى, يعلم بها الأشياءَ) من الواجبات والجائزات والمستحيلات على وجه الإحاطة على ما هي عليه تفصيلاً، فيعلم سبحانه وتعالى ما لا نهاية له تفصيلا ككمالاته وأنفاس أهل الجنة، فتعلقُ العلمِ واحدٌ تنجيزيٌّ قديمٌ، فهو تعالى عالم بجميع المعلومات محيط بجميع ما يجري تحت تخوم الأرض إلى أعلى السموات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفاً به في أزل الآزال، لا بعلمٍ متجددٍ موصوفٍ بالحلولِ والانتقالِ، فلا تتناهى معلوماته. (وضدها)، أي: صفة العلم: (الجهل). فائدة: تعلق الإرادة تابع لتعلق العلم في التعقل فقط لا في الخارج لأنهما قديمان، بمعنى أنك تتعقل أولاً تعلق العلم، ثم تتعقل تعلقَ الإرادةِ, وتعلق القدرة التنجيزي تابع للتعلقين, وبينه وبينهما ترتيب في التعقل والخارج، لأنه حادث وهما قديمان . (والدليل على ذلك) أي: ثبوت العلم له تعالى وجود العالم وتركيبه (أنه) تعالى (لو) لم يتصف بالعلم لاتصف بالجهل، ولو (كان جاهلاً) لم يتصف بالإرادة، ولو (لم يكن مريداً) لم يوجَدْ شيءٌ من العالم, (وهو محال) لمشاهدة وجوده بالحس والعيان، وحيث وجب له تعالى العلم استحال عليه ضده . الرابعة: الحياة: (ويجب في حقه تعالى: الحياة , وهي صفة) وجودية (قديمة قائمة بذاته تعالى، تصحح)، أي: تلك الصفة، (له) تعالى (أن يتصف بالعلم وغيره من الصفات) أي: صفات المعاني، كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وحياة الله تعالى بذاته ليست بروح. (وضدها: الموت)، فهو تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يعارضه فناء ولا موت. (والدليل على ذلك)، أي: ثبوت الحياة له تعالى "وجود العالم"، وتركيبه: (أنه) تعالى (لو) لم يتصف بالحياة لاتصف بالموت, ولو (كان ميتاً لم يكن قادراً ولا مريداً ولا عالماً، وهو)، أي: عدم اتصافه تعالى بالقدرة والإرادة والعلم، (محال), إذ لو كان تعالى كذلك لم يوجَدْ شيءٌ من العالم, وذلك باطل، لأنه خلاف الحس والعيان. والحياة لا تتعلق بشيء، وهي شرط عقلي في صفات المعاني يلزم من وجودها وجود صفات المعاني ما عداها، ومن عدمها العدم، وحيث وجبت له تعالى الحياة استحال عليه ضدها. الخامسة و السادسة: السمع و البصر: (ويجب في حقه تعالى: السمع والبصر, وهما صفتان قديمتان قائمتان بذاته تعالى ينكشف بهما الموجود) من ذوات وأصوات وألوان وغيرِها، وتعلقهما تعلق انكشاف كتعلق العلم. ويجب علينا أن نعتقد أن "الانكشاف" الحاصل بالسمع غير "الانكشاف" الحاصل بالبصر، وأن "الانكشاف" الحاصل بكل منهما غير "الانكشاف" الحاصل بالعلم، وأن لكل من "الانكشافات" الثلاثة حقيقة يفوض علمها إلى الله تعالى. وليس الأمر على ما نعهده من أن البصر يفيد بالمشاهدة وضوحاً فوق العلم، بل جميع صفاته تعالى تامة كاملة يستحيل عليها الخفاء والزيادة والنقص إلى غير ذلك، فهو تعالى لا يعزب عن سمعه موجود وإن خفي، ولا يغيب عن بصره شيء وإن دق، ولا يدفع سمعه بُعْدٌ، ولا يحجب رؤيته ظلام، يسمع تعالى من غير أصمخة وآذان، ويرى من غير حدقة وأجفان، كما يعلم بغير قلب ويبطش من غير جارحة ويخلق بغير آلة، إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق. واعلم أنَّ للسمع والبصر ثلاثةَ تعلقاتٍ: تنجيزياً قديماً: وهو التعلق بذات الله تعالى وصفاته. وصلاحياً قديماً: وهو التعلق بنا قبل وجودنا. وتنجيزياً حادثاً: وهو التعلق بنا بعد وجودنا، فالتعلق متحد والصفة متعددة حقائقهما متغايرة. (وضدهما)، أي: السمع والبصر: (الصمم والعمى). (والدليل على ذلك) أي: ثبوت السمع والبصر له تعالى سَمْعِيٌ، وهو (قوله تعالى: ﭽﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الشورى] ) وقوله تعالى: ﭽﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭼ [الحجرات], وقوله صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم في الدعاء، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً مجيباً"1، ومعنى "أربعوا على أنفسكم" أي: أشفقوا عليها بمعنى لا ترفعوا أصواتكم بالدعاء. وقد أجمع أهل الملل والأديان على أنه سميع بصير. وأيضاً لو لم يتصف سبحانه وتعالى بالسمع والبصر لزم أن يتصف بالصمم والعمى, لكن اتصافه بهما باطل لأنهما صفتا نقص والنقص عليه تعالى محال، فبطل ما أدى إليه، فثبت له السمع والبصر. السابعة: الكلام: (ويجب في حقه تعالى: الكلام, وهو صفةٌ قديمةٌ قائمةٌ بذاتِه تعالى , ليست بحرفٍ ولا صوتٍ), وهي منزهة عن التقدم والتأخر، وعن الإعراب والبناء، وعن السكوت النفسي، بأن لا يسر في نفسه تعالى الكلام مع القدرة عليه، ومنزهة عن الآفة الباطنية بأن لا يقدر على ذلك كما في حال الخرس والطفولية، وعن جميع صفات كلام الحوادث، وهو صفة واحدة لا تعدد فيها، لكن له أقسام اعتبارية: فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة مثلاً: أمر. ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا مثلاً: نهي. ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا أو فعل كذا مثلاً: خبر. ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجنة: وعد. ومن حيث تعلقه بأن العاصي يدخل النار: وعيد. إلى غير ذلك. ويتعلق بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات، كالعلم، لكنْ تعلقُ العلمْ تعلق "انكشاف", وتعلق الكلام تعلق "دلالة"، وتعلقه بالنسبة لغير الأمر والنهي تنجيزي قديم، وأما بالنسبة لهما، فإن لم يشترط فيهما وجود المأمور والمنهي، فكذلك, وإن اشترط فيهما ذلك كان التعلق فيهما صلوحياً قديماً قبل وجود المأمور والمنهي, وتنجيزياً حادثاً بعد وجودهما، فهو تعالى متكلم، آمر، ناه، وواعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته، لا يشبهه كلام الخلق، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجسام، ولا بحرف ينقطع بانطباق شفة أو تحرك لسان، وموسى – عليه السلام – سمع كلام الله بغير حرف ولا صوت، كما يرى الأبرارُ ذاتَ اللهِ تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض. (وضدها)، أي: صفة الكلام: (البكم، وهو: الخرسُ)، والمراد بالبكمِ: عدمَ الكلامِ النفسيِّ، سواء كان بآفة أم لا، فدخل فيه السكوت، والمراد بالخرس: آفةٌ تمنع من الكلام النفسي, ومثاله في الشاهد أن يمنع اللهُ عن الإنسان التفكرَ، فلا يجري على قلبه كلامٌ نفسي. واعلم أن كلام الله تعالى يطلق على: (1) الكلام "القديم" القائم بذاته تعالى، وعلى (2) الكلام "اللفظي" المقروء, بمعنى: أنه تعالى خَلَقَهُ وليس لأحد في أصل تركيبه كسب، فمن أنكر أن ما بين دفتي المصحف كلام الله فقد كفر إلا أن يريد أنه ليس هو الصفة القائمة بذاته تعالى، ومع كون الألفاظ التي نقرؤها حادثة لا يجوز أن يقال القرآن حادث إلا في مقام التعليم، لأن القرآن يطلق على الصفة القائمة بذاته تعالى أيضاً، لكن مجازاً، فربما يَتَوَهَمُ من أطلق أن القرآن حادث أن الصفة القائمة بذاته تعالى حادثه. والتحقيقُ: أنَّ مدلولَ الألفاظِ التي تقرؤها بعضُ مدلولِ الصفةِ القديمةِ؛ لأن الصفة تدل على "جميع" الواجبات والجائزات والمستحيلات، والألفاظ التي نقرؤها تدل على "بعض" ذلك. (والدليل على ذلك)ُ أي: ثبوت الكلام له تعالى سَمْعِيٌّ، وهو( قوله: ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ [النساء])، أي: أزال اللهُ عنه الحجابَ وأسمعه الكلامَ القديمَ، ثم عاد عليه الحجاب، وليس المراد أنه تعالى ابتدأ كلاماً ثم سكت، لأنه لم يزل متكلماً دائماً وأبداً، وروي أن موسى عليه السلام كان يسد أذنيه عند قدومه من المناجاة، لئلا يسمع كلام الخلق، لكونه لا يستطيع سماعه لأنه صار عنده كأشد ما يكون من أصوات البهائم المنكرة بسبب ما ذاق من اللذات التي لا يحاط بها عند سماع كلام من ليس كمثله شيء. وقد أشرق وجهُه من النور فما رآه أحد إلا عمى، فتبرقع وبقي البرقع على وجهه إلى أن مات. وقد أجمع أهل الأديان والملل على أنه تعالى متكلم. وأيضاً، كل حي قابل للاتصاف بالكلام، والقابل للشيء لا يخلو عنه أو عن ضده، فلو لم يتصف سبحانه وتعالى بالكلام لاتصف بضده لكن اتصافه به محال، لأنه نقص، والنقص عليه تعالى محال. وهذه الصفات السبعة وهي: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، تُسمى: صفات المعاني، وهي وجودية بحيث لو كشف الحجاب لرُؤيت أو سُمعت، وهذه السبعة تلازم السبعة التي تُسمى: معنوية، وهي أمور اعتبارية. الصفات المعنوية الأولى: كونه قادراً: (ويجب في حقه تعالى: كونه قادراً)، " فالكونية " المذكورة: صفة ثابتة في نفسها قائمة بالذات لازمة للقدرة. فمعنى: "كونه قادراً" هو: قيام القدرة بذاته تعالى، وليس هناك صفة أخرى زائدة على قيام القدرة بالذات ثابتة في خارج الذهن. (وضده: كونه عاجزاً). (والدليل على ذلك)، أي: ثبوت كونه قادراً, (دليل القدرة), وإن شئت قلت: والدليل على وجوبه له تعالى أنَّ "الكونَ قادراً" لازمٌ لقيام القدرة بذاته تعالى، وإذا ثبت له تعالى كونه قادراً استحال عليه كونه عاجزاً. الثانية: كونه مريداً: (ويجب في حقه تعالى: كونه مريداً), وهو صفة له تعالى أزلية مغايرة للإرادة، لكنها لازمة للإرادة، وهو: أمر اعتباري ليس له تحقق في خارج الأذهان، بل له تحقق في نفسه، وفي الذهن فقط. (وضده: كونه كارهاً) أي: عادم الإرادة. (والدليل على ذلك)، أي: ثبوت كونه تعالى مريداً، (دليل الإرادة), وإن شئت قلت: والدليل على وجوبه له تعالى أن "الكون مريداً" لازم لقيام الإرادة بذاته تعالى، وحيث وجبت له تعالى هذه الصفة استحال عليه ضدها. الثالثة: كونه عالماً: (ويجب في حقه تعالى: كونه عالماً), وهو صفة له تعالى أزلية مغايرة للعلم، لكنها لازمة له، وهو أمر اعتباري ليس له تحقق في الخارج، بل في نفسه، وفي الذهن فقط. (وضده: كونه جاهلاً). (والدليل على ذلك: دليل العلم), وإن شئت قلت: والدليل على وجوبه له تعالى أن "الكون عالماً" لازم لقيام العلم به تعالى، وحيث وجبت له تعالى هذه الصفة استحال عليه ضدها. الرابعة: كونه حياً: (ويجب في حقه تعالى: كونه حياً), وهو صفة له تعالى أزلية مغايرة للحياة، لكنها لازمة لها، وهو: أمر اعتباري ليس له تحقق إلا في نفسه فقط. (وضده: كونه ميتاً). (والدليل على ذلك: دليل الحياة), وإن شئت قلت: والدليل على وجوبه له تعالى أن "الكون حياً" لازم لقيام الحياة به تعالى، وحيث وجبت له تعالى هذه الصفة استحال عليه ضدها. الخامسة و السادسة: كونه سميعاً بصيراً: (ويجب في حقه تعالى: كونه سميعاً بصيراً), وهما صفتان له تعالى أزليتان مغايرتان للسمع والبصر، لكنهما لازمتان لهما, وهما أمران اعتباريان، ولكل منهما تحقق في نفسه فقط. (وضدهما كونه أصم وكونه أعمى). (والدليل على ذلك دليل السمع ودليل البصر), وإن شئت قلت: والدليل على وجوبهما له تعالى أن الكون سميعاً لازم لقيام السمع بذاته تعالى، و"الكون بصيراً" لازم لقيام البصر به تعالى، وحيث وجبت له تعالى هاتان الصفتان استحال عليه ضدهما. السابعة: كونه متكلماً: (ويجب في حقه تعالى: كونه متكلماً), وهو صفة له تعالى أزلية مغايرة للكلام، لكنها لازمة له، فيلزم من قيام الكلام بذاته تعالى كونُه تعالى متكلماً، وليس له تحققٌ إلا في نفسه فقط. (وضده كونه أبكم، والدليل على ذلك دليل الكلام), وإن شئت قلت: والدليل على وجوبه له تعالى أن "الكون متكلماً" لازم لقيام الكلام بذاته تعالى، وإذا ثبت له تعالى كونُه متكلماً استحال عليه تعالى كونُه أخرس وما في معناه الذي هو ضد كونه تعالى متكلماً. فهذه الصفات الواجبة له تعالى العشرون والمستحيلات العشرون التي يجب على كل مكلف معرفتها تفصيلاً بالدليل ولو إجمالياً، ثم يجب أن يعتقد إجمالاً أنه تعالى متصف بجميع الكمالات التي لا يحصيها إلا الله تعالى، وأنه منزه عن جميع النقائص التي لا يحصيها إلا هو. تنبيهان: الأول: علم مما مرَّ أنَّ الصفات العشرين أربعةُ أقسامٍ: (1) نفسية وهي: الوجود. (2) وسلبية وهي خمسة: القدم والبقاء والقيام بالنفس والمخالفة للحوادث والوحدانية. (3) وصفات معان وهي سبعة: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام. (4) وصفات معنوية وهي: كونه قادراً ومريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً. الثاني: لا يتعلق إلا ما كان من صفات المعاني، وهي من حيثُ التعلقُ وعدمه، ومن حيث عمومُهُ للواجبات والجائزات والمستحيلات وخصوصه بالممكنات وبالموجودات أقسام أربعة: [الأول]: ما يتعلق بالممكنات وهي القدرة والإرادة، لكن تعلق الأول تعلق إيجاد وإعدام وتعلق الثانية تعلق تخصيص. و[الثاني]: ما يتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات، وهو العلم والكلام، لكن تعلق الأول تعلق انكشاف وتعلق الثاني تعلق دلالة. و[الثالث]: ما يتعلق بالموجودات وهو السمع والبصر. و[الرابع]: ما لا يتعلق بشيء وهو الحياة. ولا يجب على المكلف معرفة هذه التعلقات لأن ذلك من غوامض علم الكلام. الجائزات في حق الله تعالى (والجائز في حقه تعالى: فعل كل ممكن أو تركه), و " الممكن " هو الذي يجوز عليه الوجود والعدم ولو شراً: كالكفر والمعاصي والخلق والرزق ونحوها، فلا ممكن إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله. (والدليل على ذلك أنه لو وجب عليه سبحانه وتعالى فعل شيء أو تركه لصار الجائز واجباً أو مستحيلاً) أي: والدليل على أن فعل الممكنات أو تركها جائز في حقه تعالى أن تقول: قد اتفق على جواز الممكنات، فلو وجب عليه تعالى فعل شيء منها لصار الجائز واجباً، ولو امتنع عليه فعل شيء لصار الجائز مستحيلاً, (وهو) أي: صيرورة الجائز واجباً أو مستحيلاً (محال), فبطل ما أدى إليه هو وجوبها أو امتناعها وثبت جوازها، وهو المطلوب. فهذه إحدى وأربعون عقيدة تتعلق بالإله عز وجل: عشرون واجبات, وعشرون مستحيلات, وواحدة جائزة، و قد تم القسم الأول من هذا الفن وهو الإلهيات. معرفة النبوات (و) أما القسم الثاني وهو النبويات، فيشتمل على ما يجب للأنبياء وما يستحيل في حقهم وما يجوز عليهم. الواجبات التفصيلية في حق الأنبياء أولاً: الصدق: فالذي (يجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام: الصدق), وهو مطابقة خبرهم للواقع ولو بحسب اعتقادهم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن"، لما قال: ذو اليدين حين سلم صلى الله عليه وسلم من ركعتين من الظهر: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟1. (وضده: الكذب) أي: عدم مطابقة خبرهم للواقع وافق الاعتقاد أم لا. (والدليل على ذلك) أي: وجوب الصدق لهم عليهم الصلاة والسلام، (أنهم لو) لم يصدقوا للزم كذبهم؛ لأنه لا واسطة بين الصدق والكذب, ولو (كذبوا لكان خبر الله سبحانه وتعالى) بأنهم صادقون (كاذباً), والمراد خبره تعالى الحكمي، وهو المعجزة، وهو فعل الله تعالى، لأن الله تعالى صدقهم بالمعجزات، فإنه تعالى لم يُجْرِ عادتَه من أول الدنيا إلى الآن بتمكين الكاذب من المعجزات، بل أجرى عادته بوقوعها من الصادق دون الكاذب، وإذا خيل بسحر أو نحوه أظهر فضيحته عن قرب ذلك، ومعلوم أن تصديق الكاذب كذب, (وهو) أي: كون خبره تعالى كاذباً (محال)؛ لأن خبره تعالى على وفق علمه، والخبر الذي على وفق العلم لا يكون إلا حقاً، وإذا استحال كذبه تعالى ثبت صدقه، وإذا ثبت صدقه صح تصديقه للرسل، وإذا صح ذلك ثبت صدقهم, وهو المطلوب. الثانية: الأمانة: (ويجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام: الأمانة), وهي حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بمنهي عنه، ولو نهي كراهة أو خلاف الأولى، فهم معصومون عن جميع المعاصي المتعلقة بظاهر البدن: كالزنى وشرب الخمر والكذب وغير ذلك من منهيات الظاهر, ومعصومون عن جميع المعاصي المتعلقة بالباطن من الحسد والكبر والرياء، وغير ذلك من منهيات الباطن، والمراد المنهي عنه ولو صورةً فيشمل ما قبل النبوة وما في حالة الصغر، ولا يقع منهم مكروه ولا خلاف الأولى، بل ولا مباح على وجه كون ذلك مكروهاً أو خلاف الأولى أو مباحاً، وإذا وقع صورة ذلك منهم فهو للتشريع فيصير واجباً أو مندوباً في حقهم، فأفعالهم عليهم الصلاة والسلام دائرة بين الواجب والمندوب، بل في الأولياء الذين هم أتباعهم من يصل إلى مقام تصير فيه حركاته وسكناته طاعات بالنيات. (وضدها: الخيانة). (والدليل على ذلك) أي: وجوب الأمانة لهم، (أنهم لو خانوا)، أي: خالفوا أمر الله تعالى (بفعل محرم، أو مكروه) أو خلاف الأولى لغير التشريع (لكنَّا مأمورين بمثل ذلك) أي: ما يفعلونه, والمراد بالفعل ما يعم فعلَ اللسانِ، وهو القولُ, وفعلَ القلبِ, لأن الله تعالى أمرنا باتباعهم في أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم من غير تفصيل ما عدا ما ثبت اختصاصهم به، وما عدا الأمور الجبلية: كالقيام والقعود والمشي، فإنا لم نؤمر بالاتباع في ذلك. (ولا يصح أن نؤمر بمحرم أو مكروه) أو خلاف الأولى، لأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء، فتعيَّنَ أنهم لا يفعلون إلا الطاعةَ إما واجبةً أو مندوبةً، فلا تكون أفعالُهم محرمةً أو مكروهةً ولا خلافَ الأولى، فأفعالهم دائرة بين الواجب والمندوب أو لا يدخلها المباح لأنهم إذا فعلوه يكون لبيان الجواز والتشريع، وهو إما واجب أو مندوب, وهذه الحجة سمعية أو شرعية، وإن كانت على صورة الدليل العقلي، لأن دليل الملازمة شرعي، وهو قوله تعالى: ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭽ ﭼ [آل عمران , وإن بطلان التالي بدليل شرعي وهو قوله تعالى: ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯤ ﭼ [الأعراف]، بخلاف الحجة على وجوب صدقهم فإنها عقلية، ولذا قال السنوسي1: ويستحيل عليهم الكذب عقلاً والمعاصي شرعاً. الثالثة: التبليغ: (ويجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام تبليغُ ما أُمروا بتبليغه للخلق), بخلاف ما أمروا بكتمانه, وما خُيِّروا فيه، فليس تبليغ كل منهما واجباً، بل يجب كتمان ما أمروا بكتمانه، ولا يجب عليهم شيء فيما خيّروا فيه. (وضده: كتمان ذلك) أي: جميع ما أمروا بتبليغه للخلق. (والدليل على ذلك) أي: جميع ما أُمروا بتبليغه، (أنهم لو) لم يبلغوا لكتموا، إذ لا واسطة بين الكتمان والتبليغ، لكنهم لم يكتموا، إذ لو (كتموا شيئاً) أي: بعضاً (مما أمروا بتبليغه) للخلق (لكنَّا مأمورين بكتمان العلم) لأنَّ اللهَ تعالى أمرنا بالاقتداء بهم حيث قال في حق نبينا: ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [الأعراف], (ولا يصح أن نُؤْمَرَ به) أي: بكتمان العلم (لأنَّ كاتم العلم ملعون), قال الله تعالى: ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [البقرة]. الرابعة: الفطانة: (ويجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام: الفطانة), وهي التيقظ لإلزام الخصوم وإبطال دعاويهم الباطلة. (وضدها: البلادة)، أي: الغفلة. (والدليل على ذلك) أي: وجوب الفطانة لهم عليهم الصلاة والسلام، (أنه) أي: الشأن، (لو انتفت عنهم "الفطانة" لما قدروا أن يقيموا "حجة" على الخصم وهو) أي: عدم القدرة على إقامة الحجة (محال، لأنَّ القرآنَ دلَّ في مواضع كثيرة على إقامتهم الحجة على الخصم) كقوله تعالى: ﭽ ﭝ ﭞ ﭼ، أي: حجة إبراهيم على قومه ﭽ ﭟ ﭠ ﭼ [الأنعام] ، وكقوله تعالى حكاية عن قوم نوح: ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [هود] ، وكقوله تعالى: ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ [النحل]، أي: بالطريق التي تشتمل على نوع إرفاق بهم، ومن لم يكن فطناً لا يمكنه إقامة الحجة ولا المجادلة، وهذه الآيات وإن كانت واردة في بعضهم إلا أن ما ثبت لبعضهم من الكمال الذي لا يتم المقصود إلا به يثبت لجميعهم، فثبتت الفطانة للجميع، وإن لم يكونوا رسلاً بل أنبياء فقط نعم الواجب للأنبياء مطلق الفطنة، وأما الرسل فالواجب لهم كمال الفطنة، وإذا ثبت لهم هذه الصفات الأربعة استحال عليهم أضدادها، ومعنى استحالتها عدم قبولها الثبوت بالدليل الشرعي. الجائزات التفصيلية في حق الأنبياء أولاً: الأعراض البشرية غير المعيبة: (والجائز في حقهم عليهم الصلاة والسلام: الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية: كالمرض) غير المنفر (ونحوه), كالجوع والعطش والنوم، والأكل والشرب والمشي والركوب والبيع والشراء والجماع للنساء على وجه الحل بالنكاح أو بالمِلك، بخلاف الجنون قليله وكثيرة والجذام والبرص والعمى وغير ذلك من الأمور المنفرة، وبخلاف الأمور المخلة بالمروءة كالأكل على الطرق، والحرف الدنيئة ونحو ذلك مما لا يليق بهم، فلا يجوز ذلك. ولم يصح أن شعيباً كان ضريراً، وما كان بأيوب من البلاء فكان بين الجلد والعظم، فلم يكن منفراً، وما كان بيعقوب فهو حجاب على العين من تواصل الدموع، أما خروج المني من امتلاء الأوعية فجائز عليهم بخلاف الاحتلام، فلا يجوز عليهم لأنه من تلاعب الشيطان، لأنه لا سبيل له عليهم. ثانياً: السهو: وأما السهو, فممتنع عليهم في الأخبار البلاغية، أي: التي طُلب منهم تبليغُها عن الله تعالى، كقولهم: الجنة أعدت للمتقين، وعذاب القبر واجب... وهكذا، وفي غير البلاغية: كقام زيد وقعد بكر، وهكذا، وجائز عليهم في الأفعال البلاغية للتشريع: كالسهو في الصلاة. وسَهْوُهُم إنما هو لاشتغالهم بربهم. ثالثاً: النسيان: وأما النسيان, فممتنع عليهم في البلاغيات قبل تبليغها، " قولية " كانت أو " فعلية "، فالقوليةُ كقولهم: "الجنة أعدت للمتقين"، والفعليةُ: كصلاة الضحى إذ أمرهم الله بفعلها ليقتدى بهم فيها، فلا يجوز نسيان كل منهما قبل تبليغ الأولى بالقول والثانية بالفعل، أما بعد التبليغ فيجوز عليهم نسيان ما ذكر من الله تعالى لا من الشيطان لأنه لا سبيل له عليهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إني لا أَنْسَى، ولكن أُنْسَى1؛ وبالجملة فيجوز على ظواهرهم ما يجوز على البشر مما لا يؤدي إلى نقص، وأما بواطنهم فهي منزهة عن ذلك لتعلقها بالله تعالى. (والدليل على ذلك) أي: جواز وقوع الأعراض، أي: الصفات الحادثة البشرية، (مشاهدتُها بهم عليهم الصلاة والسلام) لمن عاصرهم وبلوغ ذلك بالتواتر لغيره، فوقوعها بهم أقوى دليل على الجواز، لأن الوقوع فرع عن الجواز، وأيضاً هم يترقون دائماً في المراتب العلية، ووقوع الأمراض بهم مثلاً سبب في زيادة مراتبهم العلية، ولأجل أن يتسلى بهم غيرُهم ويعرف العاقل أن الدنيا ليست دار جزاء لأحبابه تعالى، إذ لو كانت دار جزاء لهم لم يصبهم شيء من كدوراتها، فهو زيادة في علو مراتبهم عليهم الصلاة والسلام. فهذه تسع عقائد تتعلق بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وتقدم إحدى وأربعون تتعلق بالإله سبحانه وتعالى، فالجملة خمسون عقيدة يجب على كل مكلف معرفتها بأدلتها على ما مر. معرفة السمعيات (خاتمة) نسأل الله تعالى حسنها: أولاً: ما يتعلق بالنبي: (1)(يجب على الشخص) أي: الذكر والأنثى (أن يعرف نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه، ومن جهة أمه) إلى عدنان فقط، أما ما بعده فلا يجب معرفته بلا خلاف، بل كرهه مالك. (فأما نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه: فهو سيدنا محمد بن عبد الله)، فمن كلامه رضي الله عنه من الطويل: لقد حكم البادون في كل بلدة بأن لنا فضلاً على سادة الأرض وأن أبي ذو المجد والسؤدد الذي يسار به ما بين نشز إلى خفض (ابن عبد المطلب)، اسمه: عامر أو شيبة الحمد، (ابن هاشم)، اسمه: عمرو أو عمر، (ابن عبد مناف)، اسمه: المغيرة, (ابن قصي)، بضم ففتح، اسمه: زيد أو يزيد، (ابن كلاب)، اسمه: حَكِيم _ بفتح فكسر _ أو المغيرة أو المهذب، (ابن مُرَّة) _ بضم الميم وفتح الراء المشددة _، (ابن كَعْب) _ بفتح وسكون _ ، (ابن لؤي) _ بالهمز وتركه _، لكن الأكثر الأول، (ابن غالِب) _ بالغين المعجمة وكسر اللام _، (ابن فِهْر) _ بكسر فسكون _، (ابن مالك)، وكنيته: أبو حارث، (ابن النضر)، اسمه: قيس، (ابن كنانة)، كان شيخاً حسناً عظيم القدر تقصد العرب إليه لعلمه وفضله، (ابن خزيمة)، بالتصغير، (ابن مدركة) _ بضم فسكون فكسر _ ، واسمه: عمر على الصحيح، وكان فيه نور النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً، (ابن إلياس)، واسمه: حسين، وكنيته: أبو عمرو، وكان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم المعروفة في الحج، (ابن مُضَر) _ بضم ففتح _ ، اسمه: عمرو، وكنيته: أبو إلياس، (ابن نزار)، واسمه: خلدان، (ابن معد). ولما سلط الله بخت نصر1 على العرب، أمر الله أرمياء2 أن يحمله على البراق كيلا تصيبه النقمة، ففعل ذلك أرمياء واحتمله معه إلى أرض الشام، فنشأ في بني إسرائيل، ثم عاد بعد أن سكنت الفتنة بموت بختنصر1، (ابن عدنان)، وكان في زمن موسى عليه السلام على الصحيح. وأجمع العلماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما انتسب إلى عدنان (وليس فيما بعده) أي: عدنان (إلى آدم – عليه الصلاة والسلام – طريق صحيح فيما ينقل) لما وقع فيه من الأقوال المختلفة المتباعدة. (وأما نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أمه فهو: سيدنا محمد بن آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زُهْرة) _ بضم الزاي وسكون الهاء _ ، وهو اسم رجل على الصواب، (ابن كلاب), وعبد مناف الذي في نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أمه غير عبد مناف جده، صلى الله عليه وسلم، من جهة أبيه، وكلاب هذا أحد أجداده صلى الله عليه وسلم, (فتجتمع) أي: آمنة (معه صلى الله عليه وسلم في جده كلاب). ونسبه صلى الله عليه وسلم مُطَهَّرٌ من سفاح الجاهلية، ولم يلده إلا نكاح كنكاح الإسلام من لدن آدم إلى أن ولده صلى الله عليه وسلم أبوه وأمه، واستدل بعضهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات"1، أن جميع آبائه صلى الله عليه وسلم وجميع أمهاته إلى آدم وحواء ليس فيهم كافر، لأنه لا يوصف بالطهارة إلا المؤمن. ثانياً: الحوض: (ومما يجب أيضاً: أن يعلم أن له) صلى الله عليه وسلم (حوضاً) أعطاه الله تعالى إياه في الآخرة، لكن لا يَكْفُر من أنكره وإنما يفسق، وأوحى الله تعالى إلى عيسى – عليه السلام – أن لمحمد حوضاً أبعد من مكة إلى مطلع الشمس، فيه آنية مثل عدد نجوم السماء، وله لون كل شراب الجنة وطعم كل ثمارها اهـ. أي: بعضه لونه أحمر وبعضه لونه أبيض، وهكذا وله طعم الخوخ والموز والمشمش وغيرها، فمن يشرب منه يجد طعمَ ثمارِ الجنة. واختُلف في محله، فعند الجمهور أنه قبل الصراط لأن الناس يخرجون من قبورهم عطاشاً فيردون الحوض للشرب، وعند بعضهم أنه بعده لأنه ينصب فيه الماء من الكوثر وهو النهر الذي في داخل الجنة، فيكون الحوض بعد الصراط بجانب الجنة ولو كان قبله لحالت النار بينه وبين الماء الذي ينصب فيه من الكوثر، وهم يُحبسون هناك في موقف القصاص لأجل المظالم التي بينهم حتى يتحللوا منها، وصحح القرطبي أن له صلى الله عليه وسلم حوضين، حوضاً قبل الصراط، وحوضاً بعده، واختاره السنوسي في "شرح الكبرى"، ثم الذي يجب اعتقاده أن له صلى الله عليه وسلم حوضاً. ثالثاً: الشفاعة النبوية للناس: (و) يجب أن يعلم (أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في فصل القضاء) أي: في القضاء الفاصل بين الناس. روي أنه إذا جمع الله الناس في صعيد واحد يوم القيامة أقبلت النار يركب بعضها بعضاً، وخزنتها يكفونها عن الناس وهي تقول: وعزة ربي ليخلين بيني وبين أزواجي1. فيقولون لها: ومن أزواجك؟ فتقول: كل متكبر جبار. فلا يزال الناس يموج بعضهم في بعض ألف عام، والله تعالى لا يكلمهم كلمة واحدة، فيشتد الهول على أهل الموقف حتى يتمنوا الانصراف من هذا الموقف، ولو إلى جهنم: فيقول بعضهم لبعض: اذهبوا إلى أبيكم آدم، فيأتون آدم، فيقولون: يا أبا البشر، الأمر علينا شديد، وأنت الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه، اشفع لنا في فصل القضاء، اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا. فيقول: لست هناك إني قد أُخرجت من الجنة بخطيئة، وأنه ليس يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول المرسلين. فيأتون نوحاً ويقولون له: اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا. فيقول: لست هناك إني دعوت دعوة أغرقت أهل الأرض، وأنه ليس يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً. فيأتون إبراهيم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا، فيقول: لست هناك، إني قد كذبت في الإسلام ثلاث كذبات، وهي قوله: ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ [الصافات]، هذا وقوله: ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ [الأنبياء]، وقوله لامرأته "إنها أختي"، وليس يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله تكليماً. فيأتون موسى فيقول: لست هناك إني قتلت نفساً بغير حق ليس يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتونه، فيقول: إني اتُخذت وأمي إلهين من دون الله، وإني لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن أرأيتم إن كان لأحدكم بضاعة فجعلها في كيس ثم ختم عليها أكان يصل إلى ما في الكيس حتى يفض الختم! فيقولون: لا، فيقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وقد وافى اليوم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ائتوه. فيأتونه، فيقول: أنا لها، أمتي أمتي، ثم يخر ساجداً تحت العرش كسجود الصلاة. فيقال: يا محمد، ارفع رأسك وسل تعطَ واشفع تشفّع، فيرفع رأسه، يشفع في فصل القضاء. ثم إن أهل الموقف ينصرفون من هذا الموقف إلى الحساب، ولا ينال شيء من هذا الهول الأنبياء والأولياء ولا سائر العلماء، لقوله تعالى: ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ [الأنبياء], فهم آمنون من عذاب الله لكنهم يخافون خوف إجلال وإعظام. وقيل: إن الذي يذهب إلى الأنبياء لطلب الشفاعة رؤساء أهل الموقف وما بين إتيانهم من نبي إلى نبي ألف عام، وقيل: الذي يسعى للأنبياء في طلب الشفاعة العلماء العاملون، وهذه الشفاعة تعم جميع الخلق من أنس وجن ومؤمن وكافر من هذه الأمة ومن غيرها، ولذلك تسمى الشفاعة العظمى، وهي أول المقام المحمود، أي: الذي يحمده فيه الأولون والآخرون، وآخره استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وتجمع الأنبياء حينئذ تحت لوائه صلى الله عليه وسلم. (وهذه الشفاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم) وله شفاعات أخر، بل ولغيره من الأنبياء والعلماء والصالحين، إلا أنه صلى الله عليه وسلم الذي يفتح لهم باب الشفاعة لأنهم لا يتجاسرون على الشفاعة قبله لعظم الجلال يومئذ. رابعاً: الرُّسُلُ المذكورون في القرآن تفصيلاً: (ومما يجب أيضاً أن يعرفهم: الرسل المذكورة في القرآن تفصيلاً), ويكفي في الإيمان بكل منهم أن يكون بحيث لو سئل عن رسالته لاعترف بها، فلا يجب أن يسردهم عن حفظٍ، ومن أنكر واحداً منهم بعد أن علمه كفر بخلاف ما لو سئل عنه ابتداء، فقال: لا أعرفه، فلا يكفر, (وأما غيرهم) من الرسل والأنبياء (فيجب عليه) أي: كل مكلف (أن يعرفهم) أي: غير المذكورين في القرآن (إجمالاً) فيجب التصديق بأن لله رسلاً وأنبياء على الإجمال لا يعلم عددهم إلا الله فهم غير محصورين لنا (وقد نظم بعضهم الأنبياء التي تجب معرفتهم تفصيلاً فقال: حتم على كل ذي التكليف معرفة بأنبياء على التفصيل قد علموا فـي تلك حجـتنا منهم ثمانـي من بعد عشر ويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا) فقول الناظم "حتمُ": خبر مقدم، و"معرفةُ": مبتدأ مؤخراً. وقوله: "قد عُلموا في تلك حجتنا"، أي: قد عُلم الأنبياء الخمسة والعشرون في القرآن، لكن في سورة الأنعام ثمانية عشر منهم، وذلك قوله تعالى: ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [الأنعام], فالله تعالى ذكر هنا ثمانية عشر نبياً من غير ترتيب لا بحسب الزمان ولا بحسب الفضل، ولكن هنا لطيفة أوجبت الترتيب هنا: وهي أن الله ذكر أولاً نوحاً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب، لأنهم أصول الأنبياء، ثم من المراتب المعتبرة بعد النبوة الملك والقدرة والسلطان وقد أعطى الله داود وسليمان من ذلك حظاً وافراً، ثم من المراتب الصبر عند نزول البلاء والمحن والشدائد وقد خص الله بهذه أيوب، ثم عطف على هاتين المرتبتين من جمع بينهما وهو يوسف، فإنه صبر على البلاء والشدة حتى أعطاه الله ملك مصر مع النبوة، ثم من المراتب المعتبرة في فضل الأنبياء كثرة المعجزات وكثرة البراهين، وقد خص الله موسى وهارون من تلك بالحظ الوافر، ومن المراتب المعتبرة الزهد في الدنيا، وقد خص بذلك زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، ثم ذكر الله بعد هؤلاء من لم يبق له أتباع ولا شريعة، وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط، فإذا اعتبرت هذه اللطيفة كان هذا الترتيب حسناً والله أعلم. وقول الناظم: "ويبقى سبعة"، أي: ويبقى من الخمسة والعشرين بعد ثمانية عشر سبعة، مذكورة في مواضع كثيرة في القرآن العظيم، ولذلك ذكرهم. وقوله: "بالمختار" قد ختموا، الجار والمجرور متعلق بالفعل مع حذف العاطف، أي: وقد ختم الأنبياء والرسل بالنبي المختار على جميع الخلق، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فأفضل المخلوقات نبيُّنا، ثم سيدنا إبراهيم، فسيدنا موسى، فسيدنا عيسى، فسيدنا نوح، وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم، ثم بقية الرسل، ثم بقية الأنبياء غير الرسل مع تفاوت مراتبهم عند الله تعالى. فالواجب اعتقاد أفضلية الأفضل على وفق ما ورد به الحكم تفصيلاً في التفصيلي وإجمالاً في الإجمالي، ويمتنع الهجوم فيما لم يرد فيه أذن من الشرع. خامسا: أفضلية القرون بعضها على بعض: (ومما يجب اعتقاده أيضاً أن قرنه) صلى الله عليه وسلم (أفضل القرون، ثم القرن الذي بعده، ثم القرن الذي بعده)، أي: يجب أن يعتقد أن أصحابه صلى الله عليه وسلم أفضل القرون المتأخرة والمتقدمة ما عدا الأنبياء والرسل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين1". ولا يخفى ترجيح رتبة من لازمه صلى الله عليه وسلم وقاتل معه وقُتل تحت رايته على من لم يكن كذلك، وإن كان شرف الصحبة حاصلاً للجميع. و"القرن": أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، كالصحابة، فإنهم اشتركوا في الصحبة وهكذا من بعدهم. ثم إن رتبة "التابعين" على رتبة الصحابة. و"التابعي": من اجتمع بالصحابي اجتماعاً متعارفاً، ولا يشترط فيه طول الاجتماع، كما في الصحابي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشترط التميز في التابعين، كما لا يشترط في الصحابي. وأفضل التابعين أويس القرني1، كما أن أفضل التابعيات حفصة بنت سيرين، على خلاف في المسألة. ثم إن رتبة أتباع التابعين تلي رتبة التابعين من غير تراخ كبير. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذين يلوني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وظاهره أن ما بعد القرون الثلاثة سواء في الفضيلة كما ورد في الحديث: "مثل هذه الأمة مثل المطر، لا يدري أوله خير أو آخره1". سادساً: خيرية أمة محمد صلى الله عليه و سلم: ويعتقد أهل السنة أنَّ أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم, خيرُ الأمم أجمعين، وأفضلُهم أهل القرن الذين شاهدوه وآمنوا به، وصدقوه وبايعوه وتابعوه وقاتلوا بين يديه وفدوه بأنفسهم وأموالهم وعزروه ونصروه، وأفضل هذا القرن أهل الحديبية الذين بايعوه بيعة الرضوان فهم ألف وأربعمائة رجل، وأفضلهم أهل أحد وهم سبعمائة من المؤمنين وأفضلهم أهل بدر، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأفضلهم الأربعون أهل دار الخيزران، وأفضلهم العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وأفضل هؤلاء العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة الأخيار، وأفضلهم على حسب ترتيبهم في الخلافة وهي: النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في عموم مصالح المؤمنين، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ثم علي، ولهؤلاء الأربعة في مدة الخلافة ثلاثون سنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكاً عضوضاَ1" أي: ذاعضٍ وتضييق، لأن الملوك يضرون بالرعية، حتى كأنهم يعضون عضاً، فالمراد أنه ذو تضييقٍ ومشقةٍ على الرعية، فتولى الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وتولاها عمر رضي الله عنه عشراً، وتولاها عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة، وتولاها علي رضي الله عنه ستاً، وقيل: لم تكمل المدة التي قدرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخلافة الحسن بن علي، ثم تولاها معاوية بن أبي سفيان تسع عشرة سنة، وقال معاوية: أنا أول الملوك، وخلافته صحيحة بعد موت علي رضي الله عنه، وبعد خلع الحسن بن علي نفسه عن الخلافة وتسليمها إلى معاوية وخلافته مذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تدور رحى الإسلام خمساً وثلاثين سنة أو ستاً وثلاثين أو سبعاً وثلاثين"1، والمراد بالرحى في الحديث القوة في الدين والخمس سنين الفاضلة من الثلاثين، فهي من جملة خلافة معاوية إلى تمام تسع عشرة سنة وشهور، لأن الثلاثين كملت بعلي رضي الله عنه. سابعاً: أولاده صلى الله عليه و سلم: (وينبغي) أي: يطلب (للشخص أن يعرف أولاده صلى الله عليه وسلم) عدة وترتيباً في الولادة لأنه ينبغي للشخص أن يعرف سادات الأمة (وهم) أي: الأولاد سبعة، ثلاثة ذكور وأربعة إناث (على الصحيح) وهو قول أكثر أهل النسب، وقال الدارقطني1: هو الأثبت (سيدنا القاسم), وكان صلى الله عليه وسلم مشتهراً بأبي القاسم، لأنه أول أولاده، وقد نص العلماء على أنه يحرم على غيره صلى الله عليه وسلم التكني بذلك سواء مدة حياته صلى الله عليه وسلم وبعدها على الصحيح، وقد عاش سيدنا القاسم سبعة عشر شهراً , (وسيدتنا زينب) فهي بعد القاسم في الولادة، أدركت الإسلام وهاجرت وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم على الأصح, (وسيدتنا رقية) كانت ذات جمال، وماتت والنبي صلى الله عليه وسلم في بدر، ولما عزي بها قال: "الحمد لله دفن البنات من المكرمات1", (وسيدتنا فاطمة) وسميت فاطمة لأن الله تعالى قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة، فكانت أحب أهله صلى الله عليه وسلم إليه، وكان إذا أراد سفراً يكون آخر عهده بها، وإذا قدم كانت أول ما يدخل عليها، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عقب إلا منها، فانتشر نسله منها من جهة السبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما, (وسيدتنا أم كلثوم) إنما تعرف بهذه الكنية فلا يعرف لها اسم، وماتت سنة تسع من الهجرة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم جلس على القبر وعيناه تذرفان وقال: "هل فيكم من أحد لم يجامع الليلة1"، فقال أبو طلحة: أنا، فقال: "انزل قبرها"، فنزل، (وسيدنا عبد الله وهو الملقب بالطيب والطاهر) وقيل: هما اسمان لشخصين بإسقاط عبد الله، فجملة أولادة ثمانية، وقيل: كذلك مع زيادة عبد الله فهم تسعة, (وسيدنا إبراهيم) روي أنه صلى الله عليه وسلم قال ليلة ولادته: "ولد لي الليلة غلام سميته باسم أبي إبراهيم1"، ومن ذلك يؤخذ مشروعية التسمية من حين الولادة، وأما حديث الأمر بتسمية المولود يوم السابع فالمقصود منها أنها لا تؤخر عنه، لأنها لا تكن إلا فيه، بل هي مشروعة من حين الولادة إليه، وعاش سبعين يوماً, (وكلهم من سيدتنا خديجة الكبرى) وهي أول امرأة تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، وهي أفضل نسائه صلى الله عليه وسلم، كما قال بعضهم من بحر البسيط: فضلى النساء بنت عمران ففاطمة خديجة ثم من قد برأ الله ( إلا إبراهيم فمن مارية القبطية) كانت سرية له صلى الله عليه وسلم أهداها له المقوقس القبطي، وأهدى معها أختها سيرين وخصيِّا، يقال له: مابور وألف مثقال من ذهب وعشرين ثوباً ليناً وبغلة شهباء، وهي دَلْدَلْ وحمار أشهب، وهو عفير، ويقال له: يعفور وعسلاً من عسل بَنْهَا، فأعجب العسلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ودعا في عسل بنها بالبركة، وكانت سراريه صلى الله عليه وسلم أربعة، وقد نظم بعضهم أولاده صلى الله عليه وسلم على ترتيب الولادة من بحر الطويل فقال: وأول أولاد النبي قاسم الرضى بكنيته المختار فافهم وحصلا وزينب تتلوه رقية بعدها وفاطمة الزهراء جاءت على الولا كذا أم كلثوم تعدو بعدها في الإسلام عبد الله جاء مكملا وكلهم كانوا له من خديجة وقد جاء إبراهيم في طيبة تلا من المرأة الحسناء مارية فقل عليهم سلام الله مسكاً ومندلا (وهذا) أي: قوله: وينبغي أن يعرف، أو قوله: خاتمة إلى الآخر، (آخر ما يسره الله من فضله وكرمه، والحمد لله رب العالمين)، أتى بالحمدلة اقتداء بأهل الجنة، فإن ذلك آخر دعائهم، (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)، إنما عبر بالماضي إشارة تحقق الصلاة والسلام المطلوبين، ولا بد. وهذا آخر ما يسره الله تعالى على الرسالة اللطيفة التي لقاصديها خفيفة ولمتعلميها نافعة، واللهَ أسألُ وبنبيه أتوسل أن يجعل هذه الكتابة خالصة لوجهه الكريم ، وأن ينفع بها النفع العميم، والمرجو ممن أطلع عليها أن يدعو لي بالغفران للذنوب والعصيان من المولى الرؤوف الرحمن، وصلى الله على سيد ولد عدنان في كل وقت و أوان، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال المؤلف: وكان الفراغ من جمعها في اليوم السابع من شهر ربيع الأول المبارك من شهور سنة 1297 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التحية والله أعلم. 1 وهو علم الأخلاق الشامل لآداب القلوب والجوارح والسلوك مع الناس. والمقصود هنا علم التصوف السني الخالي من البدع والانحرافات. 1 نقلت هذه الترجمة عن حاشية للباجوري على نظم البُرْدَى، وآخر حاشيته على ابن قاسم. 1 تاريخ الشعراء الحضرميين: [3 : 171]، وفيه ذكر وفاته بمكة سنة "1316هـ"، وفهرس الخزانة التيمورية: [307-8]، وهو فيه: (المتوفى سنة 1312هـ على ما اخبرنا به أحد فضلاء جاوة), والكتبخانة: [2: 36 و37 و58 و59 و134 و165 و168 ثم 3: 263 و274 و287]. والأعلام للزركلي، ص319. 1 للشيخ نووي جاوي. 2 لأبي عبد الله محمد ابن قاسم العبادي الشافعي تلميذ الجلال المحلي. 3 للقاضي أبي شجاع، أحمد بن الحسين أحمد الأصفهاني، الشافعي. 1 المخاطب به المكلف في مقام الاستنباط هو العلم، فيجب أن يقوم في نفس المجتهد علم بأن ما يستفيده ويفهمه هو مراد الله تعالى، أما في "علم الكلام" فبأن يصيب البرهان القطعي المثبت للحق المبين لفساد واستحالة نقيضه، وأما في "الفقه" فبأن يحصل في نفسه علم قاطع بأن الحكم الفلاني هو مراد الله تعالى، ويعبر العلماء عن ذلك بمصطلح غلبة الظن، أي أن يكون عنده علم قاطع بأنه أدرك الحكم حتى ولو كان مأخذ الحكم ظنيا، وما لم يكن الناظر مجتهدا قادرا على القطع بظنه لا يكون نظره معتبرا في الشرع ولا معتمدا في التعبد به. والفرق بين مبحثي "العقائد" و"الفقه" أن الفقه متعلق غالبا بالأفعال العملية، ولهذا عرفوه بأنه العلم بالأحكام العملية الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية. والمقصود بالعملية أي الأعمال التي ورد ذكرها في الشريعة كالنية والصلاة...الخ والأحكام التي جعلتها الشريعة بإزاء كل فعل، فالمطلوب في الدين أداء الأفعال المكلف بها مكيفة بالكيفية التي طلبت الشريعة أداء تلك الأفعال عليها. وأما المكلف به في "علم الكلام" فأمور المقصود بها اعتقادها كالعلم بأن الله واحد، فالوحدانية مثلا ليست عملا، بل أمرا يعتقد، والاعتقاد انفعال أو كيفية للنفس؛ لأنه إدراك. فالفقه أعمال تفعل، والكلام أمور تعتقد، وأساسهما العلم. 1 قال شيخ الإسلام ابراهيم الباجوري رحمه الله تعالى في حاشيته على شرح الإمام السنوسي رضي الله عنه لمختصره في المنطق، ص8: والمختصر: ما اشتمل على مسائل قليلة سواء كانت من فن واحد أو فنون ...... والرسالة: ما اشتمل على مسائل قليلة من فن واحد. والكتاب: ما اشتمل على مسائل سواء كانت قليلة أو كثيرة ، من فن واحد أو فنون. فالرسالة أخص الثلاثة، والكتاب أعمها، والمختصر أوسطها، كذا نقل عن شرح المطالع. 2 قال شيخ الإسلام ابراهيم الباجوري رحمه الله تعالى في حاشيته على شرح الإمام السنوسي رضي الله عنه لمختصره في المنطق، ص4: العالم: اسم لمن اتصف بالعلم ولو في مسألة واحدة. العلامة: اسم للجامع بين المعقول والمنقول. المحقق: اسم للذي يذكر الشيء على الوجه الحق، قيل:الذي يذكره بدليل. المدقق: اسم للذي يثبت الشيء على وجه فيه دقة، وقيل: الذي يثبت الدليل بالدليل. المنمق: اسم للذي يأتي بالعبارة سالمة من الاعتراض النحوي. الموفق: اسم للذي يأتي بالعبارة سالمة من الاعتراض الشرعي. المرقق: اسم للذي يأتي بالعبارة عذبة مراعا فيها النكات المعانية والبيانية.اهـ بتصرف يسير جدا، وانظر حاشية القليوبي على شرح منهاج الطالبين في الفقه الشافعي للمحلي، ص10. و لا مانع من أنْ نذكر معاني بعض المصطلحات المفيدة للمبتدئين من طلاب العلم: الكتاب: لغة: بمعنى الضم والجمع، أي: المضموم والمجموع، أو الضام والجامع. واصطلاحا بمعنى: اسم لجنس من الأحكام، أو بمعنى اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصول غالبا، ويراد فه الكتابة والكتب، فهي مصادر مشتقٌ منها لا مشتقة من غيرها ولا بعضها من بعض، خلافا لبعضهم، وهو من التراجم، كالباب والفصل ونحوهما، والمختار: أنها أسماء للألفاظ باعتبار دلالتها على المعاني، وقيل أسماء للألفاظ، وقيل للمعاني، وقيل للنقوش، وقيل للاثنين منهما، وقيل للثلاثة، فهي سبع احتمالات غير الأول المختار، ومعانيها عرفا ما مر، وإنما تختلف لغة، فالباب: فرجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وبالعكس. والفصل: الحاجز بين الشيئين. وانظر حاشية النفحات على شرح الورقات في أصول الفقه لنووي جاوي، ص10. والفرع: ما بنى على غيره. والأصل: عكسه. والمسـألة: لغة السؤال، وعرفا مطلوب خبري. الدقيقة: ما يستخرج من خفايا العلم بدقة الفهم.أهـ من حاشية القليوبي على شرح منهاج الطالبين في الفقه الشافعي للمحلي، ص16. وبقي ثلاثة أمور، أسماء العلوم، وأسماء الكتب، والتراجم، على ماذا تطلق؟ حمل المواطئة: هو الحمل الذي لا يحوج إلى تأويل مثل : زياد قائم . حمل اشتقاق: هو الحمل الذي يحوج إلى تأويل مثل : "الشافعي علم"، أي: ذو علم أهـ الشرقاوي على هدهدي ص 26 . 1 وهي الزيادة في الخير. 1 لا بدَّ هنا من بيان جملة من المصطلحات تكون نافعة للمبتدئين من طلاب العلم: المقصود من أن الاسم يصير "علماً بالغلبة" أي بغلبة "الاستعمال" لذلك الاسم في الدلالة على معنى معيَّن بحيث متى أطلق ذلك الاسم انصرف الذهن بالكلية إلى ذلك المعنى، كـ (محمد) اسم بالغلبة الأستعمالية على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الغلبة في الاستعمال معتبرة في الدلالة على ما تدل عليه، قال الأستاذ صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن عيد المحلاوي الحنفي في كتابه: (تسهيل الوصول إلى علم الأصول) ص29:"...الوضع لشيء يقتضي تعيينه والمراد بالوضع المأخوذ في تعريف [العَلَمِ] ما يشمل التحقيقيَّ والحكميَّ فيه فيدخلُ العَلَمُ بالغلبةِ لأن غلبة استعمال المستعملين تنزل منزلة الوضع...اهـ وأما "الحقيقة العرفية": فأنْ يوضع اللفظ ابتداء للدلالة على معنى معين، ويسمى بالمعنى الأصلي(الحقيقي)، ثم يترك ويهجر ليستعمل في معنى جديد، ويسمى بالمعنى المنقول إليه اللفظ، ويشتهر استعمال اللفظ فيه بحيث لو أريد من اللفظ المعنى الأصليُّ احتيج إلى قرينة. فهذا حقيقة "عرفية" ويسمى حقيقة "اصطلاحية" أيضا. ومثاله لفظ "الصلاة" وضع لغة للدعاء واستعملها الفقهاءُ في الأقوال والأفعال المخصوصة، وإرادة الدعاء منها تحتاج إلى قرينة. والحقيقة العرفية تسمى بالعرف العام، والحقيقة الاصطلاحية تسمى بالعرف الخاص. وأما "المجاز اللغوي": فأن اللفظ ما زال يستعمل في معناه الأصلي، وهو المراد من اللفظ عند الإطلاق، ولا ينصرف عنه إلاَّ بقرينة. ومثاله لفظ "الأسد" لا يفهم منه إلاَّ الحيوان المفترس، فإن أردت صرفه عن معناه الحقيقي أتيت بقرينة تدل على المعنى المجازي كأن تقول: رأيت أسدا في المعركة، أي: رجلاً شجاعاً......الخ، انظر حاشية العلامة المحقق حسن العطار:(1250هـ) على شرح الأزهرية في علم العربية للعلامة النحوي خالد الأزهري:(ت:905هـ)، ص10. فإن كان المجاز اللغوي من باب استعمال اللفظ في غير ما وضع له اللفظ بقصد التشبيه فهو الاستعارة، وإلا فإن كان لسبب آخر فهو المجاز المرسل. ولكل منهما أقسام. وجاء في حاشية العلامة مخلوف المنياوي على شرح العلامة الدمنهوري المسمى: حلية اللب المصون شرح الجوهر المكنون في علم البلاغة للعلامة الأخضري، ص9: الغلبة التحقيقية: هي الحاصلة بعد استعمال اللفظ بالفعل في غير ما غلب عليه، كغلبة النجم على الثريا. والغلبة التقديرية: هي الحاصلة من غير أن يستعمل اللفظ بالفعل في غير ما استعمل فيه، لكنه صالح لأن يستعمل في الغير. ومما يحتاجه طالب العلم التفريق بين: الجمع، واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي: أما الجمع: فما يدل على الآحاد المجتمعة دلالة الأفراد المتعاطفة على ما ذكر. وهو المنقسم إلى الصحيح والمكسر. واسم الجمع: ما يدل على الآحاد المجتمعة الغير المتعاطفة باعتبار الكمية. وهو نوعان، ما له واحد من لفظه كـ (قوم)، وما لا واحد له من لفظه كـ (صحب). واسم الجنس الجمعي: ما يدل على الآحاد باعتبار إطلاقه على الماهية المعراة عن المشخصات، لا باعتبار الكمية ولا باعتبار التعاطف ولا باعتبارهما، وهو أنواع.......الخ، انظر شرح الأهدل(ت: 1300هـ) في: الكواكب الدرية على متممة الآجرومية، ص20. بقي أن نعرف الفرق بين "علم الشخص" و"علم الجنس" و"اسم الجنس": قال الشيخ المحلاوي في(تسهيل الوصول إلى علم الأصول) ص29: علم الشخص: ما وضع لمعين في الخارج لا يتناول غيره من حيث الوضع له ولو في الجملة. فيدخل في ذلك أسماء القبيلة والبلدان..." علم الجنس: ما وضع للماهية المستحضرة في الذهن من حيث ملاحظة تعينها كأسامة علم للسبع أي لماهيتة الحاضرة في الذهن." اسم الجنس: وضع لها لا من هذه الحيثية كأسد اسم لماهية السبع من غير ملاحظة تعيُّنها في الذهن. ولا فرق بين علم الجنس واسم الجنس في الاستعمال. ثم قال "والمراد بالجنس الجنس اللغوي وهو مطلق الأمر الكلي فيشمل النوع اهـ 1 يطلق العلماءُ على هذه الأمور الثلاثة اسمَ: [المقدمات العقلية] والتي ينبغي على كلِّ مسلم ويجب على كل طالب علم أن يقف عندها ويحاول فهمها ويتمرن عليها بضرب الأمثلة المختلفة فإن كثيراً من المسائل العقائدية تُبنى عليها، وهي بلا شك ولا ريب ضوابط تحفظ ذهن الإنسان من الخطأ في فهم العقائد الإسلامية. ولا مبالغة إذا قلنا أن كثيراً من الانحرافات التي وقع فيها المذاهب والفرق الضالة كالمعتزلة والشيعة والمجسمة من الوهابية والسلفية المعاصرة أتباع ابن تيمية فبسبب عدم التزامهم أو انتباههم إلى هذه المقدمات العقلية. فابن تيمية مثلا جعل صفات الله من قبيل الممكنات، والمعتزلة جعلوا رؤية الله يوم القيامة من قبيل المستحيلات, والشيعة جعلوا إثابة المطيع وعقاب العاصي واللطف من الواجبات. وأما أهل السنة فقد أدرجوا كل مسألة تحت بابها وأصلها دون خلل 1 مراتب الإدراك على النحو التالي: أولا: مرتبة الحس. ثانيا: مرتبة الخيال. ثالثا: مرتبة الوهم. رابعا: مرتبة التعقل. وهذه المرتبة هي التي تنتج المعرفة المعتبرة في المعرفة الإسلامية في علم العقائد. ولقد وضع علماء الإسلام مجموعة من الضوابط التي يجب إتباعها لتكون المعرفة المتحصلة هنا معرفة موثوقة وجعلوها في علمين خاصين يعرفان بعلمي المنطق وأصول الفقه . وأما المقصود بـ"المعرفة" المتعلقة بالله وأنبيائه فهي ما جمعت الحيثيات والضوابط التالية: *ـ الإدراك الجازم. *ـ المطابق للواقع. *ـ الناشئ عن دليل نقلي أو عقلي: وهو ـ أى الدليل ـ قسمان: إجمالي، وهو فرض عين، وتفصيلي، وهو فرض كفاية في حق أهل كل 81 كم. ولا شك أن ذلك لا ينتج إلاَّ من مرتبة التعقل لا ممن سواها من مراتب الإدراك. و"المعرفة" هنا في علم العقائد منحصرة في ثلاثة أمور، وهي: [الواجبات والجائزات والمستحيلات] سواء في حق الله أو الأنبياء أو الغيبيات، ودليل كل واحدة إما إجمالي وإما تفصيلي. ثم إنَّ المعرفة قسمان : إما معرفة بـ[حقيقة] الشيء، و إما معرفة [بأحكام] الشئ دون إدراك حقيقته، و مثال الأولى معرفتنا بحقيقة الماء، و مثال الثانية معرفتنا بالله تعالى، و هو المراد هنا، فالمطلوب في العقيدة الإسلامية معرفة [الأحكام] المتعلقة بالله و صفاته دون الخوض في الحقيقة الإلهية، فإن الخوض في حقيقة الله و صفاته حرام شرعاً، و طريق معرفتنا بالله تعالى و صفاته هو النظر في الكون و التفكر فيه كما أرشدت إليه آيات القرآن الكريم، فالإيمان المعتبر في التكليف هو الإيمان المعرفي المنبني على العلم، وأما الإيمان القائم على مجرد الشك أو الوهم أو الاعتقاد الشخصي به أو غير ذلك من الإدراكات التي لا تستلزم اليقين. **بيان حكمُ سعي الإنسان ومباشرته الأسباب الموصلة إلى معرفة الله: ذهب كلٌ من المعتزلة والشيعة إلى أنَّ ذلك من تكليف "العقل" بحيث إذا قصَّر الإنسانُ في ذلك أوجب العقلُ على الله أن يعاقبه، وكذبوا والله في ذلك، فلا العقل مصدر التكليف، ولا أنه يوجَبُ على الله شيء لا من قِبَلِ العقل ولا من قِبَلِ غيره، ولكن الله تعالى فاعل مختار، فمن ذا الذي يوجب على الله فعلا ما أو يحجر عليه تعالى في أفعاله؟!!!. وذهب أهل السنة قاطبة إلى أن مصدر التكليف إنما هو [الله] وحده، فالله طلب من الإنسان أن يباشر الأسباب الموصلة إلى معرفته تعالى في القرآن بقوله: (فاعلم أنه لا إله إلاَّ الله)، وهو فعل أمر يقتضي الوجوب، والواجب هنا تحصيل العلم بالله، وذلك لا يكون بالحس ولا الخيال ولا الوهم، ولا يحصل بمجرد الاعتقاد أو الإيمان، فمن أدرك وجود الله بالوهم أو الخيال أو الحس فهو كافر غير معتد بإدراكه، ومن أدركه بمجرد الاعتقاد والإيمان فهو ناج لكنه عاص مستحق للعقاب لأنه لم يحصل ما كلف به وهو [العلم] بوجود الله، فلا يعتبر على ذلك إلاَّ مستوى الإدراك التعقلي، وهو مستوى العلماء بالله حيث وصف القرآن العلماء بـ [التعقل] للأمور، أي: بالقدرة على تعقل الأمور فقال: (وما يعقلها إلاَّ العالمون). وأما مجرد الاعتقاد والإيمان دون علم فهو كاف فقط في النجاة من الخلود في النار الذي هو شأن الكفار. ثم بيَّن اللهُ الطريقَ الموصلَ إلى [معرفتةِ] تعالى بقوله:(قل: انظروا ماذا في السماوات والأرض)، فالنظر التأملي والفكري هو الطريق الموصل إلى الله، وكيفية ذلك بأن ندرك الأدلة على مخلوقية الكون المستلزم لوجود إلهٍ خالقٍ، وذلك بقوله تعالى:(الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض). فالخلاصة أن الله أمر بالنظر في الكون نظرا موصلا إلى إدراك مخلوقيته المترتب عليه إثبات تمام التدبير لكل ذرة في الكون لله وحده دون ما سواه . 1 هذا يسمى بالاعتقاد الإجمالي. 2 هذا يسمى بالاعتقاد التفصيلي. 1 اعلم أن بَحْثَ العلماءِ في "الوجود" لا يستلزم ولا يعني البحثَ في حقيقة الله، وإنما مقصد العلماء من ذلك بيان أننا إذا ما أطلقنا على الله لفظ (موجود)، نقصد به التعبير عن ثبوت حقيقة ذات الله بكلمة "موجود" دون إثبات معنى أوصفة تتصف الذات، فعلى ذلك يكون مدلول كلمة "الوجود" حقيقة الله، وهو المراد عند أهل السنة بقولهم: الوجود عين الله لا صفة زائدة ، ويسمونه باسمين: الوجود الواجب، والوجود الذاتي. أما أن وجود الله واجبٌ فلأنه تعالى لا يقبل الفناء ولا العدم. وأما أن وجود الله ذاتي فلأنه تعالى مستقل بذاته ولم يستمد وجودَه من غيره. وأما الإنسان ـ وكذا غيره من المخلوقات ـ فوجودُه ممكن يقبل الفناء والعدم، وليس مستقلا بوجوده لأن الله هو الذي أعطاه و منحه الوجود، وقس على ذلك كل مخلوق. ولأن "الوجود" في حق الله لا يدل إلاَّ على حقيقة الله سمَّى علماء أهل السنة "الوجود" صفة نفسية أي أنها تدل على نفس حقيقة الله. وبعضهم يعبر عنها بالصفة اللفظية، وآخرون يسمونها الصفة الاعتبارية، وكلها بمعنى واحد. وأما الصفة التي تدل على معنى قائم بذات الله فتسمى بصفة المعنى كالعلم والحياة والقدرة....وغيرها. 1 المراد "بالسلبية" أى التي تسلب النقص عن الله وتنفيه عنه، ولذلك يسميها بعض العلماء بصفات التنزيه، وبعضهم بالتقديس. فكل صفة من هذه الصفات تسلب وتنفي وتقدس وتنزه الله عن النقص، ومن هنا تدرك أن كل صفة من هذه الصفات ترشد إلى أمرين: الأول: وجوب اعتقاد ثبوت هذه الصفات لله تعالى. الثاني: أن ثبوت هذه الصفات يستلزم سلبَ النقص عن الله تعالى وتنزهه وتقدسه عنه. فهي صفات كمال يلزم منها سلب ونفي نقص عن الله تعالى. ومما ينبغي معرفته أن العلماء يسمون هذه الصفات السلبية[بأصول التنزيهات]، وذلك لأن هذه الصفات السبعة هي الأصول التي يلزم عنها تقدس الله تعالى عن كل فرد فرد من أفراد النقائص، فالولد والزوجة والشريك واللغوب والسِنَة والنوم والعجز والجسمية والتركب من أعضاء والحركة والسكون والزمان والمكان كلها نقائص منتفية عن الله بسبب ثبوت الصفات السلبية له تعالى، فتفكر في ذلك جيدا فإنه مفيد. 1 يقول الإمام أحمد بن حنبل: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك. 2 هنا لابد لنا من الإشارة إلى مطلب نفيس ومبحث شريف، وهو : كيف نبحث ونفهم معنى ما يضاف إلى الله تعالى من الكلمات والألفاظ: لقد ورد في الشريعة جملةٌ من الألفاظ مضافةً ومنسوبةً إلى الله تعالى، ومن ذلك: "يا حسرة على ما فرطت في جنب الله"، "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، "أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون"، "ناقة الله وسقياها"، "يد الله فوق أيديهم"، "بل يداه مبسوطتان"، "والسماء رفعناها بأيدٍ"، "تجري بأعيننا"، "فأينما تولوا فثم وجه الله"، "الرحمن على العرش استوى"، "قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن"، "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل"، "من جاءني يمشي جئته هرولة"، وغيرها من الألفاظ. وطريقة أهل السنة في فهم هذه الألفاظ والكلمات وبيان علاقتها بالله إنما يكون بالرجوع إلى اللغة العربية وأساليبها النحوية والصرفية والبلاغية، وبالرجوع إلى قواعد أصول الفقه، وإلى أصول التفكير العقلي، ويحرمون حرمة قطعية نسبة هذه الألفاظ والكلمات إلى الله ـ في غير النصوص الدينية ـ واعتقاد ظواهرها دون قواعد وأصول، فقد نص الإمام أبو عبد الله السنوسي على أن ذلك أصل من أصول الكفر و العياذ بالله، فلو تصورنا جزافا أن إنسانا يعتقد في الله ظواهر الكلمات السابقة للزم عند ذلك الإنسان أن يكون الله: نسَّاءً، مزارعا، له حدود وجانب، له يد واحد، ويدان اثنتان، وأيد ثلاثة، وقدم، وله أعضاء كالبشر، ويجوز عليه الحركة والسكون والهرولة.......الخ ، فبربك أي إلهٍ هذا!!!!!!!!!!!!! وحتى لا يقع أهل السنة في مثل ذلك الخلل في فهم مثل تلك الألفاظ الواردة في الشريعة فقد بينوا أن إضافة الكلمات السابقة إلى الله هي إضافات بلاغية: فالجنب بمعنى "حق الله"، والنسيان بمعنى" تأخير الرحمة عنهم"، والزارع بمعنى "الخالق"، والناقة بمعنى"معجزة الله"، واليد بمعنى"القدرة مع كمال العناية"، والعين بمعنى"الرحمة والرعاية"، والاستواء "بمعنى تمام هيمنة وتدبير الله لمخلوقاته" على خلاف ما كان يعتقده جميع طوائف المشركين"، والأصبعين بمعنى كمال تصرف الله في شؤون مخلوقاته"، والنزول هو "نزول ملك خاص موكل بذلك"، والمجيء بمعنى"مجيء الثواب والرحمة والنصرة"،........الخ. ومن القواعد التي وضعها أهل السنة بالإضافة إلى اللغة العربية وأصول الفقه، أنهم يقدِّمون الآيات المحكمة القاطعة ثم يفسرون الآيات المتشابهة بناء عليها، فإن كل "فهم" في المتشابهات يعود بالنقض على المحكمات فإنهم يطرحونه جانبا ويتركونه. فمثلا كلمة "يد الله فوق أيديهم"، وهي آية من المتشابه، إذا أخذت على ظاهرها يستلزم معارضة قول الله: "ليس كمثله شيء" وهي آية محكمة ، ولذلك قال العلماء ليس المراد من "اليد" هنا معناها الحقيقي كما يفهمه كل إنسان من كلمة "اليد" أي بمعنى العضو المكيف بكيفية يد المخلوق، ولمَّا بحثوا في اللغة وجدوا أن كلمة "اليد" تأتي بمعنى القوة والتأييد، فحملوا معنى الآيات على هذا المعنى، ولا حجر على الله في قرآنه فله تعالى أن يستعمل من تعابير اللغة ما يشاء، ثم يترك المجال للعلماء ليبينوا للناس المعاني المرادة. ومن القواعد المتبعة عند العلماء أنهم قالوا: إن كل لفظ أضيف إلى الله فإننا ننظر في معناه اللغوي، فإن كان المعنى الحقيقي للفظ لا يتعارض مع كمال الله بلْه يحقق ذلك فيجب إثبات المعنى الحقيقي لله ككلمة "العلم" الواردة في القرآن كثيرا، مع اعتقاد مخالفة علم الله لعلم غيره في الحقيقة، وأما إذا كان المعنى الحقيقي للفظ يتعارض مع كمال الله فهنا ننفيه (أي المعنى المفهوم الباطل) عن الله ونحمل اللفظ على محمل لائق بالله، ومثال ذلك ما سبق في كلمة اليد. وقد ذكر الإمام المحقق الكمال بن أبي شريف في كتابه المسامرة شرح المسايرة للكمال ابن الهمام قاعدة في ذلك فقال: "...بقي عليك أن تعرف المخالفين لأهل السنة في ذلك، وهم طوائف، بعضهم مشى على ظاهر النصوص فشبه في الأفعال الإلهية، وهؤلاء هم المعتزلة والشيعة، حيث نسبوا الخالقية للإنسان فقالوا إن الإنسان يخلق أفعاله أخذاً بظاهر بعض النصوص التي ظاهرها نسبة الفعل إلى الإنسان، فهؤلاء شبهوا الإنسان بالخالق، وأما ابن تيمية وابن القيم والوهابية والسلفية المعاصرة فقد عكسوا فشبهوا الله بالإنسان لكن في الذات والصفات، وذلك لأنهم اعتقدوا في الله ظواهر الكلمات والألفاظ السابقة. وبذلك يتلخص لديك أن المعتزلة والشيعة مشبهة في الأفعال، وأن ابن تيمية وابن القيم والوهابية والسلفية المعاصرة مشبهة في الذات والصفات. وأما أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية فمنزهة لله تعالى في الذات والصفات والأفعال. ومن أوضح الأمثلة على صدق وصواب مذهب أهل السنة وبطلان مذاهب المبتدعة من المعتزلة والشيعة والتيمية وأتباعها من الوهابية والسلفية المعاصرة مسألة كلام الله، فالقرآن نَسَبَ الكلامَ إلى الله، ولم يذكر القرآن أن كلام الله تعالى ككلام البشر بأصوات وحروف أو أنه بلغة من لغات البشر، ولكن نلاحظ أن أول بدعة ظهرة في هذه المسألة هي بدعة المعتزلة وتبعهم عليها الشيعة فقالوا: الكلام في اللغة العربية ليس له إلاَّ حقيقة واحدة هي الصوت والحرف، وهما من كلام البشر، وهما مخلوقان، إذن فمعنى نسبة الكلام في الشريعة إلى الله أنه تعالى خالق للصوت والحرف، وما دام أن الله كامل كمالا مطلقا إذن فالله يخلقهما خارج ذاته إما في اللوح المحفوظ وإما في صدر جبريل أو في مكان آخر، وأنكروا أن يكون هناك معنى آخر للكلام، وتبعهم على ذلك كل فرق المجسمة والمشبهة كالكرامية والحشوية وابن تيمية وأتباعه من الوهابية والسلفية المعاصرة لكنهم بالإضافة إلى بدعة موافقة المعتزلة والشيعة في حصرهم معنى صفة الكلام في الصوت والحرف زعموا زورا وبهتانا على الله أن الله يخلق أصواته وحروفه في داخل ذاته وبهذا أصبحت ذات الله محلا للحوادث، وأي افتراء على الله أن يُدَّعى بأن صفة من صفاته مخلوقة وليست بأزلية؟!!!!! ومن شدة جهالة هؤلاء القوم بربهم أنهم يستدلون على تفسيرهم الباطل لصفة الكلام الإلهي بحديث ورد في البخاري ـ فحملوه على ظاهره دون الرجوع إلى اللغة العربية ــ وهو حديث أن الله (ينادي يوم القيامة بصوت) وتجاهلوا بل تعاموا عن أن هذه الصيغة صيغةُ فعلٍ ( ينادي) وأفعال الله كلها مخلوقة فالله يخلق صوتا يسمعه الخلائق ويفهمهم من خلاله ما يريد منهم. وأما أهل السنة فقالوا: إن نسبة الكلام في الشريعة إلى الله ـ (ليس بمعنى الصوت والحرف أصلا) ـ كما ذهب إليه طوائف المبتدعة المختلفة، بل الكلام الإلهي عبارة عن "معنى" قائم بذات الله كالعلم والإرادة والقدرة، وهو "معنى" أزلي قديم لا يقبل التغير والتبدل، وذلك لأن الكلام في اللغة العربية له تفسيران: الكلام الصوتي والحرفي الخارج عبر الجوف بواسطة اندفاع الهواء، والثاني الكلام النفسي وهو عبارة عن "معنى" قائم بالنفس، وبما أن الكلام بالمعنى الأول باطل في حق الله فلم يبقى إلا الكلام بالمعنى الثاني. ثم بعد ذلك سمى علماء أهل السنة كلام الله "بالكلام النفسي"، مع اعتقاد مغايرة كلام الله النفسي الذي هو معنى كبقية الصفات لكلام الناس النفسي. ولكن قد يقال إن القرآن الذي بين أيدينا يطلق عليه أنه كلام الله وهو أصوات وألفاظ تتلى وحروف تقرأ، تخرج من أفواهنا، وكلمات تكتب؟!!!! أقول: لقد اتفق أهل السنة والمعتزلة والشيعة والتيمية وأتباعها من الوهابية والسلفية المعاصرة على أن القرآن الذي بين أيدينا يطلق عليه أنه كلام الله، وأنه مخلوق، وذلك بنص القرآن:( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)، والمحدث هو المخلوق، فليس هذا هو محل النزاع بين أهل السنة وغيرهم، وإنما محل النزاع هو الكلام المنسوب والمضاف إلى ذات الله في الغيب، فأهل السنة يقولون : كلام الله القائم بنفسه هو كلام معنى نفسي، والمعتزلة والشيعة يقولون هو كلام لفظي يخلقه الله خارج ذاته، والتيمية وأتباعها من الوهابية والسلفية المعاصرة يقولون هو كلام لفظي ـ كالمعتزلة والشيعة ـ لكن الله يخلقه في داخل ذاته؟؟؟!!!!! (فائدة) كلمة "القرآن" تطلق بإطلاقين: إذا أُريد به الكلام النفسي القائمُ بذاته تعالى، فهو المعنى الأزلي، فهو ليس بمخلوق قطعا، وهو الذي قصده الأئمة بقولهم: القرآن كلام الله ليس مخلوقاً.[ وهذا هو محل النزاع]. وإُذا أريد به القرآنُ المكتوب في اللوح المحفوظ، أو المنزل بواسطة الملك جبريل عليه السلام، والذي قال الله فيه:( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)، فهو أصوات وألفاظ ، وكلمات ونقوش بلغة العرب، فهو مخلوق عند جميع الفرق الإسلامية.[ وهذا ليس هو محل النزاع]. و مما يتعلل و يتعلق به هؤلاء المخالفون قولهم: "إنَّ الأمور الاعتقاديةَ لأهميتها وخطورتها لا يذكرها الله في القرآن أو الرسول في السنة إلا وقد قصد الله حقيقتها, ومن المستحيل أن يذكر الله شيئا ذا علاقة بذاته وصفاته إلا وقد قصد الإخبار به تعالى عن ذاته أو صفاته أو أفعاله". ثم قالوا: "وورود هذه الأخبار في السياقات الشرعية يؤدي وظيفة أخرى غيرَ قصدِ اللهِ الإخبارَ عن نفسهِ". *زيادة توضيح لمذهب هؤلاء: قالوا: لما قال الله تعالى: ( يد الله فوق أيديهم )، هنا، قصد اللهُ من السياق أمرين: الأول: الإخبار بأنه تعالى له يد حقيقية ذات كيفية معينة وإن جهلنا تلك الكيفية، ولذلك يقول ابن تيمية بعد إثباته الأعضاء لله:"بدون تكييف", أي لله أعضاء لها كيفية لكن أنا كابن تيمية لا احددها لأنني لم أره تعالى. تعالى الله عن قوله علوا كبيرا. والسلفية يقولون: و"الكيف مجهول"، أي: لله "كيف" ولكنه مجهول لنا كسلفية. الثاني: أن هذا السياق سيق لبيان معنى الرعاية. وقال هؤلاء ـ أيضا ـ مخاطبين أهل السنة: قولكم في قوله تعالى: "يد الله فوق أيديهم" أن السياق بمعنى "الرعاية" دون القول بأنه لله "يد" حقيقية ومكيفة هو نفي لصفة من صفات الله تعالى وهي "اليد" وهذا تعطيل لله عن صفاته. وبهذا نسب هؤلاء إلى أهل السنة مصطلح "التعطيل" وقالوا: إنكم تنكرون يد الله , وقدم الله, وأصابع الله , ومكان الله ............ إلخ وبالتالي أنتم تعطلون صفات الله ؟!!!!! والجواب عن كل ذلك بما يلي: أولا: تحقيق معنى الصفة: الصفة لها معنيان : عام: يشمل كلَّ ما نُسب إلى الذات الإلهية من الصفات النفسية, والسلبية, والمعاني, والاعتبارية. خاص: كل معنى قائم بالذات فيشمل فقط الصفات المعاني. وهؤلاء المخالفون زادوا الآن قسما جديدا من الصفات سموه بالصفات "الأعيان" أي: الأعضاء، وذلك لأنهم قالوا إنَّ قصد الله من آيات اليد والساق والأصابع والاستواء ................... إلخ الإخبار عن بعض أعضائه – حاش لله عن ذلك – فنسب ابنُ تيمية هذه الألفاظ إلى الله وأثبت له تعالى معانيها الحقيقية على أنها أجزاء وأعضاء تتركب منها الذات الإلهية واصطلح هو على تسميتها بمصطلح بدعي لم يعرفه المسلمون من قبل وهو الصفات "الأعيان" وذلك لأن كل عضو من أعضاء الله عنده عبارة عن "عين" أي "عضو". ولما جاء أهل السنة وبينوا أن الله لم يرد الإخبار بهذه السياقات أن له أعضاء وإنما أراد معاني بلاغية كما سبق بيانه اتهم هؤلاء أهلَ السنةِ بالتعطيل أي أن أهل السنة عطلوا الله عن "أعضائه" بناء على زعمهم الباطل. إذن فالصفات عند أهل السنة إما بمعناها العام أو الخاص ولا يوجد قسم اسمه صفات خبرية أو أعيان فهذا من مخترعات المجسمة وابن تيمية والوهابية. ( فائدة ) وأما المعطلة الحقيقيون فهم المعتزلة والشيعة والجهمية الذين نفوا عن الله صفاته المعاني ( بالمعنى الخاص ), وبهذا يشبِّه ابنُ تيمية أهلَ السنة بالجهمية, فالجهمية عنده مصطلح صادق على أهل السنة لأنهم لم يثبتوا صفات أعضاء وأعيان وخبرية وصادق على الجهمية والمعتزلة لأنهم نفوا صفات المعاني ( الخاصة )، وهذا في الحقيقة تلبيس وتمويه، وخلط ومغالطة. الأمر الثاني: إن الله أصلاً لم يقصد الإخبار عن ذاته بأن له أعضاء وأعيان, وإنما استعمل في قرآنه مصطلحات وتعابير بلاغية كان العرب يتداولونها فيما بينهم، والقرآن جاء خطابا للعرب فكان التعبير بمصطلحهم – ثم إن العرب كانت تستعمل ( يد الله مع الجماعة ) إما بمعنى رعايته وتأييده أو بمعنى قوته وقدرته. ثم إن المعنى الحقيقي متعارض مع محكمات القرآن ( ليس كمثله شيء )، فلو قلنا أن لله "يدا" بالمعنى الحقيقي وأن للإنسان "يدا" بالمعنى الحقيقي أيضا لتلخص في عقول هؤلاء المخالفين أن الفرق بين يد الله ويد الإنسان في الكيفية لا في الحقيقة, وهذا لا يقوله إلا المجسمة ومن تبعهم. ثم إن تسميتكم إنكار أن يكون الله قصد الإخبار عن نفسه بهذه الأعضاء بالتعطيل, فنقول: إذا كان نفي النقص عن الله تعالى تعطيلا فأنعم به من تعطيل, ولكن نقول لكم إن ما تصورتموه عن الله من انه إله مركب من أعضاء هو في الحقيقة تجسيم وتشبيه وتعطيل لله عن إلوهيته وربوبيته، فمن المعطل إذن؟!!!. 1 ما من جسم من الأجسام إلاَّ وهو متصف بهذه الصفات، ومَنْ يُثبت صفةً منها لله تعالى فإنه يلزم من ذلك أن يكون مشبها لله بخلقه، فكيف إذا ما علمت أن ابن تيمية وأتباعه من الوهابة والمجسمة يثبتون هذه الأمور كلها لله؟!!!! 1 وهو قول الفلاسفة والشيوعيين والعلمانيين وأتباعهم. 2 وهو قول المعتزلة. 1 مبحث مفيد في الفرق الإسلامية: اعلم أن كبار الفرق الإسلامية ثمانية: المعتزلة, والشيعة, والخوارج, والمرجئة, والنجارية, والجبرية, والمشبهة, والناجية: (أهل السنة). الفرقة الأولى: المعتزلة: أصحاب واصل بن عطاء, اعتزل عن مجلس الحسن البصري حين دخل على الحسن رجلٌ فقال: يا إمام الدين, ظهر في زماننا جماعةٌ يكفرون صاحب الكبيرة, فكيف تحكم لنا؟ فتفكر الحسن, وقبل أن يجيب, قال واصل: أنا لا أقول صاحب الكبيرة مؤمن ولا كافر, ثم قام إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد وأخذ يقرر على جماعة من أصحاب الحسن أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر. فقال الحسن: اعتزل عنا واصل, فلذلك سُمي أصحابه "معتزلةً", ويلقبون "بالقدرية" ـ بفتح الدال ـ لإسنادهم "أفعال العباد" إلى "قدرتهم", وإنكارهم "القدر" فيها, أي: خَلْقُ اللهِ تعالى لها. و"المعتزلة" لقبوا أنفسهم: "أصحاب العدل والتوحيد". أما تلقبهم "بالأول" فلقولهم بوجوب الأصلح وثواب المطيع. وأما "الثاني" فلقولهم بنفي الصفات القديمة (المعاني). وقالت المعتزلة بنفي الصفات الزائدة على الذات، ( وهي التي يسميها أهل السنة بالمعاني، وهي: الحياة العلم والإرادة والعلم والكلام والسمع والبصر), وأن كلامه تعالى مخلوق محدث مركب من الحروف والأصوات، (وافقهم ذلك ابن تيمية والشيعة), وبأنه تعالى غير مرئي في الآخرة بالأبصار, وبأن الحُسْنَ والقُبْحَ عقليان, ويجب عليه رعاية الحكمة والمصلحة في أفعاله, وثواب المطيع والتائب, وعقاب صاحب الكبيرة، (وافقهم في ذلك الشيعة). ثم إنهم بعد اتفاقهم على هذه الأمور المذكورة افترقوا عشرين فرقة, يكفر بعضهم بعضاً, والمعتزلة تنقسم إلى: الواصلية, والعَمْرية ـ بفتح العين وسكون الميم ـ , والهذيلية, والنظامية, والأسوادية, والإسكافية, والجعفرية, والبشرية, والمزدارية, والهشامية, والصالحية, والحائطية, والحديبية, والمعمرية والثمامية, والخباطية, والجاحظية, والكعبية, والجبائية, والبهشمية. الفرقة الثانية: الشيعة: أي: الذين شايعوا علياً رضي اله عنه أي: تابعوه, وقالوا: إنه الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم,و بالنص, إما جلياً, وإما خفياً, واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده, وإن خرجت فإما بظلم يكون من غيرهم, وإما ببيعة منه, أو من أولاده. وهم اثنان وعشرون فرقة, يكفر بعضهم بعضاً, أصولهم ثلاث فرق: غلاة, وزيدية, وإمامية, والمغيرية, والجناحية, والمنصورية, والخطابية ـ بفتح الخاء وتشديد الطاء ـ , والغرابية, والذمية ـ بفتح الذال المعجمة ـ , والهشامية ـ والزراية, واليونسية, والشيطانية, والرزامية, والمفوضة, والبدائية, والنصيرية ـ على التصغير ـ , والاستحامية ـ وهما فرقة واحدة ـ والإسماعيلية, وقد تُلَقَّبْ الإسماعيلية بالباطنية وبالقرامطة. وأما الزيدية, فثلاث فرق: الجارودية, والسليمانية, والبشرية. وأما الإمامية فلم يتفرقْ أوائلهم, وإنْ تفرقَ متأخروهم, ولذلك عُدُّوا فرقةً واحدةً. الفرقة الثالثة: الخوارج: وهم سبع فرق: المحكمية ـ بضم الميم وكسر الكاف المشددة ـ , والنهيشية, والأزارمة, والنجدات, والأضفرية ـ بالفاء ـ , والإباضية, وافترق الإباضية فرقاً أربعاً, الحفصية, واليزيدية, والحارثية, والقائلون بأن إتيان المأمور به طاعة وإن لم يقصد به وجه الله, والسابعة من الخوارج العجاردة, وهم عشر فرق: الميمونية, الحمزية, الشعيبية, والحازمية, والحليفية, الاطرافية, المعلومية, المجهولية, الصلنية, الشعالية, وتفرق الشعالية فرقاً أربعاً: الأخنسية, و المعبدية, والشيبانية, والمكرمية. الفرقة الرابعة: المرجئة: لُقِبُوا به لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية, فهم يعطون الرجاء. وفرقهم خمس: اليونسية, والعبيدية, والغسانية ـ بالغين المعجمة والسين المهملة المشددةلا ـ , والثوبانية, والتومية. الفرقة الخامسة: النجارية, أصحاب محمد حسن النجار, وهم ثلاث فرق: البرغوثية, والزعفرانية, والمستدركية. الفرقة: السادسة الجبرية: الجَبْرُ: إسناد فعل العبد إلى الله تعالى. والجبرية قسمان: متوسطة بين الجبر والتفويض, تُثبت للعبد كسباً في الفعل بلا تأثير فيه كالأشعرية. وخالصة لا تثبت الكسب, كالجهمية. الفرقة السابعة: المشبهة: شبَّهوا اللهَ تعالى بالمخلوقات, وهم فرقة واحدة قائلة بالتشبيه وإن اختلفوا في طريق التشبيه: فمنهم مشبهة غلاة الشيعة. ومنهم مشبهة الحشوية. ومنهم مشبهة الكرَّاميَّة. ويندرج في سلك المشبه في هذا الزمان التيمية وهم ابن تيمية وابن القيم وأتباعهما من السلفية المعاصرة والوهابية. ** بيان الفرقة الناجية: وأما الفرقة الناجية المستثناة في الحديث المذكور فهم: الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة: ومذهبهم خالٍ عن بدع هؤلاء السابقين. قال شارح "المقاصد": والمشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم: "الأشاعرة", أصحاب أبي الحسن الأشعري. وفي ديار ما وراء النهر أهل السنة هم: "الماتريدية", أصحاب أبي منصور المَاتُرِيْدِيِّ. وماتريد قرية من قرى سمرقند. وبين الطائفتين اختلافٌ في بعض الأصول, كمسألة التكوين, ولا يُنْسَبُ أحدُهما إلى البدعة. أقول: المعتزلة عشرون فرقة. والشيعة اثنان وعشرون فرقة. والخوارج ما عدا الإباضية والعجاردة منها, خمس فرق, والإباضية أربع فرق, والعجاردة ما عدا الشعالية منها تسع فرق, والشعالية أربع فرق. والمرجئة خمس فرق, والنجارية ثلاث فرق. والجبرية فرقتان. والمشبهة فرقة واحدة. فالمجموع ستة وسبعون, وهذا زائد على العدد الواقع في الحديث المذكور, فيجب أن يُعَد واحدٌ من الإباضية والشعالية فرقة واحدة. وبعد ذلك يبقى وضع مختصر في بيان مذاهب الفلاسفة الإسلاميين. 1 الكلام في "التعلقات" من المباحث الدقيقة في علم العقائد، وهو من المباحث الخاصة بالصفات "المعاني" دون ما سواها من الصفات الإلهية، و لفهم معنى التعلق نقول: يسمي العلماء الصفات "المعاني" بالصفات الوجودية، وذلك لأن كلَّ صفة منها عبارة عن معنى موجود قائم بالذات الإلهية، ثم إنَّ العقل يلاحظ أن هذه الصفات تطلب أمرا زائدا على قيامها بالذات الإلهية، كالعلم فإنها صفة قائمة بالله و بالإضافة إلى ذلك تطلب وتقتضي معلوما تتعلق به فنقول: إن العلم الإلهي متعلق بالشمس مثلاً فالعلم واحد وأما تعلقاته بالمعلومات فمتعددة وكثيرة ، وهكذا نقول في باقي الصفات المعاني. فالعلم متعلق بالمعلومات، والإرادة متعلقة بالمرادات، والقدرة متعلقة بالمقدورات، والسمع متعلق بالمسموعات، والبصر متعلق بالمبصرات، ولقد اصطلح العلماء على تسمية كل تعلق باسم يعبر عن وظيفة كل صفة من الصفات الإلهية، فقالوا: تعلق العلم يسمى بالكشف وذلك لأن وظيفة العلم الكشف عن الأشياء، وتعلق الإرادة يسمى بتعلق التخصيص، وتعلق القدرة يسمى بتعلق الخلق والإعدام، وتعلق الكلام يسمى بتعلق الدلالة. ثم إن العلماء قسموا الصفات المعاني من حيث كونها تتعلق بغيرها إلى قسمين: * صفات منجزة لتعلقاتها منذ الأزل، وهي صفات العلم والكلام والإراة والسمع والبصر. * صفة لم تكن منجزة لشيء من تعلقاتها في الأزل ثم إنها تنجزها شيئا فشيئا، وهي صفة القدرة. فإن كانت الصفة منجزة لتعلقها سموه بالتعلق "التنجيزي"، وذلك كصفات العلم والارادة والكلام ، وإن لم تكن منجزة لها ولكنها قابلة وصالحة لأن تتعلق كالقدرة سموه بالتعلق "الصلوحي". و من المسائل الدقيقة في مبحث "التعلقات" معرفة الأمور التي من شأن كل صفة أن تتعلق بها ولا تتعلق بغيرها، والخوض في هذا المقام يحتاج إلى مقدمة ندخل من خلالها إلى هذه المسألة الدقيقة: إن الإنسان مهما فكر في معلوماته فإنه يقسمها إلى ثلاثة أقسام: الأول: الواجبات: وهي الأمور الثابتة التي لا تقبل العدم. الثاني: المستحيلات: وهي الأمور المعدومة التي لا تقبل الوجود أبداً. الثالث: الممكنات (الجائزات): وهي الأمور التي تقبل لذاتها وحقيقتها الوجود والعدم. بناءً على هذه المقدمة الهامة التي تبين الأقسام الحاصرة للأمور نقول: إن الصفات المعاني من حيث تعلقاتها أقسام أيضاً: فمنها ما يتعلق بجميع الواجبات والمستحيلات والممكنات (الجائزات)، كصفتي العلم والكلام، إذ لا يخفى على علم الله شيءٌ، فلو فرضنا أنه غاب عن علم الله واجب واحد أو مستحيل واحد أو ممكن واحد للزم أن يكون الله جاهلاً بها وهذا باطل لا يقوله عاقل. و كذا القول في صفة الكلام الإلهي إذ هي عبارة عن معنى لا نعرف حقيقته وليس ككلامنا بحروف وأصوات، وقد دلَّ هذا المعنى الأزلي (أي صفة الكلام) على جميع الواجبات والمستحيلات والممكنات (الجائزات). وخالف أهلَ السنة في ذلك كلٌ من المعتزلةُ والشيعةُ وابنُ تيمية والوهابيةُ والسلفيةُ المعاصرةُ حيث ذهبوا إلى أن كلام الله هي الحروف والأصوات العربية؟؟!!! مع أنه من المعلوم عند أهل السنة قاطبة أنَّ كلَّ من يقول أن كلام الله بصوت وحرف فهو قائل بأن كلام الله مخلوق. ومن الصفات المعاني ما يتعلق بالجائزات فقط كصفتي الإرادة والقدرة، وذلك للأنا قلنا سابقا أن وظيفة هاتين الصفتين الاختيار والخلق والإيجاد والذي يقبل ذلك الممكنات (الجائزات) فقط ، فلو قال قائل إن قدرة الله تتعلق "بواجب" للزم من قوله جواز تعلق القدرة بذات الله أو أي صفة من صفاتها إعدامها , وهذا لا يقوله عاقل، وهكذا لو قال قائل إن القدرة تتعلق بالمستحيلات للزم جواز أن تتعلق القدرة بشريك الله و إيجاده وهذا لا يقوله عاقل أيضا. فعلى المسلم أن يفرق بين كل صفة وما تختص به من التعلقات حتى لا يرتكب المحرمات في حق الله. هذا وإنَّ من أكبر أسباب الإنحراف عند أهل البدع كالمعتزلة و الشيعة والمجسمة وابن تيمية والوهابية والسلفية نسبتُهم بعضَ الأمورِ إلى غير الصفة المناسبة لها، وهاك بعض الأمثلة على ذلك: 1ـ المعتزلة: رؤية الله أمر ممكن ولكنهم جعلوه من المستحيلات، وأن يفعل الله للعبد ما هو صالح وخير له من الممكنات ولكنهم جعلوه من الواجبات على الله. 2ـ الشيعة: قالوا مثل قول المعتزلة في المسائل السابقة، و قالوا أيضاً: بأن اللطف واجب على الله مع أنه عند أهل السنة من الممكنات. 3ـ ابن تيمية ومن يقلده من السلفية والوهابية: "الزمان" و"المكان" من الممكنات المستحيلة على الله عند أهل السنة وهؤلاء جعلوها من الصفات الإلهية الواجبة لله، وأجازوا على الله "الحركة" و"السكون" اللتين من خصائص الأجسام، وأثبتوا لله "الهيآت" و"الكيفيات" والتي هى أمور ممكنة من خصائص الأجسام وهي عند أهل السنة من المستحيلات على الله. ومن أقبح المسائل التي اشترك المعتزلة والشيعة وابن تيمية ومن يقلده من السلفية والوهابية فيها في مخالفة أهل السنة قولهم أن كلام الله في حقيقته هو الحروف والأصوات العربية، ثم أرجعوها إلى المشيئة الإلهية فعندهم أن حروف وأصوات الله ــ على زعمهم ــ يخلقها بمشيئته وقدرته وهذا هو عين القول بخلق القرآن عندهم جميعا، ولهذا يتردد على لسان ابن تيمية ومن يقلده من السلفية والوهابية العبارة التالية: الله يتكلم إذا "شاء" ويسكت إذا "شاء"؟؟؟!!!, وقد سبق أن نبهناك أن كلام الله عند أهل السنة عبارة عن "معنى" لا نعرف حقيقته قائم بالذات الإلهية وليس بحروف وأصوات كما ذهب إليه هؤلاء. 1 لا يثبت أهل السنة لله تعالى إلا إرادة واحدة، يختار الله بها لكل ممكن من الممكنات ما سيخلق عليه من الصفات. 1 فرعون: كان فرعون مصر في أيام موسى عليه السلام: قابوس بن مصعب بن معاوية، صاحب يوسف الثاني، وكانت امرأته: آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريّان بن الوليد فرعون يوسف الأول، وقيل: كانت من بني اسرائيل، فلمّا نودي موسى أعلم أنّ قابوس فرغون مصر مات وقام أخوه الوليد بن مصعب مكانه، وكان عمره طويلاً، وكان أعتى من قابوس وأفجر، وأمر بأن يأتيه هو وهارون بالرسالة، ويقال: إنّ الوليد تزوج آسية بعد أخيه، ثم سار موسى إلى فرعون رسولاً مع هارون، فكان من مولد موسى إلى أن أخرج بني إسرائيل من مصر ثمانون سنة، ثم سار الى التيه بعد أن مضى عبر البحر، وكان مقامهم هنالك إلى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة، فكان ما بين مولد موسى الى وفاته مائة وعشرين سنة. وقصة فرعون هذا معروفة مذكورة في القرآن الكريم. 1 البخاري في كتب: الجهاد والسير، والدعوات، والقدر، والتوحيد. ورواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الاستغفار. والإمام أحد في المسند، كتاب أول مسند الكوفيين، باب حديت أبي موسى الأشعري. 1 البخاري في كتب: الأذان، الجمعة، الأيمان والنذور، أخبار الآحاد. ومسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة. والترمذي في كتاب الصلاة. والنسائي في كتاب السهو. وأبو داوود في كتاب الصلاة. وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها. وأحمد في المسند، باقي مسند المكثرين، والإمام مالك في الموطأ، كتاب النداء إلى الصلاة. 1 الإمام أبو عبد الله، محمد بن يوسف، السنوسي: (ت: 895هـ): الإمام أبو عبد الله، محمد بن يوسف، السنوسي، اشتهر بالسنوسي نسبة إلى قبيلة بالمغرب، ويلقب بالحسني نسبة إلى الحسن بن علي بن طالب من جهة امة لأبية، وهو تلمساني نسبة إلى بلدة تلمسان، أخذ العلم عن والده، والعلامة نصر الزواوي، والعلامة بن توزت، وأخذ علم القراءات عن السيد الشريف أبي الحجاج الحسني، وعلم الإصطرلاب عن العالم المعدل أي عبدالله الجنداب، وأخذ الأصول والمنطق عن الإمام محمد بن عباس، والفقه عن العلامة الجلاَّب، وحضر عند الولي الكبير أبركان الرشيدي، وأخذ علم التوحيد عن الإمام الورع أبي القاسم الكنابشي، وأخذ الصحيحين عن الإمام الحجة الورع الصالح أبي زيد الثعالبي، وغيرهم من الشيوخ وكان الإمام السنوسي حليما كثير الصبر لا يحقد ولا يعبس على أحد. وله من المؤلفات الكم الكثير، منها: شرح الحوفية، وشرح صحيح مسلم، وهو مطبوع بهامش شرح الأُبِّي علي مسلم، وشرح متن إيساغوجي في المنطق، ومختصر في المنطق ووضع عليه شرحا أيضا، وقد وضع الباجوري علية حاشية كبيرة، وهي مطبوعة، وشرح قصيدة الحبَّاك في الإصطرلاب، وأبيات الأليري في التصوف، وشرح صحيح البخاري، وشرح مشكلات البخاري، وشرح مختصر الزركشي على البخاري، وشرح متن الخونجي، وشرح رجز ابن سينا في الطب، ووضع مختصراً في القراءات السبع، وشرح الشاطبية الكبرى، وشرح الوغليسية في الفقة، ووضع نظماً في المواريث، ومختصر الرعاية المحاسبي، ومختصراً للروض الأنف، ومختصر بغية السالك في أشرف المسالك للساحلي، شرح المرشدة، والدر المنظوم في شرح الآجرومية، وبدأ في تفسير للقرآن لم يكمل. وأما في العقائد: فشرح جواهر العلوم للعضد في علم الكلام على طريقة الحكماء، وشرح عقيدة الحوفي في خمس كراريس، ووضع شرحه الكبير على الجزائرية، قال شيخنا سعيد فودة: وهو كتاب في العقائد، وقد حصلت على أكثر من شرح للجزائرية، وهي كلها مخطوطة أهـ تهذيب السنوسية ص 12 ط2. وقد ذكر الجبرتي في تاريخه أن الإمام السنوسي وضع ستة كتب عقائدية كما ذكره في (ج1/ص237) حيث قال في ترجمة العلامة الشنواني"... وقرأت عليه (أي الشيخ محمد بندر) الأصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة اهـ. وأول من صنف في علم التوحيد كتابه المسمى: السنوسية الكبرى، أو عقيدة أهل التوحيد، وقد شرحها الإمام السنوسي نفسه بشرح سماه : عمدة أهل التوفيق والتسديد شرح عقيدة أهل التوحيد، وشرحها العلامه محمد عليش بشرح سماه : هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد: وكلاهما مطبوعان، وعليهما حواشي نفيسة. ثم اختصر الإمام السنوسي عقيدته الكبرى بمختصر سماه العقيدة الوسطى ، وشرحها هو في ثلاثة كراريس، وعليها شرح للعلامة عليش أيضاً، وعلى شرح السنوسي حاشية جليلة القدر للشيخ ياسين، وقد طبعت هذه العقيدة مؤخراً، ووضع متناً مختصراً في العقائد سماه بالعقيدة الصغرى، أو :بأم البراهين، وشرحه شرحاً واقياً نفيساً، وعلى هذا المتن شروح وحواشي كثيرة من أهمها حاشية الدسوقي على شرح السنوسي نفسه. وقد انتشر هذا الكتاب في العالم كله ، واعتمده الأئمة والعلماء للتدريس، وهو الذي هذبه شيخنا سعيد فوده، ووضع عليه تعليقاته وحواشيه وسماه تهذيب شرح السنوسية، وقد شرحه أكثر مرة ، وكلها مسجلة ولله الحمد. وألف متناً في عقيدة أهل السنة سماه صغرى الصغرى، وشرحه , وهو من أبدع ما كتبه المتأخرون في علم العقائد، موصلٌ إلى صلب العقائد بأبلغ عبارة وأوجزها، وقد درسه شيخنا أكثر من مرة إلى أن أعاد طبعه بحلة جديدة، ووضع عليه حواشٍ في غاية النفاسة، وشرحه عليه مسجل ولله الحمد. وللإمام السنوسي متناً يسمى بالمقدمات السنوسية في علم العقائد، وهو لطيف جداً، وعليه شرح لأبي اسحق ابراهيم الأندلسي السرقسطي، وهو مطبوع. وقد شرح هذه المقدمات شيخنا أيضاً بشرح واف والله الحمد. وللإمام السنوسي عقيدة في صفحة واحدة سماها بالحفيدة، وعليها شروح ندعو الله تعالى أن يوفق إلى طبعها. وللإمام السنوسي ترجمة في كتاب : نيل الابتهاج بتطريز الديباج للتنبكتي، فراجعه إن شئت ص325 من المطبوع على هامش الديباج. 1 لم أجده في التسعة. 1 بخت نصر: بخت نصر، وهو رجل من الأعاجم، أتى دمشق وصالح أهلها، ووجه قائداً له، فأتى بيت المقدس فصالح ملك بني إسرائيل، وأخذ منه رهائن وانصرف. فلما بلغ طبرية وثب بنو إسرائيل على ملكهم، فقالوا: داهنت أهل بابل وخذلتنا، فقتلوه، فكتب قائد بخت نصر إليه بما كان، فكتب إليه أن يقيم بموضعه حتى يوافيه، وأن يضرب أعناق الرهائن الذين معه. فسار بختنصر حتى أتى بيت المقدس، فهدمه وهدم المساجد، ورمى فيها الكنائس، وخرب الحصون، وحرق التوراة، وأخذ الأموال، وقتل المقاتله، وسبى الذرية، وكانوا سبعين ألف غلام، ووجد في سجن بني إسرائيل أرميا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له بخت نصر: ما خطبك؟ فأخبره أن الله تعالى بعثه إلى قومه ليحذرهم الذي حل بهم فكذبوه وحبسوه، فقال بخت نصر: بئس القوم قوم عصوا رسول ربهم! فخلى سبيله، وأحسن إليه. فاجتمع إليه من بقي من ضعفاء بني إسرائيل، فقالوا: إنا قد أسأنا وظلمنا، ونحن نتوب مما صنعنا، فادع الله أن يقبل توبتنا. فذعا ربه، فأوحى إليه: إنهم غير فاعلين، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلد، فأخبرهم، فقالوا: كيف نقيم ببلدة قد خربت. فخرجوا يستجيرون بملك مصر، فغزا بخت نصر أرض مصر، فقتل ملكها وقتلهم، ثم بلغ أقصى ناحية المغرب، وانصرف بسبي كثيرمن أهل فلسطين والأردن، فيهم دانيال وغيره من الأنبياء. وقيل إن بختنصر إنما حارب بني إسرائيل لقتلهم يحيى بن زكريا، وليس بصحيح على ما سيأتي بيانه، ثم حارب العرب في زمن معد بن عدنان، فجمع من في بلاده من تجار العرب فبنى لهم حيراً على النجف وضمهم فيه، ووكل بهم من يحفظهم، ثم تأهب للخروج إلى قتال العرب، فأقبلت طوائف منهم مسالمين، فأنزلهم على شاطىء الفرات، فابتنوا موضع معسكرهم فسموه الأنبار وخلى عن أهل الحيرة، فاتخذوها منزلاً في حياة بخت نصر. فلما مات انضموا إلى أهل الأنبار وبقي ذلك الحير خراباً. وقال قوم: خرج بخت نصر فالتقى هو وعدنان، ورجع بخت نصر بالسبايا فألقاهم بالأنبار، فقيل: أنبار العرب، ثم مات عدنان وبقيت بلاد العرب خراباً. فلما مات بخت نصر خرج معد بن عدنان ومعه أنبياء بني إسرائيل حتى أتى مكة، فأقام أعلامها وحج، وحج معه الأنبياء وأفنى أكثر جرهم، وتزوج معانة بنت جوشم، فولدت له نزار بن معد، وولد لنزار مضر وربيعة وإياد وأنمار، فقسم ماله بينهم. وأنبأنا الحسين بن محمد الدياس، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عقبة المكرم، قال: حدثني محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا مضر وربيعة فإنهما كانا مسلمين " . أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن كامل بن شجرة، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن موسى بن حمار البربري، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي السري، قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن معاوية بن عميرة، أنه سمع عبد الله بن عباس وقد سأله عن ولد نزار بن معد، قال: " هم أربعة: مضر، وربيعة، وإياد، وأنمار، بنو نزار بن معد بن عدنان، فكثر أولاد معد ونموا وتلاحقوا، ومنازلهم مكة وما والاها من تهامة، فانتشروا وتنافسوا في المنازل والمحال، وأرض العرب يومئذ خاوية ليس فيها كبير أحد إلا خراب بخت نصر وإياها، وأجلى أهلها إلا من كان اعتصم برؤس الجبال ولجأ إلى أوديتها وشعابها، ولحق بالمواضع التي لا يقدر عليه فيها متنكباً لمسالك جنده، فاقتسموا الغور، غور تهامة على سبعة أقسام لمنازلهم ومسارح أنعامهم ومواشيهم، وإنما سميت بلاد العرب الجزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها، فصاروا في مثل الجزيرة من جزائر البحر. وذلك أن الفرات أقبل من بلاد الروم، فظهر بناحية قنسرين، ثم انحط على الجزيرة وسواد العراق حتى وقع في البحر من ناحية البصرة والأيلة، فامتد البحر من ذلك المرضع مطيفاً ببلاد العرب، فأتى منها على صفوان وكاظمة، ونفذ إلى القطيف وهجر وعمان والشحر، ومال منه عنق إلى حضرموت وناحية أبين وعدن، واستطال ذلك العنق فطعن في تهايم اليمن، ومضى إلى ساحل جدة. وأقبل النيل في غربي هذا العنق من أعلى بلاد السودان مستطيلاً معارضاً للبحر معه حتى وقع في بحرمصر والشام. ثم أقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين، فمر بعسقلان وسواحلها، وأتى على بيروت ونفذ إلى سواحل حمص و قنسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات فخطا على أطراف قنسرين والجزيرة إلى سواد العراق. وهو رجل من العجم، كانفي خدمة "لهراسب" الملك، ووجهه "لهراسب" إلى الشام وبيت المقدس ليجلي اليهود، فسار إليها ثم انصرف، ثم وجهه "بهمن" على رسول كان "بهمن" وجهه إليه، وأمر "بهمن" صاحب بيت المقدس على رسول كان "بهمن" وجهه إليه، وأمر "بهمن" بختنصر أن يقتل مقتلتهم ويسبي ذرا ريهم، فسار إليهم في جموع كثيرة فسباهم وهدم البت وانصرف إلى بابل. [تاريخ الطبري: 2/ 541 ـ طبعة دار المعارف]، انظر الفرق بين الفرق: (ص272). 2 أرمياء: وهوأرمياء الألف مضمومة، كذلك قرأته على شيخنا أبي منصور اللغوي. أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو علي بن دوما، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار، قال: حدثنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي، قال: حدثنا إدريس، عن وهب: ان أرمياء كان غلاماً من أبناء الملوك، وكان زاهداً، ولم يكن لأبيه ابن غيره، وكان أبوه يعرض النكاح، وكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربه، فألح عليه أبوه وزوجه في أهل بيت من عظماء أهل مملكته، فلما دخلت عليه امرأته، قال لها: يا هذه، إني مسر إليك أمراً فإن كتمتِه علي وسترته سترك الله في الدنيا والآخرة، وإن أنت أفشيته قصمك الله في الدنيا والاخرة. قالت: فإني سأكتمه عليك، قال: فإني لا أريد النساء. فأقامت معه سنة، ثم إن أباه أنكر ذلك، فسأله فقال: يا أبه ما طال ذلك بعد، فدعى امرأته فسألها، فقالت مثل ذلك، ففرق بينهما وزوجه امرأة في بيت أشرافهم فأدخلت عليه فاستكتمها أمره، فلما مضت سنة سأله أبوه مثل ما سأل، فقال: ما طال ذلك، فسأل المرأة فقالت: كيف تحمل امرأة من غير زوج ما مسني؟ فغضب أبوه، فهرب منه. فبعثه الله نبياً مع ناشية، و ناشية ملك. وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل وعملوا بالمعاصي، وقتلوا الأنبياء، وأوحي إليه: إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم، فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري، فقام وجعل الرماد على رأسه وخرَّ ساجداً، وقال: يا رب، وددت أن أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل، فيكون خراب بيت المقدس وبوار بنىِ إسرائيل من أجلي، فقيل له: إرفع رأسك، فرفع رأسه وبكى ثم قال: يا رب من تسلط عليهم؟ قال: عبدة النيران لا يخافون عذابي ولا يرجون ثوابي، قم يا أرميا فاستمع حتى أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل: من قبل أن أصورك قد نبيتك، من قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك، ومن أقبل، أن تبلغ الأشد اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فقم مع الملك ناشية فسدده وأرشده فكان معه يرشده، ويأتيه الوحي حتى عظمت الأحداث ونسوا أنجاة الله إياهم من عدوهم سنحاريث، فأوحى الله إلى أرميا: قم فقص عليهم ما أمرتك به، وذكرهم نعمتي عليهم، وعرفهم أحداثهم. فقال أرميا: يا رب إني ضعيف إن لم تقوني، عاجز إن لم تبلغني، مخطىء إن لم تسددني، مخذول إن لم تنصرني، ذليل إن لم تعزني. فقال الله تعالى له: أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي، وأن الخلق والأمر كله لي، وأن القلوب والألسنة كلها بيدي أقلبها كيف شئت فتطيعني، وأنا الله الذي ليس شيء مثلي، قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي، ولم تتم المقدرة إلا لي، ولم يعلم ما عندي غيري، وأنا الذي كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها فعقلت أمري، وحدّدْت عليها حدودا فلا تعدو حدي، وإني معك ولن يصل إليك شيء معي، وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي، مستوجباً بذلك أجر من اتبعك منهم، ولا ينقص من أجورهم شيء، إنطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم إن اللّه تبارك وتعالى ذكركم بصلاح آبائكم، فلذلك استقاكم يا معشر أبناء الأنبياء ونسلهمِ، كيف وجد أباؤهم مغبة طاعتي، وكيف وجدوا هم مغبة معصيتي، وهل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصيتي، وهل علموا أحداً طاعني فشقي بطاعتي، إن الدواب إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة وتركوا الأمر الذي به أكرمت آباءهم، وابتغوا الكرامة من غير وجهها. أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادتي خولاً يتعبدونهم دوني،، ويحكمون فيهم بغير كتابي، حتى أنسوهم ذكري، و غيروا، سنني، فأدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلا لي؟ فهم يطيعونهم في معصيتي. وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرتهم الدنيا حتى نبذوا كتابي، ويفترون على رسلي جرأة منهم عليَّ وغِرَّة بي. فسبحان جلالي، وعلو مكاني، وعظمة شأني! وهل ينبغي لي أن يكون لي شريك في ملكي. وهك ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي؟ وهل ينبغي لي أن أخلق عباداً أجعلهم أرباباً من دوني، وآذن بطاعة لأحد لا تنبغي لأحد إلا لي. وأما قرّاؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون، فينقادون للملوك فيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني، ويطيعونهم في معصيتي، ويوفون بعهودهم الناقضة لعهدي. وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون، يخوضون مع الخائضين، فيتمنون طي مثل نصري آباءهم، والكرامة التي أكرمتهم بها، ويزعمون أنه لا أحد أولى بذلك منهم مني بغير صدق منهم، ولا تفكر، ولا يذكرون كيف كان نصر آبائهم، وكيف كان جهدهم في أمري، حين اغتر المغترون، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم، فصبروا وصدقوا حتى عز أمري، وظهر ديني، فتأنَّيْت بهؤلاء القوم لعلهم يستحييون مني ويرجعون، فطولت عليهم وصفحت عنهم، فأكثرت ومددت لهم في العمر وأعذرت لعلهم يتذكرون، وكل ذلك أمطر عليهم السماء، وأنبت لهم الأرض، وألبسهم العافية، وأظهرهم على العدو، فلا يزدادون إلا طغياناً وبعداً مني. فحتى متى، أبي يتمرسون، أم إياي يخادعون، أم علي يتجرؤون، فإني أقسم بعزتي لأقيمن لهم فتنة يتحير فيها الحكيم، ويضل فيها رأي ذو الرأي، وحكمة الحكيم، ثم لأسلِّطن عليهم جباراً قاسياً عاتياً، ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة والبيان، يتبعه عد وسواد مثل الليل المظلم، له فيه عساكر مثل قطع السحاب، ومراكب مثل العجاج، كأن حفيف راياته طيرانَ النسور، وحجل فرسانه كصوت العقبان، يعيدون العمران خراباً، والقرى وحشاً، وببعثون في الأرض فساداً، ويتبرون ما علوا تتبيرإً، قاسية قلوبهم لا يكترثون ولا يرقون ولا يرحمون، يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود. فوعزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ولأخلين مجالسهم من حديثها وعروسها، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كالوا يتزينون بعمارتها لغيري، ويتعبدون فيها لكسب الدنيا بالدين، ويتفقهون فيها لغير الدين، ويتعلمون فيها لغير العمل. لأبدلن ملوكها بالعز الذل، وبالأمن الخوف، وبالغنى الفقر، وبالنعمة الجوع، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء، وبلباس الحرير مدارع الوبر، والعباء بالأرواح الطيبة والأدهان جيف القتلى، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأغلال. ثم لأعيدن فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيدة مساكن السباع، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد ضوء السراج دخان الحريق، وبعد الأنس الوحشة والقفار. ثم لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار، وبالمشي على الزرابي عبور الأسواق والأنهار، وبالخدور والستور الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار. ثم لأدوسنهم بألوان العذاب حتى لوكان الكائن منهم في خالق لوصل ذلك إليه، إني إنما أكرم من أكرمني، وإنما أهين من هان عليه أمري، ثم لآمرن السماء خلال ذلك فلتكونن طبقاً من حديد، ولأمرن الأرض فلتكونن سبيكة من نحاس، فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت. فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلطت عليه الآفة، فإن خلص منهم شيء نزعت منه البركة، وإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوني لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا إِليَّ صرفت وجهي عنهم، وإن قالوا: اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك، وجعلت فينا نبوتك وكتابك، ثم مكنت لنا في البلاد واستخلفتنا فيها وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغاراً وحفظتنا وإياهم برحمتك كباراً، فأنت أحق المنعمين أن لا تغير إن غيرنا، ولا تبدل إن بدلنا، وأن يتم نعمه وإحسانه. فإن قالوا ذلك قلت لهم: إني ابتدىء عبادي بنعمتي ورحمتي، فإن قبلوا أتممت، وإن استزادوا زدت، وإن شكروا ضاعفت، وإن بدلوا غيرت، وإذا غيروا غضبت، وإذا غضبت عذبت، وليس يقوم لغضبي شيء. وقال كعب: قال أرمياء: برحمتك أصبحت أتكلم بين يديك، وهل ينبغي لي ذلك وأنا أذل وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلم بين يديك، ولكن برحمتك أبقيتني لهذا اليوم، وليس أحد أحق من يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد مني بما رضيت به مني طولاً والإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير نكير ولا تغير مني، فإن تعذبني فبذنبي، وإن ترحمني فذلك ظني بك. ثم قال: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعاليت إنك المملك هذه القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك، ومنزل وحيك، يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت إنك لمخرب هذا المسجد وما حوله من المساجد ومن البيوت التي رفعت لذكرك، يا رب وإنك لتعذب هذه الأمة وهم ولد ابراهيم خليلك، وأمة موسى نجيك، وقوم داود صفيك، يا رب أي القرى يأمن عقوبتك بعد أوري شلم، وأي العباد يأمنون سطوتك بعد ولدخليلك ابراهيم، وأمة نجيك موسى، وقوم خليفتك داود تسلط عليهم عبدة النيران. فقال الله تعالى: يا أرميا، من عصاني فلا يستنكر نقمتي، فإني إنما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم دار العاصين إلا أن تداركهم رحمتي. قال أرميا: يا رب اتخذت ابراهيم خليلاً وحفظتنا به، وموسى نجياً فنسألك أن تحفظنا ولا تسلط علينا عدونا، فأوحى الله تعالى إليه: يا أرميا إني قدستك في بطن أمك، وأخرتك إلى هذا اليوم، فلو أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل، وكنت الداعم لهم، وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها طامر، لا يغور ماؤها، ولا يبور ثمرها، إني كنت لهم بمنزلة الراعي الشفيق، أجنبهم كل قحط وكل عزة، واتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشاً ينطح بعضها بعضاً. فيا ويلهم ثم يا ويلهم إنما أكرم من أكرمتي، وأهين من هان عليه أمري إن من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي، وإن هؤلاء القوم يظهرون معصيتي في المساجد والأسواق وعلى رؤوس الجبال، وظلال الأشجار حتى عجت السماء إليّ منها، والأرض والجبال، ونفرت منها الوحوش، في كل ذلك ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب. قال: فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد عصوه وكذبوه، وقالوا: أعظمت على الله الفرية وتزعم أن الله معطل أرضه ومساجده من كتابه وعباده وتوحيده، فمن يعبده حين لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولاكتاب، لقد أعظمت الفرية، واعتراك الجنون. فأخذوه وقيدوه وسجنوه فعند ذلك بعث الله عز وجل عليهم بخت نصر. قال ابن إسحاق: اسمه أرمياء بن خلقيا. وقال أبو جعفر الطبري: إن هذا ليس بصحيح لأن أرمياء كان في أيام بخت نصر، وبين عهد موسى وبخت نصر زمن طويل. 1 رجل من العجم، كانفي خدمة "لهراسب" الملك، ووجهه "لهراسب" إلى الشام وبيت المقدس ليجلي اليهود، فسار إليها ثم انصرف، ثم وجهه "بهمن" على رسول كان "بهمن" وجهه إليه، وأمر "بهمن" صاحب بيت المقدس على رسول كان "بهمن" وجهه إليه، وأمر "بهمن" بختنصر أن يقتل مقتلتهم ويسبي ذرا ريهم، فسار إليهم في جموع كثيرة فسباهم وهدم البت وانصرف إلى بابل. [تاريخ الطبري: 2/ 541 ـ طبعة دار المعارف]، انظر الفرق بين الفرق: (ص272). 1 لم أجده في التسعة. 1 البخاري في كتاب التوحيد. ومسلم في كتاب الإيمان. والترمذي في كتاب صفة الجنة عن رسول الله. وأحمد في المسند، ومن مسند بني هاشم بداية مسند عبد الله بن عباس. 1 لم أجده في التسعة. 1 أويس القرني: (000 - 37 ه = 000 - 657 م): أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني، من بني قرن بن ردمان بن ناجية ابن مراد: أحد النساك العباد المقدمين، من سادات التابعين. أصله من اليمن، يسكن القفار والرمال، وأدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، فوفد على عمر بن الخطاب ثم سكن الكوفة. وشهد وقعة صفين مع علي، ويرجح الكثيرون أنه قتل فيها. الطبقة:( 2 )، من كبار التابعين، توفي بـ (صفين)، روى له مسلم . رتبته عند ابن حجر: سيد التابعين. 1 لم أجده في التسعة. 1 لم أجده في التسعة 1 أبو داود في كتاب الفتن والملاحم. وأحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود. 1 الدارقطني: (306 - 385 هـ = 919 - 995 م): علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الدارقطني الشافعي: إمام عصره في الحديث، وأول من صنف القرآت وعقد لها أبوابا. ولد بدار القطن (من أحياء بغداد)، ورحل إلى مصر، فساعد ابن حنزابة (وزير كافور الإخشيدي) على تأليف مسنده. وعاد إلى بغداد فتوفي بها. من تصانيفه كتاب " السنن - ط " و " العلل الواردة في الأحاديث النبوية - خ " ثلاثة مجلدات منه، و " المجتبى من السنن المأثورة - خ " و " المؤتلف والمختلف - خ " الجزء الثاني منه، وهو الأخير، في دار الكتب، حديث، و " الضعفاء - خ " و " أخبار عمرو بن عبيد - ط " جزء منه في وريقات. 1لم أجده في التسعة 1 لم أجده في التسعة 1 لم أجده في التسعة

Tidak ada komentar:

Posting Komentar