«
البلاء : الاختبار ، يكون بالخير والشر ، والله
تعالى يبتلي العبد بلاء حسناً ويبليه بلاء سيئاً »([1])
وردت
هذه اللفظة في القرآن الكريم (38) مرة على اختلاف مشتقاتها ، منها قوله تعالى : ] وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنينَ مِنْهُ بَلاءً
حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ [([2]) .
عن
سعد بن أبي وقاص ، قال : سئل النبي : أي الناس أشد بلاء ؟
فقال
: ] الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
ثم يبتلي الناس على قدر دينهم فمن ثخن دينه ، ومن ضعف دينه ضعف بلاءه [ ([3])
.
يقول الدكتور حسن شرقاوي :
« يعبر لغوياً عن البلاء والابتلاء بمعنى :
الاختبار والامتحان([4])
، ويكون إما بالخير أو بالشر ، والنعمة والنقمة ، ويرى الصوفية أن الابتلاء
هو امتحان واختبار من الله تعالى لعبده الصادق ليتعرف تعالى على مدى صدقه وإخلاصه
في محبته له .
والابتلاء
بهذا المعنى في قوله تعالى : ] إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ
الْجَنَّةِ
[([5])
، وكذلك
قوله تعالى : ] وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدورِكُمْ
وَلِيُمَحِّصَ ما في قُلوبِكُمْ [([6])
، كما
أن الابتلاء بمعنى البلاء الحسن ، أي : النصر من عند الله تعالى ، فالله يختبر
عبده المخلص ليظهر كيف يكون حاله بعد البلاء ، وذلك في قوله تعالى : ] وَلِيُبْلِيَ الْمؤْمِنينَ مِنْهُ بَلاءً
حَسَناً[ ([7]) ، وكما في قوله تعالى : ] هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنونَ وَزُلْزِلوا زِلْزالاً شَديداً [([8]) ، وهذا البلاء يعني أيضاً اختبار الله تعالى للمؤمنين ، حتى يظهر صدقهم وإخلاصهم وتوكلهم على الله في كل الأمور ، كما جاء في الآية الكريمة ] وَفي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظيمٌ [([9]) .
حَسَناً[ ([7]) ، وكما في قوله تعالى : ] هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنونَ وَزُلْزِلوا زِلْزالاً شَديداً [([8]) ، وهذا البلاء يعني أيضاً اختبار الله تعالى للمؤمنين ، حتى يظهر صدقهم وإخلاصهم وتوكلهم على الله في كل الأمور ، كما جاء في الآية الكريمة ] وَفي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظيمٌ [([9]) .
أما
الابتلاء بمعنى النعمة والمنّة الإلهية والعطايا الربانية فإنما هي مذكورة في
الآية الكريمة في قوله تعالى : ] خَلَقْنا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ
نَبْتَليهِ فَجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيراً
[([10])
وقوله
عز من قائل : ] فَأَمّا الإنسان إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ
فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقولُ رَبّي أَكْرَمَنِ [([11]) .
فالابتلاء
هو نوع من التجارب التي يمر بها السالك إلى الله ، سواء كان خيراً أو شراً ، نعمة
أو نقمة ، يمتحن بها الله عباده ، وينعم عليهم ، وإن أكثر الخلق وأعظمهم ابتلاء هم
الأنبياء . وإن الرسول محمد أكثر الأنبياء بلاء من الله ، وتأييداً لذلك
قولـه : ] نحن معاشر الأنبياء أشد
الناس بلاء [([12])
.
ويجوز
أن يكون البلاء من الله مالاً يغدق على أحدهم ، كما يجوز أن يكون نقصاً في المال
والولد ، أو جوعاً وخوفاً وحرماناً ، وذلك كما في الآية الكريمة : ] وَنَبْلوكُمْ بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنا تُرْجَعونَ [([13])
، فإذا
ابتلي الإنسان بالشر ولم يكن صابراً مجاهداً راضياً ، اعترض على ابتلاء الله وخرج
عن طريق الطاعة والإخلاص فسقط وانتكس وأصبح من الخائبين ، فلو صبر على ما ابتلاه
الله به ورضي بما قسم له لأنعم الله عليه بنعمة من عنده ورحمة ورضوان ، ووصل إلى
منتهى غاية السالكين .
وكذلك
يبتلي الله بعض الزهاد والعباد والنساك بالخير الوفير ليعلم مدى إخلاصهم ، وهل
يزدهم من الله إيماناً وورعاً وصدقاً ؟ أم إنهم سيفتنون بهذه الخيرات الزائلة
فيقعون في حبائل الشيطان ويكفروا بالله ويبتعدوا عن طريق الحق ؟
والمعروف
أن الزهد بالمعنى الصوفي هو أن يكون عندك المال والجاه ، وتزهد فيه ، وليس الزهد
أن لا يكون عندك فتزهد ، لأن الزهد في حقيقته هو غنى النفس عن متاع الدنيا وإقبال
على الله في احتياج وفقر دائم .
فالابتلاء
زهد مع الغنى بهذا المعنى ، لأنه لو زاد المال أو نقص فإن الزاهد لا يهتم بزيادته
أو نقصانه ، وإنما جل اهتمامه بالله تعالى ، بالحاجة إليه على الدوام ، وبالاحتياج
إليه على الاستمرار ، فالمريد الصادق يحذر في الابتلاء من الاعتراض على الله أو
الرضا عن نفسه خوفاً في الوقوع في الضلالات والانتكاس
، لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى يجرب عباده المخلصين منهم وغير المخلصين ،
والصابرين وغير الصابرين ، والمجاهدين وغير المجاهدين ، تأييداً لقوله تعالى : ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدينَ مِنْكُمْ والصّابِرينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبارَكُم [([14])
ويرى
الإمام عبد القادر الكيلاني : إنه
لولا الابتلاء والاختبار لادعى الولاية خلق كثير ولذلك قال بعضهم : وُكِّل البلاء
بالولاية كي لا تدعى ، وأن علامة الصحة في الولاية ، الصبر على الأذى ، والتجاوز
عن إذى الخلق ، فالأولياء يتعامون عما يرون من الخلق ، فلا يضحك في وجه الفاسق إلا
العارف بالله ولا يتحمل إذاه ولا يقدر عليه إلا الأولياء »([15]) .
يقول : « بلية
العبد : تعليل القلب عن الله تعالى ، فتحدث الغفلة في القلب »([16])
.
يقول
: « البلاء : هو سراج العارفين ، ويقظة المريدين ، وهلاك الغافلين »([18]) .
يقول : « البلاء : هو التقليب في أحواله وشواهده ، وشواهد التحقيق إلى أن يفنى من التقلب في
صفاته فيستريح . فمن تقلب في شواهد التحقيق ، فهو في بلاء حتى يتقلب
بالحق ، فالحق إذ ذاك يتولاه بنفسه ، فيسقط عنه البلاء ورؤيته . فإن من صحب الأحوال فهو قدره ، ومن صحب الحق فهو حقه »([20]) .
بالحق ، فالحق إذ ذاك يتولاه بنفسه ، فيسقط عنه البلاء ورؤيته . فإن من صحب الأحوال فهو قدره ، ومن صحب الحق فهو حقه »([20]) .
يقول
: « البلاء : هو سمة الولاء ، فمن تم بلاؤه صح ولاؤه .
[
وهو ] : عطية لأهل الخطية .
[
وهو ] : تحفة من الحق ، وزلفة لأهل الصدق .
[
وهو ] : مطية الأحباب ، وعطية المصاب .
[
وهو ] : تأديب للاغيار ، وتقريب للأخيار »([21])
.
يقول
: « البلاء : هو ريحان أرواح العارفين »([22])
.
الابتلاء : هو التكليف ([23])
.
يقول : « البلاء : هو سوط من سياط
الله ، يسوق به عباده إليه ، لتصفيتهم عن صفات نفوسهم ، وإظهار ما فيهم من
الكمالات ، وانقطاعهم عنده من الخلق ، ومن النفس إلى الحق ، ولهذا كان متوكلاً
بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل »([24])
.
يقول
: « البلاء : هو تأديب من الله تعالى »([25])
.
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
«
الابتلاء أصله الدعوى ، فمن لا دعوى له لا ابتلاء يتوجه عليه ، ولهذا ما كلفنا
الله حتى قال لنا : ] أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [([26]) ، فقلنا : ] بَلى [([27]) ، فأقررنا بربوبيته علينا .
وإقرارنا بربوبيته علينا عين إقرارنا بعبوديتنا له ، والعبودية بذاتها تطلب طاعة
السيد ، فلما ادعينا ذلك حينئذ ، كلفنا ليبتلي صدقنا فيما ادعيناه »([28])
.
[1]
- ابن منظور – لسان العرب – ص 264 .
[2]
- الأنفال : 17 .
[3]
- صحيح ابن حبان ج 7 ص 183 .
[4]
- معجم ألفاظ القرآن الكريم – ( التراث للجميع ) المجمع اللغوي – ج1 ص 125 .
[5]
- القلم : 17 .
[6]
- آل عمران : 104 .
[7]
- الأنفال : 17 .
[8]
- الأحزاب : 11 .
[9]
- البقرة : 49 .
[10]
- الإنسان : 2 .
[11]
- الفجر : 15 – 16 .
[12]
- الأحاديث المختارة ج: 3 ص: 252 .
[13]-
الأنبياء : 35 .
[14]
- محمد : 31 .
[15]
- د . حسن الشرقاوي – معجم ألفاظ الصوفية – ص 19 – 21 .
[16]
- الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي – جامع الأصول في الأولياء – ج 2 ص 84 .
[17]
- الشيخ سهل بن عبد الله التستري – تفسير القرآن العظيم – ص 110 0
[18]
- الشيخ أبو النجيب السهروردي – مخطوطة آداب المريدين – ص 60 .
[19]
- الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي – حقائق التفسير – ص 1166 .
[20]
- المصدر نفسه – ص 1165 .
[21]
- د . قاسم السامرائي - أربع رسائل في التصوف لأبي القاسم القشيري - ص 66 .
[22]
– الشيخ علي بن يوسف الشطنوفي – مخطوطة بهجة الأسرار ومعدن الأنوار - ص 136 .
[23]
- الإمام فخر الدين الرازي – التفسير الكبير – ج 2 ص 439 ( بتصرف ) .
[24]
- الشيخ ابن عربي – تفسير القرآن الكريم – ج1 ص 229 .
[26]
- الأعراف : 172 .
[27]
- الأعراف : 172 .
[28]
- الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – ج 3 ص 284 – 285 .
Tidak ada komentar:
Posting Komentar