«
بكى الشخص : دمعت عيناه حزناً .
بكى
الفقيد : رثاه »([1])
.
وردت
هذه اللفظة في القرآن الكريم ( 7 ) مرات بصيغ مختلفة ، منها قوله تعالى : ] وَيَخِرّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكونَ وَيَزيدُهُمْ
خُشوعاً
[([2]) .
يقول
: « البكاء : هو عرق القلب خجلاً من الذنب .
[
وهو ] : انعصار الكبد لهجوم الكمد .
[
وهو ] : ترشح الحدق لتمكن الحرق .
[
وهو ] : جريان الروح إذا ذابت ، لهيمان القلوب إذا غابت .
[
وهو ] : عبرات تتبرج من فؤاد يتوهج »([3])
.
يقول
: « البكاء : إرسال المدامع لسبق المقدور وعدم تبدله »([4])
.
يقول الشيخ محمد بن عبد الجبار النفري :
«
البكاء : كله يتعلق بمعنى يثيره ، وذلك المعنى ينتهي إلى قصد هو مبلغ البكاء ، وفي المبلغ فرح مستكن فيه
، فالباكي يبكي ما دام ذلك الفرح في علمه دون وجده ، فإذا حصل ذلك الفرح في وجده ،
أمسك عن البكاء »([5])
.
يقول الشيخ الحسن البصري
:
«
أبكاني وأحزنني سبعة أحكام قضاها الرب في الغيب ثم أخفاها عن الخلق فأنا ابكي لذلك
: كلمتان وقبضتان وخطتان ودعوتان ووقفتان ونظرتان وبشارتان .
كلمتان
: لما قال للذر الست بربكم ؟ قالت طائفة : بلى ، وقالت طائفة : لا . ولست ادري في
أي الطائفتين كنت .
والقبضتان
: حين قبض الله من صلب آدم … قبضة … وقال : هؤلاء في الجنة … وقبض أخرى … وقال : هؤلاء
في النار … فلا ادري من أي القبضتين كنت .
والخطتان
: حين أمر الله القلم أن يخط في اللوح المحفوظ سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء …
فلا ادري من أي الخطتين كنت .
والدعوتان
: حين ينادي في يوم القيامة أين فلان … العاصي … وأين فلان … المطيع للرحمن ؟ فلا
أدري في أي الدعوتين أُدعى .
والوقفتان
: حين يوقف طائفة داخل الحجب …وطائفة على رؤوس الأشهاد ، فلا أدري في أي الوقفتين
أقف .
والنظرتان
: حين يوضع للعبد في كفتي الميزان عمله … فلا أدري أي كفتي ترجح على الأخرى .
والبشارتان
…لا أدري هل أكون ممن يقال لهم … ] وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّة [([6]) ، أو ممن يقال لهم … ] لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [([7]) »([8])
.
يقول
الشيخ القاسم السياري :
« البكاء على وجوه :
بكاء الجهال على ما جهلوا .
وبكاء العلماء على ما قصروا .
وبكاء الصالحين مخافة الفوت .
وبكاء الأئمة مخافة السبق .
وبكاء الفرسان من أرباب القلوب
للهيبة والخشية وتواتر الأنوار .
ولا بكاء للموحدين »([9])
.
يقول الإمام علي بن أبي طالب
:
«
البكاء ثلاثة : إحداها من خوف الله ، ومن هرب الخطيئة ، ومن خشية القطيعة .
فأما
الأول : فهو كفارة الذنوب .
والثاني
: فهو طهارة العيوب .
والثالث
: فهو الولاية مع رضاء المحبوب .
فثمرة
كفارة الذنوب النجاة من العقوبات .
وثمرة
طهارة العيوب النعيم المقيم والدرجة العليا .
وثمرة
الولاية مع رضاء المحبوب الرؤية والزيادة »([10])
.
ويقول الشيخ أبو سعيد الخراز :
«
البكاء من الله ، وإلى الله ، وعلى الله .
فالبكاء من الله : لطول تعذيبه بالحنين عنه إذا
ذكر طول المدة إلى لقائه ، والبكاء من خوف الانقطاع ، والبكاء من الفرق لما تواعده
من المكافئة لمن قصّر ، والبكاء من الفزع
إذا قام الإشفاق من الحادثات التي تحرم الوصول إليه .
والبكاء
إليه : وهو أن يتكلف سره الهيجان إليه ، والبكاء من طيران الأرواح بالحنين إليه ،
والبكاء من وله العقل إليه ، والبكاء من التأوه ، والبكاء من الوقوف بين يديه ،
والبكاء برقة الشكوى إليه ، والبكاء بالتمرغ على بساط الذل طلب الزلفى لديه ،
والبكاء عند المنافسة إذا توهم انه بُطِّيء به عنه ، والبكاء خوفاً أن ينقطع
الطريق فلا يصل إليه ، والبكاء خوفاً أن لا يصلح للقائه ، والبكاء من الحياء منه
بأي عين ينظر إليه .
ثم
البكاء عليه : إذا بُطِّيء به عنه في بعض الأوقات مما عوده ، والبكاء من الفرح في
نفس وصوله إليه إذا اكتنفه ببره ، كالصبي الرضيع يرتضع ثدي أمه وهو يبكي »([11])
.
ويقول الشيخ ابن عطاء الأدمي :
« بكى يعقوب وتأسف لفقد الألفة ،
وذاك أنه لما لقي يوسف زاد في البكاء .
فقال له : يا أبت أتبكي عند الفراق
وعند التلاقي ؟ !
قال : ذاك بكاء حرقة الفراق ، وهذا
بكاء الدهش »([12])
.
ويقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني
:
«
ابك له ، وابك منه ، وابك عليه »([13])
.
ويقول الشيخ عمر السهروردي :
«
بكاء الوجدان غير بكاء الفرح ، وحدوث ذلك في بعض
مواطن حق اليقين ، ومن حق اليقين في الدنيا إلمامات يسيرة . فيوجد البكاء في بعض
مواطنه لوجود تغاير وتباين بين المحدث والقديم ، فيكون البكاء رشحاً هو من وصف
الحدثان لوهج سطوة عظمة الرحمن »([14]) .
ويقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي :
«
قال العلماء : البكاء على عشرة أنواع :
بكاء
فرح ، وبكاء حزن ، وبكاء رحمة ، وبكاء خوف مما يحصل ، وبكاء كذب ... وبكاء موافقة
... وبكاء المحبة والشوق ، وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله ، وبكاء الجور
والضعف ، وبكاء النفاق وهو أن تدمع العين والقلب قاس »([15])
.
يقول الشيخ أحمد بن أبي الحواري :
«
أفضل البكاء : بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة ، أو بكاء على
ما سبق له من المخالفة »([16])
.
ويقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني
:
«
قلت [ له تعالى ] : أي بكاء افضل عندك ؟
قال
[ تعالى ] : بكاء الضاحكين »([17])
.
يقول التابعي كعب الأحبار :
«
لأن أبكي خشية الله تعالى
حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إليّ من أن أتصدق بوزني ذهباً . والذي نفس كعب بيده
ما من عبد مسلم يبكي من خشية الله ، حتى تقطر قطرة من دموعه على الأرض فتمسه النار
أبداً ، حتى يعود قطر السماء الذي وقع على الأرض من حيث جاء ، ولن يعود أبداً »([18])
.
يقول التابعي عبد الواحد بن زيد :
«
يا إخوتاه : ألا تبكون شوقاً إلى اللهU ، ألا إنه من بكى شوقاً إلى
سيده لم يحرمه النظر إليه ، يا إخوتاه : ألا تبكون خوفاً من النار ، ألا إنه من
بكى خوفاً من النار أعاذه الله منها »([19])
.
ويقول الشيخ فرقد السبخي :
«
قرأت في بعض الكتب ، أن الباكي على الجنة لتشفع له الجنة إلى ربها فتقول :
يارب أدخله الجنة كما بكى علّي ، وإن النار تستجير له من ربها فتقول : يا رب أجره
من النار كما استجار مني وبكى خوفاً على دخولي »([20])
.
يقول الإمام القشيري :
«
بكاء كل واحد على حسب حاله :
فالتائب
يبكي لخوفه عقوبته لما أسلفه من زلته وحوبته .
والمطيع
يبكي لتقصيره في طاعته .
وقوم
يبكون لاستبهام عاقبتهم وسابقتهم عليهم .
وآخرون
بكاؤهم بلا سبب متعين .
وآخرون
يبكون تحسراً على ما يفوتهم من الحق .
والبكاء
عند الأكابر معلول ، وهو في الجملة يدل على ضعف حال الرجل »([21])
.
« البكاء : هو عبادة محضة وسعادة كبرى ونجاة عظمى . قال
الله تعالى : ] وَيَخِرّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكونَ [([22]) ... واعلم أن البكاء من خشية الله من أدل الأدلة على الخوف من الله تعالى والميل إلى الآخرة . والجالب للبكاء شيئان : الخوف من الله تعالى ، والندم على ما سلف من التفريط والتقصير . وأعظم سببه المحبة »([23]) .
[1]
- المعجم العربي الأساسي – ص 170 .
[2]
- الإسراء : 109 .
[3]
- د . قاسم السامرائي - أربع رسائل في التصوف لأبي القاسم القشيري - ص 62 .
[4]
- الشيخ ابن عربي – ذخائر الأعلاق – ص 44 .
[5]
- الشيخ محمد النفري – كتاب النطق والصمت – ص 37 .
[6]
- فصلت : 30 .
[7]
- الفرقان : 22 .
[8]
- الشيخ أبو طالب المكي – علم القلوب – ص94-95
[9]
- الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي – حقائق التفسير – ص 745 .
[10]
– الشيخ أحمد بن حجر المكي – مخطوطة المنبهات في الاستعداد ليوم الميعاد – ص 90
.
[11]
- الشيخ السراج الطوسي – اللمع في التصوف – ص 229 .
[12]
- الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي – حقائق التفسير – ص 591 .
[13]
- الشيخ محمد بن يحيى التادفي – قلائد الجواهر – ص 71 .
[14]
- الشيخ عمر السهروردي – عوارف المعارف ( ملحق بكتاب إحياء علوم الدين للغزالي -
ج5 ) ص 117 .
[16]
- الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي – طبقات الصوفية
– ص 100 .
[17]
- الشيخ عبد القادر الكيلاني - الفيوضات الربانية – ص 11 .
[18]
- مجدي السيد – الخوف من الله – ص 35 .
[19]
- مجدي السيد – الخوف من الله – ص 39 .
[20]
- المصدر نفسه – ص 37
[21]
– الإمام القشيري – تفسير لطائف الاشارات – ج 4 ص 46 .
[22]
- الإسراء : 109 .
[23]
- الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي – جامع الأصول في الأولياء – ج 2 ص 259 .
Tidak ada komentar:
Posting Komentar