ABDUL HAMID MUDJIB HAMID BERSHOLAWAT

Kamis, 06 September 2012

قطرُ الغيثِ في شرحِ مسائلِ أبي الليثِ

QOTHRUL GHOITS ----------------------------- متن قطر الغيث بسم الله الرحمن الحيم ---------------------------------- الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ, والعاقبةُ للمتقينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ وآلهِ وأصحابِه. مسألة: إذا قيلَ لك: ما الإيمانُ؟ فالجوابُ: آمنتُ باللهِ, وملائكتهِ, وكتبهِ, ورسلهِ, واليومِ الآخرِ, والقدرِ خيرِه وشرِّه مِنَ اللهِ تعالى. مسألة: إذا قيل لك: وكيف تؤمنُ باللهِ؟ فالجوابُ: إنَّ اللهَ تعالى أحدٌ, واحدٌ, حيٌّ, عالمٌ, قادرٌ, مريدٌ, سميعٌ, بصيرٌ, متكلمٌ, باقٍ, خلاَّقٌ, رزَّاقٌ، ربٌّ, ومالكٌ بلا شريكٍ ولا ضدٍ ولا ندٍّ. مسألة: إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالملائكة؟ فالجواب: إنَّ الملائكةَ أصنافٌ، فمنهم: حملةُ العرشِ, ومنهم حافونَ, ومنهم رُوحانيون، ومنهم كروبيونَ, ومنهم سفرةٌ، أي: جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ وعزرائيل، ومنهم حفظةٌ، ومنهم كتبةٌ، وكلُّهم مخلوقون, عبيدُ اللهِ, لا يوصفون بذكورةٍ ولا بأنوثةٍ، وليس لهم شهوةٌ, ولا نفسٌ, ولا أب، ولا أمٌّ, ولا يشربون, ولا يأكلون, ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومحبتُهم شرطُ الإيمانِ, وبغضهم كفرٌ. مسألة: إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالكتب؟ فالجوابُ: إنَّ اللهَ أنزل الكتبَ على أنبيائه, وهي منزلةٌ غيرُ مخلوقةٍ, قديمةٌ بغيرِ تناقضٍ، ومَنْ شك فيها من آية أو كلمة فقد كفر. مسألة: إذا قيل لك: وكمْ كتاباً أنزل على أنبيائه؟ فالجواب: مِائةُ كتابٍ وأربعةُ كتبٍ, أنْزَل اللهُ منها عشرَ كتبٍ على آدم – عليه السلام – وأنزل اللهُ تعالى منها خمسين كتاباً على شيث – عليه السلام – وأنزل اللهُ تعالى منها ثلاثين كتاباً على إدريس – عليه السلام –, وأنزل اللهُ تعالى منها عشرَ كتبٍ على إبراهيم – عليه السلام –, وأنزل اللهُ تعالى الإنجيل على عيسى – عليه السلام – وأنزل اللهُ تعالى التوراةَ على موسى – عليه السلام – وأنزل اللهُ تعالى الزبورَ على داود – عليه السلام – وأنزل اللهُ تعالى القرآنَ على محمدٍ المصطفى. مسألة: إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالأنبياء؟ فالجوابُ: أنَّ أولَ الأنبياءِ آدمُ – عليه السلام – وآخرَهم سيدُنا محمدٍ صلوات الله عليهم أجمعين، كلُّهم كانوا مخبرين, ناصحين, صادقين, مبلغين, آمرين، ناهين, أمناءَ اللهِ تعالى, معصومين من الزلل والكبائر، ومحبتُهم شرطُ الإيمانِ, وبغضُهم كفرٌ. مسألة: إذا قيل لك: وكم من أصحابِ الشرائعِ؟ فالجوابُ: ستةٌ: آدمُ, ونوحُ, وإبراهيمُ, وموسى, وعيسى, ومحمدٌ صلوات الله عليهم أجمعين، وكلُّ شريعةٍ منسوخةٌ بشريعةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. مسألة: إذا قيل لك: وكم من الأنبياء؟ فالجواب: مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي. مسألة: إذا قيل لك: وكم كانوا من الأنبياء المرسلين؟ فالجواب: ثلاثُمائة وثلاثةَ عشر مرسلاً. مسألة: إذا قيل لك: وأسماؤهم وعددهم شرط الإيمان أم لا؟ فالجواب: ليس عندنا بشرطِ الإيمانِ، لقوله تعالى: "ومنهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك". مسألة: إذا قيل لك: وكيف تؤمن باليوم الآخر؟ فالجواب: أنَّ اللهَ تعالى يُميتُ الخلائقَ كلَّهم إلاَّ مَنْ كان في الجنة والنار ويُحييهم اللهُ تعالى ويحشرُهم ويحاسبُهم، ويَحكم بينهم بالعدل، فمَنْ كان من الملائكة والجن والإنس فإنهم يتلاشون، فمنْ كان فاسقاً لم يبقَ في النار بعد الحساب. وأما المؤمنون ففي الجنة خالدون، وأما الكافرون ففي النار خالدون, ولا تفنى الجنةُ والنارُ ولا أهلُهما, ومن شك في شيء من هذه الأشياء فقد كفر. مسألة: إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالقدرِ خيرِه وشرِه من الله تعالى؟ فالجواب: إنَّ اللهَ خلق الخلائق وأمر ونهى وخلق اللوح والقلم وأمرهما أنْ يكتبا أعمال العباد، فالطاعةُ بقضاء الله تعالى وقدره في الأزل وإرادتِه وأمره ورضاه، والعصيانُ بقضاء الله تعالى وقدره وإرادته في الأزل وليس بأمره ولا برضاه، وهم يثابون ويعاقبون، وكلُّ ذلك بوعده تعالى ووعيده. مسألة: إذا قيل لك: الإيمان يتجزأ أم لا؟ فالجواب: الإيمانُ لا يتجزأ لأنه نور في القلبِ والعقلِ والروحِ من بني آدم، إذْ هو هدايةُ اللهِ تعالى عليه فمن أنكر شيئاً منها فقد كفر. مسألة: إذا قيل لك: ما المراد بالإيمان؟ فالجواب: الإيمانُ عبارةٌ عن التوحيدِ. مسألة: إذا قيل لك: الصلاةُ والصومُ والزكاةُ وحبُّ الملائكةِ وحبُّ الكتبِ وحبُّ الرُّسُلِ وحبّ القَدَرِ خيره وشره من الله تعالى، وغيرُ ذلك من الأمرِ والنهْيِ واتِّباعِ سنة النبيِّ صلى اللهِ عليه وسلم أهو من الإيمان أم لا؟ فالجواب: لا, لأنَّ الإيمانَ عبارةٌ عن التوحيدِ, وما سوى ذلك شرطٌ من شرائطِ الإيمانِ. مسألة: إذا قيل لك: الإيمانُ بصفةِ الطهارةِ أم لا؟ فالجواب: الإيمانُ بصفةِ الطهارةِ والكفرُ بصفةِ الحَدَثِ وينتقضُ به جميعُ الجوارحِ. مسألة: إذا قيل لك: الإيمانُ مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ؟ فالجواب: الإيمانُ هدايةٌ مِنَ اللهِ تعالى، والتصدِّيقُ بالقلب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، والإقرارُ باللسان، فالهدايةُ صنعُ الرَّبِ وهو قديمٌ، والتصديقُ والإقرارُ فعلُ العبدِ وهو مُحْدَثٌ، وكلُّ ما جاء من القديم يكون قديماً، وكلُّ ما جاء من المُحْدَثِ يكون محدثاً.ِ ---------------------- بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للإسلام والإيمان، وخص بعضَ عبادِه بالطاعات وبعضَهم بالعصيان، والصلاة والسلام على أفضل الرسل سيدِ ولدِ آدم، سيدِنا محمدٍ وآله وأصحابِه وأزواجِه وذريَّتِه عدد ما جرى به القلم. أما بعد: فيقول مرتكب الذنوب "محمد نووي بن عمر بن عربي" الشافعي: هذا شرحٌ عن مسائل الشيخ الإمام أبي الليث المحدث المفسر المعروف بإمام الهدى نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الحنفي السمرقندي، يوضح معانيَها ويُشيد مبانيَها. وسميته: قطرُ الغيثِ في شرحِ مسائلِ أبي الليثِ واللهَ أسألُ أنْ ينفعَ به كلَّ من تلقاه بقلبٍ سليمٍ، وأنْ يجعلَه خالصاً لوجهه الكريم، إنه الرؤوف الرحيم. (بسم الله الرحمن الرحيم) شرح ألفاظ البسملة: فاسم "الجلالة" ليس بمشتقٍ ولا منقولٍ1، و" ال " فيه زائدة لازمة للتعريف، بل وُضع كذلك، وهو اسمٌ جامعٌ لجميعِ أسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتهِ العُلْيَا. و"الرحمن": كثيرُ الرحمةِ بالنعمِ العظيمةِ. و"الرحيم": كثير الرحمة بالنعم الصغيرة. سبب ذكر هذه الأسماء الحسنى في البسملة: وتخصيص التسمية بهذه الأسماء، ليعلمَ العارفُ أنَّ المستحقَ بأن يُستعان به في جميع الأمور هو المعبودُ الحقيقيُّ معطي النعمِ كلِّها جليلِها وحقيرِها. سبب ابتداء المؤلف كتابه هذا بالبسملة: وإنما افتتح المصنفُ كتابَه هذا بالبسملة اقتداءً بالكتب السماوية، وعملاً بالأحاديث المروية، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كتب العبد بسم الله الرحمن الرحيم في لوح أو في كتاب فإنه تكتب له الملائكة الأجر، وتستغفر له ما دام ذلك الاسم في اللوح أو الكتاب1". خطبة ومقدمة المتن مع شرحها: (الحمد لله رب العالمين) أي: مالك جميع المخلوقات, (والعاقبة) أي: الأجر المحمود، (للمتقين) أي: عقاب الله تعالى بترك المعاصي، (والصلاة) أي: زيادة الرحمة من الله تعالى المقرونة بالتعظيم، (والسلام) أي: التحية من الله تعالى، (على سيدنا محمد), هو ابن عبد الله, أكمل الخلق خَلقاً وخُلقاً، مبعوث في مكة ومدفون في المدينة المشرفة, (وآله) أي: أعوانه من أهل الإيمان, (وأصحابه)، وهم الذين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم في حياته بعد نبوته مؤمنين به. بيان عدد الصحابة الذين توفي الرسول عنهم: والصحابة الذين توفى رسول صلى الله عليه وسلم وهم أحياء مائة ألف صحابي وأربعة وعشرون ألفاً، رضي الله عنهم أجمعين، كعدد الأنبياء وعدد أولياء كل عصر. شرح ما يتعلق بالإيمان بيانُ حقيقةِ الإيمانِ ومتعلقاتهِ1 مسألة: (إذا قيل لك): يا مؤمن: (ما الإيمانُ؟)، أي: ما "متعلَّقاتُ" "حقيقةِ" الإيمانِ الذي هو التصديقُ؟ (فالجواب) أن تقول: (آمنت)، أي: صدقت وأقررت (بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدَر) – بفتح الدال – (خيره وشره من الله تعالى)، وهذا كما رواه مسلم عن سيدنا عمر من حديث جبريل، وإنْ أُخذت من رواية البخاري عن أبي هريرة من حديث جبريل أيضاً، فتقول: آمنت بالله وملائكته وبلقائه ورسله وبالبعث2. والمعنى: صدقت بوجود الله وبصفاته الواجبة له، وبوجود الملائكة, وأنهم عباد مكرمون, وبرؤيته تعالى في الآخرة للمؤمن، وبأنَّ رسلَه صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى, وبالبعث من القبور. بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالإيمان: قال بعضُهم: مَنْ تعلَّم في الصِغر: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقدره خيره وشره من الله تعالى، وعَلِمَ أنَّ ذلك إيمانٌ إلا أنه لا يُحسن تفسيرَه، فلا يُحكم بإيمانه. وقال بعضُهم: إيمانُ شخصٍِ حالَ يأسٍ، أي: وقت سكرات الموت عند رؤية مكانه في الجنة أو في النار غيرُ مقبولٍ لعدم الإتيان بالمأمور به عن اختيار، فإنَّ العبدَ يرى مكانه في ذلك الوقت كما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن العبد لن يموت حتى يرى موضعه في الجنة أو في النار" بخلاف توبة اليائس1، فإنها مقبولة بعد صحة إيمانه لما روي عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقبل توبة العبد المؤمن ما لم يغرغر2"، أي: ما لم تبلغ روحُه الحلقومَ. بيان مراتب الإيمان: واعلم أن الإيمان بالله على ثلاثة أقسام: إيمان تقليدي، وإيمان تحقيقي، وإيمان استدلالي: فالتقليديُّ: هو أنْ يعتقدَ بوحدانية الله تعالى تقليداً بقول العلماء من غير برهان، وهذا لا يأمن من التزلزل بتشكيك مشككٍ. والحقيقيُّ: هو أنْ يطويَ قلبَه على وحدانية الله تعالى، بحيث لو خالفه أهل العلم فيما طوى عليه قلبَه لما وُجِدَ في قلبه زلةٌ. والاستدلاليُّ: هو أنْ يستدلَ من المصنوع على الصانع، ومن الأثر على المؤثر، فالأثر يدل على المؤثر، والبناء يدل على الباني، والمصنوع يدل على الصانع، والبعرة تدل على البعير مثلاً، إذ الأثر بلا مؤثر محال. شرح وبيان كيف يؤمنُ الإنسانُ بالله تعالى بذاتهِ تعالى وصفاتهِ وأسمائهِ وأفعالهِ مسألة: (إذا قيل لك وكيف تؤمن بالله؟) (فالجواب) أن تقول: (إن الله تعالى) أحد، أي: منفرد بالصفات لا مشارك له, (واحد)، أي: منفرد بالذات لا شريك له، (حي) بحياة قديمة قائمة بالذات، لا بروح, (عالم) بعلمٍ قديمٍ قائمٍ بالذات محيطٍ بالواجب والجائز والمستحيل، (قادر) بقدرة قديمة قائمة بالذات، لا بمعالجة ولا واسطة, لا يلحقها عجز, عامة التعلق للمكنات, (مريد) بإرادة قديمة قائمة بالذات, عامة التعلق للمكنات, (سميع) أي: مدرك المسموعات بسمع قديم بالذات, (بصير) أي: مدرك المبصرات حال وجودها ببصر قديم قائم بالذات, (متكلم) بكلام قديم باق قائم بالذات، ليس بحرف ولا صوت، فلا يسبَقه عدمٌ ولا يلحقَه عدمٌ, متعلِّقٌ1: بالواجب: كقوله تعالى: ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ [طه] . و بالمستحيل: كقوله تعالى: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ [المائدة]. و بالجائز: كقوله تعالى: ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الصافات]. بيان مدلول الكلام المنزل والكلام النفسي الأزلي: والصحيحُ أنَّ مدلولَ2 الألفاظِ التي نقرؤها متعلَّقاتُ الكلامِ النفسيِّ القَدِيم، كما قاله ابن قاسم1، واتفق على ذلك جميعُ المتأخرين. بيان مسألة خلق القرآن: وإن سُئلت عن القرآن: هل هو قديم أو حادث؟ فينبغي لك أنْ تستفسرَ السائلَ: فإن قال لك مُرادي: [القائم بذاته تعالى] الدالُّ عليه ما بينَنَا2، فقل: هو قديم بقدم الذات، لأنه من جملة صفاتها الواجبة لها. وإنْ قال لك مرادي: [ما بين الدفتين من النقوش], فقل له: ذلك حادث بحدوث النقوش وكذلك الألفاظ. وإن قال لك مرادي: [من حيث المدلول1] ، فقل له: إن ما دل على ذاته أو صفة من صفاته أو حكاية له تعالى هو قديم, وما دل على الحوادث أو صفاتها، مثل ذوات المخلوقات أو صفاتها، كجهلنا وعلمنا هو حادث, وكذلك حكايات الحوادث. وسُميت تلك العباراتُ بكلام الله، فإنها دالةٌ على كلام الله تعالى، فإن معناه إنما ينفهم بها، فإنْ عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالعبرية – وهو لغة اليهود – فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل وزبور. واختلاف العبارات لا تستلزم اختلاف الكلام، كما أنَّ الله يُسمَّى بعباراتٍ مختلفةٍ مَعَ أن ذاتَه تعالى واحدةٌ. (باق) بذاته العليا، أي: دائم الوجود لا يقبل الفناء, (خلاَّق)، أي: كثير إظهار الموجودات بقدرته, وكثير تقدير كل واحد بمقدار معين بإرادته، (رزَّاق)، أي: خالق الأرزاق أو المرتزقة وموصلها إليهم. بيان مسألة الرزق: واسم "الرزق" لا يختص بالمأكول والمشروب، بل كل ما انتفع به الحيوانُ من مأكولٍ ومشروبٍ وملبوسٍ وغيرِها. ومن أعظم الرزق التوفيق للطاعات. والرزق قسمان: ظاهر: وهو الأقوات والأطعمة وذلك للأبدان. وباطن: وهي المعارف والمكاشفات، وذلك للقلوب والأسرار. واعلم أنه تعالى يوصل الرزقَ إلى جميع مخلوقاته، وأنَّ من أسباب سعة الرزق كثرة الصلاة، لقوله تعالى: ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ [طه], والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار, (رب)، ومعناه: معبودٌ، ومنه قولك: ربنا الله, (ومالك)، ومنه قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض)، (بلا شريك) أي: شبيه له ، أي: في الربوبية، ولا ضد أي: لا نظير (ولا ند) أي: مماثل. بيان معاني بعض المصطلحات المفيدة في دراسة العقيدة الإسلامية: والفرق بين: "الشبيه" و"النظير" و"المماثل": أن "النظير": ما يساوي ولو في وجه. و"الشبيه": ما يساوي أكثر الوجوه. و"المماثل": ما يساوي في جميع الوجوه. قال البراوي1: ولا يجوز البحث عن ذات الله تعالى ولا عن صفاته، لأن ترك الإدراك إدراك والبحث في ذات الله تعالى إشراك، وكل ما خطر ببالك من صفات الحوادث فالله بخلاف ذلك. بيان قواعد هامة في تنزيه الله عن النقص عند أهل السنة: فائدة: من ترك أربع كلمات كمُلَ إيمانُه: أين, وكيف, ومتى, وكم: فإنْ قال لك قائل: أين الله؟, فجوابه: ليس في مكان ولا يمر عليه زمان. وإنْ قال لك: كيف1 الله؟, فقل له: ليس كمثله شيء. وإنْ قال لك: متى الله؟, فقل: له أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء. وإنْ قال لك: كم الله؟, فقل له: واحد لا من قلة, قل: الله أحد. شرح وبيان كيف يؤمن الإنسان بالملائكة بيان حقيقتهم وأصنافهم ووظائفهم بيان أصناف الملائكة ووظائفهم: مسألة: (إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالملائكة؟). (فالجواب) أن تقول: (إن الملائكة أصناف) أي: أنواع كثيرة في أحوالهم وأفعالهم وأشكالهم: (فمنهم حملة العرش): وهم أعلى طبقات الملائكة، وأولهم وجوداً، وهم في الدنيا أربعة، وفي يوم القيامة ثمانية على صورة الأوعال, ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاماً للطائر المسرع. بيان معنى العرش: وأما صفة العرش: فقيل: إنه جوهرة خضراء، وهو من أعظم المخلوقات خلقاً، ويُكسى كلَّ يوم ألف لون من النور، لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله تعالى، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة. وقيل: إن العرش قبلة أهل السماء، كما أن الكعبة قبلة أهل الأرض. (ومنهم حافون), قال: وهب بن مُنَبِّه: إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة، صف خلف صف, يطوفون بالعرش, يقبل هؤلاء ويقبل هؤلاء، فإذا استقبل بعضهم بعضاً هلل هؤلاء وكبر هؤلاء، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم واضعين لها على عواتقهم، فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم فقالوا: سبحانك اللهم وبحمدك ما أعظمك وأحلمك، أنت الله لا إله غيرك، أنت الأكبر والخلق كلهم لك راجعون، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى، ليس منهم أحد إلا يسبح بتسبيح لا يسبحه الآخر, ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثمانمائة عام، وما بين شحمتي أذن أحدهم إلى عاتقه أربعمائة عام، واحتجب الله عن الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجاباً من نور، وسبعين حجاباً من ظلمة، وسبعين حجاباً من در أبيض، وسبعين حجاباً من ياقوت أحمر، وسبعين حجاباً من زبرجد أخضر، وسبعين حجاباً من ثلج، وسبعين حجاباً من ماء و سبعين من برد، وما لا يعلمه إلا الله. (ومنهم روحانيون), قيل: هم في أرض بيضاء كالرخام، عرضها مسيرة الشمس أربعين يوماً، طولها لا يعلمه إلا الله، ولهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو كُشف عن صوت أحدهم لهلك أهلُ الأرض من هول صوته، منتهاهم إلى حملة العرش. (ومنهم كَروبيون) بفتح الكاف وتخفيف الراء، هم سادات الملائكة، وهم الذين حول العرش. (ومنهم سفرة) أي: وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين يبلغون إليهم رسالته بالوحي والإلهام والرؤيا الصالحة، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه. و"السفرة" هنا جمع سفير بمعنى: رسول، وليس جمع سافر بمعنى: كاتب؛ لأن المصنف فسرها بهؤلاء الأربعة (أي: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعَزرائيل) بفتح العين، فجبريل نازلٌ على جميع الأنبياء، وميكائيل وكيل الأمطار، وإسرافيل وكيل نفخ الصور ينفخ فيموت الخلق، وينفخ لإحياء الخلق فترجع الأرواح لأجسادها، وعَزرائيل وكيل قبض الأرواح، فإذا حضر أجلُ العبدِ أمر اللهُ تعالى ملَك الموتِ أنْ يقبضَ روحَ ذلك العبد, ولملك الموت أعوان من الملائكة، يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده، فإذا وصلت إلى الحلقوم تولى قبضها ملك الموت بنفسه، وخروج الروح يكون من "اليافوخ"، كما أن دخولها في البدن منه، وأما فتح المحتضر فمه عند خروجها فقيل: لشدة ما يراه من الأهوال. و"اليافوخ" هو الموضع الذي يتحرك في رأس الطفل. (ومنهم حفظة)، قال محمد الخليلي1: روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كم من ملك على الإنسان؟ فقال: عشرون ملكاً، منهم ملك عن يمينك على حسناتك، وهو أمين على الذي عن يسارك، فإذا عملت حسنة كتبت عشراً وإذا عملت سيئة، قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أأكتب؟ فيقول: دعه سبع ساعات لعله يتوب، فإذا لم يتب قال: نعم، اكتب أراحنا الله منه. فاسم الملك الذي على اليمين "رقيب" وهو الذي يكتب الحسنات، واسم الملك الذي على الشمال "عتيد" وهو الذي يكتب السيئات, وملكان بين يديك ومن خلفك، وملك قابض على ناصيتك إذا تواضعت لله تعالى رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وملك على فيك لا يدع الحية أو الهوام تدخل في فيك، وملكان على عينيك، ويقال: إن اسمهما "شوية"، فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي، فتنزل ملائكة الليل على ملائكة النهار فهؤلاء وهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي. (ومنهم كَتَبَةٌ), وهم الذين ينسخون من اللوح المحفوظ, وهم الملائكة الكرام الكاتبون، ومنهم أصحاب أجنحة, جناحين جناحين لكل واحد منهم, وثلاثة ثلاثة لصنف آخر منهم، وأربعة أربعة لصنف آخر منهم، ويزيد الله في خلق الأجنحة في غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته. تنبيه: قوله: "حَمَلَةٌ وسَفَرَةٌ وحَفَظَةٌ وكَتَبَةٌ" بفتح أحرفها الثلاثة، وهي جمعُ حاملٍ وسفيرٍ وحافظٍ وكاتبٍ. مبحث في بيان أحكام شرعية متعلقة بالملائكة: (وكلهم مخلوقون) أي: موجودون بإيجاد الله إياهم كغيرهم, (عبيدٌ للهِ)، فلا يقولون شيئاً حتى يقوله كما هو شأن العبيد المؤدبين، (لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة), فمن اعتقد أنوثة الملائكة أو خنوثتهم فهو كافر بالاتفاق، ومن اعتقد ذكورتهم فهو فاسق، (وليس لهم شهوةٌ) أي: اشتياق النفس، (ولا نفسٌ). بيان مراتب النفوس وأنواعها: فالنفس سبع مراتب: أمَّارةٌ: ومحلها الصدر، وجنودها: البخل, والحرص, والحسد, والجهل, والكبر, والشهوة, والغضب. ثم لوامة: ومحلها القلب، وهو تحت الثدي الأيسر بقدر أصبعين، وجنودها: اللوم, والهوى, والمكر, والعجب, والغيبة, والرياء, والظلم, والكذب, والغفلة. ثم ملهمة: ومحلها الروح، وهو تحت الثدي الأيمن بقدر أصبعين، وجنودها: السخاوة, والقناعة, والحلم, والتواضع, والتوبة, والصبر, والتحمل. ثم مطمئنة: ومحلها: السر, وهو في جانب الثدي الأيسر بقدر أصبعين إلى جهة الصدر، وجنودها: الجود, والتوكل, والعبادة, والشكر, والرضا, والخشية. ثم راضية: ومحلها: سر السر, ولعل المراد بها القالَب _ بالألف بعد القاف وبفتح اللام، وهو جميع الجسد، وجنودها: الكرم, والزهد, والإخلاص, والورع, والرياضة, والوفاء. ثم مرضية: ومحلها الخفي: وهو في جانب الثدي الأيمن بقدر أصبعين إلى أوسط الصدر, وجنودها: حسن الخلق, وترك ما سوى الله, واللطف بالخلق, وحملهم على الصلاح والصفح عن ذنوبهم وحبهم، والميل إليهم لإخراجهم من ظلمات طبائعهم وأنفسهم إلى أنوار أرواحهم. ثم كاملة: ومحلها الأخفى: وهو وسط الصدر، وجنودها: علم اليقين, وعين اليقين, وحق اليقين. (ولا أب ولا أم), فإنهم أجسام نورانية، أي: مخلوقة من نور غالباً، وقد يكون بعضهم مخلوقاً من القطرات التي تقطر من جبريل بعد اغتساله من نهر تحت العرش، وهم قادرون على التشكل بأشكال مختلفة. (ولا يشربون ولا يأكلون) ولا ينامون، ودليل كونهم لا ينامون قوله تعالى: ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [الأنبياء], فالنوم فتور يعتري الإنسان ولا يفقد معه عقله، (و ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [التحريم]), قال تعالى: (ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [النحل]), أي: من الطاعة والتدبير, وقال تعالى: (ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ [الأنبياء]), أي: بل الملائكة عباد من عباده تعالى مكرمون بالعصمة من الزلل لا يسبقون إذنه تعالى بالقول, وهم بأمره تعالى إذا أمرهم يعملون، لأنهم في غاية المراقبة له تعالى، فجمعوا في الطاعة بين القول والفعل وذلك غاية الطاعة. بيان حكم محبة الملائكة أو بغضهم في الشريعة: (ومحبتهم) بالقلب (شرط) صحة1 (الإيمان، وبغضهم: كفر) لقوله تعالى: (ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ [البقرة] ). شرح وبيان كيف يؤمن الإنسان بالكتب السماوية بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالكتب السماوية مسألة: (إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالكتب؟) (فالجواب) أن تقول: (إن الله أنزل الكتب على أنبيائه, وهي) أي: الكتب (منزلة2) على الرسل في الألواح، أو على لسان ملك (غير مخلوقة) أي: إن الكتب المنزلة من تأليفه تعالى لا من تأليف الخلق، (قديمة) من حيث دلالتها على المعنى القديم, (بغير تناقض) أي: اختلاف في معنى الكلام. و"التناقض": بأن يكون بعضُ الكلام في محل يقتضي إبطالَ بعضٍ في محل آخر، قال تعالى: (ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ [النساء] ) أي: أفلا يتفكرون في القرآن؟ ولو كان من كلام البشر لوجدوا فيه "تناقضاً" في معانيه وتبايناً في نظمه بأن يكون بعضُ أخبارِه غيرَ مطابقٍ للواقع وبعضُ نظمِه فصيحاً وبعضُه ركيكاً، أي: ولو كان من عند غير الله للزم أن يكون فيه اختلافٌ كثيرٌ فضلاً عن القليل، لكنه من عند الله، فليس فيه اختلاف لا كثير ولا قليل. (ومن شك فيها) أي: في الكتب المنزلة على الرسل بأن لم يؤمن بشيء منها، (من آية أو كلمة فقد كفر). بيان عدد الكتب السماوية المنزلة على كل نبي أو رسول: مسألة: (إذا قيل لك: وكم كتاباً أنزل على أنبيائه؟) أي: المرسلين، فـ "كم" اسم استفهام في محل نصب مفعول مقدم, و"كتاباً" تمييز. (فالجواب) أن تقول: في رواية: (مائة كتاب) بالإفراد, (وأربعة كتب)، بالجمع المكسَّر: (أنزل الله منها)، أي: من المائة والأربع (عشر كتب على) صفي الله أبي البشر (آدم عليه السلام، وأنزل الله تعالى منها خمسين كتاباً على شيث عليه السلام)، فشيث – بالشين ثم المثلثة – وقيل: بالمثناة الفوقية بينهما ياء, والأكثر صرفه وقد لا يصرف، ومعناه: هبة الله، وقيل: عطية الله، وهو ابن آدم لصلبه، كان من أجمل أولاده وأفضلهم، وأشبهه بأبيه وأحبهم إليه، وعاش سبعمائة واثنتي عشرة سنة. (وأنزل الله تعالى منها ثلاثين كتاباً على إدريس) جدّ أبي نوح (عليه السلام)، واسمه أَخْنُوْخ _ بفتح الهمزة وسكون الخاء، أو خَنوخ _ بفتح الخاء مع حذف الهمزة، قيل: سمي إدريس لكثرة درسه الكتب، وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب، وأول من خاط الثيابَ ولبسها، وكانوا من قبله يلبسون الجلود، وأول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار. (وأنزل الله تعالى منها عشر كتب على إبراهيم عليه السلام)، وقيل: إن في صحف إبراهيم هذه الكلمات: ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه، عارفاً بزمانه، مقبلاً على شأنه. (وأنزل الله تعالى الإنجيل) جملة (على عيسى) ابن مريم (عليه السلام، وأنزل الله تعالى التوراة) جملة (على موسى) بن عمران (عليه السلام). قال بعضُهم: التوراة والإنجيل اسمان عبرانيان، وقيل: سريانيان كالزبور. وقيل: سميت التوراة بذلك لأن فيها نوراً يخرج به من الضلال إلى الهدى، كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور، وقيل: سميت بذلك لأن أكثرها تلويحات ومعاريض. وقال بعضهم: سمي الإنجيل بذلك لأن فيه توسعة لم تكن في التوراة، إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة في التوراة، وقيل: سمي بذلك لاستخراجه خلاصة نور التوراة. (وأنزل الله تعالى الزبور على داود) بن إيشا (عليه السلام)، وهو من أتباع موسى وبعده بأزمان متطاولة. (وأنزل الله تعالى القرآن) منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، بعد أن كتب في صحف، وأنزل دفعة واحدة في ليلة القدر في بيت العزة، وهو محل في سماء الدنيا، وسمي القرآن فرقاناً لفرقه بين الحق والباطل، ولكونه منجماً ومفرقاً في سنين كثيرة، وسمي قرآناً لأنه قام مقام التوراة والإنجيل والزبور في كثرة القراءة, (على محمد المصطفى) أي: المختار صلى الله عليه وسلم. وهو: ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشم بنِ عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، من أولاد سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام. وذلك ما رُوي عن أبيّ بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ فقال: "مائة وأربعة كتب، منها: على آدم عشر صحف. وعلى شيث خمسون صحيفة. وعلى أخنوخ وهو إدريس ثلاثون صحيفة. وعلى إبراهيم عشر صحائف. والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان"، كما ذكره الشربيني1 في تفسيره. والحق عدم حصر الكتب في عدد معين لكثرة اختلاف الروايات، بل الواجب أن يعتقد أن الله تعالى أنزل كتباً من السماء ويعرف الكتب الأربعة. شرح وبيان كيف يؤمن الإنسان بالأنبياء والمرسلين بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالأنبياء والمرسلين مسألة: (إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالأنبياء؟) (فالجواب) أن تقول: (إنَّ أولَ الأنبياءِ آدم عليه السلام), وهو اسمه الشريف, وكنيته أبو البشر, ولقبه صفيّ الله، (وآخرهم) وأفضلهم (سيدنا محمد) فلا نبي بعده, (صلوات الله عليهم أجمعين، كلهم كانوا مخبرين) عن الغيوب، كالساعة وأحوالها من البعث والنشر والحشر والحساب والجزاء والحوض والشفاعة والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك, (ناصحين) أي: مصفِّين العمل من شوائب الفساد, ولا يغشون قومَهم, (صادقين) في أخبارهم وفي دعواهم, (مبلغين) أي: موصلين الأحكامَ التي أمروا بتبليغها إلى الأمم إليهم، إذ هم مأمورون بالتبليغ, (آمرين) على الطاعات لله عز وجل، (ناهين) عن المعاصي, (أمناء الله تعالى) على "وحيه الخفي"، وهو الذي لم يظهر إلا على ألسنة الرسل، وهو إعلام الله تعالى أنبياءه بما شاء "بكتاب" أو بإرسال "ملك" أو "بمنام" أو "إلهام" أو "بلا واسطة"، كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من فرض الصلاة بلا واسطة, (معصومين من الزلل) أي: الخطايا وهي الصغائر، "فالزِلل" _ بكسر الزاي _ جمع زِلة. قاله محمد الجوهري1 في "شرح الجزائرية" وأما "الزَلل" _ بفتحها _ فهو مصدر زل يزل من باب علم وضرب، كما في "القاموس" و"المصباح", (والكبائر)، أي أن الله تعالى حفظ بواطنهم وظواهرهم عن التلبس بمنهى عنه، ولو نهي كراهة ولو حالة الطفولية، كما قال أحمد الدردير1. والذي عليه الجمهور، وهو الصحيح أنهم معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها, فعصمتهم واجبة كما قاله أحمد البيلي1. بيان حكم محبة الأنبياء والمرسلين أو بغضهم في الشريعة: (ومحبتهم) بالقلب (شرطُ) صحةِ (الإيمانِ, وبغضُهم كفرٌ). بيان من هم أصحاب الشرائع من الأنبيا والمرسلين: مسألة: (إذا قيل لك: وكم من أصحاب الشرائع؟) (فالجواب) أن تقول: هم (ستة: آدم ونوح), وعمره ألف سنة وأربعمائة وخمسون سنة, (وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين). فرع: قال ابن عباس وقتادة1: وأولو العزم، أي: الثبات والجد في الأمور، خمسةٌ، وهم أصحاب الشرائع، وهم محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح، ونظمهم بعضُهم في بيت من الطويل فقال: محمد إبراهيم موسى كليمه وعيسى ونوح هم أولو العزم فاعلم وقال مقاتل1: وأولو العزم ستة: نوح: صبر على أذى قومه. وإبراهيم: صبر على النار. وإسحاق: صبر على الذبح. ويعقوب: صبر على فقد ولده وذهاب بصره. ويوسف: صبر في الجب والسجن. وأيوب: صبر على الضر. بيان علاقة شرائع الأنبياء ببعضها البعض: (وكلُّ شريعةٍ منسوخةٌ) أي: مُزالٌ حكمُها (بشريعةِ) سيدِنا (محمدٍ صلى الله عليه وسلم) إذا لم تكن موافقةً لشريعته صلى الله عليه وسلم، فقد كان من شريعة آدم – عليه السلام – تزويج الأخ من أخته التي ليست توأمته، وقد اتفقوا على تحريمه بعد آدم – عليه السلام – كما قاله محمد الجوهري، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﭽﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [آل عمران]. بيان عدد الأنبياء والمرسلين: مسألة: (إذا قيل لك: وكم من الأنبياء؟) (فالجواب): أن تقول هم في رواية (مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي). قال أحمد الدردير1: "والأولى تركُ حصرِهم في عدد معين لأنه لا يؤمن في ذكر العدد أن يدخل فيهم من ليس منهم لجواز أن يذكر أكثر من الواقع، أو يخرج منهم من هو منهم إن كان العدد أقل". وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن عددهم فقال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً1"، وفي رواية: "مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً2"، فخبر آحاد لا يفيد القطع، ولا عبرة بالظن في باب الاعتقادات بيان تفصيل من كان منهم من الأنبياء ومن كان منهم من المرسلين: مسألة: (إذا قيل لك: وكم كانوا من الأنبياء والمرسلين؟) (فالجواب) أن تقول: هم في رواية: (ثلثمائة وثلاثة عشر مرسلاً)، كعدد أهل بدر، وفي رواية: وأربعة عشر، كعدد جيش طالوت الذين صبروا معه على قتال جيش جالوت، وفي رواية: وخمسة عشر، وروي أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس. بيان الفرق بين النبي وبين الرسول: والفرق بين "الرسول" و"النبي": أن "الرسول": هو من أمر بتبليغ الأحكام إلى المرسل إليهم، و"النبي": من لم يؤمر بذلك، بل أمر بتبليغ أنه نبيّ ليحترم. بيانُ حكمِ معرفةِ عددِهمْ وأسمائِهمْ، هل ذلك من شرط "صحة" الإيمان أو شرط في "كمال" الإيمان: مسألة1: (إذا قيل لك: وأسماؤهم) أي: المرسلين (وعددهم) أي: حفظهم علينا (شرط الإيمان أم لا؟ ) (فالجواب) أن تقول: (ليس) ذلك المذكور من حفظ الأسماء، والعدد (عندنا بشرط الإيمان) أي: في صحته وكماله (لقوله تعالى) في سورة غافر: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ ﭳ [غافر] أي: بكثرة "من قبلك" يا أشرف الخلق إلى أممهم ليبلغوا عنا ما أمرناهم به, (منهم) أي: الرسل (من قصصنا عليك) أي: أخبارهم، (ومنهم من لم نقصص عليك) أي: لا أخبارهم ولا ذكرناهم لك بأسمائهم، وإنْ كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة، وإذا ثبت أن الرسُل لم يجب علينا معرفة عددهم مع قلتهم فمعرفة غير الرسل من الأنبياء أولى لكثرتها، ولكن يجب الإيمان بوجودهم تفصيلاً فيما علم كذلك، وهم الخمسة والعشرون الذين هم في القرآن وهم: محمد وآدم ونوح وإدريس وهود وصالح واليسع وذو الكفل وإلياس ويونس وأيوب وإبراهيم، وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف، ولوط وداود وسليمان وشعيب، وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى. بيان معنى وجوب الإيمان بهؤلاء بالتفصيل: ومعنى وجوب الإيمان بهؤلاء بالتفصيل أنه لو عُرِضَ عليه واحدٌ منهم لم يُنْكِرْ نبوّتَه ولا رسالتَه، ولو لم يحفظ أسماءهم فإن الحفظ لا يجب فمن أنكر نبوة واحد من هؤلاء أو رسالته فقد كفر، لكن العامي لا يحكم عليه بالكفر، إلا إن أنكر بعد تعلمه. الإيمان الإجمالي ببقيتهم: ويجب الإيمان إجمالاً في غير هؤلاء بأن يصدق بوجودهم ونبوّتهم وإرسالهم ويصدّق بأن لله رسلاً وأنبياء، فمن لم يؤمن بهم كذلك لم يصح إيمانه فيكون كافراً. الأشخاص المختلف في نبوتهم: والمختلف في نبوتهم ثلاثة: ذو القرنين1 والعزير2 ولقمان3، واختُلف في الخضر4 أيضاً، فقيل: إنه نبي ورسول. وقيل: نبي فقط. وقيل: ولىّ وهو باق إلى الآن أعطي علم الشريعة والحقيقة، ويجتمع مع إلياس كل سنة بمكة, ويشربان من ماء زمزم شربة إلى العام القابل، وطعامها الكرفس، فإلياس موكل بالبرِّ، والخضر موكل بالبحر، كذا قاله عيسى البراوي1 وأحمد البيلي2 والشيخ يوسف السنبلاويني3. شرح وبيان كيف يؤمن الإنسان باليوم الآخر بيان معنى اليوم الآخر، وبدايته، وأسمائه، وموت الخلائق فيه، ومعنى الموت عند أهل السنة، وأنه يكون بانتهاء الأجل، وذكر المستثنيين من الموت، وبيان الإحياء للأموات في القبر، وسؤال الملكين، معنى التعذيب والتنعيم في القبر، وأنه بالروح والجسد، وذكر أنواع التعذيب للكفار فيه، وضغطة القبر، وبين إرجاع الأرواح إلى الأبدان يوم القيامة، وما يتبع ذلك من النفخ، والبعث، والحشر، والعرض، والحساب، وتوزيع الكتب، ونصب الميزان، وحكم الله بالعدل بين الخلائق، والشفاعة، وبيان مصير الملائكة وغيرهم من المخلوقات، وبيان مصير المؤمنين والكافرين، ومصير الجنة والنار وأهلهما، ثم ذكر حكم من ينكر هذه العقائد. مسألة: (إذا قيل لك: وكيف تؤمن باليوم الآخر؟) أي: بوجوده، فأوّله من النفخة الثانية وهي نفخة البعث، وسُمي ذلك اليومُ بالآخر لأنه آخرُ أيام الدنيا، وسُمي أيضاً بالقيامة لقيام الناس فيه من قبورِهم ووقوفِهم بين يدي رب العالمين. (فالجواب) أن تقول: (إنَّ اللهَ تعالى يُميت الخلائق) أي: جميعَ الحيواناتِ من ذوي الروحِ (كلِّهم), ﭧ ﭨ ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [العنكبوت ] , و"الموت": لا يكون إلاَّ بالأجل، وهو الوقتُ الذي كتب اللهُ في الأزل انتهاءَ حياتِه فيه، فلا يَموت أحدٌ بدونه، مقتولاً كان أو غيرَه لقوله تعالى: ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ آ [آل عمران], أي: وما كان لنفس أنْ تَموت إلا بقضاءِ اللهِ ومشيئتِه أو بإذنهِ لملَكِ الموتِ في قبضِه روحَه، كتب اللهُ ذلك الموتَ كتاباً مؤقتاً لا يتقدمُ ولا يتأخرُ (إلاَّ مَنْ كان في الجنة والنار)، ثم يُحْيي اللهُ الميتَ بإعادة الروح إلى جميع البدن لأجل سؤال الملكين: منكر ونكير، وبعد السؤال يُخرِجُ منه الروحَ ويُعذبُ من أراد تعذيبَه بأنْ يخلق اللهُ في الميت نوعَ حياةٍ بسبب اتصال الروحِ بجسده، كاتصال شعاع الشمس بالأرض بقدر ما يُدْرِكُ الألمَ، فيتألم الروحُ مع الجسدِ، وإنْ كان خارجاً منه. و"الكافرُ" عذابُه دائمٌ إلى يوم القيامة، ويُرفع عن "المؤمنِ" العذابُ في يوم الجمعة وفي شهر رمضان لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنْ مات يومَ الجمعةِ أو ليلتَه يكون العذابُ ساعةً واحدةً, وضغطةُ القبرِ كذلك، ثم ينقطع ولا يعود إلى يوم القيامة. (ويُحييهم اللهُ تعالى) بعد فنائهم بإعادة أرواحهم إلى أجسادهم، ﭧ ﭨ ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [البقرة], ويكون الإحياء بنفخة البعث بعد إماتتهم بنفخة الصعق، وبين النفختين أربعون سنة، ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ [الزمر], (و) بعد إحيائهم يسوقهم حفاةً عراةً غرلاً إلى أرض المحشر أرض بيضاء لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، و(يحشرهم) أي: يجمعهم للعرض والحساب، ﭧ ﭨ ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ [التغابن], (ويحاسبُهم)، قال الله تعالى: ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [الأنبياء]: فمنهم من يُحاسب حساباً شديداً على رؤوس الأشهاد لفضيحته، وهو من يُعطى في ذلك اليوم كتابَ عملِه الذي كتبتْه الملائكةُ الحفظةُ أيامَ حياتِه من وراءِ ظهرِه، وهو الكافرُ أو المنافقُ, فتغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره، فيأخذ بها كتابه. ومنهم من لا يحاسبه الله على يد أحد من الملائكة، ولا غيرهم ستراً على ذلك المحاسب، وإنما يحاسبه المولى بينه وبينه, ويَعْرِضُ عملَه عليه بأنْ يقولَ له: هذه أفعالُك التي فعلْتها في دار الدنيا وسترتها عليك، واليوم أغفرها, وهو من يُعطى في ذلك اليوم كتابَ عملِه من أمامه، وهو المؤمن المطيع. وكتبُ الأعمالِ جُعلتْ بعد موت صاحبها في خزانة تحت العرش، فإذا كانوا في الموقف بعث اللهُ ريحاً فتطيرها، فكل صحيفة تلتصق بعنق صاحبها لا تتجاوزه، ثم تأخذها الملائكة من الأعناق فيعطونها إليهم في أيديهم فيأخذونها. وأول من يأخذ كتابه بيمينه عمرُ بنُ الخطابِ وله شعاع كشعاع الشمس، وأما أبو بكر فهو رئيس السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فهم لم يأخذوا صحائف، وبعد عمر أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي, أول من يأخذ كتابه بشماله أخوه الأسود بن عبد الأسد. ثم إذا أخذ العبدُ كتابَه وَجَدَ حروفَه نيرةً أو مظلمةً على حسْب الأعمالِ الحسنةِ أو القبيحةِ. وأول خط في الصحائف ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [الإسراء] ، فإذا قرأه ابيضَّ وجهُهُ إْن كان مؤمناً، واسودَّ إنْ كان كافراً، وذلك قوله تعالى: ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ [آل عمران]. وقد ورد في الحديث: "إنَّ أولَ من يُحاسبُ اللهُ تعالى اللوحَ المحفوظَ" _ بحيث يُرَكِّبُ فيه إدراكاً وعقلاً ونطقاً _: فيُدعى به، فترتعد فرائصُه: فيقول له: هل بلغت ما فيك لإسرافيل؟ فيقول: بلغت. فيُدعى بإسرافيل فترتعد فرائصه خوفاً من الله فيقول له: ما صنعت فيما روى إليك اللوح؟ فيقول: بلغته لجبريل. فيدعى بجبريل فترتعد فرائصه فيقول له: ما صنعت فيما رواه إليك إسرافيل؟ فيقول: بلغته إلى الرسل. فيدعى بهم فيقول لهم: ما صنعتم فيما رواه إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغناه إلى الناس, فيُسألون عن عمرهم فيم أفنوه، وعن شبابهم فيم أبلوه، وعن أموالهم من أين اكتسبوها وفيم أنفقوها، وعن علومهم ماذا عملوا بها، وذلك قوله تعالى: ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ [الأعراف]، ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ [الحجر]. ثم ينصبُ اللهُ " الميزانَ ", وتشخصُ الأبصارُ إلى الكتب أتقعُ في اليمين أو في الشمال، ثم إلى لسان الميزان أيميل إلى جانب السيئات أو إلى جانب الحسنات, (ويحكم بينهم بالعدل), وأول ما يقضى في الموقف في "الصلاة"، ثم بعدها "الدعاوى"، من قتل نفسا بغير نفس. ثم يساقون إلى " الصراط "، وهو جسر ممدود على متن النار بين الموقف والجنة، فإن النار بينهما، أرق من الشعرة وأحدّ من السيف، فهو مثل الموسى، فالناجون يجوزونه كلمحة البصر, ثم كالبرق, ثم كالريح, ثم كالطير, ثم كالخيل, ثم يجوزونه, سعياً, ثم مشياً, ثم حبواً, ثم زحفاً, فهم يتفاوتون كالهالكين، فمنهم من يُكَبُّ بأول قدم1, وهو الذي يكون آخر الخارجين من النار، ومنهم من يكب عند آخر قدم، فيكون أول الخارجين منها، وتفاوت المرور بحسْب التفاوت في الأعمال الصالحة والإعراض عن حرمات الله تعالى إذا خطرت على القلوب. وأول من يأتي إلى النار "قابيل" الذي قتل أخاه "هابيل" بغير حق، لأنه أول من أظهر هذه الخصلة، وهذا أول من يدخلها من الإنس، و"إبليس" هو أول من يدخلها من الجن. (فمن كان) أي: فالذي وجد (من الملائكة والجن والإنس فإنهم يتلاشون)، أي: يموتون، لكن لا يموت أحدٌ من الملائكة قبل النفخة الأولى، بل بها إلا حملة العرش والملائكة الأربعة، فإنهم يموتون بعدها ويحيون قبل النفخة الثانية، وآخر من يموت ملك الموت، كذا قال الشرقاوي1. وقيل: إن حملة العرش لا يموتون لأنهم خلقوا للبقاء. (فمن كان فاسقاً) أي: خارجاً عن أمر الله بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة، ولم تَغْلِبْ طاعاتُه على معاصيِه (لم يبق في النار بعد الحساب) أي: بعد فراغ مقدار ذنبه، لأن ذلك لا يخرجه عن الإيمان إلا إذا اعتقد حلَّ المعصيةِ سواءً كانت كبيرةً أم صغيرةً, لأنَّ الإيمانَ عند الأشاعرة ومحققي الماتريدية تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار من القادر فهو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية التي من جملتها وجوب اعتقاد أنهم غيرُ مخلدين في النار, وإذا كان الإيمان هو التصديق لزم أن لا يخرج العبد عن الاتصاف به إلا بما ينافيه من "الكفر"، وهو عدم التصديق بما علم ضرورة مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به، أو الامتناع من شرطه وهو النطق بالشهادتين مع القدرة. وكما أنَّ العصاةَ من المؤمنين لا خلود لهم في النار، كذلك "الشفاعة" لا تصل للكفار، ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ [المدثر]. وللرسلِ شفاعاتٌ غيرُ محصورةٍ أعظمُها الشفاعةُ التي ردها الرسل، وهي الشفاعة لإنقاذ الخلق من خوف شديد ومن فزع. ولُقِّبتْ هذه الشفاعة بالعظمى لكونها تعمّ الخلق أجمع, وبالمقام المحمود أيضاً لكونه يحمده صلى الله عليه وسلم فيها الأولون والآخرون. ثم الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم كالتي قبلها. ثم الشفاعة فيمن استحقوا دخول النار فلم يدخلوها. ثم الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة ثم الشفاعة في قوم من الصلحاء، ليتجاوز الله عنهم في تقصيرهم في الطاعات. ثم الشفاعة في اخراج من أدخل النار من الموحدين، وهذه لا تختص به صلى الله عليه وسلم بل يشاركه فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون. ثم الشفاعة في تخفيف العذاب لمن استحق الخلود في النار في بعض أوقات كأبي طالب. ثم الشفاعة في أطفال المشركين ليدخلوا الجنة. ثم شفاعته صلى الله عليه وسلم: لمن مات بالمدينة. ولمن صبر على لأوائها. ولمن زاره صلى الله عليه وسلم بعد موته. ولمن أجاب المؤذن ودعا له صلى الله عليه وسلم بالوسيلة. ولمن صلى عليه ليلة الجمعة ويومها. ولمن حفظ أربعين حديثاً في أمر الدين وعمل بها. ولمن صام شعبان لحبه صلى الله عليه وسلم صيامه. ولمن مدح آل البيت وأثنى عليهم. (وأما المؤمنون) أي: الذين ماتوا على دين الإسلام وإنْ تقدم منهم كفرٌ (ففي الجنة خالدون), ولا يصح أن يدخلوا الجنة ثم يدخلوا النار، لأن من يدخل الجنة لا يخرج منها، ﭧ ﭨ ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ [الحجر], فالدخول في الجنة إما بدون دخول النار بالمرة أو بعد دخول النار بقدر الذنب. (وأما الكافرون) من الإنس والجن، أي: الذين ماتوا على الكفر وإن عاشوا طول عمرهم على الإيمان (ففي النار خالدون) فلا يزالون فيها معذبين إما بالحيات أو بالعقارب أو بالضرب أو بغير ذلك. بيان أقسام الناس في الشريعة الإسلامية: والحاصل أن الناس على قسمين: " مؤمنٌٍ " و" كافرٌٍ ": "فالكافر" مخلد في النار. و"المؤمن" على قسمين: "طائع" و"عاص": "فالطائع" في الجنة. و"العاصي" على قسمين: "تائب" و"غير تائب": "فالتائب" في الجنة. و"غير التائب" في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة بفضله وكرمه، وذلك ببركة الإيمان والطاعة أو بشفاعة بعض الأخيار، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه صغيراً كان أو كبيراً، ثم آخر أمره الجنة، فلا يخلد في النار. بيان حكم الجنة والنار وأهلهما: (ولا تفنى الجنة), وهي سبعة: فردوس ثم عدن، ثم خلد, ثم نعيم, ثم مأوى, ثم دار السلام, ثم دار الجلال، وكلها متصلة بمقام صاحب الوسيلة صلى الله عليه وسلم ليتنعم أهل الجنة بمشاهدته صلى الله عليه وسلم, لأنه صلى الله عليه وسلم يظهر لهم منها، فهي مشرفة على أهل الجنة كما أن الشمس مشرقة على أهل الدنيا. (والنار) وطبقاتها سبع أعلاها: جهنم, وهي لعصاة المؤمنين، ثم لظى لليهود، ثم الحطمة للنصارى، ثم السعير للصابئين، وهم فرقة من اليهود، ثم سقر للمجوس, ثم الجحيم لعبدة الأصنام، ثم الهاوية للمنافقين. (ولا أهلهما) من الحور العين والولدان وخزنة الجنة، وملائكة العذاب, والعقارب, والحيات. وقال الشربيني1 نقلاً عن النسفي2: سبعةٌ لا تفنى: العرش, والكرسي, واللوح, والقلم, والجنة, والنار بأهلهما, والأرواح، اهـ. واختُلف في تفسير قوله تعالى: ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [القصص], فإن كان معنى كونِ الشيء _ هالكاً _ كونُه قابلاً للهلك في ذاته، لأنَّ كل ما عاده تعالى ممكن الوجود قابل العدم، فهذه السبعة محمولة على هذا المعنى، وإن كان معنى كونِه _ هالكاً _ كونه خارجاً عن كونه منتفعاً به بالإماتة أو تفريق الأجزاء، فهذه مستثناة من الهلاك. حكم من يشك في شيء من هذه العقائد: (ومن شك في شيء من هذه الأشياء) المذكورة (فقد كفر). شرح وبيان كيف يؤمن الإنسان بالقضاء والقدر مسألة:"أفعال الإنسان" الخيرُ والشرُ من خلق الله تعالى عند أهل السنة والشرُ والخير من خلق الإنسان عند المعتزلة والشيعة بيان كيف يؤمن المكلف بالقدر: مسألة: (إذا قيل لك: وكيف تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى؟) (فالجواب) أنْ تقولَ: (إنَّ اللهَ) تعالى (خلق الخلائق وأمر) بالطاعات، (ونهى) عن السيئات, (وخلق اللوح)، وهو لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب, وحافتاه الدرّ والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء, وأصله في حِجْرِ ملك، وهو في الهواء فوق السماء. وعن ابن عباس أنه قال: إنَّ في صدر اللوح: لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام, ومحمد عبده ورسوله, فمن آمن بالله عز وجل، وصدّق بوعيده واتبع رسله أدخله الجنة1. (والقلم), وهو قلم من نور، طوله كما بين السماء والأرض2. وعن ابن عباس أنه قال: أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب، قال له: ما أكتب، قال: ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو شر، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وروى مجاهد الحديث: "أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال: اكتب المقدر، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وإنما يجري في الناس على أمر قد فرغ منه1"، وذلك هو المراد بقوله رحمه الله تعالى: (وأمرهما أن يكتبا أعمال العباد)، ﭧ ﭨ ﭽ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ [ القمر] أي: إنا كل شيء من الأشياء المخلوقة صغيرِها وكبيرِها خلقناه بقدر وقضاءٍ وحكمٍ وقياسٍ مضبوطٍ, وقسمةٍ محدودةٍ, وقوةٍ بالغةٍ، وتدبيرٍ مُحْكَمٍ في وقت معلوم ومكان محدود, مكتوب ذلك في اللوح قبل وقوعه، وﭧ ﭨ ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ [القمر] أي: وكل صغير وكبير من الخلق وأعمالهم وآجالهم مكتوب في اللوح المحفوظ من الشياطين ومن الزيادة فيه والنقصان. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام1"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره2". بيان أن الطاعة والمعصية بقضاء الله وقدره عند أهل السنة: 1ـ (فالطاعة)، وهي: ما يثاب به، (بقضاء الله تعالى وقدره في الأزل)، أي: القِدَمِ، (وإرادتهِ وأمرهِ ورضاهُ3) ومحبتهِ وتوفيقهِ وتخليقهِ. قال بعضهم: "القضاء": إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه. و"القدر": إيجاده إياها على ما يطابق العلم. "فالقضاء" بمنزلة الأساس، و"القدر" بمنزلة البناء، والقضاء بمنزلة آلة الكيل، والقدر بمنزلة المكيل، والقضاء بمنزلة ما أعد اللبس، والقدر بمنزلة اللبس، والقضاء بمنزلة تصوير النقاش الصورة في ذهنه، والقدر بمنزلة رسمها. 2ـ (والعصيان) وهو ما يعاقب عليه (بقضاء الله تعالى وقدره وإرادته)، أي: مشيئته (في الأزل) أي: القدم وتخليقه وخذلانه (وليس بأمره ولا برضاه) ولا بمحبته ولا بتوفيقه. واعلم أنَّ " مدلولَ الأمر ِ" غيرُ " مدلول الإرادة "، فقد ينفك " الأمر " عن " الإرادة "، كما إذا قتل ابنُ الحاكمِ رجلاً عمداً، فإنَّ الحاكمَ يأمره بقتل ابنه، ولا يكون مريداً له، ومعنى " الرضا " قبول الشيء والإثابة عليه أو ترك التعذيب عليه. وأما "المباحات" فليست بأمره تعالى، فكل ما علم الله تعالى أنه يوجد أراد وجوده سواء أمر به أو لم يأمر. ثم اعلم أن الكافر مأمور بالعمل كما هو مأمور بالإيمان, وهذا عند الشافعية ، خلافاً للحنفي حيث قال: إن الكافر لا يكون مأموراً بالعمل بل هو مأمور بالإيمان ودليله قوله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭼ [الحج], بناءً على أنَّ تفسير هذه الآية عنده: يا أيها المؤمنون أطيعوا، ويا أيها الكافرون آمنوا، ويا أيها المنافقون أخلِصوا، فإن الناس على ثلاثة أصناف: مؤمن مخلص في إيمانه: وهو الذي يقرّ باللسان ويصدق بالجنان ويعمل بالأركان. وكافر جاحد في كفره: وهو الذي لم يقر بلسانه ولم يؤمن بقلبه. ومنافق مداهن في نفاقه: وهو الذي أقرّ بلسانه ولم يؤمن بقلبه وداهن مع المؤمنون (وهم يثابون) على الطاعة (ويعاقبون) على العصيان (وكل ذلك)، أي: الثواب والعقاب، (بوعده تعالى) في الطاعة (ووعيده) في العصيان، ﭧ ﭨ ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯳ ﭼ [النازعات] أي: قيامه بين يدي ربه: ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﭼ [النازعات]. فصل في أحكام الإيمان [الحكم الأول]: هل أصل الإيمان يتجزأ؟ مسألة: (إذا قيل قيل لك: الإيمان) أي: أصله (يتجزأ) أي: يقبل القسمة بأن يجعل أجزاء (أم لا), قوله: الإيمان _ بمد الهمزة _ إذ أصله: الإيمان _ بهمزتين _ فقُلبت الثانيةُ ألفاً فتمد مداً لازماً. (فالجواب) أن تقول: (الإيمان لا يتجزأ، لأنه) أي: الإيمان: (نورٌ في القلبِ والعقلِ والروحِ من بني آدم، إذ هو) أي: الإيمان (هداية الله تعالى عليه)، أي: المؤمن (فمن أنكر) أي: جحد (شيئاً منها) أي: من كون الإيمان هداية الله تعالى (فقد كفر). [الحكم الثاني]: تعريف الإيمان: مسألة: (إذا قيل لك: ما المراد بالإيمان؟) الذي هو نور وهداية من الله تعالى. (فالجواب) أن تقول: ( " الإيمان " عبارة عن " التوحيد "), وحدّ " التوحيد " عند " علماء الكلام ": إفراد المعبود بالعبادة مَعَ اعتقادِ وَحْدَتِهِ ذاتاً وصفات وأفعالاً، ويقال أيضاً: هو اعتقاد ما يجب لله ورسله، وما يجوز وما يستحيل. وأما عند " أهل التصوف ": فهو أن لا يُرى إلا اللهُ تعالى, بمعنى أنَّ كلَّ فعلٍ وحركةٍ وسكونٍ واقع ذلك في الكون، فمن الله تعالى وحده لا شريك له, لا يرون لغيره تعالى فعلاً أصلاً. وقد يُراد بالإيمانِ علامتُه1 كقوله صلى الله عليه وسلم لقوم من العرب قدموا عليه صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الإيمان بالله تعالى وحده؟" فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس2". [الحكم الثالث]: التفريق بين "أصل" الإيمان وبين "كماله" من أركانه وشروطه وشعبه: مسألة: (إذا قيل لك: الصلاةُ) أي: الخمس, (والصومُ) أي: في رمضان, (والزكاةُ) أي: للأموال والأبدان, (وحبُ الملائكةِ وحبُ الكتب) أي: السماوية التي أنزلها الله على بعض الرسل, (وحب الرسل) والأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – (وحبُ القَدَرِ خيرِه وشرِه من اللهِ تعالى، وغير ذلك من الأمر والنهي واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم أهو) أي: المذكور (من الإيمان) أي: من حقيقته وأصله (أم لا؟ ). (فالجواب) أن تقول: (لا) أي: إن ذلك ليس من حقيقة الإيمان وأصله، بل هو فرع الإيمان, (لأن الإيمان عبارة عن التوحيد) كما تقدم, (وما سوى ذلك) أي: المذكور (شرط من شرائط الإيمان) وشعبة من شعب الإيمان، لأنَّ من شرطِ صحةِ الإيمان حبُّ اللهِ, وملائكته, وأنبيائه, وأوليائه, وخوف عذاب الله, ورجاء رحمة الله, وتعظيم أمر الله ونهيه، وبغض أعداء الله وهم الكفار. وأما الصلاة والصوم والزكاة والحج فهي " شرطُ كمالٍ " على المختار عند أهل السنة، فمن تركها واعتقد وجوبها عليه أو ترك واحداً منها كذلك فهو مؤمن كامل في جريان أحكام المؤمنين في الدنيا والآخرة، لأن مرجعه إلى الجنة وإن دخل النار إن لم ينل شفاعة من أحد الشافعين أو غفراناً من الله تعالى، وهو مؤمن ناقص من جهة ضعف الإيمان لتركه لبعض المأمورات، وإن تركها معانداً للشرع، أو شاكاً في وجوبها فهو كافر إجماعاً وكذا إن ترك واحداً منها كذلك، لأنها معلومة من أدلة الدين بالضرورة. واعلم أن أمور الدين أربعة: أولها: صحة العقد : بأن تعتقد اعتقاداً صحيحاً خالياً عن الترديد والشُبَهِ من ضلالات أهل الأهواء. وثانيها: صدق القصد: بأن تكون صادقاً في قصدك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات". وثالثها: الوفاء بالعهد: فإذا عاهدت عهداً تفي به لئلا يكون فيك خصلة من النفاق لأن من خصال المنافق إذا عاهد غدر. ورابعها: اجتناب الحد, بأن تجتنب المعاصيَ كلَّها. تنبيه: فلو قيل لك: " الكفر " يكون " بقضاء " الله تعالى و" قدره ", و" الرضا " بالقضاء والقدر واجب، والرضا بالكفر كفر، فكيف اجتماع الواجب والكفر. قلت: "الكفر" مقضيٌ ومقدور لا "قضاء" وقدر", والرضا إنما يجب بالقضاء والقدر دون المقضي والمقدور. وأيضاً الشيء المخالف للشرع يكرهه العبد من حيث ذاته، وأما من حيث كونه مقضياً فيرضى به بمعنى لا يعترض على مراد الله تعالى فيه، ولا يكلف العبد بمحبته ولو من حيث أنه مقضي، وإنما هو مكلف بترك الاعتراض على الله واعتقاد الحكمة على ذلك والعدل على الله. [الحكم الرابع]: أن الإيمان بصفة الطهارة والكفر بصفة النجاسة والحدث: مسألة: (إذا قيل لك: الإيمان بصفة الطهارة أم لا؟) (فالجواب) أنْ نقولَ: (الإيمانُ) متلبسٌ (بصفة الطهارة ), فيصح به جميعُ الأعمالِ, (والكفرُ بصفة الحَدَثِ) أو بصفة النجس كما ﭧ ﭨ ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [التوبة] أي: في اعتقادهم دون أبدانهم, (وينتقض) أي: يبطل (به) أي: الكفر (جميع الجوارح) أي: الأعمال التي يعملها بأعضائه، لكنْ لو أسلم الكافرُ أُثيبَ على ما فعله من القرب التي لا تحتاج إلى نية كصدقة, وصلة, وعتق, ونحكم بالصحة من حينئذ، كما نقله الونائي عن النووي، ودليل ذلك قوله تعالى: ﭽ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [المائدة] أي: ومن يرتد عن الإيمان فقد بطل عملُه الصالحُ قبل ذلك، فلا يعتد به ولا يثاب عليه، ولو عاد إلى الإسلام، وهو في الآخرة من الخاسرين إذا مات على الكفر، والمعنى: ومن يكفر بكلمة التوحيد، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، فقد فسد عمله الصالح. أما من أسلم قبل الموت فإن ثوابه يفسد دون عمله فلا يجب عليه إعادة حج قد فعله ولا صلاة قد صلاها قبل الردة. [الحكم الخامس]: أن الإيمان مخلوق: مسألة: (إذا قيل لك: الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟) (فالجواب) أن تقول: (الإيمان هداية من الله تعالى, والتصديق بالقلب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى, والإقرار) بالشهادتين (باللسان. "فالهداية" صنع الرب, وهو قديم. و" التصديق" و"الإقرار ") كل منهما (فعل العبد وهو محدَث) _ بفتح الدال، أي: موُْجَدٌ بعد العدم, (وكل ما جاء من القديم يكون قديماً) غير مخلوق, (وكل ما جاء من المُحْدَثِ يكون محدثاً), وقال الشيخ أبو معين النسفي1: لا يقال إنَّ الإيمانَ مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ، بل يقال: إنَّ الإيمانَ من العبدِ الإقرارُ باللسانِ والتصديقُ بالقلبِ ومن الله تعالى الهداية والتوفيق. وقال بعضُهم: لا يجوز أن يكون الإيمان اسماً للهداية والتوفيق، وإن كان لا يوجد إلا بهما لأن العبد مأمور به والأمر إنما يكون فيما هو داخل تحت قدرة العبد، وما كان كذلك يكون مخلوقاً؟ وقال الباجوري1: الصوابُ أنَّ الإيمانَ مخلوقُ لأنه إما تصديقٌ بالجنانِ أو هو مع الإقرار باللسان، وكل منهما مخلوقٌ، وما يقال من إنه قديم باعتبار الهداية خروجٌ عن حقيقة الإيمان على أن الهداية حادثة، نعم إن نظرنا إلى أن الإيمان بالقضاء الأزلي صح أن يقال إنه قديم، اهـ. وقال محمد الخليلي2 نقلاً عن الشمس الرملي3 و" الإيمان " عند جمهور المحققين: تصديق القلب بما علم ضرورة مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم به من عند الله تعالى، وأما الإقرار باللسان فإنما هو شرط لإجراء الأحكام في الدنيا. وقيل: إنه الإقرار والتصديق معاً. وقيل: إنه الإقرار والأعمال. وعلى كلِّ قولٍ منها هو مخلوقٌ، لأنه فعل العبد المخلوق لقوله تعالى: ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الصافات]. وأما قول أبي الليث السمرقندي في جواب: [ إنه مخلوق أو: لا ]: الإيمانُ إقرارٌ وهدايةٌ, فالإقرار صنع العبد, وهو مخلوق, والهداية صنع الرب, وهو غير مخلوق، ففي ذلك تسمح، لأنَّ هدايةَ اللهِ تعالى للعبدِ سببُ الإيمانِ لا جزءٌ منه، والمسؤول عنه نفس الإيمان لا هو وسببه معاً, والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. 1 وهو علم الأخلاق الشامل لآداب القلوب والجوارح والسلوك مع الناس. والمقصود هنا علم التصوف المقيد بالكتاب والسنة الخالي من البدع والانحرافات. 1 وهي هذه الرسالة التي نطبعها في هذا الكتاب بشرح الإمام المحقق والعلامة المدقق محمد نووي الجاوي، رحمه الله تعالى. 1 تاريخ الشعراء الحضرميين: [3 : 171]، وفيه ذكر وفاته بمكة سنة "1316هـ"، وفهرس الخزانة التيمورية: [307-8]، وهو فيه: (المتوفى سنة 1312هـ على ما اخبرنا به أحد فضلاء جاوة), والكتبخانة: [2: 36 و37 و58 و59 و134 و165 و168 ثم 3: 263 و274 و287]. والأعلام للزركلي، ص319. 2 للشيخ نووي جاوي. 1 لأبي عبد الله محمد بن قاسم العبادي الشافعي تلميذ الجلال المحلي. 2 للقاضي أبي شجاع، أحمد بن الحسين أحمد الأصفهاني، الشافعي. 1 حصل خلاف بين العلماء في لفظ الجلالة: أمنقول هو أو مشتق أو موضوع أصلا هكذا؟ وقد قال بكلٍ مذهبٌ من مذاهب العلماء، والراجح هو ما رجحه الشارح، رحمه الله تعالى. واعلم أن اللفظ من حيث حقيقته ينقسم إلى المرتجل، والمنقول، والمشتق. أما المرتجل فهو اللفظ المستعمل في غير المعنى الموضوع له بدون وجود علاقة أو مناسبة كـ (أسماء الأعلام) نحو: صالح ورشيد. وأما المنقول فهو اللفظ الذي نقل من استعماله في معناه اللغوي ليستعمل في معنى آخر لوجود مناسبة أو علاقة بينهما، إما شرعي نحو لفظة الصلاة نقلت من الدعاء إلى الأقوال والأفعال المخصوصة، وإما عرفي. وأما المشتق فكاشتقاق اسم الفاعل أو اسم المفعول. قال الإمام السنوسي في عقيدته "شرح الوسطى" ص27 : اعلم أنه كما تحيرت الأوهام في ذاته وصفاته كذلك تحيرت في "لفظ" الجلالة، الدلالة عليه جل وعلا في أنه اسمٌ أو صفةٌ مشتقٌ أو غيرُ مشتقٍ، علمٌ أو غيرُ علمٍ إلى غير ذلك. والحق أن هذا الاسم الكريم علمٌ عليه جل وعلا ولا اشتقاق له....الخ. وقال في "شرح المواقف": (الله): هو اسم خاص بذاته تعالى, لا يطلق على غيره أصلاً. فقيل: هو علم جامد لا اشتقاق له, وهو أحد قولي الخليل وسببويه, والمروي عن أبي حنيفة والشافعي والغزالي. وقيل مشتق, أصله: الإله, حذفت الهمزة الثانية لثقلها وأدغم اللام, وهو من "ألَه" ـ بفتح اللام ـ أي: عبد إذا تعبد. أقول: معنى "تعبد": اتخذ غيره عبدا,, فمعنى "أله" حينئذ: تأله. وقيل: من "الوله", وهو الحيرة, ومرجعهما "صفة إضافية" هي: كونه معبوداً للخلائق ومحاراً للعقول, أي: محل حيرة. 1 لم أجده في التسعة. 1 ههنا أربع مسائل: بيان "حقيقة" الإيمان، وبيان "متعلقات" الإيمان، وبيان "أحوال" الإيمان، وبيان مراتب الإيمان: أما حقيقته: فالتصديق والجزم القلبي بكل أمر من الأمور التي أخبر عنها الدين. وأما متعلقاته: فالأمور والمسائل، كعذاب القبر، والصراط، والميزان، والإيمان بالله تعالى والرسل، وغيرها. وأما أحوال الإيمان فحالتان: حالة اليأس، وحالة غير اليأس، وسيتكلم عليهما المؤلف، و على التفريق بين ذلك وبين توبة اليائس. وأما مراتب الإيمان فثلاثة: إيمان تقليد، وإيمان تحقيق، وإيمان استدلال. وبقي عليك أن تعرف "أركان" الإيمان، و"شروطه"، و"علاماته". 2 رواه البخاري في كتاب الإيمان. ومسلم في كتاب الإيمان. والنسائي في كتاب الإيمان وشرائعه. وأبو داود في كتاب السنة. والترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله. وابن ماجة في المقدمة وكتابي الإيمان والفتن. وأحمد في المسند في مسند العشرة المبشرين وباقي مسند المكثرين. 1 ففرق بين إيمان اليائس، وبين توبة اليائس، فتنبه. 2 رواه الترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله. وأحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، ومسند المكيين. 1 كلام الله تعالى يدل ويتعلق بثلاثة أقسام من الأمور، الأمور الواجبة، كذاته تعالى وصفاته وأسمائه، والأمور المستحيلة، كشريك الله تعالى، والأمور الجائزة، أي: التي يصح خلقها وإيجادها ويصح إعدامها وإفناؤها. 2 الكلام نوعان، الكلام المنزل، وهو القرآن الذي نزل على سيدنا محمد، وهو الملفوظ المركب من الأصوات والحروف العربية، والنوع الثاني، الكلام الأزلي، القائم بذات الله تعالى، ويسمى في اصطلاح العلماء بالكلام النفسي، وهو عبارة عن معنى أزلي وليس بحروف ولا أصوات، وكلام الله النفسي دالٌ ومتعلقٌ بكل أمر علمه تعالى بعلمه، ومعلومات الله لا نهاية لها، فكذا متعلقات كلامه لا نهاية له، وأما القرآن المنزل والموجود بين دفتي المصحف فيدل على بعض ما يدل عليه الكلام الأزلي. 1 أحمد بن قاسم الصبَّاغ العبادي القاهري الشافعي الأزهري، لقبه شهاب الدين، وكنيته أبو العباس. من شيوخه: قطب الدين الصفوي: (957هـ)، والشيخ شهاب الدين أحمد البرلسي:(953هـ)، والشهاب أحمد الرملي:(957هـ)، والشيخ محمد ناصر الدين اللقاني:(985هـ). وأكثر المؤرخين على أن وفاته كانت سنة:(994هـ)،وقيل غير ذلك. قال نجم الدين الغزي في الكواكب السائرة: توفي الشهاب القاسمي سنة (994هـ) عائدا من الحج، ودفن بالمدينة المنورة، كما قرأته بخط تلميذه ابن داود المقدسي رحمه الله. وله من المؤلفات: شرح متن الغاية والتقريب في الفقه الشافعي، وهو الذي عليه حاشية البيجوري. وحاشية جليلة جدا على شرح ابن حجر الهيتمي على متن منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى. وشرحان على متن الورقات في أصول الفقه، مطول، وهو على نفس متن الورقات، وهو مطبوع، وهو نفيس جدا، ومختصر شرح فيه شرح الإمام جلال الدين المحلي على الورقات، وهو مطبوع. انظر ترجمة ابن قاسم في: شذرات الذهب(8/433)، هدية العارفين: (1/149)، الكواكب السائرة: (3/124)، إيضاح المكنون: (1/423)، الأعلام: (1/19). 2 يعني: أن القرآن الذي بين أيدينا دالٌ على كلام الله الأزلي القديم القائم بذاته تعالى والذي لا ينفك عن ذات الله تعالى. 1 المدلول هو الأمور التي تفهم وتستفاد من ألفاظ القرآن المنزل، أو التي تعلق بها كلام الله الأزلي، وعليه نقول: إذا كانت ألفاظ القرأن تتحدث عن الله تعالى وصفاته، فلا شك أن مدلول تلك الألفاظ يكون قديما أزليا، وكذا الحال في كلام الله الأزلي المتعلق بالله وصفاته، وإذا كانت ألفاظ القرأن تتحدث عن أفعال الله ومخلوقاته فلا شك أن المدلول يكون مخلوقا حادثا، وكذا الحال في كلام الله الأزلي المتعلق بأفعاله تعالى ومخلوقاته، ويبقى فيما إذا تعلق الكلامان: "الأزلي" و"المنزل" بالأمور المستحيلة ، فالمدلولات المستحيلة لا تتصف لا بالقدم ولا الأزلية، وبهذا تفرق بين الدال، وهو إما كلام الله المنزل وإما كلام الله الأزلي، وبين مدلوليهما، وأن مدلولات الكلام المنزل أقل من مدلولات الكلام الأزلي. واعلم أن المعتزلة والشيعة وابن تيمية ومن تبعه من السلفية والوهابية لايفرقون بين الكلام الإلهي القديم الأزلي وبين كلام الله تعالى المنزل، فهؤلاء ذهبوا جميعا إلى أن لله كلاما بمعنى واحد وهو الحروف والأصوات العربية، إلاَّ أن الفارق الوحيد بين هؤلاء ليس في حقيقة صفة الكلام الإلهي، فهم متفقون على أنها الأصوات والحروف العربية، ولكنهم مختلفون في المحل الذي يخلق الله كلامه الصوتي أو الحرفي فيه: فمذهب المعتزلة والشيعة أن الله يخلق حروفه وأصواته خارج ذاته كأن يخلقها في اللوح المحفوظ مثلاً أو في غيره. ومذهب ابن تيمية أنه تعالى يخلق حروفه وأصواته في داخل ذاته ثم يلفظها خارجها، وهذا في الحقيقة الغاية في التشبيه والتجسيم. ونستخلص من ذلك أن المعتزلة والشيعة وابن تيمية وأتباعه من السلفية والوهابية قائلون ببدعة خلق القرآن وذلك لقولهم بصوتية وحرفية الكلام الإلهي، ثم إن ابن تيمية وأتباعه زادوا على البدعة الأولى بدعة أخرى وهي كون ذات الله محلا ومكانا يخلق الله فيها أصواته وحروفه.، وهذا تجسيم، فاجتمع في مذهبه بدعتا التجسيم والقول بخلق القرآن. 1 عيسى البراوي: (1182هـ / 1768م): عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الأزهري، فاضل مصري، من فقهاء الشافعية، تعلم بالأزهر، وتوفي بالقاهرة. له مؤلفات منها: التيسير لحل ألفاظ الجامع الصغير، مخطوط. حاشية على شرح جوهرة التوحيد لابراهيم القاني. قال المؤرخ الجبرتي في تاريخه: (ا/ 366): ......... العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكه الأصولي شيخ الإسلام وعمدة ذوي الأفهام عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الأزهري، ورد الجامع الأزهر وهو صغير، فقرأ العلم على مشايخ وقته، وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي، وابن الفقيه، وحضر دروس الملوي، والجوهري، والشبراي. وأنجب، وشهد له بالفضل أهل عصره، وقرأ الدروس في الفقه، وأحدقت به الطلبة، واتسعت حلقته، واشتهر بحفظ الفروع الفقهية، حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره. وانتفع به طلبة عصره طبقة بعد طبقة، وصاروا مدرسين. وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري، وكان حسن الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء. وله مؤلفات منها: حاشية على شرح جوهرة التوحيد. شرح على الجامع الصغير للسيوطي، في مجلد، يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه خاصة. وبقي لا يزال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي ليلة سحر ليلة الإثنين،رابع رجب، وجهز في صباحه، وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل، ودفن بالمجاورين، وبني على قبره مزار ومقام. واستقر مكانه في التصدير والتدريس ابنه العلامة الشيخ أحمد، ولازم حضوره تلامذة أبيه رحمه الله. 1 لاحظ أن مذهب أهل السنة نفي "الكيف" عن الله، في حين أن مذهب أهل البدعة من السلفية المعاصرة والوهابية تبعا لشيخهم ابن تيمية إثبات "الكيفية" لله ـ تعالى عن قولهم ـ. 1 ترجمة محمد الخليلي: لم أجد ترجمة باسم محمد ولكن باسم أحمد وهي هذه: قال المؤرخ الجبرتي في تاريخه:(1/480): ومات العلامة المعمر الصالح الشيخ أحمد الخليلي الشامي، أحد المدرسين في الأزهر، تلقى عن أشيخ عصره، ودرس وأفاد، وكان به انتفاع للطلبة تام عام، وألف إعراب الآجرومية،وغيره، توفي في عاشر صفر من السنة. 1 أي لا يكون الإيمان في القلب صحيحا ولا معتبرا إلا بمحبتهم، فالكلام ههنا عن صحة الإيمان لاعن كماله. 2 لاحظ أن الكتب السماوية توصف بالإنزال بخلاف كلام الله النفسي القائم بذاته تعالى مع أن الكلام المنزل يسمى بكلام الله أيضا من حيث أن الله هو الذي أنزله على أنبيائه واختاره كلاما وكتبا سماوية لهم. 1 ترجمة الشربيني: (977هـ / 1570م): محمد بن أحمد الشربيني، شمس الدين، فقيه شافعي، مفسر، من أهل القاهرة. له تصانيف منها: السراج المنير في تفسير القرآن، وهو مطبوع في أربعة مجلدات. الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع. مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج للنووي في الفقه الشافعي. شرح التنبيه للإمام الشيرازي في الفقه الشافعي. شرح شواهد قطر الندى وبل الصدى لابن هشام في علم النحو العربي، مطبوع في البابي الحلبي سنة: (1950م). وهو من أجل علماء القرن العاشر وأعظمهم، العلامة الفاضل، والإمام الكامل، الشيخ الصالح، الزاهد، الورع، المقبل على عبادة ربه ليلا ونهارا، شمس الدين محمد بن أحمد الشربيني، الخطيب، المتوفى سنة: (977هـ). كان رضي الله عنه منكبا على الاشتغال بطلب العلم وتعلمه وتعليمه للناس والعمل به، يقطع زمانه في مطالعة العلم والصلاة والقرآة والصيام متفكرا في أهوال يوم القيامة، وله تهجد في الليل وصيام كثير في النهار. وكان رحمه الله لا يذكر أحدا من أقرانه بسوء،ولا يحسد أحدا منهم على ما آتاه الله من علم أو مال أو إقبال من الأكابر، ولا غير ذلك من رعونات النفس. وكان لا يسعى إلى شيء من أمور الدنيا، ولا يزاحم أحدا على رياسة ولا صحبة أحد من الولاة والقضاة، بل ربما لا يعرف أحد منهم. وكان كثير الاعتكاف في رمضان وغيره، كما كان من عادته أن يدخل الجامع الأزهر من أول ليلة الصيام فلا يخرج منه إلاَّ بعد صلاة العيد، وكان لا يتعشى ألاَّ بعد صلاة التراويح، فيأكل لقيمات يسيرة، ويشرب ماء يسيرا، وربما أعطى السائل عشاءه وطوى تلك الليلة، وكان إذا حج يثر المشي ولا يركب إلاَّ بعد تعب شديد، فيعزم عليه "الجمَّال" بالركوب فيأبى. ولم يزل من حين يخرج من بركة الحج يعلم الناس المناسك وآداب الطريق وكيفية القصر والجمع ويحثهم على الصلاة. وكان غالب أوقاته في السفر ومدة الإقامة بمكة صائما يكتفي بشرب ماء زمزم ويؤثر غيره عليه بطعامه. أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، فأجل أشياخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وهو يذكره في تصانيفه بقوله"شيخي" ، وبعده أخذ عن الشيخ نار الدين اللقاني، والشهاب الرملي، والشيخ الطبلاوي، وغيرهم، وتبحر في العلوم، فأجازوه بالإفتاء والتدريس، فدرس وأفتى في حياة مشايخه. 1ترجمة محمد الجوهري: قال الجبرتي في تاريخه: (2/440): مات العلامة الألمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري، وهو أحد الإخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف بالصغير. ولد سنة: (1151هـ)، ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف، وقرأ عليه وعلى أخيه الأكبر الشيخ أحمد بن أحمد، وعلى الشيخ خليل المغربي، والشيخ محمد الفرماوي، وغيرهم من فضلاء الوقت. وأجازه الشيخ الملوي في فهرسته، وحضر دروس الشيخ عطية الأجهوري في الأصول والفقه، وغير ذلك، فلازمه وتخرج عليه في الإلقاء. وحضر على الشيخ الصعيدي، والبراوي، وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم، ولازم الترداد عليه، والأخذ منه مع الجماعة ومنفردا، وكان يحبه ويميل إليه، ويقبل بكليته عليه. حج مع والده، وجاور معه، فاجتمع بالشيخ السيد عبدالله الميرغني صاحب الطائف، واقتبس من أنواره، واجتنى من ثماره. وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات. وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالأشرفية، وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس والذهاب والترداد .............. إكمال الترجمة ص2/441 . 1 ترجمة الدردير: (1201م): هو الإمام العلامة, أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية, شيخ أهل الإسلام, وبركة الأنام, الشيخ أحمد بن أبي حامد العدوي, المالكي, الأزهري, الخلوتي, الشهير بالدردير. أخبر عن نفسه أنه ولد ببني عدي سنة 1127هـ. حفظ القرآن, وجوَّده, وأحب العلم, وَرَدَ الجامعَ الأزهرَ, وحضر دروس العلماء, وأفتى في حياة شيوخه, وحضر دروس الشيخ أحمد الملوي, والجوهري, ولكنْ جل اعتماده على الشيخين الحفني والصعيدي. وله مؤلفات : أما في [الفقه] فله شرحٌ على مختصر خليل في الفقه المالكي, أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني في شرحيهما عليه, واقتصر على الراجح من الأقوال. وكتب متنا في الفقه المالكي سماه: أقرب المسالك لمذهب مالك. وله في [القرآن] رسالة في متشابهات القرآن, ورسالة في طريقة حفص. وله في [التصوف] تحفة الإخوان في آداب أهل العرفان. وله في [العربية] تحفة الإخوان في المعاني والبيان, ووضع الدرديرُ نفسُه عليها شرحا، وللعلامة أحمد الصاوي حاشية علي الشرح مفيدة للمبتدئين في هذا الفن. وللدردير رسالة في الاستعارات الثلاثة. وله رسالة في [المولد النبوي] الشريف. وله شرح على [الشمائل النبوية]. وله شرح على [آداب البحث]. كتبه في [علم التوحيد]: له شرحٌ على رسالة العلامة الدمرداش في علم التوحيد، وشرحٌ على منظومة العلامة السيد محمد كمال الدين البكري، وشرحٌ على أسماء الله الحسنى سمَّاه: التوجه الأسنى بشرح أسماء الله الحسنى، وله هذا المتن الذي بين أيدينا في صفحة واحدة. ومن أشهر ما كتب الإمام أحمد الدردير في العقيدة الإسلامية منظومة شعرية سماها بالخريدة البهية، ثم قام الإمام الدردير نفسه بكتابة شرح عليها في غاية النفاسة والإفادة، لا يستغني عنه طالب العلم. ولقد كتب اللهُ تعالى لهذا الكتاب (متنا وشرحا) التوفيقَ؛ فانتشر واشتهر في كل العالم الإسلامي فما تكاد تجد صرحا علميا أصيلا إلاَّ ويدرس المشايخ والعلماء فيه لتلاميذهم هذا الكتاب، بل ويحثونهم على حفظه. ولمَّا كان من أدبيات العلماء الاهتمام بكل كتاب ينتشر ويشتهر في كل العالم الإسلامي فيقومون بكتابة التعليقات والحواشي على ألفاظه وعباراته لِمَا أنه يكتسب بذلك الاشتهار والانتشار صفة الوثيقة العلمية المعتبرة في مذهب اؤلئكم العلماء، وكان هذا الكلام منطبقا على متن الخريدة وشرحه للإمام الدردير، فقد أولع المحققون من العلماء بكتابة التعليقات والحواشي عليه، ومنها: (1) حاشية العلامة أحمد الصاوي (ت:1241هـ) صاحب الحاشية على تفسير الجلالين، والشرح على منظومة الجوهرة في علم التوحيد، مطبوع. (2) وحاشية العلامة أبو السعود السباعي ( ت:1268هـ). مطبوع. وهاتان الحاشيتان في غاية الإفادة للطلبة. (3) وحاشية شيخ الأزهر السابق محمد بخيت المطيعي، وفيها إشكالات ينبغي التنبه إليها. هذا، ولما كان استأذنا وشيخُنا سعيد فودة ـ حفظه الله ـ ممنْ يحضرون دروس شيخ القراءات في الأردن سعيد العنبتاوي ـ رحمه الله، ورأى فيه من النجابة والذكاء وجهه إلى اختصار الخريدة وشرحها فاختصرها بإشرافه أكثر من مرة ثمَّ نصحه بتدريس ذلك المختصر للطلاب ففعل ذلك، ثم قام شيخنا بكتابة حاشية على مختصره هذا، وقد درسه مرات عديدة لطلبة العلم، وهي مسجلة على قرص كمبيوتر ممغنط (سي دي) . ولما توفي الإمام علي الصعيدي تعين الدردير شيخاً على المالكية، ومفتيا وناظراً على وقف الصعايدة، وشيخا على طائفة الرواق، بل شيخا على أهل مِصْرَ بأسرِها في وقته حساً ومعناً... فإنه كان رحمه الله تعالى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم، وله في السعي على الخير يد بيضاء. تعلل أياماً، ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من سنة 1201م وصلى عليه بالأزهر الشريف بمشهد عظيم حافل. 1 ترجمة أحمد البيلي: (1141 /1213هـ) / (1728/ 1798م): أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد, أبو العباس البيلي العدوي, فقيه مالكي, ولد في بني عدي بصعيد مصر. تفقه بالأزهر, وولي مشيخة رواق الصعايدة بعد وفاة أحمد الدردير, وتصدر للتدريس. قال الجبرتي: "...... كانت له قريحة جيدة وحافظة غريبة, يملي على الطلبة ما ذكره أرباب الحواشي, وقد جمع بعض ما أملاه فصار مجلدات, وتوفي بالقاهرة..... اهـ. من كتبه: - المنح المتكفلة بحل ألفاظ العقيدة الموسومة: بمورد الطمآن في صناعة البيان, مخطوط. - فائدة الورود في الكلام مع أما بعد, مخطوط. - منظومة في العرف, مخطوط. -منظومة في همزة الوصل, مخطوط. - شرح أبيات, مخطوط. - حاشية على الشرح الصغير للملوي على السمرقندية, مخطوط. - منظومة في مسائل فقهية على مذهب مالك, مخطوط. قال الجبرتي:(2/276): "....... الإمام العمدة, الفقيه العلامة, المحقق الفهامة, المتقن، المتفنن، المتبحر،عين أعيان الفضلاء الأزهرية، الشيخ أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد البيلي العدوي المالكي. ولد ببني عدي سنة إحدى وأربعين ومائة وألف, وبها نشأ فقرأ القرآن. وقدِمَ الجامعَ الأزهرَ ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم , وبهر فضله في الخصوص والعموم. وكان له قريحة جيدة, وحافظة غريبة يُمْلِي في تقريرهِ خلاصةَ ما ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبكٍ والطلبةُ يكتبون بين يديه, وقد جُمٍعَ من تقاريرُهُ على عدة كتب كان يقرأها حتى صارتْ مجلدات, وانتفع بها الطلبة انتفاعا عاما. ودرَّسَ في حياة شيخه سنين عديدة, واشتهر بالفتوح، وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته، وكان فيه اتصاف زائد وتؤدة ومروءة, وتوجه إلى الحق, و لديه أسرار ومعارف وفوائد وتمائم, وعلم بتنزيل الأوفاق, والوفق المئيني العددي والحرفي, وطرائق تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك. ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس موضعه للتدريس بإشارة من أهل الباطن، ولما توفي الشيخ أحمد الدردير ولي مشيخة رواق الصعايدة وله مؤلفات منها: "مسائل كل صلاة بطلت على الإمام"، وغير ذلك. ولم يزل على حالته وإفادته وملازمة دروسه والجماعة حتى توفي في هذه السنة, ودفن في تربة المجاورين, رحمة الله تعالى عليه. 1 ترجمة قتادة: قتادة بن دعامة بن قتادة، و يقال قتادة بن دعامة بن عكابة، السدوسى، أبو الخطاب البصري، المولود سنة: (60 هـ أو 61 هـ)، من الطبقة :(4)، طبقة تلي الوسطى من التابعين، توفي سنة: (100 و بضع عشرة هـ) بواسط، روى له: البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه. رتبته عند ابن حجر: ثقة ثبت، و رتبته عند الذهبي: الحافظ. 1 ترجمة مقاتل: مقاتل بن حيان النبطي، أبو بسطام البلخي، الخزاز، مولى بكر بن وائل، الطبقة (6 )، من الذين عاصروا صغارا لتابعين. توفي قبيل سنة: (150 هـ)، بـالهند ( كابل ). روى له: مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه، رتبته عند ابن حجر: صدوق فاضل، أخطأ الأزدى فى زعمه أن وكيعا كذبه و إنما كذب الذى بعده، ( رقم 6868 )، رتبته عند الذهبي: ثقة عالم صالح. 1 سبقت ترجمته. 1 أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (5/266), والطبراني في المعجم الكبير (8/259), والهيثمي في المجمع (1/159), وابن حبان في صحيحه (94- موارد), والسيوطي في الدار المنثور (1/51), وابن حجر في المطالب العالية (3454), وابن كثير في تفسيره (2/424), وفي البداية والنهاية له (1/97), والبيهقي في السنن الكبرى (9/4). 2 1 الأنبياء ثلاثة أقسام: قسم يجب الإيمان بهم تفصيلا، وهم المذكورون في القرآن، وقسم يجب الإيمان بهم إجمالا، وقسم مختلف في نبوتهم. 1 ذو القرنين: روى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو قال: "كان ذو القرنين نبيا"، وروى الحافظ بن عساكر من حديث أبي محمد بن أبي نصر عن أبي إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن أبي ذؤيب حدثنا محمد بن حماد أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذؤيب عن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أدري أتبع كان لعينا أم لا ولا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا ولا أدري ذو القرنين كان نبيا أم لا) وهذا غريب من هذا الوجه. وقال إسحاق بن بشر عن عثمان بن الساج عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: "كان ذو القرنين ملكا صالحا رضي الله عمله" وأثنى عليه في كتابه، وكان منصورا، وكان الخضر وزيره، وذكر أن الخضر عليه السلام كان على مقدمة جيشه، وكان عنده بمنزلة المشاور الذي هو من الملك بمنزلة الوزير في إصلاح الناس اليوم، وقد ذكر ألأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل، وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل عليه السلام، وروى عن عبيد بن عمير وابنه عبدالله وغيرهما أن ذا القرنين حج ماشيا، وأن إبراهيم لما سمع بقدومه تلقاه ودعا له ورضاه، وأن الله سخر لذي القرنين السحاب يحمله حيث أراد والله اعلم. واختلفوا في السبب الذي سمى به ذا القرنين، فقيل: لأنه كان له في رأسه شبه القرنين. قال وهب بن منبه: كان له قرنان من نحاس في رأسه، وهذا ضعيف، وقال بعض اهل الكتاب: لأنه ملك فارس والروم: وقيل: لأنه بلغ قرني الشمس غربا وشرقا وملك ما بينهما من الأرض، وهذا أشبه من غيه وهو قول الزهري. وقال الحسن البصري: كانت له غديرتان من شعر يطافهما فسمي ذي القرنين. وقال إسحاق ابن بشر عن عبدالله بن زياد بن سمعان عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: دعا ملكا جبارا إلى الله فضربه على قرنه فكسره ورضه ثم دعاه فدق قرنه الثاني فكسره فسمي ذي القرنين. 2 العزير: قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر هو عزير بن جروة ويقال بن سوريق بن عديا بن أيوب بن درزنا بن عري بن تقي بن اسبوع بن فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران ويقال عزير بن سروخا جاء في بعض الآثار ان قبره بدمشق ثم ساق من طريق أبي القاسم البغوي عن داود بن عمرو عن حبان بن علي عن محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا لا أدري العين بيع أم لا ولا أدري أكان عزير نبيا أم لا ثم رواه من حديث مؤمل بن الحسن عن محمد بن اسحاق السجزي عن عبدالرزاق عن معمر عن ابن أبي ذؤيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ثم روى من طريق اسحاق بن بشر وهو متروك عن جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ان عزيرا كان ممن سباه بخت نصر وهو غلام حدث فلما بلغ اربعين سنة أعطاه الله الحكمة قال ولم يكن أحد أحفظ ولا أعلم بالتوراة منه قال وكان يذكر مع الأنبياء حتى محى الله اسمه من ذلك حين سأل ربه عن القدر وهذا ضعيفومنقطع ومنكر والله أعلم وقال اسحاق بن بشر عن سعيد عن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عبدالله بن سلام أن عزيرا هو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه وقال اسحاق بن بشر أنبأنا سعيد بن بشير عن قتادة عن كعب وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن ومقاتل وجويبر عن الضحاك عن ابن عباس وعبدالله بن اسماعيل السدي عن أبيه عن مجاهد عن ابن عباس وادريس عن جده وهب بن منبه قال اسحاق كل هؤلاء حدثوني عن حديث عزير وزاد بعضهم على بعض قالوا باسنادهم ان عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها فلما انصرف أتى إلى خربة حين قامت الظهرية وأصابه الحر ودخل الخربة وهو على حماره فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا فبعث الله ملك الموت فقبض روحه فأماته الله مائة عام فلما أتت عليه مائة عام وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور واحداث قال فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى ثم ركب خلقه وهو ينظر ثم كسى عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فيه الروح كل ذلك وهو يرى ويعقل فاستوى جالسا فقال له الملك كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهيرة وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب فقال أو بعض يوم ولم يتم لي يوم فقال له الملك بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك يعني الطعام الخبز اليابس وشرابه العصير الذي كان اعتصره في القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز يابس فذلك قوله لم يتسنه يعني لم يتغير وكذلك التين والعنب غض لم يتغير شيء من حالهما فكأنه أنكر في قلبه فقال له الملك أنكرت ما قلت لك انظر إلى حمارك فنظر إلى حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا يظن القيامة قد قامت فذلك قوله وانظر إلى حمارك ولنجعلنك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما يعني وانظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ثم انظر كيف نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم أن الله على كل شيء قدير من أحياء الموتى وغيره قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منزله فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هوبعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة فقال لها عزير يا هذه اهذا منزل عزير قالت نعم هذا منزل عزير فبكت وقالت ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس قال فإني انا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني قالت سبحان الله فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر قال فانى أنا عزير قالت فإن عزيرا رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد على بصري حتى أراك فإن كنت عزيرا عرفتك قال فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها وقال قومي بإذن الله فأطلق الله رجليها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال فنظرت فقالت اشهد أنك عزير وانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثماني عشر سنة وبني بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت هذا عزير قد جائكم فكذبوها فقالت أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد على بصري واطلق رجلي وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه قال فنهض الناس فأقبلوا اليه فنظروا اليه فقال ابنه كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير فقالت بنو اسرائيل فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير وقد حرق بخت نصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا وكان أبوه سروخا وقد دفن التوراة أيام بخت نصر في موضع يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب قال وجلس في ظل شجرة وبنو اسرائيل حوله فجدد لهم التوراة ونزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني اسرائيل فمن ثم قالت اليهود عزير بن الله للذي كان من أمر الشهابين وتجديده التوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل والقرية التي مات فيها يقال لها سايراباذ قال ابن عباس فكان كما قال الله تعالى ولنجعلك آية للناس يعني لبني اسرائيل وذلك انه كان يجلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه مات وهو ابن أربعين سنة فبعثه الله شابا كهيئة يوم مات 3 لقمان: قال تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي مال ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله إن الله لطيف خبير يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير هو لقمان بن عنقاء بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه السهيلي عن ابن جرير والقتيبي قال السهيلي وكان نوبيا من أهل أيلة قلت وكان رجلا صالحا ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة ويقال كان قاضيا في زمن داود عليه السلام فالله أعلم وقال سفيان الثوري عن الأشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال كان عبدا حبشيا نجارا وقال قتادة عن عبدالله بن الزبير قلت لجابر بن عبدالله ما انتهى إليكم في شأن لقمان قال كان قصيرا أفطس من النوبة وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة وقال الأوزاعي حدثني عبدالرحمن بن حرملة قال جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد لا تحزن من اجل أنك أسود فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر وقال الأعمش عن مجاهد كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين وفي رواية مصفح القدمين وقال عمر بن قيس كان عبدا أسود غليظ الشفتين مصفح القدمين فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال له ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا قال نعم قال فما بلغ بك ما أرى قال صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني رواه ابن جرير عن ابن حميد عن الحكم عنه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبدالرحمن بن أبي يزيد بن جابر قال إن الله رفع لقمان الحكيم لحكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال ألست عبد بن فلان الذي كنت ترعى غنمي بالأمس قال بلى قال فما بلغ بك ما أرى قال قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وترك ما لا يعنيني وقال ابن وهب أخبرني عبدالله بن عياش الفتياني عن عمر مولى عفرة قال وقف رجل على لقمان الحكيم فقال أنت لقمان أنت عبد بني النحاس قال نعم قال فأنت راعي الغنم الأسود قال أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امري قال وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك قال يا ابن أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك قال ما هو قال لقمان غضي بصري وكفي لساني وعفة مطمعي وحفظي فرجي وقيامي بعدتي ووفائي بعهدي وتكرمتي ضيفي وحفظي جاري وتركي ما لا يعنيني فذاك الذي صيرني كما ترى وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن فضيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة ابن رباح عن ربيعة عن أبي الدرداء انه قال يوما وذكر لقمان الحكيم فقال ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال ولكنه كان رجلا ضمضامة سكيتا طويل التفكر عميق النظر لم ينم نهارا قط ولم يره احد يبزق ولا يتنحنح ولا يبول ولا يتغوط ولا يغتسل ولا يعبث ولا يضحك وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد وكان قد تزوج وولد له اولاد فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر فبذلك أوتي ما أوتي ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن لا يقوم بأعبائها فاختار الحكمة لانها أسهل عليه وفي هذا نظر والله أعلم 4 الخضر عليه السلام: اختُلِفَ في الخضر في اسمه، ونسبه، ونبوته، وحياته إلى الآن على أقوال سأذكرها لك ههنا إن شاء الله وبحوله وقوته: قال الحافظ ابن عساكر يقال: إنه الخضر بن آدم عليه السلام لصلبه. ثم روى من طريق الدار قطني حدثنا محمد بن الفتح القلانسي حدثنا العباس بن عبدالله الرومي حدثنا رواد بن الجراح حدثنا مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس قال: (الخضر ابن آدم لصلبه، ونُسِيءَ له في أجله حتى يكذب الدجال)، وهذا منقطع وغريب. وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني: سمعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا: إن أطول بني آدم عمرا الخضر، واسمه: خضرون بن قابيل بن آدم، قال: وذكر ابن اسحق أن آدم عليه السلام لما حضرته الوفاة أخبر بنيه أن الطوفان سيقع بالناس وأوصاهم إذا كان ذلك أن يحملوا جسده معهم في السفينة وأن يدفنوه في مكان عينه لهم، فلما كان الطوفان حملوه معهم، فلما هبطوا إلى الأرض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى، فقالوا: إن الأرض ليس بها أنيس وعليها وحشة فحرضهم وحثهم على ذلك، وقال: إن آدم دعا لمن يلي دفنه بطول العمر فهابوا المسير إلى ذلك الموضع في ذلك الوقت فلم يزل جسده عندهم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه وأنجز الله ما وعده فهو يحيى إلى ما شاء الله له أن يحيى. وذكر ابن قتيبة في "المعارف" عن وهب بن منبه أن اسم الخضر بليا، ويقال: إيليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. وقال إسماعيل بن أبي أويس: اسم الخضر فيما بلغنا ـ والله أعلم ـ المعمر بن مالك بن عبدالله بن نصر بن لازد. وقال غيره: هو خضرون بن عمياييل بن اليفز بن العيص بن اسحق بن ابراهيم الخليل. ويقال: هو أرميا بن خلقيا فالله أعلم. وقيل: إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر، وهذا غريب جدا، قال ابن الجوزي: رواه محمد بن أيوب عن ابن لهيعة وهما ضعيفان. وقيل: إنه ابن مالك وهو أخو الياس، قاله السدي كما سيأتي. وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين. وقيل: كان ابن بعض من آمن بإبراهيم الخليل وهاجر معه. وقيل: كان نبيا في زمن بشتاسب بن لهراسب قال ابن جرير: والصحيح أنه كان متقدما في زمن أفريدون ابن اثفيان حتى أدركه موسى عليهما السلام. وروى الحافظ بن عساكر عن سعيد بن المسيب أنه قال: الخضر أمه رومية وأبوه فارسي. وقد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا: قال أبو زرعة في "دلائل النبوة": حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه ليله أسري به وجد رائحة طيبة، فقال: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه ريح قبر الماشطة وابنتها وزوجها)، وقال: وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته، فتطلع عليه الراهب فعلمه الإسلام، فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا وكان لا يقرب النساء، ثم طلقها، ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا، ثم طلقها، فكتمت إحداهما وأفشت عليه الأخرى، فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر، فأقبل رجلان يحتطبان، فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر، قال قد رأيت العزقيل ومن رآه معك؟ قال: فلان، فسئل فكتم، وكان من دينهم انه من كذب قتل فقتل، وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة، قال: فبينما هي تمشط بنت فرعون اذ سقط المشط من يدها فقالت نعس فرعون، فأخبرت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا، فقال: إني قاتلكما! فقالا: إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد فجعلتها في قبر واحد، فقال: وما وجدت ريحا أطيب منهما وقد دخلت الجنة، وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون وهذا المشط في أمر الخضر قد يكون مدرجا من كلام أبي بن كعب أو عبدالله بن عباس والله أعلم. وقال بعضهم: كنيته أبو العباس، والأشبه والله أعلم أن "الخضر" لَقَبٌ غَلَبَ عليه: قال البخاري ـ رحمه الله ـ حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني حدثنا ابن المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء)، تفرد به البخاري، وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به، ثم قال عبدالرزاق: الفروة الحشيش الأبيض وما أشبهه يعني الهشيم اليابس. وقال الخطابي: وقال أبو عمر: الفروة الأرض البيضاء التي لا نبات فيها، وقال غيره: هو الهشيم اليابس شبهه بالفروة، ومنه قيل: فروة الرأس وهي جلدته بما عليها من الشعر كما قال الراعي: ولقد ترى الحبشي حول بيوتنا... جذلا إذا ما نال يوما ما كلا جعدا أصك كأن فروة رأسه ... بذرت فأنبت جانباه فلفلا قال الخطابي: إنما سمي الخضر خضرا لحسنه وإشراق وجهه، قلت: هذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح، فإن كان ولا بد من التعليل بأحدهما فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى بل لا يلتفت إلى ما عداه. وقد روى الحافظ بن عساكر هذا الحديث أيضا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الأيلي حدثنا عثمان وأبو جزي وهمام بن يحيى عن قتادة عن عبدالله بن الحارث بن نوفل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء)، وهذا غريب من هذا الوجه. وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال: إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، وتقدم أن موسى ويوشع عليهما السلام لما رجعا يقصان الاثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر وهو مسجى بثوب قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه فسلم عليه السلام فكشف عن وجهه فرد وقال: أني بأرضك السلام من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما. 1 سبقت ترجمته. 2 سبقت ترجمته. 3 ترجمة يوسف السنبلاويني: (ت: 1207هـ): قال الجبرتي:(2/154): ".........الإمام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ يوسف بن عبدالله بن منصور السنبلاويني الشهير بـ(رزة) الشافعي. تفقه على بلديِّهِ الشيخ أحمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ الصعيدي وغيرهم من الأشياخ. وأنجب ودرس وأفاد ولازم الإقراء وكان إنسانا وجيها محتشما ساكن الجأش وقورا بهي الشكل قانعا بحاله لايتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس لايزيد على ركوب الحمار في بعض الأحيان لبعض الأمور الضرورية ولم يزل حتى تعلل. وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى (1207). 1 هذان مصطلحان شرعيان، ـ أى: "أول قدم" و"آخر قدم" ـ وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول فيه:"فيضع الجبار قدمَه في النار" فقوله""قدمه"" أي: أول من يقدم على النار ويدخلونها ، ومن الشنيع جدا ما ذهب إليه الوهابية والسلفية من أن لله قدما، أي: العضو الذي هو آخر الرِجِل ، ثم يقولون أنه تعالى يضع قدمه في النار، وهذا في الحقيقة تجسيم وتشبيه لله بخلقه، ثم إن هذا مذهب في تفسير الحديث بدعي لا يجوز اتباعه. 1 ترجمة عبدالله الشرقاوي: الشيخ الإمام العلامة والتحرير الفهامة الفقهيه الأصولي النحوي شيخ الاساتم والمسلمين الشيخ عبد الله بن حجازي بن ابراهيم الشافعي الأزهري الشهير بالشرقاوي شيخ الجامع الأزهر ولد ببلده تسمى الطويلة بشرقيه بلبيس بالقرب في حدود الخمسين بعد المائة وتربى بالقرين فلما ترعرع و حفظ القران فدم إلى الجامع الأزهر وسمع الكثير عن الشهابين الملوي والجوهري والحنفي وأخيه يوسف والدمنهوري والبليدي و عطية الجهوري ومحمد الفارسي و علي المنسفيسي الشهير بالصعيدي و عمر الطحلاوي وسمع الموطأ فقط على علي بن العربي الشهير بالسقاط وباخرة تلقن بالسلوك والطريفة على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولازمه وحضر معنا في أذكاره وجمعياته ودرس الدروس بالجامع الأزهر وبمدرسه السنانيه بالصنادقيه وبرواق الجبرت والطيبرسيه وأفتى في مذهبه وتميز في الإلقاء والتحرير وله مؤلفات داله على سعه فضله من ذلك حاشية على التحرير وشرح نظم يحي العمريطي و شرح العقائد المشرقيه و المتن له أيضا وشرح مختصر في العقائد والفقه والتصوف مشهور في بلاد داغستان وشرح رساله عبد الفتاح العادلي في العقائد و مختصر الشمائل و شرحه له ورساله في لا اله إلا الله ورساله في مسئلة أصولية في جمع الجوامع وشرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف وشرح ورد سحر للبكري ومختصر المغني في النحو ............واستمر على حا لته حتى مات الشيخ احمد العروسي فتولى بعده مشيخه الجامع الأزهر فزاد في تكبير غمامته وتعظيمها حتى كان يضرب بعظمتها المثل.............. ولما حضرت الفرنساوية الى مصر في سنه ثلاث عشر ومائتين وألف ورتبوا ديوانا لاجراءالأحكام بين المسلين جعلوا المترجم رئيس الديوان.............. وللمترجم طبقات جمعها في تراجم لفقهاء الشافعية المتقدمين والمتأخرين من أهل عصره ومن قبله من أهل القرن نقل تراجم المتقدمين من طبقات السبكي والإسنوي، أما المتأخرون فنقلهم تاريخنا هذا بالحرف الواحد وأظن إن ذلك آخر تاليفاته وعمل تاريخا قبله مختصرا في نحو أربعة كراريس عند قدوم الوزير يوسف باشا الى مصر وخروج الفرنساوية منها واهداه إليه عدد فيه ملوك مصر وذكر في آخره خروج الفرنسيس ودخول العثمانية في نحو ورقتين وهو في غاية البرود وغلط فيه غلطات منها انه ذكر الأشرف شعبان ابن الأمير حسن بن الناصر محمد بن قلاوون فجعله ابن السلطان حسن ونحو ذلك ولم يزل المترجم حتى تعلل ومات في يوم الخميس ثاني شهر شوال من السنة وصلي عليه بالأزهر في جمع كثير ودفن بمدفنه الذي بناه لنفسه كما ذكر ووضعوا على تابوته المذكور عمامة كبيره اكبر من طبيزيته التي كان يلبسها في حيلته بكثير وعموها بشاش اخضر وعصبوها بشال كشميري احمر ووقف شخص عند باب مقصورته وبيده مقرعه يدعوا الناس لزيارته ويا خذ منهم دراهم. أقول: قد روى الجبرتي في تاريخه ما حصل بعد موت الشرقاوي من نزاع وخلاف فيمن يتولى مشيخة الجامع الأزهر من السادة العلماء، ومنهم: الشيخ المهدي، والشيخ الشنواني، والشيخ محمد الأمير، وابن الشيخ العروسي، والشيخان القويسني والفضالي الشافعيان، والشيخ بدوي الهيثمي، ومنصور اليافاوي شيخ الشوام، واستمر الخلاف إلى أن نصب الباشا في القلعة الشيخ محمد الشنواني شيخا على الأزهر. 1سبقت ترجمته. 2 ترجمة النسفي: (418 / 508هـ): هو من مدرسه أبي منصور الماتريدي ونهج منهجه في الاحتجاج وسلكوا مسلكه في إعلاء كلمه الحق يجمع في الاستدلال بين الدليلين العقلي والنقلي في الرد على المخالفين لأهل السنة. سلك طريقة الغزالي في الردود على الفلاسفة, حيث سبر أقوالهم وأدلتهم ومقاصدهم ثم الرد عليها. يذكر غي كتبه كلام الخصوم في كل مبحث ثم يذكر مذهب أهل السنة فيها. عصره أزهى عصور الخلافة العباسية لأنها شجعت البحث العلمي. هو: ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن مكحول المولود بسمرقند سنة 418هـ , وتوفي سنة 508هـ فهو من علماء القرن الخامس وأوائل السادس. سكن بخارى وهو حنفي المذهب روى عنه شيخ الإسلام محمود بن احمد الساغرجي وعبد الرشيد الولواجي قال عمر بن محمد في كتابه: كان علماء الشرق والغرب يغترف من بحاره ويستضيء بأنواره، أصولي فقيه متكلم متبحر في العلوم، ترج له صاحب الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص216 والأعلام. ومن مؤلفاته: العمدة في أصول الفقه، بحر الكلام في علم الكلام، تبصرة الأدلة في علم الكلام، التمهيد لقواعد التوحيد في علم الكلام، العالم والمتعلم، إيضاح المحجة لكون العقل حجة، شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الحنفية، مناهج الأئمة في الفروع. كان في عصره إمام أهل السنة الماتريدية وشيخا عليهم. 1 2 هذا تعريف القلم الذي به يكتب مقادير الخلائق. 1 الترمذي في كتابي القدر عن رسول الله، وتفسير القرآن عن رسول الله. وأبو داود في كتاب السنة. وأحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، وحديث أول ما خلق الله القلم صححه العلماء، وأما حديثا أن أول ما خلق الله العقل أن النور المحمدي فضعيفان جدا جدا. 1 رواه مسلم في كتاب القدر. 2 رواه الترمذي في كتاب القدر. وابن ماجة في المقدمة. وأحمد في المسند، مسند العشرة المبشرين بالجنة. 3 من قواعد أهل السنة التفريق بين وظيفة صفة الإرادة ووظيفة صفة الكلام الإلهية، فالإرادة عند أهل السنة صفة اختيار يختار الله بها ما يشاء فعله وخلقه وقد يختار الله فعل وخلق الخير وقد يختار فعل وخلق الشر كالإيمان والكفر، فكلاهما بإرادة الله. وليس بالضرورة عند أهل السنة أن الله إذا أراد واختار شيئا أن يحبه ويرضى عنه، بل قد يختار ويشاء ما يبغضه ويكرهه، وحتى الإنسان فإن أرادته إرادة اختيار وفد يختار الإنسان بإرادته أمورا يكرهها كتناوله الدواء المر العلقم، وبهذا تعلم أن الطاعات كلها والمعاصي كلها بإرادته واختياره ومشيئته، ولكن السؤال الذي يجول في الصدر هو: كيف أفرق بين اختيارات الله التي يحبها وبين اختياراته التي لا يحبها؟؟؟ والجواب عن ذلك: أن ذلك يكون بواسطة أوامره ونواهيه، فإنه تعالى إذا أمر بفعل فلأنه يحبه، وإذا نهى عن فعل فلأنه يكرهه، ونحن نعرف جميعا أن الأمر والنهي من وظيفة صفة الكلام وذلك لأن الأوامر والنواهي راجعة إلى خطاب الشريعة والخطاب الشرعي راجع إلى صفة الكلام الإلهي. وملخص ما سبق أن الله يأمر بكلامه عن بعض أفعاله التي اختارها بإرادته، وينهى أيضا عن بعض أفعاله التي اختارها بإرادته. وبهذا يتبين لك أن رضا الله وحبه تابع لأوامره وهذا يكون بالكلام، وأن بغضه للشيء وكرهه له تابع لنهيه وهذا يكون بالكلام أيضا. وأما المعتزلة والشيعة فقد قصروا أرادة الله على اختيار الخير فقط، وأما الشرور فقد نسبوا خلقها وإيجادها من العدم إلى الوجود إلى قدرة الإنسان، ومن هنا جاءت بدعتهم أن الإنسان خالق لأفعاله. 1 هذه الأمر التي سيذكرها عبارة عن علامات للإيمان. 2 رواه البخاري في كتاب الإيمان. والترمذي في كتابي الإيمان عن رسول الله، والفرائض إلى الإيمان. وأبو داود في كتاب السنة. وأحمد في المسند، ومن مسند بني هاشم. 1 سبقت ترجمته. 1 سبقت ترجمته. 2 سبقت ترجمته. 3 ترجمة الرملي (919 / 1004هـ): هو الإمام الأنصاري المعروف بـ [الشافعي الصغير]، محمد بن أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي، المنوفي، المصري، الملقب بـ [شمس الدين] الرملي. ووالدُه شهاب الدين أو: [الشهاب الرملي] نسبةً إلى "رملة" وهي قرية صغيرة قريبا من الهجر بالقرب من منية (الوجه الهجري). ولد بمصر في شهر جمادى الأولى سنة 919هـ ونشأ بها تحت رعاية والدِه الإمام الشهاب الرملي. وكان والدُه مرجع العلماء في وقته بلا خلاف. فاختلط الفقه بلحمه ودمه منذ الصغر حتى كان والده يقول: "تركت محمدا بحمد الله تعالى لايحتاج إلى أحد من علماء عصره إلا في النادر". أخذ العلم عن والده وقد أغناه ذلك عن التردد على بقية العلماء حيث كان معظمهم من تلاميذ والده. وشارَك والدَه في بعض شيوخه كالشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ برهان الدين ابن أبي شريف، فقد أخذ عنهما كما أخذ عنهما والدُه من قبل. قال عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في طبقاته الوسطى: صحِبْتُهُ من حين كنت أحمله على كتفي إلى وقتنا هذا فما رأيت عليه ما يشينه في دينه ولا كان يلعب في صغره مع الأطفال بل نشأ على الدين والتقوى والصيانة وحفظ الجوارح ونقاء العرض، رباه والدُه فأحسن تربيته، ولما كنتُ أحملُه وأنا أقرا على والدِه في المدرسة "الناصرية" كنت أرى عليه لوائح الصلاح والتوفيق فحقق الله رجائي فيه وأقر عين المحبين، فإنه الآن مرجع أهل مصر في تحرير الفتاوى وأجمعوا على دينه وورعه وحسن خلقه وكرم نفسه ولم يزل بحمد الله في زيادة من ذلك اهـ انتهى. جلس للتدريس بعد وفاة والده، وحضر درسه أكثر تلامذة والده، منهم: الشهاب أحمد بن قاسم، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي، وغيرهما. وولي منصب افتاء الشافعية, وأقام عدة مدارس. وكان يدرس في الحديث والتفسير والأصول والفروع والنحو والمعاني والبيان وبرع في العلوم النقلية والعقلية. له تآليف نافعة منا: 1) نهاية المحتاج شرح المنهاج. 2) شرح البهجة الوردية. 3) عمدة الرابح في شرح الطريق الواضح. 4) شرح العباب( لم يتمه). 5) شرح الزبد، وهو غير شرح والده. 6) شرح الإيضاح في مناسك الحج. 7) شرح منظومة ابن العماد. 8) شرح العقود في النحو. 9) شرح الآجرومية. 10) شرح مختصر الشيخ عبد الله بافضل الصغير. 11) له حاشية على شرح التحرير. 12) حاشية على العباب. وغير ذلك، حتى قيل: عنه أنه مجدد القرن العاشر. وهكذا أمضى عمره كله في نفع الناس وتعليمهم وتأليف الكتب النافعة المباركة, حتى وافاه الأجل المحتوم ببلدة مصر يوم الأحد الثالث عشر من جمادى الأولى سنة 1004هـ رضي الله عنه ونفعنا بعلومه اهـ انتهى باختصار من كتاب "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" لـ( المحبي). 94

Tidak ada komentar:

Posting Komentar