ABDUL HAMID MUDJIB HAMID BERSHOLAWAT

Sabtu, 26 Maret 2011

MANAQIB RIFA'IYYAH/المراقب اليفاعية في المناقب الرفاعية

بسم الله الرحمن الرحيم



المراقب اليفاعية
في المناقب الرفاعية


تهذيب
الشيخ فادي علم الدين




الحمد لله حمداً طيباً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي القرشي الكريم ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأتقياء الأبرار.
وبعد، فإن مناقب السادة الرفاعية الأعلام الذين يتصل نسبهم الشريف إلى ساداتنا الآل الكرام ، ذاع صيتهم ، وانتشر فضلهم ، وعمّت بركتهم القاصي والداني ، كيف لا وهم أكابر من سلالة أكابر، وشيخهم السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه زهر متلألأ ، يُفتخر بالانتساب إليه .

ذاك الذي شَمَّ كفَّ المصطفى علنا
من أهلِ بيتٍ أعزَّ الله مظهرَهُم
في محفلٍ لجبٍ من شُمِّ أعيانِ
وشأنَهم رغم أنف الحاسد الشاني

ولقد وقفت على رسالتين في الثناء عليه فيهما ذكر نسبه الشريف ، وبعض مناقبه وأخلاقه ، وإثبات مدِّ يد المصطفى صلى الله عليه وسلم له وتقبيلها أمام خلقٍ عظيم ، فأحببت نشرهما برسالة بعد أن قمت بتهذيبهما وأسميتها "المَرَاقِبُ(أ) اليَفَاعيَّةُ(ب) في المناقبِ الرفاعيّة "، وأرجو من المولى الكريم أن ينفعني بهذا السيد العظيم وبجده السيد الكرار علي كرم الله وجهه وبالمصطفى صلى الله عليه وسلم ، إنه على كل شيء قدير.

وليُعلم أن حقيقة التصوف هو اتباع الشريعة ، والعمل بالكتاب والسُنّة ، ومجاهدة النفس ، ومخالفة الهوى ، كما قال الجنيد سيد الطائفة الصوفية : " ما أخذنا التصوف عن القال والقيل ولكن أخذناه بالجوع والسهر وترك المألوفات والمستحسنات "، وليس التصوف لبس الصوف والخشن من الثياب فقط كما يتوهم البعض ، إنما التصوف هو الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، قال الإمام الجنيد : " التصوف صفاء المعاملة مع الله تعالى "، وقال سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه : "الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه ".

ثم إن الطرق التي أحدثها بعض أكابر الأولياء كالرفاعي والجيلاني والنقشبندي وغيرهم رضوان الله عليهم ليست من البدع المحرمة ، كما ادَّعى ذلك نُفاةُ التوسل ، بل هي بدعٌ حسنة ولكن شذّ بعض المنتسبين إليها وهذا لا يقدح في أصلها.

وعلى هذا مشى شيخنا العلامة عبد الله الهرري المعروف بالحبشي فهو عالمٌ عامل ، صوفي المشرب رفاعي الطريقة والمسلك ، متّبع لآثار السلف الصالح ، مقبلٌ على الآخرة ، ينبذ الشذوذَ والبدع ، ويحارب أهلَها ، زاهدٌ عابدٌ قوّامٌ ناصحٌ شفيق يرشد الناس إلى الخير والفلاح ، نفعنا الله به وبالصالحين ونسأل الله التوفيق.


ترجمة المؤلف مختصرة

قال السبكي في طبقاته(1): عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدميري الديريني الشيخ الزاهد القدوة العارف ، صاحب الأحوال والكرامات والمصنفات والنظم الكثير. أ هـ.
ولد سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة وستمائة . ودِيرين ، بلدةٌ بالديار المصرية من أعمال الغربية .

أخذ عن الشيخ عزالدين بن عبدالسلام وغيره ممن عاصره ، ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنايم الرسعني وتخرج به .
قال عنه أبو حيان : كان متقشفاً مخشوشناً يتبرك به الناس. أ هـ.
وقال الاسنوي(2): كان عالماً ، صالحاً ، سريع النظم أهـ.
ووصفه ابن تغري بردي(3): الشيخ الفقيه العالم القدوة المُسَلَّك صاحب الكرامات. أهـ.
وقال ابن قاضي شهبة(4): الفقيه العالم الأديب الصوفي الرفاعي . أهـ.
له مصنفات كثيرة منها :
1- المصباح المنير في علم التفسير في مجدلين .
2- طهارة القلوب في ذكر علاّم الغيوب ، في التصوف .
3- نظم الوجيز ، فيما يزيد على خمسة الآف بيت .
4- نظم التنبيه .
5- التيسير في علم التفسير ، أرجوزة تزيد على ثلاثة آلاف ومائتي بيت .
6- أنوار المعارف وأسرار العوارف ، في التصوف .
7- تفسير أسماء الله الحسنى .
8- الوسائل والرسائل في التوحيد .
9- غاية التحرير في نسب قطب العصر غوث الزمان سيدنا أحمد الرفاعي الكبير ، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا .
توفي رحمه الله سنة أربع وتسعين وستمائة وقيل سنة سبع ، وقيل تسع ، وقيل سنة تسع وثمانين وستمائة .
الشيخ فادي علم الدين



بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام العالم الرباني ولي الله العارف المفسر المحدث القدوة سيدي عبدالعزيز بن أحمد الديريني الشافعي الأحمدي رضي الله عنه :
الحمدلله حمداً تطمئن به قلوب المخلصين ، وتبتهج به أسرار العارفين ، وتنشرح ببركته صدور المؤمنين ، والصلاة والسلام على سيد السادات ، نبينا محمد الذي يقوم صلى الله عليه وسلم في القيامة عن يمين العرش مقاماً لا يقوم فيه غيره أحد من الخَلْق ، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدُجى ، وعلى عبادالله الصالحين إلى يوم الدين .

أما بعد فإن عثرات اللسان من موجبات الهوان ، إن لم تُغسل بماء التوبة والإنابة إلى الله ، وتُمحا آثارها بالاستغفار والخوف من الله ، سيّما أن أطلق اللسان في عباد الله الصالحين ، وأحبابه المقرَّبين ، وأوليائه العارفين ، فإن ذلك والعياذ بالله من الخسران المبين . ولمّا بلغني عن بعض المفتونين برياستهم ، الناطقين بوساوسهم سنة إحدى وثلاثين وستمائة ببلدة نحارية . صب الله علينا وعلى ساكنيها سجال العفو والعافية أنه يقول نسبة القطب الأعظم السيد أحمد الرفاعي في بني رفاعة القبيلة يورى بقطع نسبه الطاهر ، وحسَبه الشريف الزاهر عن البيت النبوي ، والمجد العلوي ، عن غير علم ومن دون فهم . فكتبت هذه الكُرّاسة ، وجعلتها خلاصة كافية وزبدة وافية ، فهي الآن ولله الحمد والمنة "غاية التحرير في نسب قطب العصر غوث الزمان سيدنا أحمد الرفاعي الكبير" رضي الله عنه.

حدثنا شيخنا وسيدنا الشيخ الجليل أبو الفتح الواسطي شيخ مشايخ الإسلام بالديار المصرية قبل وفاته بأيام يسيرة بمسجد الثغر بالإسكندرية أن سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه مكث أياماً بعد وفاة خاله سيدي الباز الأشهب الشيخ السيد منصور البطائحي رضي الله عنه لا يصعد الكرسي ، قال: ففي يوم صبح خميس صعد المنبر ونحن حوله فقال : رأيت في عالم المثال جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا أحمد قُم على منبر الطرفاء فأثن على من بعثني وعَلَيّ .

حدثنا شيخنا سلطان العلماء أبو محمد عزالدين الشيخ عبدالعزيز بن عبدالسلام السلمي الدمشقي ثم القاهري الشافعي قدس الله سره قال: رأيت الشيخ أبا المحامد عليّاً البغدادي الصوفي ببغداد وكنت أحط على الصوفية ، وكان أبو المحامد من أصحاب القطب السيد أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه فداخلني من هيبته وحاله شيء أصلح سري وحسّن نيتي بشأن القوم ، والحق أن سيدي أحمد بن الرفاعي على قدم جده رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا الشيخ الصالح العارف القدوة أبو سعد الدين مزيد ابن الشيخ يونس الشيباني القرشي الدمشقي بأشمون في جم غفير من المسلمين أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يقول: السيد أحمد الرفاعي ولدي وسيد أولياء أمتي اليوم اقتدوا به وتفلحوا.

حدثنا شيخنا أبو المعالي شيخ الإسلام العارف الكبير الشيخ عبدالسلام القليبي الشافعي قدس الله سره ونفعنا به ، قال: كان شيخنا إمام الأولياء سيد الوقت السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه نموذجاً عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان متمسكاً بسنته قائماً بإحياء طريقته مؤيداً لشريعته ، طرح هوى نفسه تحت الأقدام وتمسك كل التمسك بكل ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام .

حدثنا الشيخ الكبير الورع الزاهد الإمام العارف محمد المجاهد الأقطع أحد أصحاب سيدنا الشيخ أبي الفتح في الحرم المكي حرسه الله وزاده شرفاً وتعظيماً ، قال : خُلُقُ شيخنا سلطان الأولياء والعارفين السيد أحمد ابن الرفاعي رضي الله عنه مشتق من خُلُقِ جدّه سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وإلا فمن أين لبشر لم يمنح بنفحة محمدية قدرة وطاقة على مثل أخلاقه رضي الله عنه
حدثنا الشيخ الأجل سيدي تاج الدين ابن أخينا الشيخ العارف الجليل المربي المسلك علي المليجي قدس الله سره أن أباه رأي النبي صلى الله عليه وسلم مرة في منامه ومعه أمير المؤمنين سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل قدميه وبكى فتبسم له عليه الصلاة والسلام وقال لسيدنا علي الكرار رضي الله عنه : هذا سَمِيُّكَ ومن أصحاب أصحاب ولدك السيد أحمد الرفاعي يسكن في مليج (5) بارك عليه ، فدعا له أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالبركة .

أخبرنا الشيخ الحافظ العلاّمة محي الدين إبراهيم ابن الشيخ عمر أبي الفرج الفاروسي الواسطي الشافعي الأحمدي بمكة أيضاً أنه كتم في نفسه غيظاً من السيد نجم الدين أحمد سبط سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنهما فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويده بيد السيد أحمد ويد السيد أحمد الأخرى بيد سبطه السيد نجم الدين أحمد ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا إبراهيم تحمل في صدرك غيظاً من ولدي نجم الدين ، أهكذا أدب المحبين ، قال: فسقطت على قدميه الشريفين وقلت : العفو يا رسول اله وبكيت بكاء شديداً فشفع لي سيدي السيد أحمد فرحمني صلى الله عليه وسلم ، وقمت بكرة ذلك اليوم وركبت دابة من بلد الفاروث إلى فم الدير ودخلت على سيدي نجم الدين وأرضيته.

أخبرنا شيخنا إمام العارفين الشيخ أبو الفتح ابن أبي الغنائم الواسطي رضي الله عنه ، أنه سمع والده الشيخ العارف أبا الغنائم يقول : كنت مع سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه عام حجه الأول سنة خمسة وخمسين وخمسمائة فلما وصل المدينة المعطرة وتشرف بزيارة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف تجاه القبر الشريف وقال: السلام عليك يا جدي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبره الشريف : وعليك السلام يا ولدي ، سمع ذلك كل من في الحرم النبوي فسقط السيد أحمد إلى الأرض يرعد فنودي من القبر الكريم على ساكنه أفضل الصلوات والتسلي م: أن قم فإني آخذ بيدك وبيد ذريتك وأتباعك ومحبيك في الدنيا ويوم القيامة فقام وأنشد :

في حالةِ البُعد روحي كنتُ أُرسِلُها
وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت
تقبِّل الأرضَ عني وهي نائبتي
فامدُد يمينَك كي تحظى بها شفتي
فانشق تابوت الرسالة ومد له جده عليه الصلاة والسلام يده فقبلها وأنا أنظرها بعينَي رأسي والحاضرون ينظرون .

أخبرنا كل من الشيخ ضرغام المسيري والشيخ جامع الفضلين الدنوشري والشيخ أبي الحسن الدقاق ، أنهم سمعوا جميعاً بمكة من الشيخ عدي بن مسافر الأموي الشامي ثم الهكاري قدس الله سره قصة مد يد النبي صلى الله عليه وسلم للسيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وجوابه له عليه السلام بنص:

يا ولدي ، وقوله صلى الله عليه وسلم له حين سقط : قم فإني آخذ بيدك وبيد ذريتك وأتباعك ومحبيك في الدنيا ويوم القيامة ، وأن الكيفية على الوجه الذي تقدم برواية الشيخ أبي الغنائم .

حدثنا شيخنا شيخ الإسلام القدوة العمدة عبدالسلام القليبي قدس الله روحه ، عن الشريف محمد البياضي ، عن الشريف الجليل الأمير علي ابن الأمير أبي بكر ابن الإمام المسترشد رحمهم الله تعالى أنه قال : حججت سنة خمس وخمسين وخمسمائة مع جماعة من كبراء بني هاشم ووصلنا بعد الحج مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلها شيخ الطريق السيد أحمد الرفاعي فوقف تجاه القبر الشريف وقال : السلام عليك يا جدي فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام يا ولدي ، وسمعه الحاضرون فتواجد السيد أحمد وأنشد ، قلت : وذكر البتين في حالة البعد الخ ، فظهرت له يد النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها والناس ينظرون .

حدثنا السيد الشريف أبو محمد ركن الدين بن زحيك الحسيني ، عن العلامة قاضي القضاة بالديار المصرية القاضي الكامل أسعد طيب الله روحه أنه قال: مَدُّ يد النبي صلى الله عليه وسلم للسيد أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه حق وخبر القصة متواتر ووقوع ذلك ممكن ، والنبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره وله المعجزات والكرامات الدائمات المستمرات ، والسيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه محل ظهور كرامة النبي ومعجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه من خاصة أولاده وأعيان ذريته المتمسكين بسنته المؤيدين لشريعته ، بل هو والله سلطان أولياء الأمة المحمدية في هذه الأعصار وشيخ الهدى وإمام الطريق وأنشد فيه :

إذا انتظم الأقوام في سلك مرشد
أفاض عليه المصطفى بيمينه
لئن هضم الحساد ظلماً حقوقه
فإني بسلك ابن الرفاعي منظوم
هدى كم به نال السعادة محروم
فوالده من قبل في الطّفّ مظلوم
يعني بصاحب الطف الإمام الحسين عليه الرضوان والسلام.

أخبرنا الشيخ الصالح القدوة العالم العامل أحمد بن محمد ويعرف بابن قدامة الحنبلي في المدينة المنورة ، أنه سمع الشيخ القطب ارسلان الدمشقي قدس الله روحه ونفعنا به يقول على كرسيه بداره في دمشق وهو يتكلم على أصحابه : خدمت سيدنا إمام القوم السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ثلاث عشرة سنة وكنت في خدمته عام حجه سنة خمس وخمسين وخمسمائة فوقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنشد في حالة البعد إلى آخر البيتين فمد له جده عليه الصلاة والسلام يده الشريفة من قبره الكريم وقد كنت بالقرب من سيدي السيد أحمد فرأيت اليد الشريفة بيضاء طويلة الأصابع كأنها الصقيل اليماني ، رأيتها بعيني رأسي ومثلي رآها الحاضرون وهذه الرؤية عندي من أعظم زاد القدوم على الله تعالى .

حدثنا الشيخ المربي الكامل العارف بالله عمر شهاب الدين ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمويه البكري السهروردي ثم البغدادي قدس الله روحه ، قال: سمعت عمي الشيخ الجليل ضياءالدين عبدالقاهر المكنى بأبي النجيب الصديقي السهروردي طيب الله مرقده يقول : هنيئاً للسيد أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه فإنه قبَّل جهاراً في المدينة يد جدِّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هنيئاً له ثم هنيئاً له ثم هنيئا له .
وحدثنا أيضاً أنه سمع شيخه سيدي العارف بربه محمد بن عبدالبصري رضي الله عنه يقول بشأن السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه : هذا محبوب جدّه المصطفى صلى الله عليه وسلم ولاثِمُ يده جهاراً بين ألوف من الزائرين ، وأن الله يرحم العصر الذي فيه مثل هذا الجهبذ ، وقال لنا شهاب السهرودي رحمه الله ونفع به : زرت سيدي السند أحمد بأم عبيدة وقد كنت شاباً يومئذ فبشرني بالفتح الناجح والعز ورفعة الجاه ودوام الصيت ودعا لي ، فأدركتني ولله الحمد بركة دعوته قدس الله سره وروحه أ هـ.
فمن هذه الروايات الصحيحة المتظافرة ومثلها من الأسانيد المسلسة والنقول المتواترة الثابتة يقطع كل ذي بصيرة وصاحب نظر واستدلال من المؤمنين بأن السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه محبوب جده المصطفى وعين أعيان ذريته صلى الله عليه وسلم ، وعَلَمهم وإمامهم في هذه الأزمان ولا بدع ، فاشتهار اتصال نسبه رضي الله عنه بجده عليه الصلاة والسلام غني عن البرهان لتواتره وشيوعه واستفاضته على ألسن طوائف المسلمين في العرب والعجم وفي مغرب اشبيلية ومشرق جبال الديلم ، والرفاعي نسبة إلى جده رفاعة ويعرف بالحسن المكي المهاجر إلى المغرب وكيفية اتصاله بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : هو رضي الله عنه أحمد بن علي أبي الحسن بن يحيى ويُكنى بأبي أحمد نقيب البصرة المغربي بن ثابت ابن أبي الفوارس علي الحازم ابن أبي علي أحمد بن علي بن رفاعة الحسن الأصغر بن المهدي ابن أبي القاسم محمد بن الحسن الرئيس بن الحسين عبدالرحمن الرضى المحدث بن احمد الأكبر بن موسى الثاني ابن ابراهيم المرتضى المجاب ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي السجاد ابن الإمام الحسين المظلوم الشهيد ابن الإمام علي أمير المؤمنين أسد الله من أولياء الله صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأم سيدنا الإمام الحسين الشهيد من أفضل نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء البتول عليها وعلى بنيها الطاهرين السلام وهي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدّثنا الشريف الكبير عبدالحافظ بن سرور بن بدر الحسيني المقدسي ثم البطايحي ثم المصري قدّس الله سِرّه بعد أن أورد نسب سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه على الوجه الذي ذُكِر ، أن جده السيد بدر الحسيني الوفائي صاحب وادي النور بديار المقدس أملاه هذا النسب الشريف على هذه الصورة وقال له : ثبت هذا النسب المبارك على هذا المنوال في المغرب ثم في الحجاز ثم في العراق وبلغت شهرته الآفاق ، ولم يلك لسانه بالقدح فيه مسلم قط سوى الملاحدة والباطنية في العراق بغضاً للسيد يحيي المغربي قدس الله روحه وهو جد سيدنا السيد أحمد الرفاعي لأبيه ، وذلك لأنه قدم على الخليفة القائم ببغداد سنة خمسين وأربعمائة وقد هدمت أركان دولته ببغي الملاحدة وأصحاب البدع فنصب السيد يحيى نقيباً للبصرة وواسط والبطائح فأيّد الله به شرف السُنّة وأعز به مجد خليفة الأمة ، فبغضه لذلك المبتدعة وقدحوا به ، وما قولك بولي من أعيان آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غمزه ملحد مبتدع ملموز العقيدة وأنشد متمثلاً :
إذا سبّ عِرضي ناقصُ القدرِ جاهلٌ
ألم تر أنّ الليثَ ليس يضرُّهُ
فليس له إلا السكوتُ جوابُ
إذا نبحتْ يوماً عليه كلابُ
حدثنا شيخنا الجليل بهرام الدميري ، قال: حدثنا شيخنا ومولانا العارف بالله الشيخ أبو الفتح الواسطي رضي الله عنه ، قال: وفد سيدنا السيد يحيى النقيب جد سيدنا ومولانا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنهما لأبيه من المغرب إلى الحجاز ثم إلى العراق في زمن الخليفة القائم العباس قدس الله روحه فاستقدمه إلى بغداد وأكرم قدومه وولاّه نقابة البصرة وواسط والبطايح فإن أهل البدعة أفسدوا في تلك الديار كل الإفساد يومئذ ، فقام السيد يحيى وجاهد في الله حق جهاده ونصر الله به السنة وخذل البدعة وتزوج من الأنصار سكان واسط بالشيخة الصالحة العارفة بالله علما الأنصارية بنت الشيخ الزاهد الكبير ولي الله الحسن النجاري فأولدها سلطان العارفين السيد علي أبا الحسن ، ويعرف بالمكي الزاهد صاحب المشهد المنور بظاهر الجانب الشرقي من بغداد .
وتوفي السيد يحيى وعمر ولده السيد علي سنة واحدة فكفله أخواله الأنصار وبنو خالته آل الصيرفي في أمراء البصرة فأتقن قراءة القراءن وعلوم الشريعة ، وصحب خاله الشيخ الكبير أبا سعيد يحيى النجاري وابن عمه الشيخ أبا المنصور الطيب وتفقه بالشيخ أبي الحسين الحربوني وبالفارقي وبجماعة من مشايخ العصر ، واتصل بخدمة خاله الشيخ يحيى النجاري . وبعد مدة ترك البصرة ونزل إلى البطائح بأمر من ابن خاله الشيخ منصور وذلك في سنة سبع وتسعين وأربعمائة . وفي تلك السنة زوجه بأخته التقية الطاهرة الصالحة فاطمة الأنصارية ، فأعقب منها سلطان الأولياء العارفين إمام الهدى سيدنا ومولانا محيي الدين السيد أحمد أبا العباس الكبير الرفاعي الحسيني رضي الله عنه والسيدة ست النسب والسيد إسماعيل والسيد سيف الدين عثمان وصغاراً أخر ماتوا كلهم أطفالاً.

وقد تفرع من السيد أحمد لبنتيه الكريمتين الطاهرتين زينب وفاطمة ، ومن أخته زوج ابن عمه السيد عثمان أعني ست النسب ، ومن أخويه السيد إسماعيل والسيد سيف الدين عثمان كل فروع بني رفاعة في العراق والشام ولهم عصابة في المغرب يتصلون بهم بعد السيد أحمد والد السيد حازم ، وجماعة يتصلون بهم قبله ولهم عصبة في المدينة المنورة يتصلون بهم بالسيد حازم وهم من بني السيد عبد الله المدني القادم من المغرب ابن السيد حازم وهو الجد الرابع للسيد أحمد الرفاعي ، فإن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد يحيى ابن السيد ثابت ابن السيد حازم ، وساق نسب السيد أحمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال الراوي قدس الله روحه : هذا نسب سيدنا السيد أحمد لأبيه ، وأما نسبه لأمه فهو أحمد بن فاطمة بنت يحيى بن موسى بن كامل بن يحيى ابن أبي بكر الواسطي بن موسى بن محمد بن منصور بن خالد بن زيد بن مت وهو أيوب بن خالد أبي أيوب بن زيد النجاري الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: ونسب أمه لأمها تقول فاطمة بنت رابعة بنت عبدالله الطاهر نقيب واسط بن سالم نقيب واسط بن أبي يعلى نقيب واسط بن محمد نقيب واسط بن أبي الفتح محمد أمير الحاج ابن السيد الكبير محمد الاشترامير الحاج بن عبيدالله الثالث بن علي بن عبيدالله الثاني بن علي الصالح بن عبيدالله الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسب جد الإمام الرفاعي لأبيه سيدي السيد يحيى المغربي نقيب البصرة من جهة أمه فتقول : يحيى بن آمنة بنت يحيى العقيلي ابن الناصر لدين الله علي ملك الأندلس بن أحمد بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبدالله بن عمر بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر الذي فتح الله المغرب على يديه ابن عبدالله المحض بن الحسن المثنى ابن الإمام السيد الحسن سبط النبي المؤتمن عليه الصلاة والسلام ، ونسب جده لأمه سيدي الشيخ يحيى النجاري الأنصاري من جهة أمه أيضاً تقول : يحيى ابن علوية ويقال عالية بنت الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسين ملك اليمن ومكة ابن القاسم أبي محمد الرسي ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، وللإمام الرفاعي من طريق جده الإمام جعفر الصادق نسب لسيدنا أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإن أم الإمام جعفر هي أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ووالدة أم فروة المذكورة أسماء بنت عبد الرحمن ابن مولانا أبي بكر الصديق عليه الرضوان ولهذا كان الإمام الصادق جعفر رضي الله عنه يقول: ولدني الصِدّيقُ مرتين .
ويتصل نسب سيدنا الإمام الرفاعي أيضاً بالإمامِ الحسن السبط عليه السلام من طريق جده الأعلى علي بن رفاعة الحسن الأصغر المكي نزيل اشبيلية وذلك أن رفاعة الحسن قدس الله سره وروحه هاجر من مكة إلى اشبيلية بالمغرب في فتنة القرامطة قاتلهم الله سنة سبع عشرة وثلاثمائة لإقامة الحجة على العبيديين لأجل ذلك فإنه قيل إن القرمطي فعل ما فعل خدمة للعبيديين وقياماً بأمرهم إرغاماً للعباسيين ، فلما وصل المغرب عظمه ملوكها وأمراؤها وعكف عليه ساداتها وانتفع به المسلمون فأقام ببادية اشبيلية فاراً بدينه مع قبيلة بني شيبان ، ثم تزوج بالشريفة نبها بنت أحمد بن علي بن عبدالله بن عمر بن إدريس الأصغر ابن إدريس الأكبر ملك المغرب الحسني الكبير فأعقب منها علياً جد السيد أحمد الرفاعي السادس وسعداً وعمران وبركات ولكلهم أعقاب مباركة رضي الله عنهم ونفع بهم المسلمين أهـ.
حدثنا شيخنا ولي الله العارف الأكمل الشيخ أبو الفتح ابن أبي الغنايم الواسطي ، ومثله حدثنا شيخنا القدوة الدال على الله شيخ الإسلام الشيخ عبدالسلام القليبي ، ومثله أيضاً حدثنا الشيخ الجليل الفاضل محيي الدين إبراهيم البكري الكازروني قدس الله أسرارهم ونفعنا بهم ، قالوا : تزوج سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في بدايته بولية الله المعمِّرة الصالحة الست خديجة بنت خاله سيدي الشيخ أبي بكر ابن السيد الشيخ يحيى النجار الحسيني رحمهما الله فأعقب الشريفتين السيدتين الطاهرتين فاطمة وزينب ، وتوفيت قدس الله روحها فتزوج بعدها بأختها سيدتي رابعة فأعقب منها العارف الجليل السيد قطب الدين صالح وصغاراً غيره ماتوا كلهم ، طابت أرواحهم ولم يكبروا . ثم إن السيد أحمد رضي الله عنه زوج بنته السيدة فاطمة بولد أخته ابن عمه ولي الله العارف بالله مهذب الدولة السيد علي بن عثمان ، فولدت السيد إبراهيم الأعزب والسيد نجم الدين أحمد الأخضر رضي الله عنهما ، وزوّج بنته الثانية السيدة زينب بابن أخته الثاني الشيخ الجليل القطب الواصل السيد عبدالرحيم ممهد الدولة فولدت له الأقطاب الأكابر السيد شمس الدين محمد والسيد قطب الدين أبا الحسن والسيد عبدالمحسن أبا الحسن علي والسيد عزالدين أحمد الصيّاد والسيد برهان الدين أبا القاسم والسيد عزالدين أحمد عبد الرحمن وبنتين فاطمة ملكة وعائشة وذراريهم منتشرة رضي الله عنهم .
قال الرواة قدس الله أرواحهم : تزوج السيد سيف الدين عثمان بن حسن بن محمد عسلة ابن أبي الفوارس حازم الإشبيلي الجد الرابع للسيد أحمد الرفاعي رضي الله عنهم بالسيدة ست النسب أخت الإمام الرفاعي فأعقب منها السيد علي والسيد عبدالرحيم والسيد عبدالسلام والسيدة ست الكرام ، فذرية السيد علي والسيد عبدالرحيم من بنتي خالهما الإمام السيد أحمد تقدم ذكرهم سوى أن السيد مهذب الدولة علياً المنوَّه بذكره تزوج بعد وفاة بنت خاله بالشريفة نفيسة بنت الشريف محمد القاسمي فأعقب منها السيد عثمان والسيد إسماعيل والسيدات الطاهرات عائشة وفاطمة وزينب وخديجة وكلهم معقبون ، وأما السيد عبدالسلام ابن السيد سيف الدين عثمان فإنه تزوج وأعقب السيدة رقية ولم يعقب غيرها ، وتزوج بها ابن عمها السيد عزالدين أحمد الصياد وله منها السيد عبد الرحيم ، وكل فروع بني رفاعة حسينية واسط العراق ترجع إلى هذه الأصول الكريمة نفع الله بهم المسلمين
أخبرنا شيخنا سلطان العلماء عبدالعزيز أبو محمد الشيخ عزالدين بن عبدالسلام الشافعي قدس الله سره قال : قرأت في كتاب الشيخ الصوفي العارف الصالح المتمسك بالسنة المحمدية بقية السلف السيد الشريف محيي الدين أحمد بن سليمان الحسيني الرفاعي الهمامي قدس الله روحه ومن خطه نقلت هذه الصحيفة ، يقول الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن أحمد الدميري عفا الله عنه : وأنا نقلتها من خط شيخنا شيخ الإسلام عزالدين عبدالعزيز بن عبدالسلام وقرأتها بعد نقلها عليه وهذا نصها : نزل السيد محمد أبوالقاسم الحسيني البغدادي الجد التاسع لسيدنا ومولانا السيد أحمد الرفاعي مع أبيه إلى مكة وتوطَّنَها وأحبه الناس واعتقدوا صلاحه وعظموه لأجل الدين وبجَّلوه حُرْمةً لنسبه المحمدي ، ومن غرائب الإتحاف الإلهي الذي حصل له أنه رأى ليلة جمعة بمكة في منامه أن أبواب السماء فُتحت ونزل من السماء نورٌ غشي الأبصار ثم انكشف رداء النور عن أرض ندية خضرة مفروشة بشقق الديباج وعليها الأسِرَّة وفوق الأسِرَّة رجالٌ تغشاهم من كل جهاتهم الأنوار ومعه ولده المهدي ، وإذا برجلٌ قد جاء فدعاهما فذهبا معه حتى إذا أوقفهما تجاه سرير رفيع عليه ستر مرصع باليواقيت والجواهر ، فانكشف الستر ونزل عن السرير رجل عظيم المهابة جليل الطول وبيده غصن شجرة رفيع فتقدم إليهما وقال : يا أبا القاسم خُذْ هذه الغُرَيسة وأعطها لولدك المهدي واسلك به هذا الطريق إلى الغرب فإذا وصلها فليغرس فيها هذه الشجرة فإذا نمت فليأخذ أشرف أغصانها ويسلمه إلى بعض أولاده وليسلك به هذا الطريق إلى الشرق فإذا انتهى إلى واسط فليغرس الغصن بها وليقلع عن السير فإن هذا الغصن ينجب شجرة تصل فروعها المشرق والمغرب وتصل إلى قبة السماء ، قال أبو القاسم: فكلّمت ولدي المهدي في ذلك فقال ولدي: رفاعة أقوى جلداً مني على السفر فأرسلوه هو، فكلمت الرجل بما قاله المهدي فصعد السرير ثم عاد فقال: نعم فليكن ، رفاعة ابنه الذي يفعل ، فلم ألبث قليلا إلا ورفاعة عندي فأعطيته الغصن ثم قلتُ للرجل : ها نحن قد قمنا لامتثال أمركم فبالله إلا ما أخبرتني من أنت ومن صاحب هذا السرير الذي أتيتنا بالأمر من قِبَلِه ، قال: أنا علي بن أبي طالب وصاحب السرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصليت عليه وحمدت الله وأخذت بيد حفيدي رفاعة وسلكت به طريق الغرب الذي أشار إليه أمير المؤمنين فما كان كطرفة عين إلا ونحن في المغرب فغرس رفاعة الغصن فأنبت شجرةً عظيمة تسلق غصنها من ذروة السماء فقطعه رفاعة ، ثم قمنا فسلكنا طريق الشرق نزج بالنور فما كان غير يسير وإذا نحن بواسط المشرق من العراق فغرس رفاعة الغصن فأنجب شجرةً عظمت حتى مسَّ أغصانها أطلس السماء وانتهت فروعها طولاً حتى بلغت المشرق والمغرب وكأن الشمس أصلها والنجوم أوراقها ، فخشعت لذلك ثم استيقظت متحيِّراً وانصرفتُ إلى بيت الله وأنا في بحرٍ من الفكر فرأيت السيد حمزة بن علي العلوي معبِّر أهل البيت فذكرت له قصة الرؤيا فخشع وبكى ثم قال: تشير رؤياك إلى أن ولد ولدك رفاعة ينزل المغرب ويترك فيها العقب الطاهر ثم ينتقل من بنيه رجلٌ إلى المشرق وينزل واسطاً ويعقب فيها سيداً ينوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجدد شريعته ويُحيي طريقته وتملأ أنوار إرشاده الأكوان ، ويجيء من بنيه رجالٌ من خُلَّصِ أهل البيت كلهم كالنجوم إن لم يكن ذلك الرجل مهدي أهل البيت فهو مثله ، فكتبت رؤياي وتعبيرها في رقعة وحفظتها لتكون إن شاء الله وديعة محمدية علوية لصاحبها . انتهى كلام السيد محمد أبي القاسم ، ولا زالت الرقعة محفوظة يتداولها أهل البيت الشريف حتى ظهر شمس هذه العصابة ولي الله القطب الجامع الأكبر السيد أحمد بن علي الرفاعي الحسيني رضي الله عنه وبلغ من الظهور في مقام إرشاد أمة جده صلى الله عليه وسلم ما بلغ ، حمل هذه الرؤيا أعيان أهل البيت عليه رضي الله عنه وأيد ذلك من البشارات المحمدية شيءٌ كثير ، رواه أمة من الصالحين العارفين ، وكانت وفاة السيد محمد أبي القاسم بمكة سنة خمس وستين ومائتين طيب الله مرقده انتهى. قال الفقير إلى الله جامع هذه الكراسة عبدالعزيز بن أحمد الدميري عفا الله عنه ، قال شيخنا شيخ الإسلام الشيخ عز الدين ابن عبدالسلام قدس الله سرَّه : وأنا ممن يحمل هذه الرؤيا على شيخ مشايخنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فإن الله أقامه إماماً للخليقة وعَلَمَاً للطريقة ونصَّبَه في مقام الهداية والإرشاد نائباً عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم لله دره ما أحسن خلقه وما أكرم شمائله وما أعز سلوك طريقته . كان طريقه الذل لله تعالى والانكسار والحيرة فيه والافتقار إليه والتخلق بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام ، والعمل بما كان عليه هو وأصحابه رضي الله عنهم وهو على طريقة الإمام الجنيد ومشربه ، ولا جرم فهو كأئمة السلف الصالح نفع الله بهم أجمعين فإنهم طريقهم الخشية والخشوع والذلة لله والخضوع وطرح الترهات والمشي على طريق السنة والأخذ بها قولاً وفعلا ، وهذا هو طريق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم هُداة الأمة وأولياء الله تعالى حقاً رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، انتهى . ما ألقاه في مجلسه علينا شيخنا الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدَّس الله تعالى سره أقول:
للأولياءِ مناهِجٌ ومشاربُ
وأعزُّها بابن الرفاعي انطوى
شيخٌ على قَدَمِ النبيِّ سلوكُهُ
ومعارجٌ ومعارفٌ وشؤونُ
فكأنهُ مِضْمارُها المكنونُ
فطريقُهُ عن جدِّهِ مسنونُ
وإمامُ صِدقٍ لو فقهت طريقَهُ
لا زال يُمطِرُ أرضَ أمَّ عبيدةٍ
أدركتَ سِرَّ الشرعِ كيف يكونُ
غيثَ الرِضا وبها تقرُّ عيونُ

أخبرنا شيخنا ومرشدنا العارف بالله الشيخ أبو الفتح الواسطي قدس الله سره وروحه ، أن شيخه إمام القوم سيد عصره الملاذ الأجل السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه قال له يوماً : أي ولدي ، ادفن القامة تحت الإستقامة لتكون مستقيماً ، ومُت عند كلمة الحق لله تعالى ولا تعبأ بهذه الزخارف الدنيوية ، واحذر أن تصد بها عن الله ولا تتعد حدود الله وقف مع الأوامر الإلهية وانصرف عن النواهي وصُم عن الأكوان ، واعلم أني رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان في عالم المثال ، فقال لي: يا ولدي صُم عن الأكوان تُعان وتُصان ، وافنِ عنك لتصير باقياً بالله هذا كلامه صلى الله عليه وسلم ، فاعمل به واتق الله ، إن الله مع المتقين
حدثنا الشريف الجليل عبد الحافظ أبو الفتح بن سرور بن بدر الحسيني المقدسي والواسطي قدس الله سره أن ابن الحصين شحنة واسط أساء بعض بني عم السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فتظلم ذلك المظلوم وشكا ما نابه للسيد أحمد فكتب له بعد البسملة والحمدَلة والصلاة على النبي: أما بعد فنحن آل أبي تراب أجزاء الأفلاذ الفاطمية بل الخلاصة من بقية الأمير والشهيد عليهما السلام ، وإنا لأهل بيت ما أراد سلبنا سالب إلا وسُلِب ، ولا أشار إلى ضربنا ضاربٌ إلا وضُرِب ، ولا طمع للغلبة علينا غالب إلا وغُلِب ، ولا نبح علينا كلبٌ إلا وجُرِب ، ولا تعالى على حائطنا حائط إلا وخَرِب ، فاصبر كما صبر السلف من آبائك الطاهرين إن الله مع الصابرين ، فما مضى أيام حتى أُخذ ابن الحصين إلى بغداد تحت الإستظهار ومحا الله آثاره وظهرت غارة الله . ورأيت بمصر الشريف الكبير القطب ابن القطب سيدي السيد عزالدين أحمد الصياد سبط سيدنا ومولانا الإمام السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فأنشدني لنفسه فسح الله لي وللمسلمين بحياته.
محمدٌ عند الله حيٌّ وإننا
ونحنُ على أعدائنا سمُّ ساعةٍ
بنو بنته آل الرفاعي أحمد
ومن لم يصدق فليجرب ويعتد
ومصداق هذه الكلمات الروحانية والإشارات النورانية ظهر في مُنْكِر بيت الرفاعي الذي كتبنا لإرشاده هذه الكراسة فها هو قبل إتمام النصف منها ذهب إلى جمزور بالغربية فسقط عن دابته واندقت عظامه ومات قبل أن يتكلم ، نسأل الله السلامة والعافية .
والشيءُ بالشيءِ ُيذكَر ، أنشدنا لنفسه شيخنا القدوة العلامة شيخ الإسلام ولي الله الشيخ عبد السلام القليبي قدس الله سره:
إذا الباغي بنى وطغى على من
يرى تحت السنابكَ بطشَ غَيبٍ
له حالٌ مع الرحمن مُضْمَرْ
ويأخذه الحُسامُ ولو تأخرْ
وفي مواعظ سيدنا الإمام السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ونفعنا به: إياك أن يُرْفَع ظُلمك إلى الله على لسان عبدٍ يقول يا الله ولا ينتصر إلا بالله لا حول ولا قوة إلا بالله أ هـ.
حدثنا الشريف أحمد ابن الشريف الحسين السمرقندي الحسيني قدس الله سره في جامع ابن العاص أن والده طاب ثراه قال له وقد جرى ذكر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه: خذ عني هذين البيتين واعمل بسرِّهما فأنا أبوك وخير الناصحين لك وأنشد وهما لنفسه المباركة:
تمسّك بحب ابن الرفاعي خالصاً
تقول تناهت للحسين أصولنا
إذا رُمتَ في الدارين نجحَ المصالحِ
أكل حسينيٍّ كشيخِ البطائحِ
وكان شيخنا وسيدنا قطب العرفان ولي الله الشيخ أبو الفتح ابن أبي الغنائم الواسطي رضي الله عنه إذا أخذه الاصطلام في مجالسه يقوم على كرسيه ويتوجه إلى العراق لجهة أم عبيدة بلدة سيدي ومولاي السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ونفعنا والمسلمين بعلومه ويقول : (إيه ، لاحظ ضِعافك يا صاحبَ الروحِ الفعّالة ، والهِِمّة التي في فجاج المُلْكِ والملكوتِ جوّالة ، إيه ، يا ابن رسولِ الرحمة ، يا إمام الأُمّة ، يا وارث الأئمة ، يا عَلَمَ الزمان ، يا نائب رسول الرحمن ، يا شيخ الإنس والجان ، إيه ، يا ابن فاطمة البتول ، يا مظهر حال الرسول ، يا سيف الله المسلول ، يا أسد البطايح ، يا سلطان كل ولي ، وإمام كل صالح ، إيه ، لاحظ ضعافك يا سيدي ، يا أبا العلمين ، يا صاحب نوبة الإمام الحسين ، إيه ، يا ابن الرفاعي ، يا أحمدَ الأولياء المحمديين ، يا يعسوبَ الصِدّيقين ، عليك السلام) ، ويسقط غائباً عن نفسه مرارا ً، وربما تكلم بكلام في هذا المقام أعظم من هذا ، فافهم وتمسّك بمحبة هذا السيد السند فقد أحيى الله بنوبة إرشاده السُنّة وجدّد به الشريعة وقوّم ببركة صدقه اعوجاج الطريقة ، لا حرمنا الله دوام فياض بركاته آمين . وأنشد سيدنا الشيخ الجليل أبوالفتح مرةً بعد حالٍ طرقه ووجْدٍ اعتراه :
خليليَّ هل يومٌ بأم عبيدةٍ
لأفرِشَ شيبيَ حول أعتابِ حضرةٍ
يعودُ ويحيى باللقا ميّتُ النفسِ
قد اختارها الرحمنُ في عالمِ القُدْسِ
حدثنا بركة العصر الشيخ المعمر الشريف عبد الحافظ الحسيني قدس الله سره أن الشيخ الإمام جمال الدين الخطيبى الحدادي قدس الله روحه أنشده لنفسه في مدح الإمام الرفاعي رضي الله عنه قوله:
لنا بين هاتيك السواري مواقفُ
فننشقُ من حالِ النبيِّ غواليا
إمامُ الهدى القطبُ الحسينيُّ أحمدُ
إذا ما حججنا(6) أرضَ أمَّ عبيدةِ
طواها بربِّ الخارقاتِ الفريدةِ
دليلُ كرامِ القافلاتِ السعيدة
حدثنا الشيخ العارف الصالح المربي الزاهد أبو اسحاق إبراهيم بن معضاد الجعبري بارك الله به ، قال: وقع ثبوت نسب السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأكمل السلام ثلاث مرات ، مرتان قبل مجيئه إلى الدنيا ومرة في عهده، أما المرتان فالأولى عند قدوم السيد عبد الله المغربي ثم المدني ابن السيد حازم الرفاعي الجد الرابع للسيد أحمد الرفاعي إلى المدينة المنورة فإنه أشهد ألف رجل من حجاج المغرب ما بين شريف حسني وحسيني وعالم وصالح كلهم يشهد أمام أمير المدينة أن السيد عبدالله المذكور هو ابن أبي الفوارس علي الحازم بن أحمد بن علي بن رفاعة الحسن الأصغر الحسيني الفاطمي ، وشهد بذلك أيضا أمةٌ من سادات الحجاز العارفين به وببيته وذلك سنة خمس وأربعمائة ، والثانية عند قدوم السيد يحيى المغربي نقيب البصرة جد السيد أحمد الرفاعي لأبيه فقد شهد له الألوف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة خمسين وأربعمائة كلهم يشهد أنه يحيى بن ثابت بن علي الحازم أبي الفوارس ابن أحمد بن علي بن رفاعة الحسن الأصغر الحسيني الفاطمي نزيل إشبيلية بالمغرب المهاجر إليها من مكة المكرمة رضي الله عنه ، وهذا كله قبل مجيء السيد أحمد الرفاعي قدس الله سره وروحه إلى الدنيا ، وأما المرة التي في عهده فإنه لما حج من العراق وقدم إلى المدينة المنورة على ساكنها أجلُّ الصلاة والسلام ومُدَت له يد النبي صلى الله عليه وسلم من قبره الشريف سنة خمس وخمسين وخمسمائة والقصة متواترة مستفيضة فسأل أمير المدينة من بني الحسين عن نسبه الشريف فأمر أحد أتباعه بإخراج وثيقة نسبه المبارك وعليها خطوط ملوك ديار المغرب وقضاتها وساداتها وعلمائها وكتابة أمراء الحجاز وأئمتها وشرفائها ، وشهد على مضمونها ألوف مؤلفة من أعيان المسلمين ، وحرر لذلك رقّين ، رق أُرسِل فعُلِّق في بطن الكعبة المكرمة ، ورق حُفِظ في خزانة آل عبيدالله الحسيني أمراء المدينة نفع الله بهم.
حدثنا الإمام الكبير الشيخ جامع الفضلين الدنوشري ، أنه سمع الإمام الرحلة الحجة القدوة أبا الحسين أحمد بن أحمد بن عبدالله الأنصاري الإشبيلي المغربي عُرف بإبن السراج قدس الله روحه يقول : بنو رفاعة الحسن الأصغر المكي الحسيني الفاطمي نزيل إشبيلية قوم اشتُهر شرفهم وثبت اتصالهم بجدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب وفي المشرق ، وعزْوِهم إلى بطن آخر خَرْقٌ عظيم ، وما ذلك إلا من شوائب الإلحاد والزندقة فإنهم أهل بيت نصروا السُنّة وأهلها ، وخدموا الشريعة والطريقة ، وناهيك منهم بالسيد أحمد الرفاعي صاحب أم عبيدة بواسط العراق رضي الله عنه فإنه من أعيان المجددين لشريعة جده صلى الله عليه وسلم ، وأن هيبة حاله في مغرب بلادنا كهيبة مجلسه في حياته في داره بأم عبيدة في المشرق.

حدثنا العالم الصالح الثبت الثقة الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي الأنصاري المالكي محدث الاسكندرية ونزيلها بارك الله به قال : سمعت سيدي عبد الرحمن القرشي يقول:
سمعت القطب الغوث أبا مدين يقول : شيخنا السيد أحمد الرفاعي سيد الصديقين اليوم وصاحب منصة النيابة الجامعة عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّ ظلّ بركته على داري هذه ، كما أن ظلّ بركته على داره في أم عبيدة ، وهو شيخ كل مسلم على وجه الأرض اليوم ، وإمام طوائف العارفين بالله تعالى وقائد الموفقين.

حدثنا شيخنا العارف الإمام المربي القدوة السيف الصمصام الشيخ أبو الفتح الواسطي رضي الله عنه ، أن الشيخ الإمام محمد بن عبدٍ البصري شيخ العارف الشهاب السهروردي أنشد بشأن السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في حلقته :
قد استوعب الدنيا ونور أرضها
لئن راح محسوداً فلا ضير أنه
وأقطارها شمس النهار أحمد
أبوه عظيمُ القريتين محسد
وقرأت بخط الجعبرية في كتاب ديوان النسب للشريف أبي القاسم ابن أحمد العبيدلي الحسيني مرثية للإمام العلاّمة قاضي القضاة بمصر القاضي الكامل أسعد أنشدها بأم عبيدة يوم وفاة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ، إذ النعش الشريف محمول يمر على الرؤوس قال منها بذكره طيّب الله ساحته الشريفة :
من حسين إليك قومك زهر
ومنها:
دهم المسلمين فيك مصابُ
ومنها:
حسبنا الله لإفتقاد عزيزٍ
قمتَ عنهم فردَّ الورى إجمالا
والليالي بالحادثاتِ حبالى
كان عن جده النبيِّ مثالا
توفي سيدنا ومولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في أم عبيدة من واسط العراق سنة ثمان وسبعين وخمسمائة عن ست وستين سنة ودفن في قبة جده لأمه الشيخ الكبير سيدي يحيى النجاري رضي الله عنه ، ومن أين للزمان أن يخلفه وقد أطبق عظماء العصر وأئمة الوقت وعلماء الزمان الأعيان على تفرُّدِهِ بكل مزيّة جليلة ومَكْرُمة جزيلة ، وأنه سيد أولياء أهل البيت المحمدي وتقيِّهم وحكيمهم في عصره فما بالك بغيرهم ، وقد انتهت إليه أسانيد القوم في أقطار الأرض على الغالب وشبهوا حكمه وبلاغته وعذوبة لسانه بحكم جدِّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبلاغته ، وقد طبقت علومه وأتباعه ومعارفه الأرض وهو شيخ مشايخ المسلمين وعَلَمَ الزاهدين وناصر سنة سيد المرسلين عليه صلوات رب العالمين.
هيهات أن يأتي الزمانُ بمثلِهِ
إنّ الزمانَ بمثله لبخيلُ
بسم الله الرحمن الرحيم


سبحان مَنْ زيّن قلوب أوليائه بأنوار المحبة الساطعة الأنوار، ورفع قدر أصفيائه فَعَلا ذكرُهم في الأقطار، وسقى بشراب التوفيق رياض نفوسهم فهامت طرباً وخلعت العذار(7)، فسبحانه من إلهٍ حجب هممهم عن الركون إلى الدار العاجلة، وشرح صدورهم لإيثار الآجلة، فأصبحت رقابهم خاضعة لجلال عظمته ذاهلة (وربك يخلق ما يشاء ويختار)(8) فلو رأيتهم وقد هبَّت عليهم نسائم الأسحار.
أحمده على أن أظهر في سماء أفكارهم رقائقَ لطائفِهِ، وأنار قلوبَهم بحقائق معارفِهِ، وأطْلَعَ في أفلاك مُصافاتِهم شموسَ الهداية والأسرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ أودع لطائفَ أسرارَه في أهل محاضرته فهجروا لذيذ المنام، وأوقفهم على أقدام الخدمة فقاموا جُنْح الظلام، وعفّروا الخدودَ خوفاً من الصدود وسطوة الجبار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي نوَّر الله وجهَهُ بتجليِّاتِ الجمال فتلألأَ نورا، صاحب لواء الحمد ما بين المصطفَين الأخيار صلى الله عليه وعلى آله الذين رُفِعت لهم أعلام الحقيقة، وتفجّرت من تيّار بحرِ معرفتِهِم عيون أرباب الطريقة، فشمّوا أزهارَ الحبيب من نسمات الأسحار، وأصحابه الفائزين بصحبته المتفضلين بمحبته الجانين من شجر الإيمان أهنأ ثمار، ما اقتطفت أنامل الخواص أزهار الإخلاص من أفنان الاختصاص بالعشي والإبكار.
أما بعد فيقول المفتقر إلى ربه القريب المنجي أبو القاسم ابن السيد ابراهيم البرزنجي: هذه بارقةٌ رحمانية، ولامعةٌ عرفانية، موسومة بـ "إجابة الداعي في بعض مناقب القطب الكامل العارف الشريف سيدنا السيد أحمد الرفاعي" ملتقطاً أزاهيرَها من طبقات الإمام سيدي عبد الوهاب الشعراني، وكتاب العقد المُذَهَّب للإمام أبي حفص عمر بن الملقن الأنصاري وغيرهما، فأقول: هو العارف الأكبر، والكبريت الأحمر، خريدة(9) المعارف، ومرجع كل عارف، قطب دائرة الجمال، مربّي السالكين، وإمام العارفين، كاشف نقاب وحدة الوجود(10)،
سيدنا الشيخ الواصل المحقق، وسندنا الكامل المكمل المدقق، فخر العارفين، قرة عين الواجدين، إنسان عين المحققين، نتيجة مقدمة العاشقين، أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن يحيى ابن ثابت بن حازم بن أحمد بن علي بن رفاعة الرفاعي الحسيني البطائحي المغربي أصلاً الشافعي مذهباً ، قال الفاروثي في "النفحة المسكية" والإمام أحمد بن جلال في "جلاء الصدا" والإمام القدوة إبراهيم الكازروني في "الترياق" وغيرهم : إن رفاعة هذا اسمه الحسن ولقبه رفاعة هاجر من مكة إلى المغرب سنة سبع وعشرة وثلاثمائة وهي السنة التي قتل فيها القرامطة لعنهم الله أمير مكة ابن محارب وأصحابه ، وفعلوا ما فعلوا في بيت الله من الهدم والنهب والقتل، والتحق رفاعة رضي الله عنه بقبيلة من قبائل العرب بالقرب من إشبيلية، وعظّمه ملوكُ المغرب وانقاد إليه أعيانُها، وبقي نسله في المغرب إلى عهد السيد يحيى جد سيدنا السيد أحمد، قال في الترياق: ولهم بقيةٌ في المغرب، وإلى رفاعة هذا ينتمي بطن بني رفاعة هؤلاء.
ورفاعة الحسن المكي هذا ابن المهدي ابن أبي القاسم محمد ابن الحسن بن الحسين أحمد بن موسى الثاني بن ابراهيم المرتضى ابن سيدنا الإمام موسى الكاظم ابن سيدنا الإمام جعفر الصادق ابن سيدنا الإمام محمد الباقر ابن سيدنا الإمام زين العابدين على الأصغر ابن الإمام المظلوم الشهيد السعيد سيدنا الحسين السبط ابن سيدنا ومولانا الإمام الغالب عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، رُزِقَهُ من زوجته الطاهرة سيدة النساء فاطمة بنت سيدنا ونبينا وشفيعنا الرسول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين.
ولنرجع لذكر سيدنا السيد أحمد فنقول: قدم أبوه من بلاد المغرب فسكن البطائح بقرية يقال لها "أم عبيدة" والبطائح قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة، وبها تزوج أبوه بفاطمة بنت الشيخ العارف سيدي يحيى النجار ورُزِقَ منها أولاداً منهم سيدي أحمد المذكور قدس الله سره . ولد رضي الله عنه في محرم سنة خمسمائة واثنا عشر كان منذ ترعرع راضياً لنفسه، مجانباً لأبناء جنسه، ملازماً للذكر، محافظاً للسر، عارفاً بمجاهدة النفس.
وكان رضي الله عنه قد انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق، وشرح أحوال القوم، وكشف مشكلات منازلاتهم، وبه عُرف الأمر بتربية المريدين، وطريق السالكين، وتخرج بصحبته الجمع الكثير، وتلمذ له الجم الغفير، وأثنى عليه العارفون، وقدَّمه السالكون، وهو أحد من قهر أحواله، وملك أسراره.
وكان رضي الله عنه له كلام على لسان أهل الحقائق دالٌّ عليه قوله، وقد سئل عن الرجل المتمكن الصادق فقال: "الرجل المتمكِّن إذا نُصب له سِنان على أعلى جبل شاهق في الأرض، وهبَّت عليه رياح الليالي الثَّمان ما غيَّرت منه شعرة واحدة".
وكان رضي الله عنه يقول: الزُهد أساس الأحوال المَرْضيّة، والمراتب السُنيّة، وهو أول قدم القاصدين إلى الله عزَّ وجل، والمنقطعين إليه والراضين عنه والمتوكلين عليه، فمن لم يحكم أساسه في الزهد لم يصحّ له شيء مما بعده.
وكان رضي الله عنه يقول: الفقراء أشرف الناس لأن الفقر لباس المرسلين، وجلباب الصالحين، وتاج المتقين، وغنيمة العارفين، ومِنَّة المُريدين، ورضا رب العالمين، وكرامة لأهل ولايته الأكياس.
وكان رضي الله عنه يقول: الأُنس بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارة قلبه، وصفا ذهنه، واستوحش من كل ما يشغله عن الله تعالى، فعند ذلك يأنس بربه.
وكان رضي الله عنه يقول: لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات، ولسان التعبُّدِ يدعو إلى دوام الإجتهاد، ولسان المحبة يدعو إلى الذَوَبان والهَيَمان، ولسان المعرفة يدعو إلى الفناء والمحو، ولسان التوحيد يدعو إلى الإثبات والحضور، ومن أعرض عن الأغراض أدباً فهو الحكيم المتأدب.
ضوِّعِ اللهم ضريحَهُ المُقَدَّس بنوافِحِ الصلواتِ الزكيّة
وعَمِّم مقامَه المُنيف بهواطِلِ التسليماتِ الشَذِيّة
وكان رضي الله عنه يقول: مررتُ وأنا صغير بالشيخ العارف بالله سيدي عبد الملك الخرنوبي رضي الله عنه فأوصاني وقال لي: يا أحمد احفظ ما أقول لك، فقلت: نعم، فقال لي: ملتفتٌ لا يصل، ومتسللٌ لا يُفلح، ومن لم يعرف من نفسه النُقصان فكل أوقاته نُقصان. فخرجتُ مِن عنده وجعلت أكررها سَنَة، ثم رجعتُ إليه فقلت: أَوصني، فقال: ما أقبح الجهل بالألِبَّاء، والعِلَّة بالأطِبَّاء، والجفاء بالأحِبَّاء. ثم خرجتُ وجعلتُ أردِّدُها سنة فانتفعتُ بموعظته.

ومن كراماته رضي الله عنه واشتماله - خلَّقَنا اللهُ بأخلاقه - أنّه كان يقول: أكره للفقراء دخول الحمَّام، وأُحِبُّ لجميع أصحابي الجوع والفقر والذُلَّ والسكينة، وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك.
وكان رضي الله عنه يقول: الشفقةُ على الإخوان مما يقرب العبدَ إلى الرحمن.
وكان رضي الله عنه يقول: إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكله ذو كبد فاسألوني الدعاءَ أدعُ لكم، فإني حينئذٍ لي أُسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رضي الله عنه يقول: أخوك الذي يحلُّ لك أَكل مالِهِ بغيرِ إذنه ، هو الذي تسكن نفسك إليه، ويستريح قلبك فيه.
وكان رضي الله عنه إذا رأى على فقيرٍ جُبَّة صوفٍ يقول له: يا ولدي أُنظُر بزيِّ مَن تزينتَ به، وإلى مَن قد انتسبت، قد لبستَ لِباسَ الأنبياء، وتحلَّيت بحِلية الأصفياء، هذا زيُّ العارفين، فاسلُك مسالك المُقَرَّبين، وإلا فانزعه.
وكان ر ضي الله عنه يقول: إذا تعلم أحدكم شيئاً فليعلمه الناس يتم له الخير.
ضوِّعِ اللهم ضريحَهُ المُقَدَّس بنوافِحِ الصلواتِ الزكيّة
وعَمِّم مقامَه المُنيف بهواطِلِ التسليماتِ الشَذِيّة
وكان رضي الله عنه يقول: طريقتنا مبنية على ثلاثة أشياء: لا نسأل، ولا نرُّد، ولا ندَّخِر. وكان رضي الله عنه يقول: الفقير إن غضب لنفسه تعب، وإن سلّم الأمر لمولاه نصره من غير عشيرةٍ ولا أهل.
وكان رضي الله عنه يقول: والله مالي خيرة إلا الوحدة، فيا ليتني لم أعرف أحداً ولم يعرفني. وكان رضي الله عنه يقول: من شرط الفقير أن لا يكون له نظرٌ في عيوب الناس.
وكان رضي الله عنه إذا صعد الكرسي لا يقوم قائماً وإنما يتحدث قاعداً، وكان يسمع حديثه البعيد مثل القريب، حتى أن أهل القرى التي حوالي أم عبيدة كانوا يجلسون على أسطحتهم يسمعون صوته ويعرفون جميع ما يقول حتى الأطرش والأصم. قلت: وهذا يشبه ما وقع لإبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام عند بناء البيت حين قال له ربّه نادِ الخلائق، قال: يا رب وكيف أسمع جميع الخلق؟ قال: يا إبراهيم عليك النداء
وعلينا البلاغ، فنادى إبراهيم عليه السلام بالحج فأجابوه في الاصلاب من سائر الأقطار.
ضوِّعِ اللهم ضريحَهُ المُقَدَّس بنوافِحِ الصلواتِ الزكيّة
وعَمِّم مقامَه المُنيف بهواطِلِ التسليماتِ الشَذِيّة

وكان رضي الله عنه يمشي إلى المجذومين والزمنى ويغسل ثيابهم ويُفَلِّي رؤوسَهم ولِحاهم، ويحمل إليهم الطعام، ويأكل معهم ويجالسهم ويسألهم الدعاء.
وكان يبدأ من لَقِيَهُ بالسلام، وكان إذا سمع بمريضٍ في قرية ولو على بُعد يمشي إليه يعوده ويرجع بعد يوم أو يومين.
وكان رضي الله عنه يخرج إلى الطريق ينتظر العميان حتى إذا جاؤوا يأخذ بأيديهم ويقودهم، وكان إذا رأى شيخاً كبيراً يذهب إلى أهل حارته ويوصِّيهم عليه.
وكان رضي الله عنه لا يُجازي بالسيئة بل يعفو ويصفح.
وكان رضي الله عنه يقول: لا يحصل للعبد صفاء الصدر حتى لا يبقى فيه شيء من الخبث لا لأخٍ ولا لصديق، فهناك تأنس به الوحوش في غياضها، والطيورُ في أوكارِها ولا تنفر منه ويتَّضِح له سِرَّ الحاءِ والميم .
وعند وصوله إلى الروضةِ الشريفة، والمواجهةِ المنيفة، أخذه الحال، فأنشد وقال:
في حالةِ البُعدِ روحي كنتُ أُرسِلُها
وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت
تُقبِّلُ الأرضَ عنّي وهي نائبتي
فأمدُد يمينَك كي تحظى بها شفتي
فمُدَّت يد النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلَها والناس ينظرون، فيا لها من يدٍ عمّت الوجودَ نوراً، وكستهُ مهابةً وحُبوراً، ورفعت لطالبها رايات العز والتمكين، وخضعت لها قادات الكون وقالوا أتينا طائعين.
قال يعقوب خادمه: لما مرِض سيدي أحمد رضي الله عنه مَرَض الموتِ قلت له: تجلى العروس في هذه المرة. قال: نعم. فقلت له: لماذا؟ قال رضي الله عنه: جرت أمورٌ اشتريناها بالأرواح، وذلك أنه أقبل على الخلق بلاءٌ عظيم فتحملته عنهم.
وكان رضي الله عنه يُمرِّغ وجهَهُ وشيبته على الترابِ ويقول: العفو ويبكي ويقول: اللهم اجعلني سقفَ البلاءِ على هؤلاء الخلق
وكان مرضه بالبطن ، وسبب ذلك أنه سمع قائلاً ينشد هذه الأبيات فاضطرب وانزعج وهاجت بطنه- رضي الله عنه – وهي:

إذا جَنَّ ليلي هام قلبي بذكركم
وفوقي سحابٌ يُمطرُ الهمَّ والأسى
سلوا أم عمروٍ كيف بات أسيرُها
فلا هو مقتولٌ ففي القتلِ راحةٌ
أنوحُ كما ناح الحمامُ المطوَّقُ
وتحتي بحارٌ بالجفا تتدفقُ
تُحَلُّ الأساري دونه وهو مُوّثَّقُ
ولا هو ممنونٌ عليه فيُعتَقُ
ومكث بالمرضِ شهراً، وكان يخرج منه كل يومٍ ما شاء الله فقيل له: من أين يخرج هذا ولك عشرون يوماً لا تأكل شيئاً ولا تشرب؟ فقال رضي الله عنه: هذا اللحم يندفعُ ويخرج، ولكن قد ذهب اللحمُ وما بقي إلا المخ اليوم يخرج، فخرج منه شيءٌ أبيض مرّتين أو ثلاثاً وانقطع، وكانت وفاته دامت بركاته يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة خمسمائة وثمانية وسبعين عن ست وستين وكان يوماً مشهوداً وكان آخر كلامه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
وكان رضي الله عنه لا يتكلم إلا يسيراً ويقول: أُمرت بالسكوت، ولم يتصدر في مجلسٍ قط ، ولا جلس على سجادة ولا وسادة، بل خالف مألوفه، وخالف سهاده، وتذكر عهدَ ألستُ بربكم فحنّ ، وتفكّر في حاله فأنّ ، ولسان حاله يقول:
سرى نسيم الصَّبا من حاجرٍ فصبا
ذو صبوةٍ لم يشم برق الشآم ولا
ما يبرحُ البارقُ النجدي يذكِّرُهُ
يَوَدُّ لو أنّ أيامَ الحِمى رجعت
وبات يشكو إلى أنفاسه الوصَبا
دعا ابن ورقاءَ إلا صاح واحَرَبا
نجداً ويُطربه وجداً إذا التهبا
وكيف يرجعُ عيشٌ بعد ما ذهبا
وحيث انتهى ما أردناه، وتم ما تهمَّمنا به وقصدناه فلنرفع أكُفَّ الابتهال فنقول: اللهم أقِل بفضلك عثارنا، واجبر انكسارنا، واهدِ حيرتنا، وفرِّج غُمَّتنا، واقبل اعتذارَنا ، وامحُ أوزارَنا ، وتقبَّل أعمالنا ، وأصلِح أحوالَنا وعِمّ جمعَنا هذا برحمة منك ورضوان، وهَبْ مُقصِّرَنا لعامِلِنا يا ذا الجود والإحسان، وأصلِح اللهم رُعاتنا ورعايانا، وألِّف ذات بيننا، ووفِّق الكلَّ لما يُرضيك عنّا وأرخِص اللهم أسعارَنا. اللهم عامِلنا بالفضل وأصلِح مِنَّا ما ظهر وما بطن، وأطفئ عنّا نيران الفِتن، وأهلِك الكفرة أعداءك وأعداءنا وآمِنّا في أوطاننا، واشمل برحمتك من غاب أو حضر، وكُن مُعيناً لمن تسبب في جمع هذا المحضَر، إكراماً لمن نحن في جيرته، ومن اجتمعنا ههنا لحضرته، وصلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ذوي المعارف الإلهية والآيات البيِّنات، ما تُلِيَت مناقبُ الكُمَّلِ الأعلام، وفاز راكبٌ جوادُ المبدأ بحُسن الختام، سبحان ربك رب العِزَّةِ عمّا يصِفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين
 
 
 
 
 
 
 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar