يقول الشيخ السراج الطوسي :
« الفناء والبقاء اسمان وهما نعتان
لعبد موحد يتعرض الارتقاء في توحيده من درجة العموم إلى درجة الخصوص ، ومعنى
الفناء والبقاء في أوائله : فناء الجهل ببقاء العلم ، وفناء المعصية ببقاء الطاعة
، وفناء الغفلة ببقاء الذكر ، وفناء رؤيا حركات العبد لبقاء رؤيا عناية الله تعالى
في سابق العلم »([1])
.
ويقول الإمام القشيري :
« أشار القوم بالفناء : إلى سقوط الأوصاف المذمومة ، وأشاروا بالبقاء إلى
قيام الأوصاف المحمودة به . وإذا كان العبد لا يخلو عن أحد هذين القسمين ، فمن
المعلوم أنه إذالم يكن أحد القسمين كان القسم الآخر لا محالة . فمن فنى عن أوصافه
المذمومة ظهرت عليه الصفات المحمودة ، ومن غلبت عليه الخصال المذمومة استترت عنه
الصفات المحمودة »([2])
ويقول الشيخ ولي الله الدهلوي :
«
الفناء والبقاء .. المغلوبية والغلبة . فإذا غلب على الإنسان شيء من تلك اللطائف ،
وصار مغلوباً لها وظهر عليه أحكامها قالوا : فنى الرجل في كذا ، وبقى في كذا »([3])
.
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
«
البقاء عند بعض الطائفة : بقاء الطاعات ، كما كان الفناء : فناء المعاصي عند صاحب
هذا القول ، وعند بعضهم : البقاء بقاء رؤية العبد قيام الله على كل شيء ، وهذا قول
من قال في الفناء : إنه فناء رؤية العبد فعله بقيام الله تعالى على ذلك ، وعند
بعضهم : البقاء بقاء بالحق ، وهو قول من قال في الفناء : إنه فناء عن الخلق .
اعلم
أن نسبة البقاء عندنا أشرف في هذا الطريق من نسبة الفناء ، لأن الفناء عن الأدني
في المنـزلة أبداً عند الفاني ، والبقاء بالأعلى في المنـزلة أبداً عند الباقي ...
ففي نسبة البقاء شهود حق ، وفي نسبة الفناء شهود خلق ...
إن
البقاء نسبة لا تزول ولا تحول ، حكمه ثابت حقاً وخلقاً ، وهو نعت إلهي كياني لا
مدخل له في حضرة الحق ، وكل نعت ينسب إلى الجانبين فهو أتم وأعلى من النعت المخصوص
بالجانب الكوني ، إلا العبودة فإن نسبتها إلى الكون أتم وأعلى من نسبة الربوبية
والسيادة إليه .
فإن
قلت : فالفناء راجع إلى العبودة ولازم قلنا : لا يصح أن يكون كالعبودة ، فإن
العبودة نعت ثابت لا يرتفع عن الكون ، والفناء قد يفنيه عن عبودته وعن نفسه ،
فحكمه يخالف حكم العبودة ، وكل أمر يخرج الشيء عن أصله يحجبه عن حقيقته ، فليس
بذلك الشرف عند الطائفة ، فإنه أعطاك الأمر على خلاف ما هو به فألحقك بالجاهلين .
والبقاء
حال العبد الثابت الذي لا يزول ، فإنه من المحال عدم عينه الثابتة ، كما أنه من
المحال اتصاف عينه بأنه عين الوجود ، بل الوجود نعته بعد أن لم تكن ... فنحن عنده
وهو عندنا ...والبقاء نعت الوجود من حيث جوهره ، والفناء نعت العرض من حيث ذاته ،
بل نعت سائر المقولات ما عدا الجوهر »([4])
.
ويقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
« وقوف العبد في مقام البقاء أفضل ، لأن الله
تعالى ما أبقى العبد إلا ليفيض عليه من رحمته ونعمته ويشعر العبد بذلك فيحمده
ويشكره ، ولا هكذا مقام الفناء ، فإنه أشبه شيء بالعدم . وليس اختيار العبد إذا
بقي لغير ما أبرزه الله في الوجود اعتراض حقيقة
، إنما ذلك في حال غفلته عن الحق ، وشهود نسبة ذلك للأمر البارز إلى الخلق
حين يرى الملوك والأمراء تعزل وتولي ، فيسهو العبد مع الأمر الظاهر فيعترض ، ولو
أنه شهد الفاعل الحقيقي لما اعترض ، بل كان يكفِّر من اعترض »([5])
.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar