يقول الشيخ نجم الدين الكبرى :
«
الحكمة في افتتاح الله بالباء عشرة معان :
أحدها
: أن في الألف ترفعاً وتكبراً وتطاولاً ، وفي الباء انكساراً وتواضعاً وتساقطاً
...
وثانيها
: أن الباء مخصوصة بالإلصاق بخلاف أكثر الحروف خصوصاً الألف من حروف القطع .
وثالثها
: أن الباء مكسورة أبداً ، فلما كانت فيها كسرة وانكسار في الصورة والمعنى وجدت
شرف العندية من الله تعالى ...
ورابعها
: أن في الباء تساقطاً وتكسراً في الظاهر ، ولكن رفعة درجة وعلو همة في الحقيقة ،
وهي من صفات الصديقين ، وفي الألف ضدها . أما رفعة درجتها : فبأنها أعطيت نقطة
وليست للألف هذه الدرجة . وأما علو الهمة : فإنه لما عرضت عليها النقط ما قبلت إلا
واحدة ليكون حالها كحال محب لا يقبل إلا محبوباً واحداً .
وخامسها
: أن في الباء صدقاً في طلب قربة الحق ، لأنها لما وجدت درجة حصول النقطة وضعتها
تحت قدمها وما تفاخرت بها ، ولا يناقضه الجيم والياء ، لأن نقطهما في وضع الحروف
ليست تحتهما بل في وسطهما ، وإنما موضع النقط تحتهما عند اتصالهما بحرف آخر لئلا
يشتبها بالخاء والتاء بخلاف الباء ، فإن نقطتها موضوعة تحتها سواء كانت مفردة أو
متصلة بحرف آخر .
وسادسها
: أن الألف حرف علة بخلاف الباء .
وسابعها
: أن الباء حرف تام متبوع في المعنى ، وإن كان تابعاً صورة من حيث أن موضعه بعد
الألف في وضع الحروف : وذلك لأن الألف في لفظ الباء يتبعه بخلاف لفظ الألف ، فإن
الباء لا يتبعه والمتبوع في المعنى أقوى .
وثامنها
: أن الباء حرف عامل ومتصرف في غيره ، فظهر لها من هذا الوجه قدر وقدرة ، فصلحت
للابتداء بخلاف الألف فإنه ليس بعامل .
وتاسعها
: أن الباء حرف كامل في صفات نفسه : بأنه للإلصاق ، والاستعانة ، والإضافة ، مكمل
لغيره : بأن يخفض الاسم التابع له ويجعله مكسوراً متصفاً بصفات
نفسه ، وله علو وقدرة في تكميل الغير بالتوحيد والإرشاد ، كما أشار إليه سيدنا علي بقوله : ( أنا النقطة تحت الباء ) . فالباء له مرتبة الإرشاد ، والدلالة على التوحيد .
نفسه ، وله علو وقدرة في تكميل الغير بالتوحيد والإرشاد ، كما أشار إليه سيدنا علي بقوله : ( أنا النقطة تحت الباء ) . فالباء له مرتبة الإرشاد ، والدلالة على التوحيد .
وعاشرها
: أن الباء حرف شفوي تنفتح الشفة به ما لا تنفتح بغيره من الحروف الشفوية ، ولذلك
كان أول انفتاح فم الذرة الإنسانية في عهد : ] أَلَسْتُ بِرَبِّكُم [([1]) بالباء في جواب بلى . فلما
كان الباء أول حرف نطق به الإنسان وفتح به فمه وكان مخصوصاً بهذه المعاني : اقتضت
الحكمة الإلهية اختياره من سائر الحروف ، فاختارها ، ورفع قدرها ، وأظهر برهانها ،
وجعلها مفتاح كتابه ومبدأ كلامه وخطابه تعالى وتقدس »([2])
.
«
جعل الحق حرف الباء أول القرآن في كل سورة ، لأن أول ما بينك وبين ذاته سبحانه
ظلمة وجودك ، فإذا فنى ولم يبق إلا هو كانت أسماؤه وصفاته التي هي منه حجاب عليك
فتلك جميعها نورانية ، ألا ترى أن بسم الله الرحمن الرحيم كلها حروف »([3]) .
يقول الشيخ أبن علوية المستغانمي :
«
عندما عرفت الباء منـزلتها عند الألف قامت بما وجب عليها تعريفاً وتكليفاً ، فمن
التعريف : التصاقها ببقية الحروف ، لأنها من جنسها ، بخلاف الألف ، فإنه لا يتصل
بالحروف إذا كان في أولها ، إنما الانتهاء
اليه : ] وإن إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [([4]) . وإن خصصت الباء بمعاني
كثيرة فثمرة جميع معانيها راجعة لمعرفة الألف فنقول : هي سبب أو باب للدخول على
الألف »([5])
.
يقول الإمام القشيري :
«
الباء مكسورة
في نفسها ... ونَقْطها الذي تتميز به عن غيرها واحد ، وهو نهاية القلة ، ثم موضع هذه النقطة أسفل الحرف ، فهي تشير
إلى التواضع والخضوع بكل وجه …
ويقال : الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات
بما يختصهم الحق – سبحانه – بذلك من دون الخلق ، فهم على بيان مما يخفى على الخلق
، فالغيب لهم كشف ، والخبر لهم عيان ، وما للناس علم فلهم وجود » ([6])
.
[1]
- الأعراف : 172 .
[2]
- الشيخ إسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 1 ص 7 .
[3]
- الشيخ عبد الكريم الجيلي – الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم – ص12 .
[4]
- النجم : 42 .
[5]
- الشيخ أحمد بن علوية المستغانمي – الأنموذج الفريد المشير لخالص التوحيد – ص 28
.
[6]
- الإمام القشيري – تفسير لطائف الإشارات – ج 1 ص 516 – 517 .
Tidak ada komentar:
Posting Komentar